مقدمة
1 - الموال الأحمر ووهج الثورة المحبط
2 - هذه الأنتيكات الأدبية الشعرية الجنائزية
3 - طبيب المبالي والأوجاع
4 - الرديء والخسيس والندل وقليل الأصل
5 - البين وعياله ونكائده
6 - الجمال وجماهير الشغيلة
7 - ياما بكيت عليك يا صديق كما بكى الأعمى على الطريق
8 - شعر المراثي والبكائيات الجنائزية
9 - أغاني التخمير الصوفية والمخاواة
10 - موال العشق الخصيب الأخضر
11 - أمراض الحب والعشق
12 - البالادا وأمراض العشق
13 - التمثيل بالشخصيات التاريخية والأسطورية
14 - البنية القرابية وممارسات وأغاني الزواج والإنجاب
15 - التابو وظواهر العرس العربي المختلط
16 - نصوص أغاني الزواج وفض البكارة والإنجاب
مقدمة
1 - الموال الأحمر ووهج الثورة المحبط
2 - هذه الأنتيكات الأدبية الشعرية الجنائزية
3 - طبيب المبالي والأوجاع
4 - الرديء والخسيس والندل وقليل الأصل
5 - البين وعياله ونكائده
6 - الجمال وجماهير الشغيلة
7 - ياما بكيت عليك يا صديق كما بكى الأعمى على الطريق
8 - شعر المراثي والبكائيات الجنائزية
9 - أغاني التخمير الصوفية والمخاواة
10 - موال العشق الخصيب الأخضر
11 - أمراض الحب والعشق
12 - البالادا وأمراض العشق
13 - التمثيل بالشخصيات التاريخية والأسطورية
14 - البنية القرابية وممارسات وأغاني الزواج والإنجاب
15 - التابو وظواهر العرس العربي المختلط
16 - نصوص أغاني الزواج وفض البكارة والإنجاب
الشعر الشعبي الفولكلوري
الشعر الشعبي الفولكلوري
دراسة ونماذج
تأليف
شوقي عبد الحكيم
مقدمة
الإيقاع وطقوس الانتقال من المهد إلى اللحد في هذه الأشعار
الأشعار المتنوعة التي يضمها هذا الكتاب، والتي يمكن أن تغطي مراحل الإنسان «من المهد إلى اللحد» كما يقولون؛ حاولت جاهدا أن أفسح في المحل الأول إمكانية نشرها، وبأكبر قدر من المحايدة وعدم التدخل في صياغتها، ومن منطلق اعتبارها فنونا أو إبداعات قولية دون عزلة عن خلفياتها التاريخية، وبنيتها الاقتصادية الاجتماعية التي تتبدى في تقاليد ومعتقدات قائليها وتواصلها وانعكاسها في الإبداعات الشعرية، وأخصها هنا الموال بشقيه: الأحمر المعبر عن آلام وضغوط ومواجع الواقع اليومي لقائليه، ثم نقيضه الأخضر الذي يتناول جانبها البهيج - الدنيوي - المحب المنشرح.
ودون عزلة بالطبع عن الإيقاع الموسيقي داخل الشعر الشعبي، الذي فيه تتبدى خصائص عينية، ما بين جماهير الموال - وبخاصة الأحمر - والأشعار أو المنظومات الدينية، وبين أغاني الزواج واحتفالاته، وإيقاعات البكائيات الجنائزية وما يتبعها من ميلوديات قرع الدفوف، والرقص الجماعي الجنائزي، وكذا إيقاعات العمل، حين «كان الإنسان يهون جهده وتعبه، مستثيرا حميته وجهده بإيقاع الحركة الجسدية باللحن واللفظ»، كما يذكر يوري سوكولوف.
فيلاحظ أن معظم هذه القطع الشعرية، ما بين موال وأهازيج أطفال وندب أو منظومات دينية شعائرية، جميعها بلا استثناء لها وظائف إيقاعية موسيقية، تستلزم حركة إيقاعية وراقصة، جسدية فردية كانت أم جماعية، كما تستلزم آلات موسيقية مصاحبة، ما بين الأرغول - أو الغاب - العميق الرخيم الذي قد يفوق طوله المترين، ويتكون من أكثر من مزمار مفرد، وله صوت عميق باص وباريتون.
وكان هذا الأرغول المهيب، بطبقة صوته ضاربة الحزن والأسى العميق، أكثر الأدوات أو الآلات الموسيقية انتشارا في الموالد والمقاهي والأسواق ومشارب الشاي، وهو عادة ما يصاحب الموال الأحمر، أو إنشاد الملاحم، والبالاد أو البليانات المأساوية لقصص العشق الشعرية التي سنتعرض لها مطولا، مثل: يوسف وزليخة، وعزيزة ويونس، وشفيقة ومتولي، وحسن ونعيمة، وهي البالادات التي نخصها بنشر نصوصها المحققة والدراسة في كتابنا المرفق.
1
أما الدفوف فكثيرا ما تصاحب الأرغول، لكنها تستخدم كأدوات موسيقية مفردة أو مجتمعة في مصاحبة الإنشاد الديني، وبخاصة أكثر مع القول المصاحب - الندب - للمراسم الجنائزية وجنازات النساء، وتبعا لحالات الوفاة والافتقاد، ما بين أب أو أم أو شاب لم يتزوج.
وكما هو معروف تشارك أكثر من أداة موسيقية، من طبول ورق وصاجات وتصفيق أغاني الأفراح، والبالادا الغنائية التي يرجح البعض أنها وضعت أصلا لتصاحب الرقص، مثلها مثل «البالاتا
Ballata » الموجودة في جنوب أوروبا، والتي تعود بأصولها إلى ما قبل ألفي عام، أي منذ العصر الروماني، ولها أشكالها المختلفة لدى معظم شعوب غرب البحر الأبيض المتوسط.
فبالاتا الندابات الكورسيكيات وال
Coronach
الغالية تعتبر من أهم جذور الشعر الملحمي كله، كما يذكر كراب.
ولعل كل هذا لا يبعد بنا عن موضوعنا هذا الماثل، وهو الإيقاع وما يتضمنه من ألحان وميلوديات غنائية، مصاحبة لنماذج هذه الأشعار والأغاني الشعبية والفولكلورية في أدنى أنواعها وأغراضها، سواء كانت إيقاعات حزينة فردية ديكورية مصاحبة للموال الأحمر، أو هذه الشكايات الأدبية الشعرية الأقرب إلى المراثي الذاتية، والتي يرجح حقا اشتقاقها من المراثي الجنائزية.
مع ملاحظة أن هذه المواويل الدامية الشاكية ليست وقفا على الرجال، بل إن للنساء الباع الأكثر طولا، كما يتضح من الأمثلة:
حلمت بالليل يجعله خير وسلامة
بأني غريب الديار والنفس منهانة
بكرة الغريب - يا عين - يروح دياره
وكلمة الندل مضرورة ومشتالة •••
يجازيك يا دي الردي يجازيك
ياللي بتبحت في جدانا
بعد الجميل ما كان رامي الرماميل
خليته جفانا
والإيقاعات المصاحبة عادة لمثل هذه المراثي والشكايات والتوجعات الذاتية الفردية، أقرب إلى أن تكون ساكنة بطيئة متكررة بحسب البحور والتفاعيل الشعرية.
وفي النص التالي الذي يطلب فيه الشاكي المعلول من طبيبه أن يستنهض همته ويأتيه معالجا، وهو «جاعد» أو جالس مستسلما في النهاية لمعضلة قدرية موجزها أن دبيبا أو برصا سطا على طعامه وسممه، ويا للغرابة والمعضلة! حيث إن بسة أو قطة، العدو الأزلي للزواحف من حيات وأبراص، كان موجودا وجالسا بدوره! والمغزى هنا هو نفاذ المقدر والمكتوب، الذي لا مانع له، والذي ترجع بذوره إلى مطلع برديات الدولة القديمة، وعصر بناة الأهرام:
ما فيكش همة يا طبيب تداويني وانا جاعد
أمانة يا طبيب تداويني من دواك حبة
دا الدود يا طبيب نقط ع الفراش حبة
ومثل سمعناه من اللي قبلنا قالوه
دبيب سطا في الطعام كان بسنا جاعد
فمثل هذه الإيقاعات الخامدة تصل إلى نقيضها في حالات أغاني الأفراح والمناسبات، والأغاني الجماعية النسائية في حالات حمل النساء للمياه من الترع والموارد إلى الدور، وأغاني جمع القطن والحصاد وتنقية الدودة، والخبيز وطحن الرحى، وزفات العرائس والمطاهرين، وأخذ الوش، والاحتفاء بعودة الحجاج ب «الحنين»، بالموقعات الشعرية الأقرب إلى أن تكون ذات صبغة شعائرية أو دينية، تعرف ب «الحنين» أو «التحنين»، وهو تقليد موجود بكثرة عند أكثر مجتمعاتنا العربية، ويصل بها إلى حد التوحد التراثي العربي.
كذلك يمكن تسجيل ظاهرة الأغاني الطقسية والموسمية، المرتبطة بالاحتفالات الشعائرية الطوطمية لأضرحة الشيوخ والأولياء، من جانب كلا النساء والفتيات، والذكور من الشباب.
وفي حالة الذكور تضاف أغاني العراسات، وأغاني الرمي أو التلقيح التي تفيض بالأقوال الفاحشة.
أما أغاني الحرفيين والطبقات الوسطى الصغيرة؛ من خبازين وبنائين ومبيضي النحاس وحلاقين وحدادين، فيبدو أنها ازدهرت بدءا من الفاطميين، متوالية الإكثار في العصر التركي المملوكي. وكان يحتفل بها في ليلة رؤية الهلال أول رمضان فيما يعرف ب «احتفالات الرؤية».
فالملاحظ هو أن الأنغام والإيقاعات التي عادة ما تصاحب الأغنية الشعبية الفولكلورية، تحفظ لها انتشارا أسرع وأسهل من ذلك الذي تحظى به الحكايات، بل إن الحدود الوطنية والقومية واللغوية لا تشكل حواجز تستعصي على العبور، بالنسبة لكلا الشعر والإيقاع أو الميلوديات الموسيقية.
وعادة ما يكون أسلوب الأغنية الفولكلورية أميل إلى البساطة، وأقرب إلى أسلوب المربعات الشائع بكثرة في نصوصنا هذه.
ولدينا شواهد على أن السخرية في هذه الأغاني باقتحامها للتابوات والضغوط السياسية كانت عنيفة مما دعا السلطات إلى وقفها ومنعها، وفرض الغرامات على من يغنونها، أو وضعهم في السجن، بل سنورد أمثالا لمثل هذه الأغاني، ومنها أغاني الجندية والسجن، ومأثوراتها متعددة، خاصة في سوريا وفلسطين.
وتعتبر أغنية النساجين السليزيين، التي قيلت عام 1849، مثالا لهذا الفن، وإن كانت تعتبر كذلك نقطة الافتراق بين الأغاني الفولكلورية والأغاني السياسية، كما اعتبرها البعض من الفولكلوريين.
فهذه المواويل والأغاني جميعا تضرب بجذورها البعيدة في أعماق التاريخ، مما يجعل التصدي لها في كتاب كهذا الكتاب يقصر بالضرورة عن الدقة العلمية الواجبة، ويكفي أن نقول إن التأليف الفردي لا الجماعي أمر مؤكد في هذه الأغاني والأشعار العربية ونظيرتها أغاني الفروسية والملاحم المعروفة في الغرب ب «البيوريتان».
يمكن القول بأن الأغاني الدينية تستوي مع الأغاني السياسية في أنها تزدهر فحسب في فترات الحماس الروحي، كفترة حركة الفرنسيسكان في إيطاليا أثناء القرن الثالث عشر، وحركة البروتستانت في ألمانيا أثناء حرب الثلاثين في الغرب، وكذا الثورة العرابية في مصر، ومعاصرتها المهدية في السودان، ورشيد عالي الكيلاني في العراق.
وبالنسبة لحركة البروتستانت نجد أن جميع مؤلفي أغانيها الدينية معروفون لنا - كما يذكر كراب - وكذلك الشأن فيما يتصل بالظروف التي أنشأت كل قصيدة مفردة منها. ولم يحل ذلك كله دون أن تصبح هذه الأغاني الدينية أغاني فولكلورية أصيلة، وبعض هذه الأغاني الدينية أعمال كبيرة من الناحية الفنية الخالصة.
ولقد ينبغي أن نضيف إلى ما سبق أن القليل النادر من الأغاني الدينية والجنائزية يستطيع أن يزهو بألحانه المبتكرة غير المسبوقة.
وخير مثال هنا بالنسبة للأغاني والإيقاعات الجنائزية ما صاحب جنازة الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر، وما صاحبها من خلق فوري جماهيري أو شعبي من مئات بل آلاف القطع الشعرية الجنائزية من عديد وندب، نذكر منها:
ابكي ابكي يا عروبة
على اللي بناكي طوبة طوبة
فكان من أثر الإسراع في وضع هذه الأغاني وانتشارها في بيئة لا تقيم وزنا لكلمة الابتداع أو الأصالة؛ أن استخدم مؤلفو الألحان الدينية ما كان يصادفهم من ألحان الأغاني الشعبية وأغاني الشارع.
ولقد تنطبق هذه الحقيقة سواء بسواء على ألحان الفرنسيسكان في العصور الوسطى بإيطاليا، وألحان المتطهرين في فترة الانبعاث الديني بالقرن الثامن عشر.
ويمكن القول بأن مؤلف الأغنية الفولكلورية فرد، بمعنى أن الذي وضعها أول أمرها كان فردا واحدا، أديبا مغمورا في بعض الأحيان، أو رجلا من العامة ظل اسمه مغمورا يطويه الغموض.
وقد يرجع تأليفها إلى الارتجال، لكن ذلك ليس شرطا دائما. ثم إن الأغنية الفولكلورية جماعية، أي إن نصها لا يثبت دائما، بل تطرأ عليه تحويرات وتعديلات وإضافات، عبر هجراتها وتواترها زمانا ومكانا.
ثم إنها جماعية من حيث إن بعض أنواعها، ومنها أغاني الرمي والهجاء الانتقادية، يضعها مؤلفون متعددون، يضيف كل منهم مقطعا أو أكثر.
2
وفي الإمكان هنا الربط بين الإيقاع والميلوديات والغنائيات المصاحبة للشعر الفولكلوري بعامة، وما ينتظم تحته من تفريعات كما أوضحنا، ما بين أغاني أطوار العمر المتعاقبة «من المهد إلى اللحد»، بدءا بأغاني وأهازيج أشهر الحمل التسعة، والولادة، والطهور، ومراسم الزواج، ثم الانتهاء باللحد عند مراسم الموت والجنازة.
أقول: في الإمكان الربط بين الإيقاعات والغنائيات المصاحبة لأطوار العمر، وبين ما يعرف عند رائد علم الفولكلور الفرنسي «فان جنب» بطقوس العبور أو شعائر الانتقال، أي الانتقال من طور - سواء أكان زمانيا أو مكانيا - إلى ما يعقبه، وهي الطقوس التي تصاحب وتواكب الانتقال والتحول من حالة إلى أخرى، أو ما يناقضها، أو من عالم إلى ما يخالفه كونيا كان أو اجتماعيا.
كان يحدث هذا الانتقال أو التحول من العزوبية إلى الزواج، ومن الحياة إلى الموت، ومن أحد فصول السنة إلى نقيضه، وكذا - بالطبع - من قمة السلطة والعز إلى هاوية الفاقة والامتهان. ويحفل الفولكلور العربي هنا بآلاف النماذج، سواء فيما يتصل بهذه الأشعار، خاصة جانبها الدامي الميلودرامي - الموال الأحمر - أو القصص والملاحم، منها: أيوب، وزوجته ناعسة، وبلاؤه، والملك معروف، والملك الأسد، وعبيد الغالبة، حين زالت عنهم الدنيا والنعمة والجاه، فتهاووا من قمة السلطة إلى حضيض الفاقة والعوز والإهانة.
3
موجز هذه الشعائر الانتقالية عند «فان جنب» يتركز في ثلاثة أنماط رئيسية، هي طقوس الانفصال
Rites de Sepanition ، وهي تعني انفصال الميت عما يحيطه من أحياء، وما يتبع هذا من مراسم جنائزية، وهو ما يخالف طبعا شعائر التجمع
Rites des Agregation ، التي مجالها احتفالات الزواج، والتي تتضمن بالضرورة وتبعا للتقسيم الثالث ما يعرف بالطقوس الهامشية
Rites des Marge ، أي حالات الإخصاب والحمل والولادة، وما يصاحبها من تفاصيل انتقالية فعلا إلا أنها ليست جوهرية، كالتعميد والطهور.
وهي على وجه الدقة المراحل الانتقالية الرئيسية التي فيها وعبرها تنشط أشعارنا وأغانينا هذه، سواء صاحبت الميلاد أو الزواج أو الموت، وجميعها هنا، كما يشير ذلك العالم فان جنب غزير الإنتاج، الذي اعتبر الفولكلور منذ حوالي نصف قرن علما بيولوجيا، طالما أن موضوعاته واهتماماته هي دراسة الكائن البيولوجي الحي.
جميع هذه الشعائر الانتقالية تستلزم بدورها العبور لطقوس أو شعائر حماية، سواء انطوت المراسم الجنائزية وإيقاع بكائياتها على طقوس انتقال الاتشاح بالسواد وإطلاق الأصوات النسائية الجماعية طلبا للحماية، وخوفا من هجوم روح الميت عليهم، أي الأحياء أو المشيعين، فمن وظائف طقوس العبور الجنائزية هنا استرضاء الميت، وإقامة جسور الاتصال بين عالمي الأحياء والموتى ترضية لروح الميت من جهة، وحماية وطمأنة للأحياء من ذويه، وتتمثل أكثر في الفولكلور المسيحي في قرع الأجراس والترانيم الدينية.
وقد لاحظ باخ
Bach
على وجه العموم أن هناك اعتقادا بأن القوى والشرور تزداد خطورة بصفة خاصة في فترات الانتقال من حالة إلى حالة أخرى؛ عند الميلاد، والزواج، والموت، وتعاقب السنين، والانتقال من فصل إلى آخر من فصول السنة ... إلخ. وينطوي هذا الموقف على نوع من الخوف الذي يستشعره الإنسان البدائي من كل ما هو جديد، ولذلك تطلق الأعيرة النارية في ليلة رأس السنة،
4
وتشعل النار عند الانقلاب الشمسي، وفي نهاية السنة الزراعية عند الفلاحين في عيد القديس مارتين
Martin .
بذلك أيضا لا ينطق الناس اسم الوليد الذي لم يعمد بعد، ويحتفل الناس بليلة الزفاف والزواج عن طريق قرقعة السوط، وإطلاق الأعيرة النارية وتحطيم أطباق الصيني المتكسرة محدثا أصواتا عالية، ولذلك أيضا تقاد المرأة إلى حفل زفافها محجبة الوجه تحت حماية بعض الأشخاص المدججين بالسلاح، ونفس الشيء يحدث للعريس من جانب الشبان من رفاقه، «إذ إن الأسلحة تعتبر وسيلة للوقاية من تأثير الجان»، ولذلك يقدم للعريس يوم الزفاف عروس أخرى أحيانا كما حدث مع يعقوب وابنتي خاله لابان بن ناحور الأرامي: ليئة وراشيل، وليس ذلك من قبيل تضليل العريس، ولكن لتضليل الأرواح الشريرة والعفاريت التي يفترض فيها الغباء وقلة الحيلة.
ولعل إقدامنا على إيراد هذه الإلمامة عن الدور الإيقاعي والميلودي الغنائي المصاحب لهذه الأشعار والأغاني، وذلك لاستكشاف علاقة الإيقاع ومصاحبته لهذه الشعائر، وكيف أن من أغراضها في حالات الولادة حماية الوليد من الأرواح الشريرة والحسد وغيره بالزغاريد ودق الهون والأواني المعدنية، وحماية الأحياء من الميت في حالة دق النواقيس والإنشاد الديني؛ دلائل الخيرات.
فالغناء الجماعي والفردي، وإطلاق الأعيرة النارية، والزغاريد، والنواقيس، تكثر وتنشط مصاحبة لشعائر الانتقال، أو مراحل أطوار العمر.
ومبعثها هنا الخوف والحاجة إلى الحماية، أو التوسل بالغناء والإيقاع من فردي لجماعي، للتشجيع والحماية، سواء المصاحبة لأطوار وشعائر التجمع الدنيوية، أو تلك المصاحبة للانفصال والغياب والموت ذات الصفة الجنائزية، ثم ما يتحرك عبرهما من شعائر انتقالية هامشية وليست جوهرية، وهي الدورة الثلاثية التي عادة ما تصاحبها هذه المواويل من حمراء جنائزية، وخضراء دنيوية، وأغاني موضوع هذا الكتاب.
5
الفصل الأول
الموال الأحمر ووهج الثورة المحبط
وتتبدى فواجع ومواجع شعوبنا غائرة الجروح والعلل إلى أقصى وأقسى مدى يمكن تصوره في الموال الأحمر، ذلك الذي مجاله الجوهري هنا هو البنية الاجتماعية الطبقية، في مجتمعات قائمة ومشادة - بالضرورة - على كل ألوان القهر وتصانيفه.
فهو يتحدث - على اعتبار أنه موال أحمر - عن ثورة متأججة على الدوام، عن أناس، أو جدعان، مفتقدة للجاه وبالتالي النسب، لا موطن للهموم إلا داخل قلوبها:
جدع بلا جاه مرساة الهموم قلبه
يضرب بلا جاه وأقسى من الهموم قلبه
وعن تصوره للحياة أو الدنيا بأنها كمثل خيال يسحب فريسته - الإنسان المعدم - مكبلا بالأغلال:
دنيا كما خيال بست حبال جراني
فمثل هذا الموال أقرب إلى بسطاء الناس من معدمين و«هفايا» في التعبير عن قهرهم اليومي، وعللهم ومجمل آلامهم.
وعادة ما يكون لقائل هذا الموال الأحمر وجمهوره خصم، يتبدى في بعض النصوص أقرب إلى أن يكون خصما طبقيا:
يا دي العجب يا ناس في جدع مجروح ومغطي
يفوت على الخصم واسق غلب ومغطي
وقائل الموال الأحمر يصبر على خصمه، حتى لو أنه ألقى أمامه - ككلب يقعي - بالسم، إلا أنه في بعض النصوص يصل به حقده على خصمه إلى حد:
من كتر عسره كوى خصمه على قلبه
كما أن قائل هذا الموال أو الأشعار عادة ما يكون مغتربا، ليس ذلك الاغتراب المكاني - وإن لم يخل الأمر منه في حالة عمال التراحيل وما شابه - بل إنه اغتراب وجودي اجتماعي بحسب المنطق الصوري:
أنا لو شكيت ربع ما بي للحديد ليدوب
الأولة غربتي والتانية المكتوب
فهو هناك يجانس ما بين الغربة وبين المكتوب المفضي إلى الجبرية، موقنا بالطبع بأن وضعه الاجتماعي، ولنقل قهره، مبعثه ذلك المكتوب الذي أراد له سلسلة اغتراباته وانحداراته، ولنقل أيضا تقلباته من موقع الغالب المنتصر المتسيد، إلى أن أضحى مغلوبا، مع الأخذ في الاعتبار المرادف اللغوي للغلب والغلابة والمغلوبين، من حملة وجماهير الموال الأحمر.
