कविता और चिंतन
شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة
शैलियों
هي لغة الأرض.
هنالك يزدهر الروح حولنا نحن البشر. وحين تأتي هذه الساعة تصبح شريعة المحبين هي شريعة السلام:
أما الشرائع التي تصدق على المحبين
وتحقق التوازن الجميل،
فستصدق على كل الكائنات
من الأرض إلى أعلى السماوات.
تلك هي مملكة الله التي تراود خيال الشاعر. مملكة ستديرها شريعة الحرية والحب والوفاء التي يخضع لها الخالدون، وستأتي في المستقبل عندما ينجلي ليل المحنة، وينتبه البشر إلى الإله الكامن فيهم، وفي كل ما يحيا من حولهم، ويتعلمون لغة الحب والحوار، وينتظرون المنقذ الذي سيحررهم في ثقة وصبر واطمئنان «ففي أوقات الخطر تتجلى سبل النجاة». وقد عبر هلدرلين عن هذه المملكة المقبلة بشعر صادر عن القلب، كما عبر عنها صديقاه بالتأمل المجرد أو بالرؤيا والحدس. وآمن ثلاثتهم بأن مملكة الحب والحق والعدل لن تهبط من السماء، بل لا بد أن تنبع من إرادة الفرد، ولا بد أن يبنيها الرجال بالعرق والجهد.
تفرق الأصدقاء الثلاثة كما رأينا، وآثر الشاعر أن يسير وحده ويتبع نجمه. لم يكن السبب في هذه الفرقة أن هلدرلين كان بطبعه ملولا خجولا، لا يكاد يستقر في مكان أو يطمئن لإنسان، وأن الكآبة والغرب والوحدة كانت جراحا غائرة في قلبه تستعصي على كل دواء، بل إن السبب الحقيقي يرجع قبل كل شيء إلى موقفه من الفلسفة. لقد أقبل على دراستها في صبر وعناد، وراودته - كما ذكرنا - في فترة من فترات حياته فكرة تعليمها في جامعة «يينا». ومن حسن حظ الشعر أن الجامعة أغلقت أبوابها في وجهه. وجرب نفسه في كتابة بعض المقالات والتعقيبات الفلسفية فلم يكن لها صدى في نفسه، ولا في نفوس الناس. واكتشف في نهاية الأمر - كما اعترف بذلك في شهر يناير سنة 1799م في سياق كلامه عن «صنعة الشعر العذبة» - أن الفلسفة قد أضنته إلى حد اليأس، ووصفها بأنها نوع من السخرة، وأن الحياة معها أشبه بحياة الجنود في المعسكرات. كان كلما انصرف إليها شهق قلبه حنينا إلى «عمله الحبيب»، كما يحن الرعاة السويسريون أثناء فترة تجنيدهم إلى المراعي والسهول والقطعان. وكان يسأل نفسه على الدوام: لماذا تحرمه الفلسفة من الطمأنينة والسلام؟ ولماذا يكون كالطفل المسالم الطيب عندما يفرغ لإلهامه العذب، وينصرف إلى الشعر وهو أكثر الأعمال براءة؟
لا عجب إذن أن يعلن سخطه على «طغيان» الفلسفة، ويتمرد على قيودها، ويضيق بلغتها، ويهرب بنفسه وموهبته من حيلها وفنونها وأفكارها المجردة.
ولعل المسئول عن هذا السخط هو فشته (1762-1844م) الذي كان «روح مدينة يينا»، وزعيم الفلسفة في ذلك الحين. قدمه صديقه «مانويل نيتهامر» إلى بعض رجال الفكر الذين يشغلون المدينة بأخبارهم. ويحدثنا هذا الصديق في مذكراته عن اجتماع ثلاثة منهم في إحدى أمسيات الصيف في بيته. وكان هؤلاء الثلاثة هم فشته وهلدرلين ونوفاليس الشاعر الرومانتيكي الرقيق الحزين، الذي كان في ذلك الحين في الثالثة والعشرين من عمره. ولسنا ندري ماذا تم في هذا اللقاء، ولكن إشارة واحدة من نيتهامر عن النصيحة التي وجهها إليه صديقه هلدرلين بأن يحمي نفسه من الأفكار المجردة يمكن أن تلقي شيئا من الضوء على رأي شاعرنا في الفلسفة والفلاسفة.
अज्ञात पृष्ठ