211

कविता और चिंतन

شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة

शैलियों

إلى أين يسير العالم؟

حقا، ما أخطره من سؤال.

وما أعظم وأنبل الجواب الذي يقدمه الأبطال.

والشهداء على أرضنا وفي كل مكان يشهد اليوم ...

مأساة التطور العقلي المذهل والتخلف الخلقي البشع في آن واحد. (1970م)

خواطر عن مصر

- كل شيء هنا رتيب، النهر، الصحراء، الشريط الضيق من الأرض الخضراء بين النهر والصحراء، الآثار والرسوم المنقوشة والنحت البارز عليها. دائما أبدا نفس الشيء، نفس الخطوط البسيطة الجلية، تتكرر على الدوام بلا كلل أو ملل على النقيض من اللون الأجرد والصخب الأجوف الذي يغرق هذا العالم الجديد، العالم الذي تحول كل شيء فيه إلى لافتة ختمتها التقنية (التكنيك) بخاتمها.

دائما وأبدا نفس الشيء علامة الروح الصوفي الأصيل. - السكون مدرسة التصوف؛ إذ لا وجد بغير سكون. - الخطر الذي يتهددني أن تحول انطباعات الحياة - التي تتلاحق بسرعة مذهلة وتصل إلى حد التسطح - دون الوصول إلى بعض المناطق الباطنية الغائرة في أعماقي أو التمكن من ملامستها، أي إلى العجز عن بلوغ التغيرات الحقة.

ومع ذلك فلعل كل شيء قد جعل من أجل هذه التغيرات الأولية، ولعل الإنسان الذي يعجز عن تحقيقها لا يعجزه الحفاظ على ما وصل إليه فحسب، بل يتدهور شيئا فشيئا في هاوية التفاهة والابتذال. - من عايش الطبيعة فترة كافية وجربها تجربة عميقة، فلا بد أن يتحد كيانه بكيانها. إن كانت طبيعة عارية أصبح هو نفسه عاريا، وإن كانت عظيمة أخذ عنها العظمة، وإن كانت نقية استمد منها النقاء. - كيف لإنسان أن يجد الصحراء موحشة؟ وكيف يتسنى لمثله أن يحس أدنى إحساس بالروح المصري الأصيل أو يلمسه أو يراه؟ - صوفية العري، لماذا؟ لأن العري انفتاح، والانفتاح في صميمه انفتاح على «الآخر». - ما إن يصبك الشعور ب «الأولى» الأصيل، حتى تحس أنك غير محتاج لشيء. من هنا تأتي المتاعب العصبية التي تعانيها الأنا المغلقة على ذاتها، فإذا أحسست بالعري زالت عنك كل هذه المتاعب. - لأن النور في هذا البلد باهر، ولأن ضوء النهار فيه ساطع، فإن ظلام الليل وثقله - ككل شيء فيه - عظيم. هنا لا يزال فضاء النجوم واقعيا. - ليس من قبيل المصادفة أن نكون ورثة الروح الهللينية والديكارتية، فنحن اليوم بكل ما لدينا من المفاهيم الحديثة والمسطحة والأبنية العقلانية عاجزون عن الاقتراب من الروح المصري القديم، نحن لم نعد نعرف شيئا عن ذلك المركز الباطن الذي انبثقت منه كل هذه الأعمال والآثار، وكانت ذات يوم تفيض واقعية وحياة. - كلما ازداد السر ازداد الكتمان، وكلما ازداد الكتمان ازداد الفهم. غير أن المصريين القدماء لم يتكتموا فحسب أكثر مما نتكتم اليوم، وإنما فعلوا ذلك على نحو آخر مختلف تمام الاختلاف، لهذا فنحن عاجزون كل العجز عن الرجوع إليها، بل إننا لا نريد ذلك على الإطلاق.