إن «شعائر» الانتقالات من حالة لما يناقضها، ومن طبقة غالبة لأخرى مقهورة مغلوبة، هي ملمح جوهري لهذا الموال الأقرب في إيقاعاته من «العديد» أو المراثي الذاتية، وكذا البكائيات والقبوريات.
واتساقا مع تراثنا العربي بكامله الموغل في القدرية والدهرية والزمن ونكائده، يضرب هذا الموال على نفس الوتر بل والداء:
بقى زمن شين مر على الصاحب
يعزه بالجهل ما يلقاش ولا صاحب
فهو عادة زمن جائر لا يؤمن له، ويحق الحذر منه ومن تقلباته وتراجمه وجوره:
إن جار عليك الزمان يا ابن الكرام
وجا مال
وراح متاعك وعزك وخدمتك
خيول وجمال
والزمن هنا هو بعينه الدهر:
لا تأمن الدهر إذا ترجم معاك وخدم
دا دهر ميال ياما هتك ملوك وخدم
ولا حد ولا نهاية لمدى الجروح والعلل التي يحدثها ذلك الزمن الجائر وأفعاله ونكائده:
جرحي القديم الأولاني أنا كنت راضيبو
ولما نزف الجديد ع القديم زادت لهاليبو
ففي معظم الحالات يتبدى ذلك الخصم أو العزول، أو العدو، أو الندل أقرب إلى أن يكون خصما طبقيا:
عزول عمل طبيب للجرح ورماله
حفنة من السم من غير وعي ورماله
كذلك ففي بعض الحالات لا يبرأ من الهموم والجروح حتى إنسان غني قد يمتلك غليونا ممتلئا مصنوعا من خشب الصندل المقدس:
تاجر من الروم واسق غليون
وقلبه م الهموم صندل
يا خسارة مللا تاجر عال
بس قلبه م الهموم صندل
وفي أحيان قليلة يأخذ الخصم و«العزول» دورا جمعيا شاملا كقطاع من المجتمع أو الكيان الصغير، الذي تعمل داخله وعلى أدنى وحداته التعارضات والتضاد الاجتماعي الطبقي:
عوازلي
1
يحسبوني مت وجم يهنوا
مكحلين العيون وكفوفهم متحني
لكن لما لقوني سليم
عادم بعلة
هم للآن معلولين
وداخل رقعة هذا الموال الفلسفي الشعبي الفولكلوري، عادة ما يشار إلى أن أولئك الخصوم والعواذل والأنذال يفتقدون الأصل، إنهم قليلو الأصل والمنابت داخل البنية القرابية:
زرعت في كفي اليمين أتة ومداده
2
وصبحت أدادي
3
في قليل الأصل ما اداده
لما لقيت عيبه
4
في الخط سد ما داده
رميت حمله على ظهره وقلت يا عين
كفي القدم عن قليل الأصل وبلا ده
5 •••
تركناك تركناك يا قليل الأصل يا مايل
يا ما عملنا فيك معروف وجمايل
وبتضحك على إيه وحملك من وراك مايل؟!
وبما أن هذا الموال مرتبط أكثر ببيئته الزراعية وحملته من فلاحين وأجراء و«تملية» وعمال تراحيل؛ فإن صوره الشعرية وتشبيهاته وتوسلاته التعبيرية عامة مزهرة نضرة كمثل حقول وبساتين متفتحة:
أنا اللي زرعتكم قمح يا رفاقة لجل محبتي فيكم
وتركت أراضي العنب وجيت أراضيكم
نمت وصحيت لقيت الندل بيملا ويسقيكم
رميت حمله على ضهره وقلتلو روح
يا عيش بلا ملح يا خسارة الرفق فيكم
وعليه، فقائل هذا الموال الأحمر - وجمهوره - هو إنسان منسلب، والتعبير الشعبي له أنه «مسلوب» وجمعها مساليب، إنهم شباب ومراهقي الطبقات الكادحة التي لا تملك أكثر من قوة عملها بإزاء مستغليها من ملاك ومقاولي أنفار عمال التراحيل، وهكذا.
فقائل هذا الموال وجمهوره، وكما يتضح بوضوح كاف من النصوص المنشورة، هو إنسان ممزق بعمق، يفت فيه الانسلاب المتوارث، والخرافة الغيبية، منذ عصور موغلة في القدم، ويمكن القول بأن الكم الأكبر للنصوص المنشورة هنا لا تبعد بنا كثيرا عن أشعار ومراثي ونصوص توابيت موتى متواترة بالحفظ، منذ الدولة الوسطى - 5 آلاف عام - بنصوصها وتمزقاتها.
فالبروليتاريا منذ وجود الإنسان المستهدف للعقل هي هي بذاتها، إنها العنصر العيني في هذا المجتمع، وجانبه الموجود الخلاق وحقيقته الكبرى. لكن حقا ما العمل بإزاء انسلابها، بإزاء محنتها؛ من طبقية وفلسفية أو روحية، عبر عمليات التضليل التاريخية، والتي هدفها طبعا افتقاد جماهير هذا الموال لقواها الكامنة، والتقبل طائعة لأغلال انسلابتها السالفة والآنية، وإسلام زمام أمورها لقوى غيبية - أو منتجات روحية - تقف جاثمة؛ من قدر ودهر وزمن والبين الباطش، الذي ستطالعنا نماذجه هو وابنته وعياله بكثرة شديدة، لدرجة دفعتني لأن أفرد لها فصلا خاصا داخل رقعة الموال الأحمر، وما ينتظم تحته من موضوعات متحددة عن ذلك البين الباطش، والزمن أو الدهر ونكائده، والتمثل بالجمال وأحمالها والإفراط في العلل وذوي المواجع، كذا المواويل والمأثورات الشعرية عامة، التي تتحدث عن الرديء أو الردي، وكذا ثنائية الخسيس والأصيل ونشدان الصداقة إلى حد التقديس، بالإضافة إلى الأشعار الدينية، وأخصها أغاني ومربعات التخمير ، وأخيرا الندب والعديد أو البكائيات والمراثي؟
وكثيرا ما يرد في ثنايا الموال الأحمر ما يشير إلى أسماء آلهة فرعونية وسامية مندثرة، والقسم بآلهة وثنية وبنيها، أو وأهل بيتها وقبيلتها.
كذلك يورد هذا الموال الكثير من الرموز والشارات الموغلة في القدم، من ذلك الجلبة أو الحلبة التي كان يباع فيها العبيد قديما، وكذا أسواقهم، لكن دون إفراط.
يا أهل الله العجب على عبد من الجلبة كان اشتراه سيده
من ميلة الزهر صبح سيده يبوس إيده
أنا أعمل إيه يا ناس في ميدان البخوت والطبع؟
مثل سمعناه من أصحاب العقول بالطبع:
العبد فيه طبع إن شبع يدوس سيده
فملامح العبيد في هذه المأثورات الشعرية تبدو ضنينة «فلم يثبت وجود العبودية في السجل الأركيولوجي لمصر في ما قبل التاريخ، وحتى في العصور التاريخية المبكرة، برغم استخدام الأسرى كعبيد» كما يشير جوردون تشايلد.
مع الأخذ في الاعتبار أن غياب «العبيدية» من البنية الطبقية الجوهرية للمجتمع المصري منذ عصوره المبكرة، لا يعني استبعاد العلاقات والتركيبات العبودية؛ ذلك أن فلولها موجودة منذ أقدم العصور ممثلة في الأسرى والنوبيين حتى أسرة محمد علي، سوى أنها غير مؤثرة في البنية الاقتصادية المصرية، بالقدر الذي تشكله مثلا في بقية الأجزاء والكيانات والحضارات العربية، خاصة الجزيرة العربية وما بين الرافدين والسودان، وهو ما تعكسه حكاياتها وأشعارها الفولكلورية.
يضاف إلى هذا أن بنية المجتمع المصري تشير بوضوح، في ما يعكسه فولكلوره ومأثوراته الشعرية، إلى ما هو أفدح من العبودية، وهو نظام السخرة الذي عبرت عنه قوة العمل المعجزة التي أقامت «حضارة السخرة» الحجرية الإنشائية؛ من أهرامات ومعابد ومقابر على طول وادي النيل، فهي قوة عمل جماعي تقودها أسواط المشرفين وتستخدم في قطع الأحجار الجلمودية الجرانيتية ونقلها من أقصى مصر العليا إلى الوسطى - الجيزة وأهناسيا والفيوم - بل وحتى فاروس أو الإسكندرية القديمة، أي بدءا من أسوان حتى الإسكندرية.
بل لعلها هي ذات قوة العمل الجماعي التي حفرت قناة السويس وبقية أعمال السخرة التي ما زالت ماثلة في الوجدان الشعبي الجماعي لمعدمي فلاحي مصر، بل هي ما تزال ماثلة في عمال التراحيل حتى أيامنا. فمن المفجع أن البنية الطبقية للمجتمع المصري، بدءا من حضارات ما قبل التاريخ - الأسرات - في الفترات البربرية التي عثر على ملامحها ومخلفاتها في حضارات
6
أرمنت والبداري والعمرية أو الإمارات،
7
وجزوة ببني سويف والسمانية، وهي ما تزال مخلفة مؤثراتها إلى اليوم بالنسبة للتركيبات الاجتماعية، وأحوال هؤلاء العمال السخرة الذين لم يكونوا - كما يذكر جوردون تشايلد - «اختصاصيين متفرغين يعملون بالأجر، أي يتعيشون كلية من فائض الإنتاج الاجتماعي المتمركز في يد الفرعون، فكانوا في الأغلب يأكلون ويلبسون على نفقة المستخدم - مقاول الأنفار - طيلة وجودهم الذي قد يمتد لسنوات».
أما الفرعون أو الملك فهو في كل الأحوال تجسيد للطوطم والآلهة، وبذا تحول العمل الاختياري - في العشيرة البربرية - إلى سخرة إجبارية من أجل الدولة المشخصة في فرد أو الكل في واحد، مما دفع بالفرعون لأن يأخذ مكان «الطوطم» السلف المقدس أو الإله.
فلقد كان الفرعون بالطبع إلها منذ ما قبل التاريخ، ومنذ أول فراعين مصر «زير» و«زيت» في مقابر البداوي منذ الأسرة «صقر»، التي اكتشفها «ديزير» في أبيدوس، ومكانها اليوم العرابة المدفونة.
فلعل المكانة المتميزة إلى أقصى حد لفرعون ما قبل التاريخ، ووضعه المحاط بهالات التقديس والتابو فوق المجتمع المصري؛ لعب أخطر الأدوار على طول تاريخ مصر الاجتماعي والسياسي إلى اليوم.
إنها بمثابة «شعيرة» واصلت سريانها تحت الجلد - أو السطح - لذلك السلف العشائري سليل الطوطم إلى أيامنا للدولة المشخصة في فرد، كما أنها تبدت بوضوح كاف في الفولكلور المصري بعامة في إطاره العربي القومي.
فاستنادا إلى ميكانزم الوراثة الاجتماعية للتراث، وكيف أنه أكثر سرعة بالنسبة لنظيره البيولوجي؛ يمكن القول بأن التراث الدعائي والإعلامي للوضع الطبقي داخل مجتمع ما خاصة مصر، واصل توارثه في تقديس ذلك السلف وريث الطوطم أو الإله، وهو الفرعون أو الزعيم، إلى حد إضفاء صفة القدسية على ملوك مصر القريبين،
8
وكيف أنهم «منسبين» وهكذا.
فلعل جدلية هذا الموال الأحمر تتبدى في المحل الأول في مدى ما يعتمل فيه وداخله من تناقض، ويمكن القول تناقضات؛ أولا في ما بين شكله وإحكامه البنائي وجمالياته وقدرته على الإيحاء والتركيز وبين مضمونه ومحتواه، الذي قد يصب في نهاية المطاف مجمعا مجمل روافده لينتهي إلى تأكيد مقولات ومضامين موغلة في الانسلاب والانهزامية والاستسلام «الدهري» المتسق مع ركائز وميكانزمات العقل الغيبي.
ذلك برغم واقعيته المنكشفة حتى العظم ما بين تناوله للأوضاع الاقتصادية الطبقية المتقلبة، وبين الإفاضة في التعبير عن علل ومواجع حقيقية، أو هي فيزيقية، لأمراض تبدأ بالطبع من سوء التغذية، مرورا بكل داءات البلهارسيا والجذام والعجز والشيخوخة المبكرة، وما ينتج عن هذه الأمراض الجسدية من عصاب ويأس مفض إلى التراخي والاستسلام، وكل عطب المخيلة والذهن القدري بانغلاقاته وضيق أفقه، والاستكانة - لمخدرات ومسكنات - للصبر، وكافة منتجات العقل الجبري المحبط بكل مخاوف وانتكاس.
الفصل الثاني
هذه الأنتيكات الأدبية الشعرية الجنائزية
قرابة ثلاثين عاما قضيتها جامعا وباحثا ودارسا لهذه المجموعة من المأثورات الشعبية والفولكلورية الشعرية؛ من مواويل ورباعيات ما بين حمراء وخضراء، أو تلخيص العالم بانقسامه الثنائي ما بين مواويل تتغنى بالأوجاع والآلام وضغوط الحياة ومأساويتها الملتهبة، وبين النقيض «الأخضر» للحب والعشق والتغني عامة بالحياة ومباهجها.
سنوات إثر سنوات ومادة هذا الكتاب تواصل تراكمها وأنا أعيد قراءتها، محاولا إخضاعها لتصنيف ما دون جدوى، برغم تكرار موضوعاتها التي لا تخرج عن التحدث ومعالجة عدة مأثورات أو موضوعات أو «موتيفات» محددة لا تعدو العشرة؛ ما بين الخسيس والأصيل، والردي أو الرديء، والمواجع والتوجع بالأمراض والعلل أو المعلولين، وكذا البين مرادف الدهر والزمن والدنيا والأيام وتقلباتها.
أضف إلى هذا الصداقة وتمجيد الأصدقاء والرفقاء وكاتمي الأسرار والمدارين عن العيوب والعلل والنواقص.
يضاف إلى هذا مواويل الحب الأخضر، والتغني بالمحبوبة والرفيقة، والكشف عن دفائن أمراض العشق، والتغني بجماليات المرأة وجسدها، والتعبير الصريح عن رغبات الجنس، بلا حياء برجوازي ملفق ومفتعل.
كانت تتملكني طاقاتها الشعرية، وعمق معانيها الخشنة المتفجرة الخصوبة والأبعاد، لكني في معظم الحالات والليالي كنت أقف عاجزا بإزائها، كيف يمكن إعادة الكتابة عنها؛ عن موسيقاها وإيقاعاتها الدفينة التي يقصر إلى جانبها قامة أي شعر - كلاسيكيا كان أو شعبيا - ينتسب لشاعر فرد بعينه؟
فهنا نحن بإزاء شعر الجماعة الذي صمد وامتحن أمام عصور إثر عصور، إلى أن اكتسب بصموده متجاوزا معوقات الاندثار وموانع اللاتواصل، إلى أن وصلنا بحالته هذه، بإيجابياته وسلبياته الخادعة المغيبة بالقطع، لكل حس تطوري بروليتاري، برغم أنه المعادل الأكثر توافقا وتعبيرا عن قائليه من فلاحين وفواعلية وعمال تراحيل وندابات محترفات وأناس تطحنهم عللهم ومواجعهم، أي البروليتاريا.
إلا أنها بروليتاريا مفتقدة على طول عصور التضليل التاريخية لقواها الخالقة المبدعة في اتجاه الثورة والتغيير لواقعها هذا الماثل المشبع بكل ظلم اجتماعي طبقي وأمراض واغتيالات يومية، وحديث عن الموت والندب الذاتي لا ينضب ولا يكل. كل هذا دون إدراك وتبصر بحقيقة الحياة الجوهرية، وما يعتمل فيها من مغالطات وتدليس، مصدرهما الواقع الاقتصادي والاجتماعي الجاثم المتخلف إلى حد توارث بعض البقايا - لعلاقات الإنتاج - العبودية إلى أيامنا جنبا إلى جنب مع الإقطاعية.
والتساؤل المقابل هنا هو كيفية وعي البشر من جماهير هذه الأشعار بواقعهم وإمكانياتهم وإرادتهم في تملك نواصي واقعهم المغرق في الكوارث والعلل، وبيع الإنسان «المنتج» في أسواق النخاسة.
فالفرد الواقعي هنا سجين بحق لقوى خارجية تقهره على الدوام، وهي قوى لا تبعد عن أوهام ذلك الكائن الخرافي الجاثم المنكل على الدوام بدوره «البين وعياله»، الذي ستصادفنا مأثوراته الدامية على طول هذا الكتاب، وكذا بقية القوى الوهمية للزمن والدنيا والزهر والبخت.
وجميعها هنا تتوحد بالآلهة في أنها «تهب الرزق لمن تشاء بغير حساب»، كما تهب الجروح وأحط العلل والجوع المذري لمن تشاء في ذات الآن.
واللافت أنه بينما ينحو حقل الحكايات الشعبية والفولكلورية العربية، بالإضافة إلى السير والملاحم، منحى خرافيا كاملا؛ من إغراق في المخلوقات والكائنات والحيوانات الموغلة في بحار الخرافة، من جن وعفاريت ونداهات وأعوان وهواتف ورياح ومنفرات.
ويكفي في هذه الحالة تذكر سيرة ملحمية مثل بني هلال أو سيف بن ذي يزن، بالإضافة إلى ألف ليلة وليلة، وما يحفل بها من انقسام عوالم الأحياء إلى إنس وجن،
1
حتى إن التضمينة أو التيمة السائدة المتكررة حال ما يلتقي شخص بآخر فيبادره من فوره سائلا: إنسي ولا جني؟
الملفت أنه بينما تغرق الخرافة حقول وأنواع فولكلورنا العربي، خاصة حكاياته وسيره وملاحمه، تبرأ هذه النصوص الشعرية من معظم - إن لم يكن كل - الملامح واللوازم والعوالم الخرافية، والمخلوقات الخارقة وأوهام الذهن الخرافي بكامله.
بل يمكن القول إن الموال والشعر الفولكلوري بعامة يوغل في نقيض ذلك العالم الخرافي، وهو التحدث والتناول لتجارب واقعية ومعاشية، بل وعقلية إلى أقصى حد.
وذلك طبعا باستثناء الأشعار الدينية وأغاني ورباعيات وأهازيج أغاني التراتيل والتخمير الموغلة في الخرافة وبقايا الأساطير وأشلائها وأجوائها، خاصة حين تفرط في تمجيد وتجليات «ليلى» أو الليليث وآناثا الكنعانية - الألف الثانية ق.م - التي هي في موقع حواء الأولى، والتي تحلو لمثل هذه الأهازيج والتواشيح تسميتها بالإضافة لاسمها ليلى بعروسة الزار، وست البحار العوامة، وهو ما سنتعرض له بتفصيل أكبر في باب أغاني التخمير الدينية من هذا الكتاب.
وقبل الدخول في موضوعنا عن هذا الموال الأحمر الذي نحن بصدده، لا بأس من الاستطراد المطول في إيراد مجموعة كافية من النماذج والعينات المتفجعة الدامية لهذه الأشعار، التي ربما ينظر إليها قارئ اليوم على أنها في حكم «الأنتيكات الأدبية» المنقضية والمندثرة، وهي بالفعل أنتيكات أدبية أو شعرية؛ ذلك أن معظمها ضارب الجذور لا يبعد بنا كثيرا عن نصوص التوابيت الفرعونية ومنذ الدولة القديمة - عصر بناة الأهرام - وكذا كتاب الموتى، وما وصلنا من أشعار وتوجعات الدولة الوسطى المفتقدة إلى كل عدالة.
بالإضافة إلى أنها تضرب من جانب آخر في الطوطمية، فهي تتمثل بالثعابين والأبراص، ومفردها برص، أو دبيب، وتكثر في تمثل الجمال والسباع والكلاب كما سيتضح.
فلا غرابة إذا ما تفتح قارئ اليوم على مدى ذلك الواقع المسموم الذي أنبت هذه الأشعار والمراثي الذاتية الموغلة في القدم وعطب العلاقات الإقطاعية والتسلطية.
بينما الأمر لا يتجاوز ويعدو أنها كانت بمثابة الفنون والأشعار الجماهيرية واسعة الانتشار والتداول، منذ فترة جمعي وتدويني لها من قرى مصر الوسطى أواخر الخمسينات، سوى أنني نشرت بعضا منها في كتابي «أدب الفلاحين»
2
عام 1957، على ذات النحو البسيط التالي المتبدي في هذه العينات والنماذج من الموال الأحمر.
المجاريح وأفعال الزمان
فالموال الملتهب الذي يلوكه قائله ويتسلى به، ويتصرف على هداه أينما وجد؛ في فسحاية الدار، وفي الحقل، وتحت الكوم، ومع الرجال تحت السنطاية، ووراء حمار السباخ المريض، وفي كل مكان.
الموال هنا شكوى؛ فهو يشكو مرة للآلهة، ومرة للأهل، ومرة للطبيب والزمن، ومرة أخرى ليله الطويل الهامد الرخيص.
وهو في كل مرة يكشف عما يعتمل في حياته وأعماقه وماضيه وأخطائه وأمانيه، وحاجته لنصفه الآخر.
وهو في كل مرة يبحث عن بداية للطريق، لكنه كثيرا ما يضل ويتوه، ورغم ذلك فلا يغرق أبدا أبدا، بل يواصل من جديد، ويبحث ويتلمس بداية تقوده إلى الطريق.
فقيود الشعائر المتوارثة، والمستعمر الإقطاعي، تزرع له الأشواك في كل مكان، وتبدأ بفكره.
وهو يعكس حياته هذه وتخبطه وسط بحر الغيبيات وانفعالاته في أغنيته الحزينة في الموال.
وتبدو الدراما الشعبية المتأصلة الفاجعة، التي يصنعها الوضع الاقتصادي المغلوط واضحة في الموال، فهو يقال بطريقة حزينة تميت القلب أشبه بالنواح:
وكل المجاريح طابت بس انا جاعد
وطبيب لجراح عندي بالسنة جاعد
ولا بقاش حيلتي يا طبيب غير شي
3
بس انا جاعد
والطبيب في الموال يرمز إلى القوى الغيبية، التي بيدها إصلاح الكون لو أرادت. وفي الموال القادم يسوق مثلا مفجعا عن كيف أن دبيبا، أي ثعبانا أو برصا سطا على طعامه وسممه بينما كان بسه أو قطه موجود «جاعد»، ودون أن يلتهم القط الدبيب أو الثعبان تركه يسمه في حضوره!
مفيكشي همة يا طبيب تداويني وانا جاعد
أمانة يا طبيب تداويني من دواك حبة
دا الدود يا طبيب نقط ع الفراش حبة
ومثل سمعناه من اللي قبلنا قالوه:
دبيب
4
سطا في الطعام كان بسنا
5
جاعد
والموال هنا حين يتحدث عن المرض، فإنه يتحدث عن جانب واقعي عريض من حياتنا وواقعنا المريض الماثل:
وكل المجاريح طابت بس انا أروح فين؟
وطبيب لجراح عندي بالسنة راح فين؟
وجرحي القديم نز بس انا أروح فين؟
نزلت دموعي على خدي أنا واحد
أنا بعد ما كنت في لمة وميت واحد
صبحت في اتنين ومن لتنين مات واحد
وشكيت وبكيت قالوا لي الناس متواحد
6
أنا كنت اجيلك يا دار معي لمة كتير أحباب
صبحت اجيلك ولا معيش ولا واحد
اسمع أقولك مثل يا طبيب
وهو اللي حصل واحد
قوللي على حرف واحد صاحبي مات فين
كل المجاريح طابت بس انا أروح فين؟
وهو يربط بين المرض وهزيمته للإنسان، وبين تأثيره على الأصدقاء والعلاقات التي تربط الإنسان، وكيف تنفض الناس عنه حتى أهله وزوجته:
لما ابتليت مجانيش ولد امي
وخليت من المال ما فيدي ولا دمي
وملقيتش دوايا حدا كافر ولا دمي
7
قاضي الغرام ادعاني قلتلو كالناس
أنا دخلت جوا البلد سرا أريد الناس
لقيت ابن العلالي وطي والندل فوق الناس
أنا عاشرت كل الملل حتى الغجر يا ناس
ما لقيت فعل العواهر ولا قرحهم على ناس
إحنا سمعنا مثل من كبار الناس:
الناس بالناس، كرهوني ولاد امي
وهو يتعامل مع الدنيا من منطلق دهري جبري، فهي في النهاية - الدنيا - تملك قدرات المنح والمنع والإذلال، مثلها مثل الدهر:
يا دنيا الشوم يكفيكي هزل بزيادة
ذليتي ولد عال كانت عليه العين بزيادة
وان خس مالي حدايا
8
احباب بزيادة
نزلت سوق الدلالة باشتري صبر بزيادة
بطلت كل الملاهي وسمعت كلام ناهي
ورضيت بحكمك عليه يا رب بزيادة
وفي الموال التالي يتحدث إلى «دنية الشؤم» وأفعالها السيئة معه، وكيف أذلته، وهو الولد المليح، حتى إنه مضى يبحث عن الصبر وفي النهاية سكن واستسلم:
يا دنية الشوم على المظلوم بتميلي
9
سيفك وقع طب على ابن الأصل بتملي
وليكي فعل بطال على الأبطال بتملي
مما جرالو صبح يبكي على روحه
والجرح منه اتسع فاحت كمان ريحه
الله ينعلك يا زمان ما بدلت خلوتي مرة
وسقيتني كاسين يا زمن كاس حالي وكاس مرة
شوف الغرورة الدنيا قالتلي تعالى جاري هنا مرة
دي دنيا حرة تبيع الباش بتميلي
10 •••
دنيا كما خيال بست حبال جراني
سقتني كاس صبر ريحته جبر جراني
وحلفت يمينين لشمت فيك جيراني
أنا قلت يا دنيا دا فعلك معي موش عال
ضربتني بالكاف
11
ما بين لكتاف جراني
أمانة يا دنيا دا فعلك معي بقى شين
12
أصلك بوشين على وحشين جراني
دنيا كما خيال بست حبال جراني
لكنه هنا يتصورها - أي الدنيا الجائرة - كوحش كاسر يكبله بستة حبال، ويؤذيه ويفعل معه أفعالا سيئة، ورغم هذا فهو لا يستسلم تماما، بل يسبها على أنها ذات وجهين، وكالخيال زائلة:
قالوا اترك الدنيا بلا هم وانسى معاني هواها
لتصبحك شايل الهم محني وتجري وراها •••
نكايد الصبر وجروحي معايا فجر
وعدمت مالي وخلي والأعادي فجر
13
يا حيف
14
رماني على باجا بلفافات
أتقل من الموت لو خصمي علي فات
يجد بي أوقات أبكي من العشا للفجر •••
لا أنا من الهم مهموم ولا للأشرار عدت بايع
أضحك إذا كنت مهموم والقلب كله وجايع •••
أنا مرتاح مع الناس لكن القلب تاعبني
من عشرة الدون هتك عرضي وتاعبني •••
لا حد خالي من الهم حتى قلوع المراكب
حسك
15
تقول للندل يا عم ولو كان ع السرج راكب
إن الحزن والهموم هما طابع الموال الأحمر، وليست العلل والجروح تعنيان المرض فقط، بل إن كل ما يصيب الإنسان من شرور وسوء وكوارث هو في حد ذاته علة:
عليل بجرحين طاب واحد وصحي واحد
والهم والبين دقوا أوتادهم في نهار واحد
وامه وابوه قالوا احنا مولدناش حد
وأعز الأحباب مشي واحد ورا واحد •••
عليل ومسكين جا خله
16
رقد ريحه
عيش
17
معاشه وجا يقول رقد ريحه
الهم والبين دقوا أوتادهم ريحه
أمه وابوه قالوا احنا مولدناش حد
وأعز لحباب سكوا الباب من ريحه •••
واهو هنا تخلت عنه كل الناس حتى أمه وأبوه •••
أنا جمل عال لكن الزمان علي ميال
ولما جار علي الزمان حملي من على ضهري مال
أشيل الحمل التجيل وأفوت على العزول ميال
الله ينعلك يا زمان ياللي لك غدرات ونوادر
تعلي الخسيس
18
يا زمان وتيجي مع الأصيل نادر
الله ينعلك يا دنيا ما انت دنية مال ونوادر
والراجل العال بخته مال مش عادل •••
طبيب معي جراح جوا الجوف هدتنه
19
واحنا الجمال البخاتي وشيل لحمال هدتنه
20
نشيل الحمل التجيل لم يوم شكينا بلوتنه
21
إلا حمل الزمان شين يغير اللون والصورة
واحنا من الأصوله العال بس جت ليالي هدتنه •••
كنا تلاتة سوا وكان الكلام واحد
لما غدرنا الزمان غريب واحد وراح واحد
وبشيل بعيني لقيت الحمل مال على واحد
إحنا بنسمع مثل من اللي قبلنا قالوه
العبد بيده إيه ما دام الملك للواحد؟
وهنا تتأكد سلبية الموال المصري، ونظرته للحياة من خلال قطاع ترسمه القوة الخفية التي تحدد مصاير الناس، والتي لا يملك الإنسان أي شيء معها:
عليل يقول يا طبيب معندكشي دوا ربه
22
يكون من العال وأصله من بلاد ربه
والله إن دويتني يا طبيب هتشهد لك جميع الناس
وإيش تعمل الناس للي ساتره ربه؟ •••
في حال صبانا كانت الدار عزانا
كنا بنضحك ونلعب نلاقي الدار عزانا
رجع لوانا
23
الزمان من بعد عزانا
24
وادي كاساتي وسقاني بعد المروق قهر
قلب كاساتي وسقاني بعد المروق قهر
إوعى تعاشر الردي
25
يوم يحزن يزيدك قهر
كسر لي مهر كان يلعب ع العود وع الزانة •••
الناس لها جرح واحد وانا جسمي ملان ومحمل
وبفوت على الخصم واسق غلب ومحمل
وشايل الحمل ياما يقاسي ويتحمل
ولا راجل إلا لما في عتمات الليالي بيدوس
قلبي نصب سوق ودار فيه ما باع واشترى
وقلت يا قلبي سيبك من اللي فات واترك اللي جرى
واللي عمل قنطرة للدوس يتحمل
الناس لها جرح واحد وانا جسمي ملان ومحمل •••
طبيب يا جبار تعالى الدار وجابرني
واكشف على الجرح بالريشة وجابرني
عيان ومجروح وبس الوقت جابرني
مما جرى لي صبحت أفطر كل يوم ع المر
وفاتت ليالي الهنا وجتنا ليالي المر
ومين يقول الطعام الحلو يشبه للطعام المر؟!
ويا عم فين الرفاجة اللي كانت على غلب الزمان بتمر؟
قال إيش رماك ع المر؟ قلت الوقت جابرني
والزمن هنا - أي الوقت - هو الذي بدل أيامه الحلوة بأيامه المرة، وأجبره على الاستكانة والخضوع.
كان ينوحها عبد الحميد الفلاح الأعمى فعلا الذي دأب على أن يقول: اللي كتب غلب!
فالبين هنا هو حكم الأيام، وهو نفسه المقدر والمكتوب:
ما تآمن الدهر إذا ترجم معاك وخدم
دا دهر ميال ياما هتك ملوك وخدم
أكم ريس وزهزهلو
26
الزمان وخدم
شوف مركبه سوحت بين البحور وتاه
من بعد ما كان ينادي يا دجى مين تاه؟!
شوف حكمة الله راح بيت العويل
27
وخدم
ما تآمن الدهر إذا ترجم معاك وخدم
وهنا يلعب الدهر بمصير الناس فيعلي من يشاء ويذل من يشاء تماما كإله، ورغم هذا فهو لا يؤتمن كالريح والبحر اللذين يتحكمان في اتجاه الموج:
أنا إن شكيت ربع ما بي للحديد ليدوب
الأولة غربتي والتانية مكتوب
والتالتة كنت غالب صرت انا مغلوب
وكام يا دهر تتقلب علي قلوب!
صبحت عيان قوي لوني صبح مقلوب
روح يا ميتم رويت الأرض واروينا
ياما قعدنا في بلاد الناس وربينا
وقلت يا جامع الشمل تجمعنا على اهلينا
وزعقت من عزم ما بي وقلت يا أيوب
كاس الهنا كل ما أديره ياجي مقلوب
أنا إن شكيت ربع ما بي للحديد ليدوب
وفي هذا الموال المفرط في الحزن تتبدى المأساة المصرية التي لو شكيت للحديد لأذابت الحديد.
وهي هنا لها جذور متينة مترسبة في الأرض وأعماق الناس وحياتهم.
وهي تتضح في أغلب المواويل الحمراء بشكل تشاؤمي عام، وحتى في حلولها للحياة تنمو هذه الحلول على حساب الواقع والحقيقة، فهي تخدم قضايا الرجعية والاستعمار قبل أن تخدم قضايا التقدم. والإيمان بمستقبل الإنسان الثوري المشرق يدفعه إلى العمل على مواصلة النضال، والكشف عن جوانب الحياة المضيئة المستقبلية.
فمئات السنين من الاستعمار والاستبداد ليست بالأمر الهين!
إن جار عليك الزمان يا بن الكرام وجا مال
وراح متاعك وخدمتك خيول وجمال
شوف حسن يوسف سجن بعد النعيم والمال
الدنيا حالها كده تعطي لناس ناس
أيوب أهو ابتلى لما بقى نسناس
والزهر زي الأزاز إذا انكسر بقى شين
28
والمال بيحلي قليلة الشوف والعمشة
وينادي يوسف يا زليخة
29
راح فين الوجه المنير وجا مال
إن جار عليك الزمان يا بن الكرام وجا مال؟
والصبر مفعول مسكن أشبه ب «أبو النوم» والمخدرات، وهو أيضا يلعب دوره في مواصلة عملية التخدير لقتل كل ما من شأنه إيقاظ روح التطلع إلى آفاق جديدة مشرقة:
يا عبد وحد إلهك واذكر فرضه
واستعمل الصبر إذا جالك سؤال فرضه
سليمان لما المهيمن حكموا في أرضه
وركب كرسي المملكة ع الناس وتعالى
وركب البساط خدو في الجو وتعالى
سمع الندا من قبال الله وتعالى
اخضع يا سليمان إن الملك لي وحدي
سمع الأدان في السما صلى عليه فرضه
يا عبد وحد إلهك واذكر فرضه •••
منين أجيب صبر يغنيني على بعدك
ياللي هجرت المنام والفرش من بعدك؟
وبياع الصبر حرم بيعه من بعدك
وإذا كان على الصبر عندي ميت مركب ملانة صبر
دا انا باسمع منادي ينادي كل يوم العصر
ياللي كواك الزمان اصبر على وعدك •••
قالوا الصبر يا عين جعلوه للأبطال
ولو كان دوايا عند حبيبي دا كان ينطال
30
إلا دوايا عند خصمي ما عاد ينطال •••
أرقد على الشوك عريان واضحك للي عاداني
واصبر على حكم الأيام حتى ينعدل زماني
وهو هنا يسخر من الذين يعادونه ويسخرونه ويتحكمون في موارده وإمكانياته، لكنه يتسلح بالصبر على حكم الأيام وأفعالها الرديئة معه، حتى يأتي اليوم الذي يتمناه وينتظره ويصنع منه أفقا لحياته الجدباء.
أقوم من النوم واقول يا رب عدلها
بلدي قصاد عيني مش قادر أعدلها
وريس البحر محتار ما هو عارف يعدلها
سألت شيخ عالم بيقرا في معادلها
سند الكتاب من يمينه والتفت قال لي
بين المسا والصباح ربك يعدلها
والنص السابق ينسب إلى الملك «معروف» في سيرته المندثرة، وستطالعنا مأثوراته وأشعاره بكثرة:
طبيب يا مهر أنا فايت الضهر على بابك
من شدة القهر،
31
دمعي نهر على بابك
من ميلة الزهر رماني الدهر على بابك
أنا عزمت وحدي ممشيش في الطريق مع دول
32
الفكر تلف النظر حتى السمع جاللو
شايف ولاد الأرامل حظهم معدول
وانا عملت إيه اتجازى بدا كله؟
جيت أركب التخت شفت البخت مش معدول
33
جسمي سلا داب وحتى العقل راح كله
آهين يا طبيب من ميلك ومن برحك
34
لفيت وجريت مشفتش في الدوا شرحك
35
طبيب يا مهر أنا فايت الضهر على بابك
وعلمه هنا مستمد من تجاربه، وارتباطه بالناس والأرض، وإطار حياته البسيط الذي في أحيان كثيرة لا يخرج عن حدود قريته.
إنه يقول عن ثقة: «طول ما النخل بيتقلم ابن آدم بيتعلم.»
وهو هنا يريد أن يؤكد لنا أنه طالما هناك حياة واستمرار وناس، فإن الإنسان يتعلم ويربط تجاربه القديمة بالجديدة.
أي إنه ليست هناك حدود للمعرفة، بل هي دائما تتجه إلى آفاق جديدة، وتجارب جديدة، وازدهارات جديدة متصلة، نحققها - نحن النوع البشري - طالما أننا نعمر ونعيش، ونقلم النخيل:
عاشرت يا قلبي من الناس ألف يكفاك لف
36
وسجدت للموت لم جد عليك لف
37
هما تلاتة أربعة اللي تمر فيهم
همتك والدراهم والنظر والكف
وفي الموال السابق تمجيد رائع للجهد البشري؛ من عمل وهمة ونقود، أو دراهم، وبعد نظر وتسلح بالكف:
اللي معاه ريالات يقضي ليله يمص في شفايف بيض
واللي ممعوش ريالات لا طال سود ولا بيض
وها هو يؤمن بدور الاقتصاد وأنه كل شيء، فحتى الحب والجنس تحددهما الفلوس الريالات، واللي ممعوش لا طال أسود ولا أبيض.
تعالى يا طبيب المبالي عند بيتنا دلي
38
واكشف على الجرح اللي لو زمان دلي
واذا كان دوايا على المخلوق يا ذلي
واذا كان دوايا عند الله ارفع إيدك يا طبيب
وخلي المقادير تاخد حدها مني •••
السبع سبع ولو قلت مخالبه
والكلب كلب ولو طوقتو بالذهب
لو يعلم الخمر بإن الندل يشربه
ليحلف الكرم ما عاد يطرح العنب •••
من عاناك
39
عانيه واجعل عيالك عبيده
ومن ضاداك ضاديه روحك مهش في إيده •••
أنا معي جرح دش
40
العضم والعنب
وأعز لحباب شتمني اليوم ولعن أبي
وطبيب لجراح جاني الدار والعتب
وتسأل عليه أصيل الجد ما طالبهم
وأكيد عزولي
41
وسط الجمع والذهب •••
أنا اللي صرفت مالي بكفي مدبرتش للدهر حيلة
أم الفلافل تكفي اللي دراهمه قليلة •••
الصمت بالصمت والعلم حازوه بالصمت
ومن زرعلك شوك ازرع قصاده سنط
واللي يزرعلك سنط ازرع قصاده ورد
دا الصمت بالصمت والعلم حازوه بالصمت •••
الله يجازيك
42
ياللي تصنع المعروف
مع ناس لا يعرفم واجب ولا معروف
الكل فاني وفين هو الملك معروف؟
وصبحت زي السمك في البحر ما انا راسي
وآدي البحور والجزاير لاطمت راسي
وكتير من الناس يكلمني كلام قاسي
وعملت تاجر أبيع في القبح والمعروف
كسب معايا الردي،
43
وخسرت في المعروف
إنه في هذا الموال يود أن يقول إنه من خلال تجاربه العديدة ومعاملاته مع الناس، التقى بحقيقة وهي أن من كان يظن ويعتقد أنه خير اتضح أنه سيئ.
وأعتقد أن هذا الموال امتداد لوجهة النظر الدينية التي تقول: اتق شر من أحسنت إليه.
ياللي كتبت الألف اكتبلي حداك
44
عين لام
اكتب وسطر في الورق يشبه الخال عين لام
الحق على اللي صرف مروته على الأندال مات علام
45
وانا اللي نفسي عزيزة وبدي أسكن الجيزة
وان خدت خد الأصيل يا قلبي لو تصرف عليه جيزة
46
يونس ما حاز عزيزة
47
واللي شرب المرار علام •••
زرعت عود الأنا جنبي ولما مات
دروا الخلايق
48
وجونا الناس لمامات
49
يا عيني ابكي على اللي ممعهش لما مات
50
شوف الرفيج الأصيل ع الود آهو ماسك
أما الخسيس الوطي ع الود موش ماسك
في الأصل دي أمي وآهو داير مع الماسك
51
وتنه ماسك كلام الزور لما مات
زرعت عود الأنا جنبي ولما مات
إن الثنائية وانقسام العالم إلى الملاك والشيطان، والخير والشر، هي بذاتها التي صنعت الأصيل والخسيس في الموال.
ومن خلال الصراع بينهما، بين الخير والشر، والأصيل والخسيس، يحكي الموال الأحمر.
وحتى في معتقد الجنة والنار والتناقض الكبير جدا بينهما يبدو هذا التقسيم أكثر وضوحا:
سبحان من أوقف البحر المحيط باسماه
52
وخلق لنا طير يسبح في الظلام باسماه
خلق الخلايق وعارف كل شيء باسماه
الإنس والجان خلقهم عدد أنفار
والسالك اللي اشتغل قلبه السليم أنفار
بكرة تقوم القيامة ويحكم الغفار
إندهو ملوك السما هاتم فلان باسماه •••
أبويا نهاني وقال ع الكسل بطال
اعمل بقرشين وحاسب من البطال
خالفت شوره واديني وقعت في البطال
أنا كنت خادم لهم بقضيلهم لوازمهم
وعملت فيهم جميل وجميلنا بتمام
وبقيت أقول لقلبي ما نقضي لدول
53
لوازمهم
وكنت عندهم كمثل العسكري يحضر في كل تمام
ندهت مردوش من بعد نعم وحاضر
وبقيت مكسوف أروح يم العزول وحضر
ما راح شقانا هدر في الفارغ البطال •••
كيد النسا كيد من كيدهم سرت هارب
يتحزموا بالحنش
54
ويتعصبوا بالعقارب •••
الندل لو طعم مالح ولو خصايل ذميمة
القرب منه فضايح والبعد عنه غنيمة •••
الندل ميت وهو حي ما حد حاسب حسابه
هو كالترمس التي حضوره يشبه غيابه •••
مسكين من يطبخ القلقاس ويريد مرق من حديده
مسكين من يصاحب الناس ويريد من لا يريده
والمربعات الأربعة السابقة من قول ينسبون إلى «ابن عمروس»:
شيبتني يا زمن في الصبا وجنيت
والقوس منا احتنى على غير أوان وحنيت
55
والخطوة معرفتشي طريق البيت
وضروسنا كانوا جماعة واتقلعوا بالبيت
والعيش أهو اتبل ولبقاش لنا نفع للبيت
والشوف منا قل ونهارك اتبدل بقى ليل
والشعر منا شاب والعضم واخر
56
بان
والهدمة
57
دابت لم عرفتلها يتك وبدن
وشل منا البدن حتى العصب وحنيت
وهو هنا كبر، وشاب، وتخلعت ضروسه رغم أنه ما زال في عز صباه، لكن الزمن الذي أثقل ظهره بالهموم على غير أوان، ونفض عنه أهله وأصدقاءه الذين شبههم ب «ضروسنا كانوا جماعة واتقلعوا بالبيت».
وتبدل نهاره إلى ليل حالك مظلم، وجلبابه بلي وداب، وتاه فلم يعرف له قبة من ديل، وأصبح محطما محنيا، عجوزا رغم أنه ما يزال في عز صباه.
إنه هنا يتحسر على أيامه الرخيصة وبؤسه، ويلقي بكل هذا على عاتق الأيام والزمن، فالزمن هنا هو الوضع الاقتصادي، والحاكم الظالم والفترة الزمنية المغرقة في الظلم تلك التي عاشها.
فكل هذه الشرور التي تحالفت عليه دفعت به إلى أن ينوح، ويبكي، ويتحسر .
مللا زمان شين
58
بقت عتمة كحل واحنا لسه ضهر
شيب شبابات كانوا مرد
59
وحنوا الضهر
اللي معاه مال وامه جايباه م الخال
60
يقدموه الرجال ويصلوا وراه الضهر •••
راح الفقير يوم بيطلب م الغني حجاه
61
ضربو الغني كف قالوا اللي قاعدين حجاه
62
لو كان للفقير عزوة
63
تاخدلو م الغني حجاه
إلا بلا عزوة والجلسة عليه مالت
وجلسة اليوم بتضيع للفقير حجاه
ذهب الفقير يوما ليطلب من الغني حقه فضربه بالكف، ووافقه الجالسون، وتجنوا على الفقير، ولو كان للفقير أهل وضهر أو عشيرة لكانت ردت له حقه المسلوب الذي سرقه الإقطاعي والاحتكاري، لكن «اللي ملوش ضهر يضرب على بطنه».