ومع هذا فإن اللقاء المباشر مع آثار حضارة ما زالت تشع حتى اليوم بالنقاء والقوة بما لا يقاس بأي شيء آخر صنعته يد الإنسان، وتجربة الشعور بأن هذا كله قد تحقق يوما على هذه الأرض، وكان واقعا حيا، كل هذا يستطيع أن يحرر شيئا كامنا في أعماقنا، وينفخ فيه اللهب والنار. - من التناقض البين أن نحاول الاقتراب من حقيقة الروح المصرية القديمة، أو نحاول فهمها عن طريق الدراسات المصرية والأثرية بمعناها الدقيق، ذلك أن اللوجوس (العقل، المنطق، المعنى) هو الشيء الذي لم يعرفه المصريون ، لقد كان غريبا عنهم غربة النحت المرن الطيع (البلاستيك) الذي يحيط بالجسد البشري. هنا أيضا نجد الخلط الذي فيه المحدثون بين الوصف والتفسير. - اللوجوس - كما عبر أحد الكتاب - هو التقدم الهائل الذي حققه الإغريق، وسبقوا فيه المصريين لا أحد يجادل في هذه الحقيقة، لكن السؤال الوحيد الذي يجدر بنا أن نطرحه هو: إلى أين وصل هذا التقدم؟ ومن أين انطلق؟ - الملمح الآخر الذي يميز كل ما هو مصري، وترمز له الخطوة التي تتحرك في اتجاه واحد كما تدل عليه الحركة المهيبة الهادئة بوجه عام شيء غريب على الإغريق. - هوميروس وهيزيود - على الرغم مما نحس في شعرهما من كثافة وقوة وعمق - لن نجد لديهما الروح الدينية الجادة حقا. الملاحظة التي يبديها هيرودوت - فيما كتبه في تاريخه عن مصر - من أن المصريين كانوا أشد الناس ورعا وأكثرهم تقوى (الباب الثاني، 37) وهربه في نفس الوقت من المشكلات الدينية الحقة (الباب الثاني، 65). - من هذه الناحية يكون نيتشه محقا فيما زعمه عن أفلاطون من أنه «كان بغريزته عدوا للروح الإغريقية»، وأن المصريين هم الذين «أفسدوه»، فلا شك أن هناك نوعا من «عدم الوحدة» يسري في جميع أعمال أفلاطون، فنحن نجد لديه الطابع الصوفي والديني القوي من ناحية، كما نجد لديه من ناحية أخرى نزعة قوية إلى الأفكار والمفاهيم المجردة، وميلا واضحا إلى الاستمتاع بها، هذه الوحدة المفتقدة تتغلغل في تفاصيل محاوراته، بل إنها لتميز هذه المحاورات في مجموعها، ويمكن أن نقول أنها تسربت من أفلاطون إلى الفلسفة الغربية بوجه عام. - هؤلاء السائحون المتعجلون، بأعصابهم الثائرة وكاميراتهم الفضولية، يتوهمون أنهم عرفوا سر ذلك العالم القديم، وسر العالم على وجه الإطلاق بمجرد سماعهم بعض الأخبار السخيفة المبتذلة، وإضافة بعض تعليقاتهم الفكهة إليها. لقد فقدوا القدرة على الإحساس بما ينطوي في أصغر قطعة من آثار ذلك الفن ، وبالبعد السحيق الذي جاء منه. - قاعة المومياوات في المتحف المصري بالقاهرة، يستطيع أي إنسان اليوم أن يتطلع إلى هؤلاء الملوك «وجها لوجه». يستطيع أن يرى شارة رمسيس الثاني المهيبة التي حرك بها يده، وهو على فراش الموت، ولن يكلفه هذا سوى خمسة وعشرين قرشا فوق تذكرة الدخول، وهو مبلغ إضافي يتخوف أغلب الزوار من التورط فيه، وبهذا يجد الأموات على أقل تقدير ما يحميهم من التطفل والفضول. - «قديما كان العالم يزخر بالأسرار» فهل خلا منها اليوم؟ ولكن ليس السبب في هذا أننا قد تمكنا من اكتشاف «السر»، بل إننا استبعدناه من عالمنا وشوهنا نظرتنا بالتفسير المزعوم للطبيعة، وأفسدنا إحساسنا به، حتى ضمر وأوشك أن يتلاشى. - قديما على سبيل المثال كان المكان الذي تغرب فيه الشمس لا يزال سرا - ولا بد من التفرقة بين سر من الأسرار وبين السر - وكان انتقالها مرة أخرى من الغرب إلى الشرق لغزا يحير القدماء. «وما من أحد يعرف الطرق التي تأتي عليها أو تذهب منها» (نشيد الشمس لإخناتون)، يظن اليوم بعض الناس أن العالم لم يعد سرا بعد المعلومات الفلكية والفزيائية التي توصلنا إليها. قديما كان منبع النيل لا يزال سرا من الأسرار، وكذلك كان فيضان النيل في فصل الصيف، وهو أشد فصول السنة حرارة وجفافا، أما اليوم - كما يتصور بعض الناس أيضا - فلم يعد هذا سرا بعد ما حصلناه من معارف جغرافية وجيوفزيائية (عن طبيعة الأرض). - من ذا الذي يجادل في أن الروح اليونانية هي أصل الروح الأوروبية ومبدؤها؟ ولكن من ذا الذي لا يساوره الشك اليوم في الروح الأوروبية؟ (بشرط ألا ننظر لهذا المفهوم بمعناه الجغرافي، ولا بمعناه السياسي، بل بمعناه الواسع الذي يضم الروح الأمريكية في بعض مظاهرها كما يضم كل ما تحدده التقنية الحديثة وتختمه بطابعها) - بدأت «النزعة الإنسانية» مع بداية الروح الإغريقية الخالصة، أي إنها لم تبدأ مثلا مع سقراط وأفلاطون أو مع السفسطائيين.

अज्ञात पृष्ठ