يا عين ما تبكي على اللي كان فنجري
64
وهناه
وغلبو زمانه ما بين الجبال الداوية وهناه
صبح حاله شين يبكي بدمع العين ويقول
يا رب أروح فين آهي ضاقت بي هناك وهناه
65
وهو هنا يشكو غلب الزمان ونكائده معه:
إذا كان بدك تريح القلب وتهدي
اترك هوى الدنيا لا تاخد منها ولا تدي
حسك تقول عمي ولا خالي ولا جدي
66
دا اللي معاه مال مالك دي ومالك دي
واللي بلا مال تارك دي وتارك دي
اللي معاه مال آهو أصيل كامل
واللي بلا مال طفشوني
67
وابوه هامل
ونسأل الله بس ع الختام ونعدي
وهو هنا ينكر العصبية، ويؤمن بأن «المال» هو كل شيء، و«اللي معاه مال مالك دي ومالك دي!»
حوشوا الغنم عن عليق الجمل أكل الغنم فيه عيب
لو كان جمل في جمل مكنشي جد منه عيب
شيبتني يا زمان وانا ما كنت أستحق الشيب
وخدت مني اللي أريده ما اختشيت العيب
دانا ماشيت لمرود وابو لحية وغزير الشيب
68
ما لقيت أجود من الفتى جيبي
هلبت
69
عن الغنى والفقر مهوش عيب •••
مللا زمن شين
70
لما البندجي داسوه
71
وجابو الصدف في حرير سندسي وشالوه
ومطاوي الخشب اتهجمت ع السيوف جرحوه
حتى الحواوي في الوكر من السحالي صرخت وقالت يوه
البخل موجود وصندوق الكرم قفلوه
الخير موجود وولاد الزنا نكروه
واتمخطر الندل في الحارة وشافلو يوم
ولا افتكرشي هبا جده وجوع أبوه •••
يا للعجب في دار بطول العمر ما فرحت يوم
ضحكت ولعبت أتاها الحزن تاني يوم
من بعد ما كنت في لمة واكيد القوم
زعق علي غراب البين مخدتشي لمتي منه
واديني شفت الندل يتمخطر في الحارة وشافلو يوم •••
عشب الجبال اتحرق من كتر أهراتي
72
وعلاوي الأرض رويت من دموعاتي
ومراقد النمل أوسع من مناماتي
ومقاطع النيل أضيق من جروحاتي
يهون علي دخول القبر بحياتي
ولا قعاد اللي أحبه عند خصماتي
وليس الحب في نظره هو العلاقة التي تنمو بين رجل وامرأة، بل إن الصداقة حب، والأرض حب، والوطن حب، وهو في إطار حياته الاجتماعية يمجد الصداقة، ويطالب «رفيجه» بالكثير فهو صديقه:
لك رب ياللي لا لك عزوة ولا عندك مال
وجرحك بالغ والطببة يعزوا المال
73
قالوا ليكشي رفاجة
74
يا ولد؟ أيوه ليا امال
أكتر من المية ولما وقعت فرطم فيا
75
وكانوا واقفين وشافوا الحمل لما مال •••
عليل بجرحين وصفولوا الدوا تنحال
76
من قوة النار آهو راقد ع الفراش لتنحال
77
وآدي كلمة الدون في الجسم السليم تنحال
78
ما حد جالوا من الأحباب بسلامة
ومين بقى يعول الهم غيري آني؟
يلا السلامة من اللي كلمته تنحال •••
منين أجيب خل عادل
79
يكون عدلي وانا عدله
يكشف على الجرح وان كان فيه خلل عدله؟ •••
آهين على سو بختي
80
وانقطاع الود
وكل طير بلوفو
81
يلتقالو ضد
آهين على سيف ماضي من بلاد الهند
البين قالي ليكشي رفاجة؟ قلتلو كتار ياما تعد
أكتر من المية، ولما وقعت فرطم فيا
وف ميلة الحمل قالوا سيبوه خلي اللي وقع بيسد
إن جانبا كبيرا من مواويلنا وأدبنا الشعبي يأخذ شكل التحسر والشكوى؛ من الأصدقاء، والخلان، والرفاقة، والحبايب خاينين الود، الذين يتخلون عن الذين تهزمهم الدنيا والأيام، ويتعثرون ويصابون بالكوارث والأمراض، والفقر، ويتقهقرون.
حجاه
تعا يا طبيب داويني العيا خد في جسمي السليم حجاه
82
آدي مدة مع سنين وأنا راقد لما اتبرى حجاه
83
تعا يا طبيب داويني واديك من حق الدوا عربون
علشان يا طبيب ما يشهد بيني وبينك العربون
أحسبك طبيب زين على عشرتك هتدوم
أتاريك طبيب شين وبتاخد صاحبك ع الجنب
كشف الطبيب ع الجرح لقيه بيقلب قلب
صر الدوا وقاللي ارقد مقدرتش على حجاه
84 •••
طبيب نزلت دموعي على الخدين مدامتشي
علشان رفاجه عزاز عشرتهم مدامتشي
شوف لما أتاني العيا هدمني الحيل وشبابي
وجيل الزمان دا كده جيل يزيدك قهر
الله ينعلك يا زمان ما انت تميل ع الضهر
دا البين عمل معي صدفة وطلب المهر
واندار كسر لي مهر كان ينط الحيط وشبابي •••
خايف قول آه يطلع للعدا سري
من قلة وليف زين أشكيلو على سري
متحسبونيش يا رفاجة م العيا بطلان
أنا بقيت أتقلب على الجنبين شبيه بطلان
وعشرتي مع قليل الأصل سماني
85 •••
دخلت بستان باتفرج على اللي فيه
آدي سنة حول وانا اتفرج واقول ياما فيه
لقيت طبيب زين فارش ونايم فيه
جاني طبيبي ووصفلي الدوا ف ماعون
وآدي كل ماعون ينضح يا أخي بما فيه •••
غايبين عن العين بقالهم سنة حول مدامتشي
كنا المبالي يا طبيب وكانت طابت مجارحنا
وجتنا ليالي الهنا والسعد وفرحنا
واندار علينا الزمان زود مجارحنا
كنا فرحنا يا خسارة بس ليام مدامتشي •••
عوضي على الله في يوم العزم وشبابي
وكان حدايا عزم أكيدبو الخصم وشبابي
86
أنا عجبي على راجل زين كان ليه مية وميت صاحب
ولما خس ماله ما عدشي ليه ولا صاحب
الفصل الثالث
طبيب المبالي والأوجاع
من ظواهر الموال الأحمر استخدام مأثورات أو
Motifs
أو رموز محددة والنسج حولها عبر عصور الإظلام المتتابعة التوالي، كالإكثار مثلا من العلل والمعلولين، ومفردها عليل.
ومنها بالطبع الحاجة والتوسل بالطبيب أو الحكيم الذي من مهامه إبراء وشفاء هذه العلل والأوجاع، التي عادة ما تستعصي على آلاف «الأطبة» والمطببين والحكماء.
فالطبيب هنا لا يتوقف دوره على إبراء وشفاء العلل الجسدية؛ من جروح غائرة، وأمراض مباشرة جسدية، بقدر ما يمتد طبه إلى تلك البلايا، التي يمكن أن نطلق عليها «روحية»، وكذا «نفسية»، التي لا بد أن يحدثها خصومه وأعداؤه المتحكمون في مسار الحياة والدنيا التي عادة ما تقلب كدولاب لتأتي بمن كان موقعه إلى الوراء أمام، والعكس، وكذا فهي تملك - أي الدنيا - قدرات التنكيل والإجهاز على من أرادت.
فالطبيب المداوي هنا ما هو سوى طبيب المبالي، أو من ابتلوا بالداءات المتعددة، لعل داءات وأمراض العشق
Love sickness ، وكذا أمراض «المخاواة»، والرفض إلى حد أقصى درجات القرف للواقع الماثل وتراكيبه الاجتماعية والطبقية السلطوية.
كما أنه طبيب يمتلك قدرات على المزيد من قهر مرضاه - من المبالي - بل والإجهاز عليهم قتلا واغتيالا، كما سيتضح من الأمثلة المرفقة.
وفي الموال التالي يتحدى العليل طبيبه، الذي وزع مراهمه ودواءه ولم يعطه، وهو لهذا لن يدني نفسه لأي «ندل»، حتى ولو كان حكيمه المداوي الذي سيجلب عليه الشفاء:
مر الطبيب يوم بالمرهم ولا ادانا
1
وانا جدع زين يا ناس لا اتحشر ولا ادانا
2
النفس نفسي واقدر أعففها
واصحن الصبر في كفي واسففها
وان رمتني على الأندال لحلفها
واحلف يمينين لا اتحشر ولا ادانا
أما علة المريض التالي فهو عيب أصابه كلما خف منه عاوده:
طبيبي بتنده عايز مين؟
سبب بلايا عيب أتاني
كلام العوازل عايز مين؟!
خلا اللي طاب عيا تاني
3 •••
إياك يا طبيب المبالي تصبح ولي تنزار
وانا أسفف الصبر قلبي وازيد قنطار
عشان ما حكمت يا طبيب وحكمك علينا صار؟
في الحوار التالي يتضح مخالطة وتوحد الطبيب، أو طبيب المبالي، لنقيضه مسبب البلايا والكوارث وهو البين:
عليل ونادى على بيت الطبيب وحديه
نص الليالي وسمع له أنين وحديه
وآدي عمود السراية وكرسي المملكة جنبيه
ما أصل بابين على بيت العامرين كناس
4
وخلفتلي
5
جرح من جوا الحشا كالناس •••
يا أيها العبد اذكر رب الإله وحاديه
خالق الخلايق وخالق نسرها وحاديه
أهل الشقاوي يقضوها هموم وساعات
والرزق لو ساعات في لحظة بييجي وحديه
وكثيرا ما تذكر هذه المأثورات الفولكلورية الشعرية كيف أن الدواء كثيرا ما يجلب من بلاد الشام:
عليل وفارش ونايم تحت حيط واقع
قلبوه ع الشمال التقوا اليمين واقع
قالوا هاتولو دوا نافع
جابوا الدوا من أراضي الشام
لقوا الدوا واقع
أنا قلت يا ناس حطوا الدوا في علبو
وودوه لصحابو
إيش يعمل الدوا في اللي بختهم واقع؟
ومن المألوف وجود حكايات شعرية موجزة محكمة التصميم والبناء تحوي حوارا داميا بين هؤلاء المعلولين بالحب والعشق و«المخاواة»، وبين الطبيب الموكل بالمعلولين والمبتلين والمتيمين:
سمر الحصير داب من مرج العليل عليه
أم العليل تقول يا إله العرش طل عليه
أبو العليل يقول يا ولية ابنك مهوش عيان
دا الولد فاجر
إيدي وإيدك يا ولية برا الخلا نرميه
إيدها وإيده برا الخلا ورموه
وردوا الباب وقالوا:
ما ولدناش حد
صحي العليل من منامه وقال آخ
يالقات لحباب
6
بيت الطبيب فين أنا أروحله وأقف ع الباب؟
سمعه الطبيب وقال:
مين دا اللي واقف هناك ع الباب؟
قاللو:
غيرشي
7
متيم فاتوني رفاجاتي
وحتى الأهل يا طبيب كرهوني وردوا الباب •••
الطبيب ويا الردي
8
إتم لتنين براني
ولا يطيب العليل إلا بإذن براني
بختك نصيبك إتم لتنين براني
ولا يطيب العليل إلا بإذن براني
والله الرفيج
9
الموافج في الزمان دا صدف
وآدي كلمة الحق هيا اللي عليها النص
10
من بعد ما كنت بصطاد في الغزال والنص
نصبت فخي على بختي قفل وصدف
أنا رحت اتاجر في المكسب خسرت النص
جت وقعتي في الصدف مشغول براني
وهنا يا له من حوار بين العليل وجرحه! الذي ينتهي به إلى أن الناس كلها على هذه الحال، أي معلولين ومجروحين ومبتلين:
وكم يا جرح أجيبلك ولايملك
11
إن طبت يا جرح لعمل ولايم لك
وان ما طبت يا جرح آدي الناس كلها على دي الحال
وافعل خلاصك يا طبيب وآديني ع الفرش نايملك
وآجي فين؟
أنا الذي دلني دهر المشوم
12
وآجي فين؟
العفو يا عين من دمعك شكيت بلدين
قوم اسمع الصبر مبقاش الخلاص باليدين
ومللا زمان شين بقى حكم اللعين بلدين
وبقى زمان شين وفات ع الديار ما وعين
13
أنا قلت يا رب تبسطلنا الأرزاق بقى ونعيش
وتسبل الستر من فضلك نعيش بلادين
14
أنا الذي دلني دهر المشوم وآجي فين؟
وبخت مفيش
أنا الذي دلني دهري وبخت مفيش
آدي البين هدم قصور ملكي وعزوة مفيش
15
ورقدت عيان سنة حول ع الفرشة وقوة مفيش
يا دمع عيني ع الخدين بداري
على خل كان صادق
خدوه مني العوازل عمال يداري
يجد بي أحوال بعد أوقات بداري
16
وياما ناس ولاد ناس دايرة في الحب
17
محتارة
وإيه؟ شطارة يا عم وبخت مفيش
داريني
يا دنية الشوم عليا ليه داريني
18
نزلت دموعي على الخدين داريني
وعوازل السو بالفتنة داريني
19
نزلت دموعي على الخدين وبراشي
ومن بعد ما كنت أكيد الخصم وانا ماشي
صبحت ماشي واقول يا حيط داريني
يا سيد
من اجل الضرورة بقول للندل يا سيد
انظر لحالي وشوف الحال يا سيد
العيال يتامى وكيف الحال يا سيد
قام اتلفت يمي وقالي من جبالي روح
والمال بيحلي قليل الشوف والعمشة
غيرشي دي كانت قسم ونصايب
وغيرشي دي عين في جسد السليم صابت
والصنعة خابت وكيف الحال يا سيد؟
في الدنيا
كيف العمل يا ربي في الدنيا وحالتها؟
جابت عفوش
20
ناس رقتها وحلتها
وآدي الأمارة على الباجات حالتها
21
وابن الهفايا انعدل ولبس جوخ وقطامي
واحترت يا رب في الأول وفي التاني
أكم سلاطين عزتها بحالتها!
يا عين ما تبكي
يا عين ما تبكي على اللي صبح في فكر وحسابات
ومركبو بلطت تحت واح سوبات
22
وكلمة الحق ضاعت من قلة الإثبات
حتى جيرانو اشتكت منه قوي واندل
وكان راكب على السرج قام قاللو الزمان انزل
حكمت على السبع تحت واح سوبات
على الدنيا!
زهزهت يا زمان وذليت ناس على الدنيا
23
وحوجتنا يا زمان لقل الناس على الدنيا
من بعد لبس الحرير لبسنا الخيش على الدنيا
وعوازل السو يحسبوني م الصجر مقطوع
وانا جدع جد وليا وسط الرجال منابين
24
تسأل عليه تلقاني مأصل الجدين
وحلفت يمينين ما اماشي حد ع الدنيا
وعد لهم
شوف الزمان اللي دل الأسد وعدلهم
كواهم كي ع الجانبين وعدلهم
لبسهم الخيش بعد الجوخ وعدلهم
أنا قلتلو بالله يا زمان مشيك معي موش عال
من بعد نوم العلالي وركوب المهارة
25
العال
قاموا صبحوا لندال بلغوا القصد وعدلهم
وخلا بي
أنا الذي سهران وليلي طال وجرحي نز وخلا بي
لو كنت أعلم بإن الدهر لو ميلات وخلابي
26
وحوجتني يا زمن للأهل وخلا بي
27
أنا كنت جدع عال في زمان جهلي
28
وكنت مماشي ناس عزاز تعلم بيهم
جميع أهلي
شوف لما ابتليت بالعيا لم حد نادهلي
وف عز جهلي غدرني الدهر وخلابي
لو كنت أعلم
لو كنت أعلم بإن ليالي الهنا حتميل عن الأول
أنا كنت حشت لياليا عن اللي مضت أول
واللي انعدل ريحه انعدل من الأول
أنا قلت الله يقطعك يا زمان!
ما انت هرجمت
29
قصوره كانت مأسسة برخام
ما قاللي الزمان أنا كده اللي ورا بجيبه قدام
واركب الهلف
30
على لكتاف من الأول
تالت
بايت
31
بجرحين صبحت التقيت تالت
يا لطعتي جنب حيطات العدا طالت
فاتت علينا ليالي طيبة كانت
لقينا آخرتها حنضل وصبر ومر
يا ريت ليالي الهنا كت قصرت ولا طالت
تعا اتفرج
لو كانت دموعي على خدي بتتفرط
ما كانت الناس على حالي بتتفرج
من بعد ما كنت باطلع سلالم العز بمدرج
زعق عليا غراب البين خلاني سقيم وعليل
يا حاسد الناس على اللمة تعا اتفرج
دهر المشوم
أنا الذي دلني دهر المشوم وآجي فين؟
وبليت مع ناس شرسات العقول وآجي فين؟
رابطين لي في الطرق كما وحش الجبال
وآجي فين؟
أنا الذي دلني دهري وسقاني كاس المرار والخل
والبين ضربني بنبلة كما المشعال
وطبيب لجراح مشيو معي موش عال
وانا اعمل ايه في المقدر واللي انكتب والبخت؟
وحكم عليا زماني مشيت في سكك زلق
32
حافي مع بخت
وانا كان طعامي رميس
33
ضاني اللحوم والبخت
أنا قلت يا بين لهو انت ليك حدانا طار؟
من فعلك الشين يا بين عقلي من دماغي طار
نزلت دموعي على كرسي خدي كما لبحار
واحترت يا رب مش عارف أروح وآجي فين؟
عريان
عاكست ليه بقى يا زمان وخليت الأصيل عريان؟
الندل عايره وقاللو روح يا فقير عريان
ما قلت معلهش القمر في لاحة الفجر بيغطس
وساعة العشا بيبان
والله لميل الدراهم لو لبس الحرير عريان
يليق لو الخال يلوم ما هو ماصدقوش الزمان
34
ولا مرة
إكمنه صبح مسكنه سرايا من بعد ما كان
مسكنه عشة
وشوف الكرام من ميلة الحظ مستنظرين
الفطور والعشا
الفكر عشق معايا خلاني عليل ما بنام
الجسم مني بلي والعضم راخر بان
دخلت اسأل شيخ عالم والكتاب في يديه
رمى الكتاب من يمينه والتفت قاللي:
بقى زمان شين بيت الجبان ارتفع
وبيت الأصول عريان
بتربيه
شوف دنية الشوم حكمت ع السبع بتربيه
تلبسه خيش بعد الجوخ بتربيه
إكمنه خالف كلام الأهل بتربيه
إكمنه خالف كلام الأهل واللمة
وف
35
باطني جرح من جوا الحشا لما
دقدق عضايا وطير جملة اللمة
وآدي اللي يخالف كلام الأهل واللمة
ليام ويا الليالي غصب بتربيه •••
العين تقول للقلب طاوعني وانا ريحك
36
وان تعبتني لاتعبك واتهب أنا ريحك
خليك ولد جد إذا ملك العدا ريحك
خليك ولد عال على طول الزمان غلبان
واصبر على بلوتك لما ينعدل ريحك
37
حاسديني
طبيب البلا فين؟ جرحي شين حاسديني
عامين بشهرين وانا ع الفرش حاسديني
وانا اعمل ايه في المقدر واللي انكتب
38
بلدي
وكلام عزولي في حدايا
39
أكتر من رصاص بلدي
وعدمت مالي وولدي وبرضه الناس حاسديني؟
مما جرالي
مما جرالي صبحت أعدي البحر على الركبان
40
وانا ما ليا رفاقة ولا عزوة ولا جار بان
مقالات عيسى ابن مريم في زمان جيله
اللي ابتلى بالقشل
41
ما حد بيجيله
والله إن سقيت الخسيس سكر وتكريره
عمر الدهان ع الوبر ما ينفع الجربان
في الموال السابق يتحسر قائله على فعل الزمان معه وما جرته عليه الأيام من المصائب و«القشل»، أي الفقر الشديد المدقع.
ثم يربط بين حالته هذه وبين الرفاق والأصدقاء والجيران، مؤكدا كلامه هذا بحكمة «عيسى ابن مريم»، المسيح:
اللي ابتلى بالقشل ما حد بيجيله
والمواويل التي تتحدث عن الصداقة كثيرة، وكلها تربط بين الصداقة وبين الأوضاع الطبقية المتقلبة، وكلها تلوم وتعيب على الصديق الذي لا يقف بجوار المرء في محنته.
ولقد كانت الشرائع الدينية الفارسية القديمة تقول حكمة مأثورية مبلبلة هي: «خسيس من يسدي الخير لخسيس.»
وبعض المواويل التي تدور حول الأصدقاء والجيران وعلاقات الناس ببعضهم، تكاد تصبح امتدادا لها، أي مثل هذا المأثور:
عشمان يا قلبي لأنك خلي البال
عشمان في ناس لكن ما انتش عندهم على بال
أنا عاشرت راجل يدق النبل ع السندال
قرا الهجاية كتبلي الميم على السين دال
كان ليا رفاجة وكنت منقيهم تقاوي عال
وحرتهم حرت طيب وسقيتهم عال
وضميتهم في الندا ياما لموا ورايا غمار
ووديتهم الجرن درستهم وقعدت أدريهم
يا حصر بالي
42
ما طلع منهم أجرة الجمال
ولو كان الطبيب ع الباب!
راحوا فين الرجال الكرام اللي كانوا يحيوا الضيوف ع الباب؟
بيت الطبيب فين؟ دلوني أروحلو وأقف ع الباب
من توت لهاتور
43
وانا واقف دليل ع الباب
ما التفت الطبيب وقال:
يا عليل دا احنا كلنا ع الباب •••
طبيب معي جرح من جوا الحشا شلة
ورفق الزمن دا بقى شلة
ويا ويل من يمسكولو الناس على ذلة
يموت بعلة لو كان الطبيب ع الباب •••
دخل الكبر ع الصغر والله العظيم ما دريت
والشعر آهو أبيض من بعد السواد ما دريت
ولضراسي اتقلعت بعد السنان ما دريت
واللحية دارت يلا حسن الختام والعقل
سبب العلوم إيه غير حفض الأدب والعقل؟
ولما حوجني زماني قام فر مني العقل
ولما فر مني العقل جبت للأصل الردي رمان
وقعدت فرطت وف نفسي فرطت
وخدمت العويل
44
وما دريت •••
أنا ما حد غلبان في الدنيا كما غلبي
شايل التلاتربع في البلوة بآسيها
خدني اليسرجي
45
لحد السوق كمل غلبي
ما دريت إلا لما قبض تمني على الأكمل
سلمت روحي لملك الموت وسهلبي •••
يا دي العجب في جدع يشكي قوي غلبوه
يرتك كما الدست يا خسارة العيال غلبوه
كان جدع زين سموه الرجال غلبوه
46
كان جدع يقطع م الكلام ويسدد وحياة الآلة وبينه
وكان معاه مال ما حد يقدر يعد حصاه
منو ذهب راح في وادي اليمن ما حصاه
زعق من عزم مابو يا ويلا من تاه
والزهر كدب معاه في منقله غلبوه •••
شوف دنية الشوم بعدما عطت وشها ليه
قلبت كما دولاب خدت اللي كانم ليه
كان ليا صحاب يزيدوا على المية
الدار خليت ولا بقاش فيها ولا واحد
وصبحت أدور ع الرفق القديم ما لقيت
أنا سألت شيخ عالم ومن بعده كتب ما لقيت
رمى الكتاب من يمينو والتفت قاللي
أمرك إلى الله ما دام الناس ملهية
شوف دنية الشوم بعد ما عطت وشها ليه •••
حسك تلوم مبتلى دا الهم في الدنيا
عيني رأتش ملوك دامت لها الدنيا
انظر بقى وشوف أفعالك مع الدنيا
كلام أقولك عليه اسمع معناتو مني
عاشر مسيرك تفارق طالع من الدنيا •••
ما تآمن الدهر لو ترجم معاك وخدم
دا دهر ميال هتك ملوك وخدم
أكم ريس أداري جا معاه ريح الطياب وخدم
دي مركبو في اللجاجة تاه
من بعد ما كانت تعدي يا خسارة تاه
زعق من عزم ما بو يا ويلا من تاه
شوف حكمة الله جا بيت العزول وخدم •••
أنا عملت جمال في الحارة ورا بكري
أعمل بقرشين واتمخطر ورا بكري
47
إلا وربي وعدني بيهودي شاطر
مكره غلب مكري
بيعني بكري وصبحني وراه مكري
الفصل الرابع
الرديء والخسيس والندل وقليل الأصل
ومن ظواهر هذا الموال الشاكي المتوجع الانتقادي الأحمر، الإكثار من الحديث والشكوى من ذلك الإنسان السيئ، أو الرديء، أو الخسيس، أو قليل الأصل.
وما أكثر بالطبع هذا النمط من الناس! الذين تعج بهم الحياة وترجح بهم كفة صراعاتها وتطفح.
فهذا الإنسان الرديء، سواء أكان صديقا أم شريك حياة أم جارا أم زميلا، عادة ما يكون أقرب إلى أن يكون بطبيعة تعبده لكل سانح، وافتقاده لكل قيم، إلى أن يكون سلطويا جائرا منكلا.
وعادة ما يبدأ قائل هذا الموال جمهوره شكواه بالتنكر وانتقاد عيوبه، حين أقدم على اقتناء أو «شراء» الرديء، سواء أكان صديقا، أو زوجة، أو رفيق عمل، أو دابة، وهكذا.
والشراء هنا يشير إلى الاقتناء، بالمعنى الاختياري الإرادي، وعادة ما ينتهي بدورة البيع، أي بأخذ هذا الإنسان أو الكائن الرديء وإعادته إلى حيث جلبته وهي السوق - مرادف السوء - وبيعه ولو بأبخس الأثمان وتراب السوق والخسارة، بل وتراب السوق ذاته.
إلا أن الملاحظ أن مثل هذه المأثورات من شعرية وحكايات ومواقف ملحمية وروائية، تتبدى في السير وصراعاتها وحروبها القبائلية، التي تتخذ من نمط أم
الأصيل والخسيس مادتها الرئيسية، كما أن من المألوف أن تسقط في براثن الثنائية، التي موجزها انقسام العالم إلى خير وشر مباشرين، أو نور وظلمة، وعلى هذا النحو أصيل وخسيس.
والثنائية أقرب إلى أن تتحدد داخل العربي كمؤثر «آري» فارسي في الصراع المتصل الذي جاءت به الإيفستا بين «إله» قوى الخير «أهورا مزدا» ونقيضه الشرير «أهريمن»، وتواترت فيما بعد إلى شهنامات الفرس
1
المتصلة المتوالية.
ومن أقوالهم: «خسيس من يسدي الخير لخسيس»، وهو ما يتقارب مع مأثوراتنا، ومنها تهديد قائل المربع لحدقة عينه إذا ما عادت إلى اتخاذ الخسيس حبيبا:
إن عادت العين تعمل الخسسة حبايبها
أنا أهد ظربها واقلع من حبايبها
ويرد هذا الصراع المثالي في معظم السير والملاحم المندثرة أو المهشمة، مثلما وصلنا في السيرة أو الملحمة التي يتعاقب فيها الشعر والنثر حول الملك معروف وابنه الشاطر حجازي، ونقيضهما الرامز للشر والخسة «البين» المتوحد ب «ست» أو «ستخ» أو «طيفون» مرادف الشيطان في التراث العربي، كما يرد في السيرة المندثرة «عبيد الغالبة» وكذا في الحكايات الخرافية «نعناعة والإله - الحمار - سعد الدين»، مرورا بصراع إبراهيم مع الملك النمرود، وموسى مع فرعون مصر.
فالثنائية سمة بين كلا التراثين المتجاورين أو المتتاخمين الفارسي الآري والعربي السامي، اكتملت في الشعائر، أو تلك الطقوس الهامشية المتصلة بالبدء، سواء أكان البدء في حصد المحصول، أو بدء حرب قبلية، أو هجرة، أو إطعام، وانتهاء بقراءة وتراتيل النصوص الدينية: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
إلا أن هذا الملمح الانقسامي الثنائي لا يقتصر على تراثنا، بل هو يكاد أن يكون ملازما لخرافات الجان على رقعة العالم أجمع، كما لا تخلو منه الحكايات التعليمية والوعظية عن أخوين أو شقيقتين، إحداهما تناصر الطيبة والخير المطلق، وثانيتهما تقف في صف الخسة والشرور، كما هي الحال في التراث الأسطوري والشعائري الزرادشتي الفارسي القديم.
كذلك لا تخلو نصوصنا التالية من استهداف التقابل التعليمي الوعظي، والتحذير والابتعاد عن النذل والرديء ومن لا أصل له.
ياللي اشتريت الردي وإيش كان عجبك فيه؟!
أنا اشتريتو ملمع ما كنت أعرف اللي فيه
لما اشتريت الردي بدربو وروح ع السوق
وكل ما جالك في الردي حمل وقوللو سوق
وقفت بيك يا ردي لما شلت تراب السوق
ما حد جاني ولا فصلي بعتماني
رميت حمله على ضهره
وقلت يا ناس معيوب
اللي يسوق يسوق •••
جرحي القديم الأولاني أنا كنت راضيبو
ولما نز الجديد ع القديم زادت لهاليبو
وسر تربة بني زين وعبد العال ونسيبو
لناخد حقنا من قليل الأصل ونسيبو! •••
إن عادت العين تعمل الخسسة حبايبها
أنا أهد ظربها واقلع من حبايبها
ولما عملتو الفرح ليه ما دعيتوناش؟
إشمعنى في الغلب طونا نوايبنا؟! •••
ياللي اشتريت الردي وحملت عنه الدين
وصبحت من عشرته تلطم على الخدين
ساعة جلبت الردي كانت عيونك فين؟
لهو انت بعدما تقبض التمن تدور ع الأصل بعدين؟!
لما اشتريت الردي بدربو وروح السوق
وكل من فصلك فيه اسعى وقوللو سوق
أنا وقفت بالردي لما صفصفت عليا السوق
رميتلو حبله على ضهره وقلت اللي يسوق يسوق •••
زرعت الجميلة في أرض واتاري الأرض مقطوعة
مردومة بالخرسان بالجبس مقطوعة
سافرت برا وجبتلها تقاوي عال
وقلت دي تنفع وتبقى زراعتها عال
أتاريني بانفخ في قربة والقربة مقطوعة •••
يا نفسي كوني معايا ع الحال والماشي
لاستعملك الذل وأكل الحال والماشي
يا نفسي دا انت رضية بتعشقي لندال
إن قابلك الندل في السكة ليه بتقفيلو؟
وإذا سمعتي حسه في تاني حارة ليه تروحيلو؟
والله الأصيل عال كفاية اللفظ وسؤاله
وإن قابلك الندل في السكة وقعد يجر في كلامو
صهين كلامو وفوتو يرن ع الماشي •••
جرحي في جنبي كلعني
وجار الردي عبتاني
واخويا شجيجي كلعني
زمن الجرح بعدما طاب عبتاني •••
إن سبني الندل ما انيش ندل أرد عليه
أحفظ لساني عن الغلط ما ارد عليه
أصله وفصله ظهر عنه ما رد عليه
مجرم قبيح وداير في البلد كداب
ما عدت آجي حارتهم أبدا واخشى الدرب
واذا كان له أب كان يوجب نرد عليه •••
اللي يعاتب قليل الأصل ملوش عقل
ينسب عرضه واذا كان ابن هوله عقل
يا عم سيبك من اللي داير بالفتن والنقل
واذا كان قليل الأصل يعتب على روحو
دا كان يجيب سم ساعة يسم بو روحو
بينقد على الناس ولا ينقدشي على روحو
دا أصله قليل الأصل وجتلو السعادة نقل •••
يا ريت نهار اشتريت الردي كان مات جلابو
ولا كنت اشتريت الردي من يد جلابو
أنا اشتريتو بحسبو حر تخشى الناس جلابو
لقيتو مشنير يلبخ في الكلام ويزيد
أنا رحت ابيعه لقيته بينقص في التمن ما يزيد
أنا خدته من إيده واديته لبتاع الوقيد
واشتريت جلابو •••
أكل الخشن ضرني ما أدرشي على الضاني
فلوسي شحيحة وآدي الايام عضاني
لو كان لي أب زي الناس رباني
ما كنت أسكر وانسى ذكر رباني
مشي الخسيس عيب لوعني ورباني
مشي الأصيل زين عدلني ورقاني
الله ينعلك يا زمن حوجتني لأقل الناس
دا البين طحني كما الحنة ورباني •••
خسيس وشتم أصيل قاللو نهار مندي
ضحك الأصيل شوفوا فسوق دي من دي
قام الخسيس قال خليها سطيحة لا عندك ولا عندي
التفت الأصيل لقى الجلسة عليه مالت
قال اشهدم يا رجال حق الخسيس عندي
وفي التناظر السابق بين الخسيس الذي سب الأصيل، الذي ما إن اكتشف أن الزمن والأيام في غير كفته حيث يتسلط الخسيس، فكان أن أشهد الجميع على أن حق الخسيس - الجائر عليه - عنده!
الفصل الخامس
البين وعياله ونكائده
تعرفت شخصية البين ومأثوراته في تراث الحكايات الفولكلورية، ثم اكتملت لي شخصيته الخرافية في الموال الأحمر، وكشخصية ماثلة في كوميديات مسرح الفصول المضحكة أو مسرح الفلاحين المرتجل.
فعادة ما تجد فرق المزيكة والفصول المضحكة أو الأفصال مجالها وجمهورها في السركات - أو التروكة - التي تقام في الاحتفالات الجماهيرية والموالد، يضاف إليها مختلف الألعاب والنمر البهلوانية والأكروباتية والكلاونية عامة، ما بين بنورة المسحورة والمرأة الطائرة.
يضاف إلى هذا صناديق الدنيا، التي كانت تقدم نمرا وروايات ومأثورات؛ السفاري عزيزة، أو السفيرة عزيزة، وورد وسلبند، وهي بلاد مندثرة خرافية، ونعناعة وتعذيب البين لها.
وللبين بشكل عام حكاياته ومأثوراته وخرافته التي لا تنقطع، خاصة في تراث الملاحم وأشلاء السير المندثرة، مثل «الملك معروف وابنه الشاطر حجازي ووزيره البين».
فالبين في كل الحالات رمز الشؤم والشر، مثله مثل ست أو ستخ أو طيفون في تراث مصر الفرعونية، قاتل أوزيريس ومغتصب عرشه، كما أنه طيفون بالمقابل في تراث الحكايات السامية العربية الأسطوري.
إلا أن من مزايا البين أنه كائن خرافي محترق مذرى في الهواء، إنه ذلك الشر الذي يخالط الشهيق والزفير في المعتقد الجمعي الشعبي، لذا فهو يمتلك ذرية كاملة تنمو وتتوالد بشكل متوال مثلها مثل أجيال البشر.
ومن الصعب حصر مأثوراته في التراث العربي، إلا أنه يرد على نحو متحدد في «الملك معروف» ومأثوراته وفابيولاته.
فقبل احتضار الملك معروف عينه وصيا على عرش ابنه ووريثه الشاطر حجازي، إلا أنه حبس حجازي في هاوية وانفرد بالسلطة، مغتصبا في ممالكه بشكل شرير ضار، لكن ما إن ينتصر الشاطر حجازي ويسترد ملكه حتى يقتل البين ويذري رماده في الهواء هو وابنته، التي عشقت حجازي ومكنته من سرقة سيف والدها البين «الطلسم» والإجهاز عليه، وبرغم هذا آثر حجازي عدم الزواج منها وقتلها ونثر رمادها في الهواء؛ استنادا إلى موقفها في خيانة أبيها وبالتالي قبيلتها، موصيا بالولاء للقبيلة قبل الزواج والحب.
وأصبح كل من حلت به كارثة أو حدث شؤم يصرخ: يا ترى أنا اصطبحت بالبين ولا عياله؟!
كما تناثرت رموزه وحيواناته وطيوره؛ غراب البين، ووجه البين، ودبيب البين، فلم تبرأ من تمثل شخصيته وشروره السير والملاحم، وكذا مسرحيات الأفصال والحكايات خاصة الخرافية، وبكثرة كبيرة للغاية، بالإضافة للمواويل الحمراء، التي عادة ما تتحدث عن نكايا الزمن والدهر، والأيام، والخطوب، مجانسة وموحدة بينها وبين البين كما يتضح في هذه العينات البسيطة التالية التي جمعتها للبين ونكائده. وللتوسع يرجع لكتابي «أدب الفلاحين»، 1957.
فالبين في النص التالي يقوم بإعداد طبيخ من الحنضل، لكي يروح ينتقي ويسقي المحرومين والشقيانين والمعدمين بدلا من مغتصبي حقوقهم.
كما أنه في «الخماسي» الذي يعقبه يتبدى كإله كامل، فهو الذي يهب الناس الغلب والشقاء، حتى إن مخاطبه «الغلبان» دعاه إلى مشاركة ما هو مغروز فيه: «يا بين تجيش على الغلب تشاركني؟!»
البين طبخ طبيخ حنضل ومر على العللة وبينقي
سقى الظنايا وبيت المحرومين نقي
البين ضربني بشرموخ شوم ومعقي
كتير من الناس قاللي روح تستاهل
شبكتني بالغرام هو الغرام ساهل؟
ياما جهلنا واتاري الجهل بيعقي •••
البين لما عطاني الغلب باركلي
صابح مسافر لقيته في الطريق باركلي
أنا قلتلو يا بين تجيش ع الغلب تشاركني؟
قاللي أنا مرسال والمرسال لا ينضرب ولا ينهان
وانت هدية وآدي الدلال بيعاكلي
وها هو البين يتوعد مهددا بكسر الأيدي، والأحمال، والغربة بلا رجعة:
البين قاللي رباية عز لاهينك
أكسر شمالك واخليك بس بيمينك
واشيلك حمل عمر ما نظرته عينك
واغربك غربة منها الرجوع قليل
لجل ما تعرف عدوك من محبينك
كما أن للبين أسلحة حربه من مقاليع ونبال:
البين ضربني بنبلة ع التراب طبيت
أنا قلت ليه يا بين؟
قاللي إكمنك ع الأصل الردي طبيت
تستاهل يا قلب مين يخزنك في جب
شوف الدهب من غلوه بيتخزن في العب
وانت درت بخرجك م الصدف عبيت
يا قلبي قوللي على وقعتك وازاي ما انطبيت
إنه هنا يتبدى كقبيلة عاتية:
حروح فين من البين وخال البين وعياله
وآدي أهل الفصاحة لأخد التار وعياله
1
يلعنك يا زمن ما انت عمايلك معايا سود
زليت أنفس كانت تشبه لأسود
مثل سمعناه من اللي قبلنا قالوه
من صادف البين قليل إن فاج لعيالو •••
البين قاللي إيش اسمك؟
قولتلو جمعة
قاللي بتضحك وتلعب؟
قولتلو صنعة
أضحك والعب واكايد العزال
لكن يا بين عليه حاكمة الصنعة •••
البين جعد على اعلا بون وشاورلي
وسكن عضاي في اليمين وشمالي
زرده من الليف بخزام سد مفتوللي
البين كبكب الغلب في منديل وعطاهلي
أنا رحت ع السوق باشري لحمي بإيدي
إلا وجزار قطع الكبد ويا اللي
أنا رحت ع الطباخ شخط فيه
عاودت أبكي ولحمي ني
إلا وخبر شين أتى ما رمتنا وفتناه ني
أنا صبرت لما الليل انجسم وفجري بان
فتحت خان لهم وياما تكسرت بيبان لي
إلا وعليل جض قولتلو سد بلالي
أنا لا عاوز شر تجيبولي
ولا طبيب تجيبولي
قاللي سن سلاحك واقتل في العدا وجاديك
وهات غزالك من موطنك جنص ولي
في الموال السابق يتضح مدى تجبر البين، ومدى حلوله في أعضاء جسد من يعن له البطش به في شماله ويمينه كمثل مرض عضال، حتى إنه إذا ما ذهب إلى السوق لشراء لحم قطع الجزار كبده وليته، وإذا ما ذهب إلى الطباخ أعاده يبكي ولحمه نيء:
البين عاداني وحسب ما رام سماني
2
نده وقال يا غراب وانا مكتوب سماني
باعني لغجر صبر مش لتجار سماني
خايف أقول آه يطلع في البلد سراي
وباضحك بسني لكن الحنك بطلان
من قلة وليف زين أشكيلو على سري
فرحوا العوازل وقالوا الجدع م العيا بطلان
جاني طبيبي على بكرة وخد سري
أنا قلت ما تفرحوش يا عوازل
وتقولو الجدع م العيا بطلان
أنا عشرتي مع قليل الأصل سماني •••
البين جابني في حاصل الضيق وجاللي ادخل
واندار سجاني كاس الحنضل وجلة خل
3
ولفيت الكون وانا فردي وجلة خل
4
ولقيت الكون لا باخد ولا بدي
البين فصلي تياب الحزن جا علي جدي
وجا عزولي يباركلي وجاللي ادخل
5
وقد يتخذ البين هيئة القاضي والسائل داخل رقعة مأثوراته:
أنا اللي عاشرت حداد يدق النبل ع السندان
قرا الهجاية وكتب الميم ع السين دال
البين قاللي:
ليكشي رفاجة؟
قلت ناس أندال
أنا اللي حصدتهم في الندى ياما رموا أغمار
أنا اللي درستهم ما لميت منهم أجرة الجمال •••
البين جاب لي غراب نوحي وقالي شوف
إنت حتجيلك ليالي مثل دا وتشوف
تستاهل العين محوار نار ورفروف صوف
اللي تفوت الأصيل وتدور مع المتلوف •••
يا بين داير ورايا إيه بقى عندي؟
قلعت عيني اليمين اشفق على العين دي
ما قال البين والله لا آخدك عندي
أقطع يمينك واخليك بالشمال عندي
ويمتلك هذا «البين» قدرات فائقة حقا على التكاثر والتقمص والتحولات، إنه في المأثور التالي يتخذ هيئة طبيب أو حكيم جوال يستطلع بنفسه جروحات الناس، ويوزع عليهم مواجعهم وهمومهم مصطحبا بغلا وصبيا:
الناس بها جرح وانا بيا تلتميت مية
ولما جاني البين وخروجه م الدوا موثوق
كشف على الجرح ملتقاش دوا عنده
ركب صبيه على بكرة وقاللو سوق
وللبين حكايات ومأثورات قصصية من نوع البالاد الشعرية جيدة التصميم، تكشف في هذه الحكاية التالية عن مواقف إيجابية لعليل نازل البين وحاربه وجها لوجه، برغم غلبه أو فقره وعوزه وعلته:
يا أهل الله العجب لعليل له قلب
لاقى البين في شدة الغلب،
اتحزم وقابل البين أمه تقوللو:
يا سلام يا ابني على القلب دا اللي لك
قابلت البين وزدتني يا عليل على الغلب
دا غلبين
أبوك يا عليل كان ابتلى قبلك وعاود طاب
دا بلاك يا عليل يحكي يلا جدك
أبوك يا عليل كان ابتلى قبلك وعاود طاب
أم العليل سافرت سنة حول
أشهر تلاقي أيام
تلاقي طبيب ابنها ع الأرض ماسكة جان
في سجن ضيق والجان عليه سجان
مرات العليل شافت بلا جوزها نطت من الحيطان
6
أخت العليل جت في داك الدن وانحطت
7
وجابت دراهم في حق العاهرة خطت
نده العليل يا اختي تعاليلي
شيلي اللزق يا اختي واسعي في تعليلي
قالتلو سلامتك ياخويا في الحي هات إيدك
فين رفجتك العزاز يشوفوا سقم حالك وتعديلك؟
صرفت مالك عليهم كنت لم ايدك
قال لها لا انا عاوز رفجتي
ولا حد من احبابي ياجيني
خديني من ايدي ووديني على النهر
أغسل جروحاتي وانقي غشي دا اللي بي
8
طلب العليل جبن قالت أم العليل جبن آه؟!
جبن اللبن يا عليل يتعبك
كل يا عليل م الثماه
سافرت أم العليل جابت طبيبين
إشي راكب واشي مشاة
يا فرحة أم العليل نهار الطبيب مشاه
وفي هذه الأقصوصة البالاد التي يحكيها الموال عن عليل انفضت عنه كل الناس حتى زوجته، التي نطت من الحيطان وسقطت كبغي، وأصبح العليل وحيدا إلا من أمه وأخته وتجربته.
وفي النص التالي يتوجع قائله من تعذيب البين له، بل إن البين يتوحد صراحة هنا بالجبرية، إلا أنه يتحداه وينازله مستشهدا بما تواتر في السيرة الهلالية:
ليه انت يا بين لك حربه وسجاله؟
تضرب بلا نبل في المهجة وسجاله
دا البين ركب على بكرته
وعلى من بعد ساج حاله
من صغر سني يا بين واحكامك عليا جبر
لفعل معاك يا بين كما فعل الزناتي في جبر
هو انت يا بين مش خايف من الآخرة ونزول الجبر؟!
دا البين طبخلي صبر في حلة وساجاني
وتطل السلفية وعبادة السلف في هذا النص عن البين، الذي استمد قائله تشبيهاته من عمله في الجرن، وكيف أن البين كان يهدم له عمله بخلطه القمح على نخالته من تبن وغلت:
البين كواني وبعد الكي غلبني
تبني تعلي وإيه يفيدك بعد ما تبني؟
وقعدت ادري خلط قمحه على تبني
وقعدت ادري خلط قمحه على الغلت
9
تاني
وكله عند الله مكتوبلي ومشتالي ومتداري
واللي عملته في ابويا ضروري يخلصه ابني
إن البين ذلك الكائن الخرافي المتجبر يملك على الدوام التحكم في «شعائر» انتقالاته، بذله وإصابته بالعمى وحرمانه من الابن أو الضنى:
يا بين داير ورانا بالأسى ماريناه
جرحت والفرقة دي مدة سنين ماريناه
وصبحت معي جرح ساكن في الحشا ماريناه
هو انت يا بين عندي تابعه ولا دين
لف البلد يا بين تلاقي ما ورايا ولا دين
وعميت العين وشبنا حتى الضنى ماريناه
الفصل السادس
الجمال وجماهير الشغيلة
تفيد الإشارة هنا إلى أن الجمل ذلك الحيوان المتميز باحتمال كل مشاق في مجتمعاتنا العربية المجدبة، إن لم تكن الصحراوية، والذي يتمثل به قائلوه من جمهور الموال الأحمر بكثرة لافتة جدا، كما يتضح من النماذج الكثيرة التي سنوردها.
وكانت أنثاه، وهي الناقة، منذ المجتمعات الأموية القمرية من أقدم وأبرز المعبودات من آلهة - أنثى - وطواطم عربية.
فالعربي القديم كان يتبدى على طول التاريخ الحفري «الأركيولوجي» بدءا من المصري القديم، والأشوري، والبابلي، والفارسي؛ جمالا.
فالجمل حيوان هام جدا عند مجمل شعوبنا الصحراوية البدوية القديمة، فكان وحدة قياس لمهر العروسة، ودية أو فداء القتيل، ووحدة الميسر - أو القمار - والتضحية والفداء، يشرب البدوي لبنه في حالة ندرة الماء وما أكثرها وأشقها! سورة النحل.
وحفظ هذا الحيوان الصحراوي داخل مجتمعات الضرع، فتبدى في معظم اللهجات السامية التي اكتملت روافدها في العربية، فأضفت عليه اللغة الفصحى ووحدت بينه وبين تعبيرات: جمال والجمال والجميل، أي حسن الطلعة، وبالإشارة إلى الفضائل من جيد وجامد، وكذا الجمائل.
وتحوي اللغة العربية وتحفظ للجمل نحو ألف اسم مختلف، ويرى البعض أن الجمال أو البعير كانت من العوامل الرئيسية التي سهلت الفتوح العربية والسامية المتزامنة والمعاصرة للدولة الحديثة في مصر الفرعونية، ثم الفتوح الإسلامية فيما بعد؛ نظرا لجلده على تحمل مشاق العطش شتاء 25 يوما.
والجمل كالحصان حيوان أمريكي الأصل، أدخل إلى فلسطين وسوريا مع غزو الميديانيين الفرس لهما في القرن 11ق.م - «قضاة» 6 : 5 - وبدوره أدخل إلى مصر مع غزو الأشوريين في القرن 7ق.م، ولم يعرف في شمال أفريقيا قبل الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي، مع الفتوح الإسلامية.
كذلك عرف العرب الجاهليون شعائر النوق والجمال السائبة، تلك التي تترك لترعى حرة في حمى الأرض الحرام، مثل حرم مكة وحمى الطائف، منافعها للآلهة دون غيرهم.
فاعتادوا إذا ولدت الناقة خمسة بطون آخرها ذكر أن يشقوا آذانها ويخلوا سبيلها سائبة للآلهة، أو لذلك البانتيون العربي الجاهلي «الأصنام»، فلا تركب ولا تحلب، وتصبح مشاعا طقسيا سائبا تحمى بالتابو، بمعنى ألا يصح المساس بها من جانب الأحياء، فكانت تنذر للآلهة والأرض المقدسة أو المحرمة.
ويحق للعربي القسم بالناقة والجمل، فيقول: «إذا شفيت فناقتي سائبة » وهكذا تصبح الناقة محرمة، أو تحت التابو للآلهة الأصنام بدلا من الناس.
ولقد تسبب صاحب قتل ناقتين من تلك النوق الطوطمية الطقسية السائبة، في إشعال نار حربين قوميتين؛ أولهما ناقة النبي «الطوطم» صالح، أو ناقة الله «السائبة» حين عقرها له قومه، فكان أن دمر «رجل» الله قبائل - ويمكن القول حضارتي - عاد وثمود، حين أرسل عليهم الرعاف أو السيول كعقاب، كما هو الحال مع سالفه نوح وقومه والطوفان كعقاب.
ويلاحظ أن «صالح» الذي أرسل إلى قوم أو قبائل ثمود الآرامية البائدة، وكانوا يسكنون اليمن إلى أن طردهم الحميريون القحطانيون، ورأسهم هو حمير بن عبد شمس الملقب ب «سبأ» لأنه كان يسبي أعداءه، فنزلوا مدائن صالح بالحجاز، وأصبحوا مضرب الأمثال في التفرق فقيل فيهم: «لعبت بهم أيدي سبأ.»
وعنهم أنشد المتنبي:
أنا من أمة تداركها الله
غريب كصالح في ثمود
وقيل:
فأهلكوا ناقة كانت لربهم
قد أنذروها وكانوا غير أنذار
كذلك يلاحظ أن الكشوف الحفرية أثبتت وجود مدائن صالح المعروفة بهذا الاسم شمال غرب السعودية إلى اليوم، ومن معالمها - أي السعودية - الأثرية الأركيولوجية.
وأورد اسم مدائن صالح المؤرخ «سترابون» 200ق.م، وذكر الطبري أن ثمود أقامت في الحجر وضواحيها بين الحجاز وسوريا، وهي تفوق في ضخامتها مدينة البتراء الأردنية، وآثارها المتبقية عبارة عن أضرحة ومدائن يبلغ عددها 130 مدفنا، عليها كتابات ثمودية ونبطية.
وما يهمنا في موضوعنا هذا الماثل عن الجمال ومأثوراتها الكثيرة اللافتة داخل رقعة الموال الأحمر، هو العثور على نقوش ورسوم الجمال الآلهة الطواطم، كوحدة أساسية في هذه الحفائر الثمودية.
كذلك تتوحد ناقة صالح مع ناقة البسوس السائبة، أو المقدسة بدورها، حين اقتحمت حمى كليب ملك العرب، فكان أن ضربها بسهمه فشخب ضرعها «بالدم واللبن»، فاندلعت حرب البسوس الشهيرة التي امتدت أربعين عاما، وعنها تؤرخ سيرة الزير سالم «أبو ليلى المهلهل»، التي تجري أحداثها ما بين الشام وفلسطين.
1
وفيما يلي نورد مأثورات الجمال، القاسم المشترك الأهم للموال الأحمر:
حلف الصفا من محله ما أنتقل لعويل
إكمنكم بدلتو الجمال البخاتي كلهم بعويل
وليه يا رفاقة علي ناكرين ودي؟
والقلب من يمكم عمال يجيب ويودي
وانا لحلف على العين ما تاخد منكم ولا تدي
إكمنكم بدلتو الجمال البخاتي كلهم بعويل
فيطلق على جانب كبير من مواويلنا الحمراء «مواويل جمال»، وفيها يلجأ الشاعر الشعبي للتستر وراء هذا الحيوان «الطوطم» الذي لعب أهم الأدوار
2
داخل رقعة الآداب الشعبية والفولكلورية العربية، فالجمل في هذه المواويل يرمز إلى الرجل «العال» الذي يتحمل ويصبر ويكدح، ولا يكل ولا «يتضمضم»، فتشبيه الشعب بالجمل تشبيه يستهدف كلا القوة والجلد.
جمل المحامل
جمل المحامل
3
برك وكان جاله القعود وسند
يقوللو يا بدر خدني معاك وانا اكتبلك حجاب وسند
يقوللو لفيت الكون ملقيتش صدر حنين وسند
يفوت القعود ع الجمل يقوللو ياما مهابيل
4
تقول وتطول
حملي وحملك يا جميل الناس علينا تقول
شوف من سوء بخت الجمل جالو القعود
وسند
خطابي
لو كان ليا جمل في وقت الشيل خطابي
5
ما كان غراب البين حاربني وخطابي
يا ناري قلبي قادوه اتنين خطابي
سايق عليك النبي يا رب يا خالق اللبن في البز
تقوم البكر
6
مثل عاداته يحسن راحت ليالي الهنا
وآدي ليالي الغلب سد تحطابي
7
ودغدغني
جمل إلينا عض في كتفي ودغدغني
وبليت بداءين داء ظاهر وداء دغني
8
الداء دا اللي خفى ع الجمر قلبني
والداء دا اللي ظهر ألفين طبيب جولو
وكل ما اطلب دوا من طبيب منهم يمضي عني
ليه يا جمل؟
ليه يا جمل جبت حملك في معاقيلك
9
وسرت معقول يا جمل لمن كانوا معاقيلك؟
10
لما ابتليت بالعيا يا جمل ...
حدفوك برا الألسن
11
وصجرة المر يا جمل عملوها مراعي لك
12
ويستهدف هذا المأثور أن يتصدى الإنسان لمنازلة ومحاربة من هم أقوى منه.
عجبت للسبع لما في البراري مر
ماشي يهز الجبال الراسية في البر
زامت عليه الوحوش ضحك الأمير وانجر
قالولو رايح فين يا حامي جبال البر؟
قال أنا رايح أحارب أسوده زايدة عني
إن مت قالوا فعل وان عشت طاب لي البر
وعادة ما يرمز الحوار بين الجمل «الرجل» والأعود «الشاب»، إلى حوار بين جيلين:
قعود يقول للجمل
ما لك سقيم ودليل؟
قوم كل عليقك يا جمل
وبكرة يبقالها فرج ودليل
قال الجمل للقعود:
أنا شايف الطرق متسعة
وصبحت حيران مش عارف العشرة من التسعة
وخايف أبرك يجيني جمل غيري
تحت الحمول يسعى
أبقى بها معيرة وسط الجمال ودليل
13
وكثيرا ما تستقل بعض المأثورات والأشعار عن سيرها وملاحمها الأم، منها هذا النص عن الهلالية والتهديد بفرس أبي زيد المعروفة ب «الحمرا»:
حلف
14
أبو زيد يمين وآدي العرب جاعداه
لخربلكم تونس يا زناتة وافرق الجاعداه
واسقيكم السم يا زناتة واملالكم الجاعداه
ما تعرفوش يا زناتة نهار ما كنتوا تحت الصجر مسكين
ومعلقين في رقابي وكل اربعة ماسكين
وجالكم العلام صاحبي وقال سيبو العبد
دا مسكين؟!
والله دوركم طين يا زناتة طول ما هي حمرتي
15
جاعداه
وتمثلا بالجمل وقدرته على حمل الأحمال الصعاب، أصبحت الحمول والأثقال ميزة للتفاضل والتباهي:
يادي العجب في جمل يمشي يرى حمله
يشيل بعينه ما يلقاش حد راحمله
تقول العوازل يا ناس خفوا عن الجمل حمله
يقول الجمل يا ناس هاتولي على الحمل دا علوان
أحسن يقولوا الولد خس عن حمله
ومن المشين تمثل الرجل بالجمل البارك:
إياك تميل يا عليل وعوازلك براك!
ويسمعوا الحس منك يقولوا الجمل براك
قوم شد حيلك عليهم تلقاهم رابطين براك
قوللهم تعالوا يا خاينين العيش
إيش كان جرا مني؟
إذا كنتوا بتجروا ورا نفر
أنا بجري ورا مية
والله إن سعدني زماني
واذا كنتوا ألفية
16
لاقصكم قص واخلي الدما براك
إياك تميل يا عليل وعوازلك براك!
وفي بعض الحالات تتمثل هذه المأثورات الشعرية بالأسد أو السبع، الذي هو بدوره إله شمسي، عربي، سامي قديم:
سبع الفلا جض من الايام وما نابه
عيان ومابو عيا غير المكتوب وما نابه
يا عين نوحي على اللي صبح في الحي ما نابه
والأهل كرهوه وقالوا يروح وما نابه
يعمل إيه الولد ما دام الدهر خاليبو
ماشي ينوح في وسط الطرق خاليبو؟
مشي مع ناس كانوا في الأصول أخصامو
إنما السبع برضه ولو خست مخاليبو
السبع سبع ولا فيش أحد زيه
يمسك على الجد والشرف المليح زيه
والأسد حلف يمينين ما يحارب إلا أسد زيه
يا إما يفوت حقه على الأندال وما نابه •••
السبع لما كبر محدش عبر ريحه
الكلب شم الخبر وجا سكن ريحه
السبع ضرب الكلب وقاللو روح
سبع سنين السنادي وانا ع الفراش مطروح
شوفوا ليالي الهنا بتيجي قوام وتروح
أما ليالي الزعل طالت على المجروح •••
أمانة يا سبع تحمي غابتك والا
17
والا يقولوا عليك سبع الفلا ولى
18
والله إن ما كنت تعاود على الغابة وتدله
لا خير في عيشة طول العمر بمذلة •••
أسد راح يم كرم السبع وزغر فيه
ونوى يلم الأسودة في الظلام ويجيه
اتنبه السبع ونصب فخ وسهر فيه
فايت الأسد اتشنكل ووقع فيه
ما طل لو صقر شاهيني وقاللو والنبي ترضيه
قاللو ازاي أرضيه لما يجيني كبار القصد واعاتبهم
دا كرمنا ساب للأندال يخطروا فيه •••
ولموا الكلاب بعضهم
19
ع الكمان وانعدوا
وقاللو أدينا بقينا كتار على السبع ونعضه
اتلفت السبع ربع لفتة
راحوا كسرة ورا كسرة
كبشة كلاب جرب لا سدم ولا ردوا
وكثيرا ما يتمثل الإنسان المعدم بالجمل الصلب، إلا أن علته هنا هو صاحبه ومستغله الجمال.
أنا جمل صلب
أنا جمل صلب لكن علتي الجمال
غشيم مقاوح ولا يعرف هوى لجمال
كار الجمل له جمل يا علة الجمال
وربي رماني حدا ناس ميعرفوش قدري
وشيلوني التراب بعد الحمول العال
وصبحت عيان قوي يلعبوبي العال
20
وطلعوني السوق باعم واشترم فيا
من يد واحد لواحد ملقيتش حد يصون الود والجمال
أنا جمل صلب لكن علتي الجمال •••
أنا جمل صلب من قبل الخزام والكام
21
غيرشي الزمان هد حيلي من نوم الحصا والكام
ولبست توب الصفا جت ناقصة البدن والكام
22
دا انا كنت أشيل الحمل التجيل ...
وانجعبوا
23
في الطريق وحدي ...
رصرص عليا الحمل ع الجنبين وجا مال
24
خايف أقول آه يا حملي التقيل وحدي
أسألك يا رب تجبها ستر وجامال
وصبحت تيهان موش عارف الطريق م الدار
وعاشرت ناس قلبهم كاليهود مدار
كلوا متاعي وبعد الغندرة ذلوني
وسقوني كاس المرار علقم صعيد مرة
25
وصبحت كالعبد موش عارف حسابي كام
فهو حين يربط بين مصيره ومصير الجمال، ويقول إنه جمل صلب من قبل الخزام والكام! أي من قبل أن يكممه الإقطاعي والحاكم والمستعمر؛ فهو حينئذ يصدق.
فالجمل هنا ليس هو الحيوان الضخم المنقاد، بل هو الشعب المصري من فلاحين وأجراء ورعاة.
إنه حين يؤكد أنه جمل صلب لكن علته الجمال، يعرف تماما ما يعنيه هذا التشبيه.
ولا يوم كل
جمل الحمول الصعايب تلب
26
لا يوم كل
صايم عن الزاد لا اضمضم
27
ولا يوم كل
جابوا المحاوير صلب على زنوده وشلوه شل
وشيلوه حمل قاسي غصب عن عينه وهو تعبان
28
اترجت الأرض من تقل حمله ولا يوم كل •••
أنا بقول على جمل من تقل حمله صام
وفصلولو الزكايب وطولم لخصام
29
وعيشوه مع تلاتة والتلاتة خصام
وحملوه حمل تاكي ومشي في الطريق وحديه
الله ينعلك يا دنية الشوم ع السبع المليح لوتيه
30
وف لفتته ع الأعادي بيرعب الأخصام •••
سبع الفلا جض من المكتوب وما نابه
هيعمل ايه يا ناس في قسمته وما نابه؟ •••
مأصل يا سبع فايت موطنك ودليل
عمال تعجب تلاقي كل شيء لو دليل
دا انا ماكواني وخلاني عليل وذليل
غير الشريك المخالف والزمن لعوج
وطبت السبع من دون معرفة ودليل
عيان يا طبيب
عيان يا طبيب ولا حدش يقول عوافيه
31
كرم الحبايب نشف حتى الشجر عوى فيه
32
والسبع نام واختلى وكلب الخلا عوى فيه
واحنا بلانا إيه غير المعيرة واللوم؟
ما تفرحوش يا عوازل ولا حد
33
ع الدنيا أما جاله يوم
لا بد عن يوم وترجع للجدع عوافيه
نوادر الوقت خلت السباع نامت
عطاشى جواعى جار حيط العويل
34
نامت
والطل نازل عليهم في الخلا نامت
يا ميت خسارة كانت مضايفهم لكل الناس
وكانوا يحموا طنيبهم
35
من كل شي يأذيه
الله ينعل أبو الوقت اللي بيسلم لأقل الناس
وشلت بعيني التقيت القرش بيدي وشه لأقل الناس •••
والله زمن شين وبييجي ع الأصيل يأذيه
دنيا غرورة ملهاش تنا
36
ولا أصل
خسيس شبع يوم قالت الناس بقالو أصل
أهل البلاد عزلوا سكنوا الجبال بلا أصل
وجت ناس بلا أصل على أحسن فراش نامت
إن تحسره ووصفه للزمن شيء مشين، سيئ، يؤذيه وهو الأصيل، ناتج عن عدم فهم واضح أكيد لأعدائه، ومن هم؟ وأين يكمنون؟
فالوضع الطبقي، والمرحلة الزمنية المظلمة، والتضليل التاريخي؛ كل هذا تحالف عليه، وجعله يتوه ويضل ويفقد الطريق الموصل إلى أعدائه الحقيقيين.
حق الدوا على مين؟
جس الطبيب في شمالي
37
أنا قلتلو عليمين
صابح مسافر يا طبيب وهتفوتني عليل على مين؟
قال الطبيب للعليل أداويك يا عليل وحق الدوا على مين؟
قال العليل للطبيب إنت تحسبني يا طبيب من الفلوس خالي؟!
دانا لي عزوة ألفين يا طبيب غير عمي وغير خالي
قالت أخت العليل داويه يا طبيب وانا اوهبلك
38
حجلي وخلخالي
أم العليل قالت داويه يا طبيب ويبقالك عندنا علامات
39
قام طق العليل مات من قولة حق الدوا على مين؟!
40
إنه هنا لا يبالغ، ولا يتجنى، بل هي الحقيقة التي يعيش فيها، فهو يريد أن يعكس مدى الصعوبة في كيفية حصوله على ثمن الدواء الذي يدفعه للطبيب لكي يشفى من مرضه، وفي النهاية فشل، وانفجر ميتا من قوله: حق الدوا على مين؟!
والحوار بينه وبين الطبيب، وبين أمه وأخته والطبيب رائع، وينبض بالصدق والخصوبة.
يا دنيا
الله ينعلك يا دنيا ما انت دنية مال وخواطر
الحظ دايما يميل فيكي على الشاطر
والغني عشان معاه فلوس بيعمل على ولاد الأصول شاطر
وآدي الكلام اللي الناس العاقلين يقولوه
طول ما الحرمة موجودة مفيش ع الدنيا جدع شاطر
وطالما أن هناك نساء يولدن، فإن هناك أفضل وجديد وأجيال مزدهرة متقدمة:
طول ما معاك مال تلاقي الناس تحت إيدك
يرحبوبك قوي ما دام الجنيه ف إيدك
لو خف مالك حبيبك حمامة وطار من إيدك
وقبل متماشي الدون حرص على إيدك
ولا ينفعك في الزمان ده إلا شقا إيدك
ما لك ومال النجوم ما دام القمر في إيدك؟
الفصل السابع
ياما بكيت عليك يا صديق كما بكى الأعمى على الطريق
ويحتفي هذا الموال التراجيدي الملتهب الأحمر بالصداقة والصحبة، مفردا لها مكانا رحبا خاصا، وهو كما سبق أن ذكرنا ملمح عربي ضارب الجذور، بل إن الصداقة تتحدد منذ النصوص المبكرة لملحمة جلجاميش - 3 آلاف ق.م - منذ ذلك البحث المضني للبطل الإلهي الخارق «جلجاميش» عن الصداقة، حتى إذا ما اختلقت الآلهة خصمه أو نقيضه البري أو الوحشي الحيواني «أنكيدو»، الذي تربى مع حيوانات الغابة، و«شعر رأسه كرأس امرأة».
والذي خلقته الآلهة بقصد منازلة جلجاميش - المدني المتحضر - والصراع معه مما يشغل جلجاميش عن أوره أو مدينته، بحيث ينشغل كلاهما جلجاميش وأنكيدو في صراعهما العملاقي وتنعم المدينة وأهلها بالأمان.
وما إن تصطحب عاهرة أورورو أنكيدو وتعود به إلى المدينة، بعد أن ضاجعها سبعة أيام لمنازلة جلجاميش، أمام بيوت البغايا المقدسات، ويقدم جلجاميش على منازلته والفوز به؛ حتى يتراجع مفضلا التقرب إليه وعرض صداقته، أو إحلال صداقتهما محل البغضاء والاقتتال والموت.
وحين ينجح جلجاميش في صداقة أنكيدو، ويخوض البطلان الصديقان رحلتهما العبورية - الكونية - استكشافا للمجهول ومصارعة الشر، إلى أن يمرض أنكيدو ولا يغفل جلجاميش عن تطبيبه والسهر عليه إلى أن يموت، فيمضي يبكيه ويرتدي السواد عليه، بل هو يرثيه ويندبه، ويروح يؤرقه السؤال الكبير عن الموت الذي ذهب بحياة صديقه وصفيه أنكيدو.
فالصداقة ونشدانها كانت على الدوام ملمحا تراثيا عربيا، وقاسما مشتركا لكلا الأدبين العربي الكلاسيكي والشعبي الفولكلوري.
وكثيرا ما يتحسر قائل الموال الأحمر على الزمن والدهر الذي ذهب بحياة أفاضل الناس الكاملين، فأنهى الأصدقاء عن آخرهم:
زمانا فض كمل
ومشيتها ملاجي ملاجي
وصبحت أدور على ناس كمل
أمشي معاها ملاجي
1
فهو هنا في المربع السابق يتحسر على افتقاده للصديق، الذي عادة ما يتغنى به الشبان وهم يزفون العريس ليلة صباحيته ودخوله على عروسته، وهم عائدون حوله عقب انتهاء عراسته واحتفالاتها، التي تشتمل على يوم سمر كامل في الحقول والبساتين خارج البلدة ، حيث يطلق على العريس «الملك» ويختار له وزيرا أول وحكومة، ويظل أصدقاؤه يلعبون ويمثلون أمامه لعبة «السلطة» وتمثيل كلا العسكر والحرامية إلى مغيب الشمس، فيعودون يغنون له أغاني أو مربعات قصيرة يستخدم فيها «الفرش والغطاء» الشعري، إلى أن يوصلوه داره، فيتعشون عشاء جماعيا ويهنئون منصرفين.
وهو ما سنورده باستفاضة في كتابي «مسرح الفلاحين».
وتتفق آدابنا الفولكلورية عامة على الاحتفاء بالصداقة، سواء في حقلي السير والملاحم أو الحكايات والمأثورات، ثم هذا الموال الأحمر والأشعار التي نحن بصددها.
إنها تتحدث باستفاضة عن حاجتها المضنية للصديق أو الصاحب الذي «على طول الزمان ينعاز»، وعن «الصاحب اللي بطيب - أو طيوب - البر ربيناه».
كما أن هذه الأشعار الفولكلورية لا تغفل دور الصديق، المتنكر لماضيه وأصدقائه.
فالصديق الأصيل يجب مراعاته وعدم إغفال العين عنه، فهو الوحيد الذي يظل يحتاجه المرء ويعوزه على طول الزمان:
الصاحب اللي على طول الزمان ينعاز
راعوه بالعين دا في آخر الزمان ينعاز
ولا تؤاخذوه باللي جرا منه
دا أصيل والأصيل على طول الزمان ينعاز
وهو ما يخالف تماما الصديق الرفيق، الخسيس، الندل، الذي لا يسوى شيئا:
أنا عاشرت حداد يدق النبل ع السندال
قرا الهجاية كتبلي الميم ع السين دال
البين قاللي لكشي رفاجه؟
قلت ناس أندال
أنا اللي حصدتهم في النفا ياما رموا أغمار
أنا اللي درستهم ما لميت منهم أجرة الجمال •••
الصاحب اللي بطيب البر ربيناه
منه ظهر عيب جازفنا وبريناه
ظهرت عيوبو وكل الناس دريوبو
قبح ركبنا مطايانا وهملناه
ويجيء النص التالي اتساقا مع مأثورة «حبيبك يبلع لك الظلط»، وأن جدلية الصداقة تستلزم من كلا قطبيها تجاوز العيوب أو تقبلها والردم عليها:
الصاحب اللي تركنا اليوم وراد منا
وما افتكرشي قعادي وشرب الراح وراد منا
أنا قلت يا عم قاصدين الحمى حنبات
ياما شربنا بتاتي سوا خمرة على نيبات
ياما فحتنا على العيبات وراد منا
وقائل النص التالي لا يطالب صديقه بأكثر من ألا يبيعه برخص التراب، بل أن يعلي من قيمته وقدره في مواجهة الخصوم والعوازل:
يا صاحبي إن بعتني في السوق غليني
إنده عليا بكتر المال غليني
وان جا اشتروني العوازل لازم تغليني
واذا كنت ذليت خدني في الجمر واغليني
ما أصل يا طبيب على بيت العليل بتمر
سقيتني كاس من ايدك لقيتو مر
لما انت ريس أراري واسمك ع البحور بتمر
ادعي على مركبك بالشرد غليني
وفي النص التالي يتحسر القائل على افتقاده للعقل والحكمة، وحاجته المعوزة للصديق كاتم السر خازنه.
مع ملاحظة القدرة الفائقة في استخراجات الألفاظ والكلمات، ومدى تناقضاتها وثرائها، مثل استخدام لفظة «خزانة» السر، وذلك الذي استبدل عودا من الجوهر وأخذ بدلا منه زانة أو عصا من الزان:
شابت لحانا
2
ولسه العقل ما جانا
ومن عيانا بنسمع شتمة اعدانا
منين أجيب ناس لكتم السر خزانة
ع اللي ركن عود من الجوهر وخد زانة
على ناس يا ضحكهم من زمرد
يا لعبهم من ياقوت
وليهم عقول من عقول الناس وزانة؟ •••
تمشي على غير شكلك
3
بطول العمر ما تحلاش
4
وصرفت مالك على المايل ولا تحلاش
تقعد في وسط المجال تتعب ولا تحلاش
حبيبك يبقى ماشي وراك بالفتن والغش
ولا حد خالي من الفتن والغش
عمر الماعون اللي فيه المش ما يحلاش •••
أنا الذي درتها صوان ورا مالي
صيتي فجع لف في الوديان ورا مالي
وسبع الخلا جض مني ليه ورا مالي
الحمد لله أنا ما انكرب ع الشر
وآدي مركبكم رست ع البر
أنا اصبر على الخصم لو جاب سم ورمالي
5 •••
جدع بلا جاه
6
مرساة الهموم قلبه
يضرب بلا جاه واقسى م القلوب قلبه
برضه جدع زين في حالة الضيق ينقالبوه
7
برضه جدع زين شال حملو ونقلبو
8
حاز الأدب والكمال والسر ما بحبوش
من كتر عسرو كوى خصمه على قلبو •••
بقى زمان شين مر ع الصاحب
يغره بالجهل ما يلقاشي ولا صاحب
إذا مال عليك الدهر إوعى تذم في الصاحب
الصاحب الهزل نهمللو المكان ونروح
والصاحب الجد نصرف عليه الروح
بيت يحبك بيجي وبيت تحبه روح
إمتى يئون الأوان ونعاتب الصاحب ؟ •••
حتنام يا قلبي وافكار الزمان جت ليك
9
والحنضل المر وصفولك طبيب جوت ليك
10
مشيت مع ناس خدو مالك وإيه جت ليك
زعلان على إيه ما هو انت السبب في الدور؟
واذا كنت منك ما اقول للناس على حالي
لعمل أثاره واخلي مسكني في الدور
واحلف يمينين ما اقوم سنتين على حالي
تنهم وراك العوازل لما وقعوك في الدور
وجابوا الطعام غش خلطوا المش ع الحالي
وما كنت مبسوط ولا جالك أحد ردك
عن اطرق الفساد والمشي القبيح ردك
الصاحب اللي انت واخده في البلد ردك
ياكل في كدك ويدبر على جتليك
11 •••
يا صاحبي إن بعتني ما تبعنيش لعادم الخال
12
يقل من قوتي ويطعمني بعد العلام نخال
لإنه عادم الخال لبسني بعد الحرير نخال
بقيت أودع واتكلم كلام عن أصل
إوعى تعاشر اللي شورتو مرة وعادم الأصل
دا من الصغر للكبر ناقص وعادم الخال •••
الصاحب اللي على كل السنج واقع
عقلوه للسيف محكاش كلام واقع
روح يا رفيق لعز الناس وتواقع
وإن حلفك بالأمانة استعين واحلف
واكتم بسرك ولا تحكي على الواقع •••
رفق الزمان ده محال لله مش خالص
واذا كان لي علة لكن القلب مش خالص
مما جرالي أنا اللي فت قرايبي خالص
وآدي الاشهر اللي عليها المعتمد هلت
وآدي الدراهم من ادين الناس قلت
والخلق ضلت وفاتت ربها خالص
رفق الزمان دا محال لله مش خالص •••
أصحابك
13
أحبابك اللي منقيهم تقاوي عال
وبدرتهم في أرض وآدي الأرض برضه عال
شوف لما جينا بنحصدهم ياما قطعم ورانا اغمار
ولما جينا ندرسهم ياما قطعم ورانا ادوار
ولما جينا ندربهم ماجاشي منهم أجرة الجمال •••
يادي العجب في جدع مجروح ومغطي
يفوت على الخصم واسق غلب ومغطي
يا عين خديلك رفيق من خيال الناس إذا خدتي
يبقى زخيرة لغدرات الزمان إذا مال
يبقى يداري على العيبات ويغطي
الليل كما الغول
الليل كما الغول تسرح الأسودة فيه
والورد مهما نشف ريحته الزكية فيه
زرعت حب الوداد قدام بيت العليل شفتيه
كان عيان جبتلو الدوا شفتيه
أطرى من الورد وانعم م الحرير شفتيه
إذا جافاك من تحبه يا قلبي إوعى تفرط فيه
ما تهجروش تعدمه اسعى ودادي فيه
من قدم السبت لقى الحد قدامه
ومن خدم الناس صارت الناس خدامه
والصاحب اللي يا عين ما يجيلك ساعي على لقدام
كأنك يا عين لا شافك ولا شفتيه •••
يا زارع الخوخ ازرع بس خوخالي
وسد الابواب وافتح بس خوخالي
قسما وبالله ورب العرش يلزمني
ما يحفض الود إلا الصاحب الغالي
وفي نهاية هذه الإلمامة بخصائص الموال الأحمر، أغاني فقراء الناس والمحتاجين وذوي العلل والمواجع والأنكاد على طول بلداننا العربية، وأبرز العناصر والمواضيع والمآسي التي يتناولها ويتمثلها الموال الأحمر؛ يمكن الانتقال إلى حقل تال من حقول الشعر الفولكلوري المصري والعربي المترامية، وهو حقل «الشعر الجنائزي» الذي مجاله دورة الانتقال بالغياب والموت، والذي لا يبعد بنا كثيرا أيضا عن مجال وحقل وإيقاع الموال الأحمر، موال البكاء والندب الذاتي الدنيوي للحياة أو الدنيا المغلوطة.
الفصل الثامن
شعر المراثي والبكائيات الجنائزية
أصعب ما يمكن أن يصادف جامع الفولكلور هو التصدي لجمع البكائيات أو العديد؛ إذ يقتضي هذا الاتصال بالنساء بشكل عام اللواتي يحفظنه ويتناقلنه فيما بينهن، وبالمحترفات منهن، وهن اللواتي يحترفن إنشاده عندما يموت ميت، ويعرفن ب «الندابات»، يتوارثن هذه المهنة أجيالا إثر أجيال، وربما منذ العصور الفرعونية حيث كان للندب والندابات شأن كبير كأقدم مهنة للمرأة ملازمة للموت، مثلها مثل مهن البغايا والقابلات أو المولدات.
وهي فئة مضطهدة تعامل على نفس المستوى الذي تعامل به البغايا والنساء «الموعودات».
وكما هو معروف فإن أقدم عمل للمرأة في العالم القديم هو القابلات أو المولدات، ويطلق عليهن «الدايات».
فالقابلات والندابات والبغايا يشكلن ثالوث الوجود الإنساني؛ الولادة والزواج والموت، أو الولادة والجنس والموت.
ولا تخرج الإبداعات مجهولة المؤلف عن تناول أحد أضلاع هذا الثالوث، سواء ما يتصل بالبذرة أو الولادة ثم التفتح على الجنس، متضمنا علاقة النوع بالآخر؛ الرجل بالمرأة والعكس.
وتنتهي الدورة بالحتمية المعهودة التي هي الموت، أو الغياب و«المرواح» كما يسمى في البكائيات.
والبكاء والعديد ليسا وقفا على وقوع الموت عند النساء من غير المحترفات، فكثيرا ما كنت أفاجئ أمي تندب وتنوح في وحدتها بصوت شبه هامس، وأذكر أن هذه كانت حال النساء العواجيز والمسنات من قريباتي.
ومثلا عندما ترددت على إحدى القرى البسيطة الواقعة على مشارف إقليم الفيوم من ناحية بحيرة قارون، تعمدت نزول هذه القرية في مطلع النهار، وفي يوم معين يقام فيه سوق البلدة القريبة، ويرحل إليه أغلب رجال هذه القرية والكثير من النساء صغار السن، ولا يتبقى منها إلا العجائز والمسنات والكلاب الضالة.
وللعزبة حكايات وقتية متجددة، تتناقلها النسوة في المجالات النسائية، وهي أشبه بالأسرار.
ويتناقلها الشبان والعجائز في مجالسهم وسمرهم.
ولقد ظلت النسوة يحدثنني عن «أم سلطان» ويصفونها بأنها: وعارة، وشايلة كتير ... وبتندب في الموت.
وعرفت منهن أنها ليست ندابة محترفة بقدر ما هي غاوية، وقالوا لي إن كبيرا من أهل العزبة يدعى «حميدة أبو إدريس» طلب منها يوما قبل أن يموت قال: يا أم سلطان، لما حيفرغ أجلي وأموت حتقولي عليا إيه؟
قالت:
لبسوا الجبابي الزين
والمسك علينا فاح
يادي الندامة اليوم
على احسن رجالنا راح
فبكى الرجل قبل أن توافيه المنية.
وقالت «أم مقبولة» يوم أن مات:
ما تقوم تكلم واحد كبير جالك
تقضي أقوالك
عليك قضية
تسدها وتعود
تسدها وتطلع غزالة بحيرة
وعندما يكون الميت شابا يقولون:
شاب يا عود القرنفل
يا روايح للتياب
قالولو يا شاب روح
قال نويت على الغياب
يا شابنا يا كبير
جودك علينا زي بحر النيل
يا شاب عاود لهم عاود
دا انت طويل البال ومهاود
والميت الزوج هنا يحذر زوجته من أن تخون عهده بها، فتتزوج وتزدهر وتينع نوارا، كناية عن الخلفة وإنجاب الأطفال.
فتجيبه الزوجة أنه هكذا شأن الأحياء قليلي العقل، الذين سريعا وفي التو ما ينسون ما قطعوه على أنفسهم من عهود:
هو :
اصحي يا بت تخوني العهد
تزفي وتجيبي نوار
هي :
تم الحي جليل عجيله
في توا ينسى اللي صار
وفي هذه الأشعار الجنائزية عادة ما يكثر التخاطب مع العين، أو العين الحارسة:
إنتي يا عين جهلتي ليه؟
إنتي ما ريتي غير اليوم
إنتي ما ريتي «فلان»
1
اللي غايب لا عدا اليوم؟
وتتحدث البكائية التالية عن فرس الميت، وتدعوها ب «الحمرا» مثل مهرة أبي زيد الهلالي.
كأني بك يا حمرا أصبحت تيممين ناحية رياح الندابات، فلقد غاب عنك وطواه الموت ذلك الذي كان يعرف ويقدرك حق قدرك، فيملأ لك «عبارك» - أي مربطك - حتى حافته، وإن خس الكيل من التبن والشعير زاده قمحا:
كنك
2
يا حمرا بتصيري
تحت ريح الندايات
غاب اللي يعرف مقدارك
يملا لحد عبارك
وان خست من القمح يزيدك
والبيت العالي ذو الشباك، الذي أقسم بأنه لن يفرح ويزهو إلا إذا ما عاد صاحبه، أي الميت:
البيت العالي بوشباك
حلف ما نزهى إلا إن جه
ويلقب الميت ب «الغالي»:
يا بوابة يا منهابة
صوت الغالي
مهوش فيكي
وليس هناك أروع وأبلغ من لحظة تصوير الاستسلام للموت في هذه الشطرة:
مدوا أياديهم
واستمتلوا
3
للي جرى فيهم
كما أن من المألوف تصوير الموت وملاكه - عزرائيل - بيده منجله، الذي يحش ويقطع به رقاب العباد كما يحش نبات الملوخية:
حشيتهم يا موت حش الملوخية
اللي بارم شنبه لية على لية
وهدومهم ع الغسل مرمية
والندابة هنا تعاهد الدف أو «الطار» الذي تضرب به، قائلة إنها ستشتري له حنة وتحنيه إذا ما عاد بالميت الغالي.
إنها ستظل تضرب بدفها إلى أن يعود، وستعمل من ضفيرتها معلاقا له - الدف - ولن تلقي به أبدا:
أحيه يا طاري
إن جبت الغالي
نشتري حنة ونحنيك
ونعمل قرني لك معلاج
ونعاهد ما نرميك
وهن هنا يبكون الفلاح منشئ الشجر والحياة، ويصفونه بأنه شجاع غير هياب، يضرب بسلاحه الذي هو نبوته في خضم العتمة الضارية:
يا خسارة الفلاح نشاي الصجر
يضرب بالنبوت في العتمة الضكر
والميت الرجل هو عمود البيت:
يا عمود البيت
يا ضي القمر
فتقال البكائيات، أي - أي الندب - حزنا على الميت.
وهناك نساء محترفات يقمن بهذه العملية نظير أجور يدفعها أهل المتوفى.
ومن التقاليد المعروفة في بلادنا أن جنازات النساء المتشحات بالسواد من أهل الميت تمضي تطوف الشوارع والحواري، تتقدمهن «الندابة» المحترفة، والغرض من هذا هو «إعلان» حزنهن الشديد على الميت، حتى يعرف الكل أن له أهلا «وناس باكيين عليه ...»
وفي البكائية القادمة التي تصور حوارا مغرقا في الحزن بين ميت وأمه، ففي رد الميت عليها تتمثل رغبة الإنسان الجارفة وموقفه من الموت، حين يقول:
أشم الهوا واغير الملبوس
ويبدو وكأنه يناضل الموت، يصرخ، ويولول، ويستغيث، ثم حين تتمنى هي أن تتحول إلى سحلية، لكي تراه وتمسح جبينه كل صبحية:
الأم :
عيان يا عيان
أنا باسندك وقلبي عليك تعبان
يا عيان هات إيدك
أنا قلبي وجعني من كتر تنهيدك
يا عيان هات إديك
أنا قلبي وجعني وانا بطل عليك
عيان ولو مدة
وآخر العيا ورد على الطبة
عيان ولو زمان
وآخر العيا ورد على لكفان
القبر ضيق ولا يسيع طوله
ولا يسيع رفقة يخشوله
القبر ضيق ولا يسيع رجليه
ولا يسيع رفقه تطل عليه
الميت :
يا عيزاني
4
افتحيلي القبر بالدبلة
أشم الهوا واغير البدلة
يا عيزاني افتحيلي القبر بالدبوس
أشم الهوا واغير الملبوس
الأم :
يا مين يعملني في القبر سحلية
وامسح جبين الجدع في كل صبحية؟
والندابات طبقة محطمة تماما، أصبحن يعاملن عبر ربع القرن الأخير فقط كالزانيات سواء بسواء، وذلك من حيث وضعهم الاجتماعي في أريافنا.
فالناس يكرهونهن وعلى الأخص الرجال، ويحطون من عملهن، ويقولون عنهن: دول ملاعين، جسمهم لن يعرض على جنة!
وفي بعض الأحيان كانوا يضربونهن، ولا يدخلونهن بيوتهم ففي هذا فأل سيئ.
ولهذا لم أتمكن من جمع شيء يذكر من «الندب» لصعوبة الاتصال بالندابات من جهة، ولخوفهن الشديد، الذي يصل إلى حد الرعب والإنكار على طول الخط من جهة!
ومما يؤكد ذلك الخوف أن الحكومات المحلية في الأرياف تطارد الندابات وتفرق جنازات النساء.
وهناك قصص كثيرة تتحدث عن الندابات وما كتب عليهن، فالناس مؤمنون بأن «الندابات والغوازي والعاهرات» مكتوب عليهن أن يولدن ليؤدين هذه الأعمال المخزية . •••
ومن القصص الطريفة التي تدور حول الندب والندابات، يقال إن جنازة من جنازات النساء التي تسير وتلف البلد كما هي العادة كان فيها اثنتان من الندابات، واحدة اسمها «شمس» والثانية تدعى «هدوة».
ومن عادة أهل الميت أن يكرموا العطاء للندابات، فجاءت ابنة المتوفاة برطلين أو ثلاثة من اللحم «لحم السدة» وغمزت بهم شمس، فأخذت شمس اللحم ولفته لكن «هدوة» لمحتها، فمضت تلطم وجهها وتقول:
وده إيه يا اختي اللي بتلفيه؟
وده إيه يا اختي اللي بتلفلفيه؟
فأجابتها شمس «مطمئنة» إلى أنها ستعطيها نصيبها، مولولة نادبة:
دا نايب يا اختي وليكي النص فيه!
وصرخت النساء في حرقة: يا لهوي! •••
وحتى سنوات قريبة كانت تمتلئ قرى مصر وأريافها، بالإضافة إلى المجتمعات البدوية العربية، بهؤلاء الندابات المحترفات، وكان البكاء الجماعي والنواح تسبقه جنازات نسائية راقصة، تصل إلى بضع مئات النساء المتشحات بالسواد والنيلة، يطفن شوارع البلدة ودروبها حول الندابة الأم المحترفة، وهن يرقصن رقصات جماعية جنائزية محددة الإيقاع يطلقون عليها رقصات «الأسية»، فكن يدرن على أقدامهن وهن في شكل دائرة محيطة بالندابات يلطمن خدودهن راقصات مغنيات على إيقاعات الدفوف الخشنة العنيفة.
ويذكر فريزر أن ما تبقى إلى أيامنا من كلمات وتشبيهات شائعة عن الميت في مصر، هي بذاتها ما تبقت متواترة من ندب إيزيس وأختها الربة الندابة المحترفة «نفتيس» على الاغتيال الموسمي السنوي لأوزيريس، من جانب قاتله ومغتصب عرشه ست أو ستخ أو طيفون.
ويرجع يوري سوكولوف
5
المواسم والبكائيات الجنائزية إلى عصور موغلة في القدم فيما قبل القبائلية، كاشفا النقاب عن ازدواجية الموقف من المتوفى من خلال ممارسة طقوس الدفن والجناز، بما يشير إلى الخوف من الميت وحاجة الأحياء لحماية أنفسهم منه عن طريق المبالغة في الإغراق في الأكل الجماعي عقب الدفن المعروف ب «السدة»، والإشادة بفضائل الميت ومناشدته بطلب العون، مثلما يتضح من بكائياتنا ونصوصها التالية: «يا سبعي، يا جملي، هات إيدك، يا عمود البيت، يا ضي القمر، ما انت مسافر - أو غائب - وتاركنا يتامى» وهكذا.
كما أشار إلى ما بها من تكرار، بل وعبارات هزلية لا تتفق ومراسم الجنازات.
وأشاد بقدرة الندابات المحترفات ومدى ما بها من طاقات شعرية، وكيف أن شاعرا مرموقا مثل «نيكروسوف» قد استفاد من إحدى المعددات في قصيدته «من يحيا سعيدا في الروسيا؟» •••
ولم يصادفني طيلة جمعي بكائيات أو عديد من ذلك النوع الذي عادة ما يصاحب الرحيل إلى الجندية أو الجهادية والحرب ومعاداتها، وتكثيف مثل هذه النصوص للأوضاع الاجتماعية والحياتية.
لكن صادفني خلال تعاملي مع الندابات المحترفات والهاويات أو الغاويات الظروف أو المراثي التي تقال حسب «حالة» الميت وعمره، سواء أكان ولدا لم يبلغ أو أنه بلغ، تزوج أو لم يتزوج، وكذا ما يتصل بالمسجوعات في حالة موت أب أو أم أو شيخ أو ولي أو إنسان سلطوي عالي الهامة.
كذلك تتدخل ظروف الوفاة متطلبة بكائيات بعينها، فالوفاة الطبيعية تخالف الموت في حوادث، كالحريق والاغتيال والأخذ بالثأر والكوارث القدرية.
وأكثر هذه الظروف والملابسات الفاجعة تتمثل في موت الشبان والشابات - البالغين - قبل زواجهم، حيث تجري مراسم جنازاتهم ب «المزيكة الحزايني»، وأحيانا بجوقة ندابات تشعل البلدة حزنا ودموعا لأيام.
ولا تختلف مراسم الجنازات في مصر كثيرا عنها سواء في المشرق العربي أو مغربه.
كما يتضح جليا في هذا الأنموذج لبكائية يمكن أن نحصل على نصوصها في فلسطين وبيروت والشام بعامة:
يومك يا بو فلان
ما تعشينا
كبينا العجاين
من بواطينا
على شيخنا
لنطيح ع بيروت
نطلعها سمعة
ونقدم البيوت
على شيخنا
لنطيح ع الشام
نطلعها سمعة
ونقدم الخيام •••
والخلاصة أنه في حالة أخذنا بنظرية عالم الفولكلور الفرنسي «فان جنب» بالنسبة لطقوس أو شعائر التفرق المصاحبة للموت، وحاجة الأحياء من أهل الميت وذويه إلى الأمن، بإزاء روح الميت واسترضائه بالبكاء، والأشعار الجنائزية، والأصوات العالية بعامة.
المراجع (1)
محمد قنديل البقلي: وحدة العادات والتقاليد بين مصر والشام، الأنجلو المصرية، القاهرة، ص188. (2)
نمر سرحان: أغانينا الشعبية في الضفة الغربية من الأردن، عمان، 1968، ص190. (3)
شوقي عبد الحكيم: أدب الفلاحين، القاهرة 1957. (4)
محمد المرزوقي: الأدب الشعبي في تونس، الدار التونسية للنشر، سنة 1967. (5)
يسري جوهرية عرنيطة : الفنون الشعبية في فلسطين، مركز الأبحاث الفلسطينية، 1968، ص119. (6)
المرزوقي: الأدب الشعبي في تونس. (7)
أحمد أمين: قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية، القاهرة، 1951، ص373.
الفصل التاسع
أغاني التخمير الصوفية والمخاواة
ورغم أن الكثير من النصوص والمأثورات التي يضمها هذا الكتاب الانطباعي عن آدابنا الفولكلورية، ما بين بكائيات ومواويل خضراء وأغاني مسرح الأفصال، قد أكون جمعتها من أفواه حملة هذا التراث المتوارث منذ ما قبل الثلاثين عاما الأخيرة، وظلت حبيسة لدي أتحين فرص حفظها بالنشر.
برغم أن معظم هذه النصوص قد لحقتها أيدي النسيان والاندثار، ذلك أني لحقتها بالجمع والتدوين آنذاك، قبل أن يتعاظم دور الأجهزة الثقافية الإلكترونية، وأخصها هنا الترانزستور، كوسائل ثقافية بديلة؛ لا بد أن تضعف وتذوي سابقتها ربما إلى حد التلاشي شبه الكامل.
إن حلقات ومسلسلات رواة السير والملاحم الشعبية، وشهرتهم الطاغية بإزاء مسلسلات الراديو والتليفزيون، حتى داخل رقعة فلاحينا الأميين، منذ تلك الحقبة القريبة على أيامنا المعاصرة هذه.
ولقد ساعدني بالفعل عدم الاكتفاء بالجمع الميداني «البارد» الذي لا يسمح لي بالتدخل ولو بإعادة الصياغة اللغوية، بل الاهتمام أيضا بتدوين الملاحظات على رواة المأثورات ذاتهم؛ من ندابين ومداحين وحكواتية ومغنين وممثلين شعبيين، بتسجيل أبرز ملاحظات عنهم وعنهن: الأسماء، الأعمار، العمل أو الكار، علاقتهم بما يحملونه من مأثورات.
من ذلك مثلا كيف أن من يتعرض لأن يؤدي دور شخصية شريرة كالبين، أو الزوجة الخائنة التي تدفع زوجها إلى العماء والقهر، كما هو الحال مع زوجة «القائد الأعمى»، يتعرضون لسخط الجمهور ومحاولات الاعتداء الجسدي عليهم بالضرب والافتراس من جانب الجمهور المشارك، الذي تستفزه أفعال البين والمرأة «الحية» وكل أفعال سالبة أو شريرة.
وكيف أن راوي حكايات خرافية دأب معي كل مساء أزوره - عقب صلاة العشاء - على قص حكايات ومأثورات تتغنى وتعلي من كل قيم المرأة المحبة الوفية، حتى في غياب زوجها عنها مواسم وسنين طويلة، حيث إنه يمتهن ويعمل مسامرا للملوك في أرض الشام، حين أعطته زوجته قبل سفره وردة بيضاء نضرة - تابو - لا تذبل وتموت إلا في حالة خيانتها له بالاضطجاع ومجامعة رجل آخر غير زوجها مسامر الملوك المحب.
وكنت أربط بين الراوي الكهل وبين زوجته الحضرية اللدنة المفرطة الجمال والإثارة، وهي إلى جانبنا تصنع لنا الشاي أدوارا إثر أدوار في ساعات جمعي لمأثوراته وأشعاره التي تصب بكاملها في منحنى متوحد المغزى هو وفاء الزوجة.
والأمر هنا ليس بشاق طالما أن الراوي ذاته يعمل في تجارة الحصر والمنتجات الخوصية بالعاصمة البعيدة عن بلدته، وحيث لا توجد زوجته الحسناء الشابة ويتغيب عنها بالشهور.
كذلك من ملاحظاتي على الآداب الدينية والشعائرية وجمهورها من الحرفيين بأكثر من الفلاحين المرتبطين بالأرض والزرع، بل إن من العمال الزراعيين والأجراء والمعتوهين والصنع من يتخذ طريقه مباشرة إلى بحار الدروشة والإغراق في الطرق الصوفية، وحلقات الأذكار والأوراد والزار، وجلسات التخمير والمخاواة.
بما يمكن أن يشكل إحدى ظواهر الشعائر - أو الطقوس - الهامشية الأقرب إلى أن تصبح شعائر تجميع تنتهي بالقطع إلى مدلولات سياسية.
وكيف أن المصابين بأمراض عشق المخاواة - أو الإنسي بالجنية - يفرطون في الميل إلى حفظ الأغاني والمأثورات والأهازيج الدينية التي تعرف ب «أغاني التخمير»، ويلاحظ الاشتقاق اللغوي وعلاقته بالخمر وأنهم عادة ما يقيمون فرادى أو عزاب في أماكن مظلمة أو لم تدخلها الكهرباء بعد. مع ملاحظة أن «المخاواة» ليست بقاصرة تماما على الشخص الأعزب، بل هي تلاحق أيضا المتزوجين، وعادة ما تتسبب في الطلاق والانفصال أو في نشوب ذلك الصراع بين كلا الجنية والإنسية، أو الزوجة المخاوية ساكنة تحت الأرض أو أعماق البحار وضرتها البشرية الفعلية الواقعية في الطبيعة، بل وفي ملف المحاكم الشرعية آلاف الحالات التي يرد فيها ذكر الزوجة الجنية المخوية باسمها وسماتها، وينشب الصراع الضاري.
كما أن من سمات المصابين بهذا العشق الإنسي للجنية ارتباطهم أكثر بما يسود من غيبيات في مجتمع أمي جبري، فهم لا يبعدون كثيرا عن جماهير الأذكار والطرق الصوفية وحفلات الزار ومنشدي دلائل الخيرات والأوراد في شكل كورس يرددون غناء جماعيا دينيا أو شعائريا محيطين بنعش المتوفى. وتشير كثرة أعدادهم بملابسهم «الفقهية» واتساع شهرتهم وأصواتهم كصييتة أو منشدين إلى مهابته - الميت - ومركزه الاجتماعي وعلو شأنه، بل وخوف الأحياء أنفسهم من سطوة الميت وتهجمه على الأحياء عبر لحظات متوترة مصاحبة لخروج تابوت الميت أو نعشه وتخطيه لعتبة داره، والطواف به على طول الطريق المؤدي إلى المقبرة، حيث قد تتعرج هذه الطرقات تبعا لزيارات الميت وما يبديه لحملة جثمانه الأربعة من كرامات وقدرات، تتضاعف تبعا لسطوته بين أقرانه من الأحياء وعلى مستويات عدة؛ من مادية اجتماعية وشعائرية أو دينية، كأن يكون مريد طريقة أو وليا أو شقيا أقرب إلى ما يعرف ب «الأبضاي».
فتبعا لما أسماه الفولكلوري الإثنوجرافي الفرنسي «فان جنب» ب «شعائر الانفصال» أو الغياب بالموت والأسفار، تشتد حاجة الأحياء إلى الحماية لحظة الجنازة والدفن، سواء بإحداث الإيقاعات والتراتيل الدينية والأصوات العالية الجماعية أو إطلاق الأعيرة النارية، التي هدفها إضفاء أكبر قدر من التحمل والالتئام والهلع من جانب الأحياء بإزاء الميت كلما علت هامته.
وعادة ما يعقدون حلقات إنشادهم في المقابر والاحتفالات الموسمية الدينية وطرق تغسيل الموتى وأساليب الدفن والتلقين، وما يجب أن يرد به الميت ثابتا في مواجهة محكمته أو محاكمته حين يزوره الملكان ليستجوبانه في قبره عن ربه ودينه، وكاره وذنوبه، وتوبته، وربما الطريقة التي كان ينتمي إليها، وأي عهد أخذ وعلى من من الأولياء، وشيوخ السجادة من أوليائه، بل ويصل الأمر إلى حد الإشارة والإنقاذ من جانب الملقنين للتحايل على الذنوب والخطايا.
كما أنهم يوجدون بدورهم - المنشدين - داخل محاريب المساجد وأماكن العبادة، ويكثر وجودهم وسمرهم وغناؤهم، الذي امتد إلى أجهزة الإعلام الإلكتروني من راديو وتليفزيون، في شهر رمضان، وما تزال لسوريا والأردن الصدارة في هذا اللون الإنشادي.
وبالمقابل يحتفى بهم إلى حد كبير حتى أيامنا في المغرب العربي وتونس، ويصل بعض حفظة هذه التراتيل الغنائية الكورالية إلى أقصى درجات الشهرة والهيمنة والقدرات الصوتية في السعودية وتونس، فهم عادة ما يتغنون - طبعا - بجمال النبي الجسدي ومعجزاته:
من معجزات النبي باض اليمام على العز
والورد فتح كرامة للنبي المختار
وابو حلاوة ينادي كل دار بدار
من كان ضمينه النبي لم شق جسمه نار •••
ياللي انت عيان ملكشي مش ويانا؟
قوم حوش مطاياك لا تعدي مطايانا
وسر تربة نبي زين بعيون كحلانا
ما مزين الركب إلا بكرتي وااانا •••
السيد
1
اللي من الشباك مد إيده
من بلاد الكفر جاب الأسير بحديده
في أول الليل يقرا الورد ويعيده
وفي آخر الليل يسلم ع النبي بإيده •••
فز العليل من منامه ملقيش حد جنبه
مابو جروحو ومابو طفل سهران به
دا كان معاه مال على طول الزمان كالبو
مابو جروحاتو ومابو الطفل سهران به
ها هو مريد الطريقة يستجيب لندائها متوسلا ومقسما، لكن بمن؟ بسر تربة «نبي طيبة».
ياللي ناديتوني أديني جيت
وسر تربة نبي طيبة
والحرم والبيت
تخلي نفسك معانا
إن رحت ولا جيت •••
دخل العريس ع العروسة
استعجبم يا ناس
حملت العروسة من العريس
استعجبم يا ناس
لقوا العروسة الجلالة
والعريس كلمة الإخلاص!
ويلاحظ توحد «الله» أو الجلالة بالعروسة الأنثى في المأثور السالف: «لقوا العروسة الجلالة.»
وكثيرا ما تفرط مثل هذه المأثورات في كيف أن كثيرا من القتلة وقطاع الطرق واللصوص قد أصبحوا بين عشية وما يعقبها من مريدي الطريقة وجلساء الأنبياء والأولياء، كذلك فهناك أناس لصوص ونشالون يفتحون ويقتحمون ويتهجمون على المنازل والناس عنهم «غفلانين»، ورغم ذلك يحرسهم الأنبياء والأولياء، بل ولهم في الجنة آلاف الأفدنة:
قولي على ناس حرامية وناس نشالين
يقتحموا في الضبب والناس غفلانين
إن كنت ولد شاطر تعرف الألف من الميم
هات لي خبر دول واللي حارسهم مين
حارسهم الخضر وإلياس ومرسي أبو العباس
وف جنة الخلد قاسو للهم الرجال فدادين •••
ياجي غاوي الطريق إيش عليك م الناس؟
عمك شديد العزايم يعرفوه الناس •••
خطر النبي الزين في وادي اليمن جمعه
ولربعة اللي اصطفاهم ربنا جمعا
قاللو تعالى يا علي صلي بنا الجمعة
ما سجد علي والصحابة ساجدين وراه
ياما أسلمت كهنة على يد النبي جمعا
وتصاحب الأناشيد الدينية دقات الدفوف العنيفة أو «الطار»، ويهتز على وقعها الرجال ذات اليمين وذات اليسار، كما في حالات الأذكار وجلسات التحضير والتخمير والزار وإنشاد وتلاوة النصوص الشعائرية بعامة.
يقف واحد أمام الصف، أو السطر كما يدعونه، ويأخذ في الإنشاد والترتيل، وأحيانا ما يكون ممسكا بعصا من الحديد أو النحاس وسبحة كهرمان، يوقع كلامه بطرق السبحة بالعصا، واللافت أن هذه العملية البسيطة تحدث ألحانا وإيقاعات جيدة.
وغالبا ما يكون مع المنشد صبيان صوتهما جميل ليقوما بدور الكورس، فيرددان مقاطع النشيد.
وأغلب الأناشيد الدينية تتحدث كلها عن النبي وسيرته، وبهائه، ومعجزاته، وأقاربه، وكل ما اتصل به من بعيد أو قريب.
وأحيانا ما تصفه الأغنية أوصافا لافتة، مثل: بعيون كحيلة، وخد النبي نور:
ليه يا ولاد النبي تهجروني وانا الغالي
وترخصوا السعر وتنادوا الدلالي؟
كنتوا أعلموني وانا لسه على حالي
دلال دلل عليه وأعلم الشاري
دا القول على عبد سيده باعه
ولا هوش بالخبر داري
داري على بلوتك ياللي ابتليت داري
ليشيع خبرك ويبقى بو العزول داري
ما فقت من منامي لما لقيت روحي مع
الدلال والشاري
دخلت ديوان الإمارة يا ام هاشم
بسأل على حالي
لقيت عروس القيامة هناك بالقدح مالي
خمار أتى في الدجى بالليل وانا مالي
محبكم عبدكم تهجروه ليه من غير عيب
هوا ما له؟
وإن كان عاب عيبه يا كرام الحي سامحوله
واتلطفوا ولو بالعين نظرا له
وان كان عيان «يا ام هاشم» ابعتيلو مطية
تنقل احماله
مثل تعدد أوصاف النبي، كالآتي:
ياللي رأيتوا النبي وازاي وصفاته
وكيف علم النبوة بين كتافاته
أنا بامدح اللي ولدته آمنة وبصت فيه
كامل مكمل وعلامة النبوة فيه
خدي حبيبي يا حليمة وضنايا ونور عيني
خدي النبي غطيه
واوعي يا حليمة من عيون الحاسدين توريه
إزاي نور النبي أوريه وانا اللي قصدي
ومرادي ... وشوقي فيه؟!
وحق من أوجد علامة النبوة فيه
أنا بروحي وجسمي ومالي واولادي
للنبي أفديه
وعادة ما يرد ذكر المرضعة «حليمة» في هذه المأثورات الطقسية بكثرة:
قالت حليمة أنا شفت النبي في النوم
بعيون كحيلة وخدود نداها عوم
كشفت حليمة على خد النبي نور
لقيت عمود نور لسابع سما نور
فرحت حليمة وقالت:
آدي اللي عليه الناس بتدور
ولولاك يا زين ما كان القمر نور
دي آمنة أم النبي تقول:
يا حليمة خدي النبي واوعيه
اسقيه لبن الرضاعة يا حليمة
إوعي تفرطي فيه
واحنا الجماعة كلنا أمة النبي
يوم القيامة نلنا الشفاعة بيه
قصيدة طويلة في مدح النبي
مرادي وقصدي واعتقادي ونيتي
في مدح رسول الله خير البرية
نبيا رأته الشمس حسنا تعجبت
وسكنه الفردوس أشرف جنة
نبينا رأته الشمس حسنا تعجبت
قالت له إنت من أنهو قبيلة؟
فقال لها ربي من النور سقاني
قالت له الشمس يا حبيبي إنت مرادي وبغيتي
قال ما لاسم يا حبيبي؟ قال محمد
شفيا لمن صلى عليه وسلم
دا آدم من نور وفي الأصل طينة
هنيئا لعين شهدت أرض مكة
وطافت ببيت الله سبع ولبت
وفي حجر إسماعيل صلت ركعت
وفي زمزم اتزمزمت وأنعمت
على عرفات يجمع الله شملنا
أقمنا ثلاث أيام على منى
ورابع يوم أمرنا برجعة
ودخلت من بيت السلام مسلما
على المصطفى الهادي ونفرح بالبشرى
قول جيت لك يا رسول الله قاصدا
تكن لي شفيعا يا أجل الورى كرما
مقامك محمود وإنت محمد
رب العطا عطاك حوضا وكوثرا
ندرن عليا إن وصلت ولبيت لمقام النبي
2
لأفرغ الخدين على لعتاب
وأقول: «يا عين ... يا عين ... يا ... عين عين عين»
السلام عليكم والمنام حرام ومن فارق الأحباب كيف ينام؟
والله ما كان الفراق بخاطري
لكن هذه حكمة الأيام
تغربت في الدنيا وطالت غربتي
يا حزني على الدنيا لموت غريبا
لكن يا قلبي لا تحزن ولا تخف
لأن حبيب الله مات غريبا
الشمس تطلع كل يوم وتغيب
والليل يجمع كل شمل حبيب
ويكون شيال نعشي أخويا ابن والدي
يبكي بدمع العين دم صديد «مدد ... مدد ...»
أغاني تخمير دينية
عروسة السهران من على الأدنات بتلالي
تقول صجر رماني طاب في الجنة
صجر رماني طاب يا عاشق الزين تعالالي
وحياة جمال النبي أبو مقام غالي
ما يقطف الزهر في الجنة إلا التايب الغالي •••
عروسة النوام بتيجي بالليل وتقولو
إنت عطيت إيه تنام الليل دا كله؟
وحياة نبي زين يفك الكرب ويحله
ما شفت نوام يجيله الخير لمحله •••
عروسة النوام ماسكة الطار بجناحه
تقول حبيبي تبع النوم والراحة
طفى سراجي وآدي المصابيح فضاحة
ما شفت نوام ينول الخير بالراحة •••
يا عم ياللي انت عيان وعاوز يطيب بلاك
3
إسعى على ركب نور النبي قبل ما يسير
الرجال بلاك
4
والقطب عازم ماهوش راضي يسير بلاك
نادي على لربعة ياللي انت لهم محتاج
أربع سلاطين ودول لابسين التاج
أنا ناديت يا رفاعي يا بحرها اللجاج
فزع الدسوقي وأبا صالح وأبا فراج
وحياة جمال النبي كلنا ع الباب •••
بكت المساجد وقالت راحوا فين جلاسانا
لما المصلي قعد في البيت وناسانا؟
دا الراجل اللي يقيم الليل بهسانه
ما داخلشي النار ولا نانه
يقول جمهور الأغاني الدينية إن التوحيد والتخمير يحبه الجن، وإن ما يحرك الإنسان ويجعله يتلوى «حضور العفريت أو الجني اللي عليه» هو جمال الصوت، وخصوبته، وعمقه. وتقال أغلب تلك الأغاني مصحوبة بدقات الدفوف المجنونة، ويرقص على دقاتها «من عليهم أسياد من الجن».
وعندما استمعت إلى تلك الأغاني عند مصادرها، أي عندما يغنيها أصحابها، أحسست بأنها تهز أعصاب المرء فعلا، فهي تلحن بطريقة قوية، والرجل الذي كان يقولها، وهو شيخ عجوز، له لحية بيضاء ويرتدي «أبيض في أبيض»، وعندما سألته عن سبب هذا قال: أصل الأسياد و«ولاد الجن» بيحبوا اللون الأبيض!
يا قطب جينا الحمى ننظر كراماتك
يا قلب دا احنا رعية من رعياتك
واذا كنا تلفنا بضايع من بضاعاتك
الذنب يغفر ويبقى الصفح عاداتك •••
الراجل اللي على اللوح مطروح
يقول للروح واقفة ليه مطروح
وحياة نبي زين
راحت له الناس مشروحي
وفي الأغنية الدينية التالية يتضح مدى التداخل، ويمكن القول التوارث ما بين التراثين القبطي المسيحي والإسلامي، ذلك أن الأغنية هنا تتبدى كحوار بين «المريد» وبين ذلك الرمز للإلهة الأنثى، التي يتغنون بها مرة تحت اسم أو شعار أو رمز «عروسة الزار» و«عروسة السهران» وليلى أو «الليليث» أو حواء الأولى، ومرة كما يتضح من النص التالي يدعونها ب «حنونة بنت سمعان»، التي بيدها مفاتيح الأديرة و«المعنات» أو الحكمة.
وينتهي الحوار بين المريد وحنونة بنت سمعان بإعلان المريد بأنه عاشق للنبي صاحب العلمات:
مضى شبابي ولاح فجري وليلي فات
والعمر مني انقضى حتى الشباب آهو فات
أنا إن عشت متين سنة أو ألف أو ألفات
لا بد عن الموت وأتعاقب على اللي فات
ما لك بفعل المعاصي ياللي شبابك فات؟
دا القبر ضيق وفيه ملكين كالآفات
وانا لدني أدندن بكا يا جلالة لما يقولوا مات
وارقص على ذكرها واسأل بها العلامات
واشرب مدام كرفقي من نور عين الذات
يا بنت سمعان يا حنونة خشي الدير حنانات
وافتحي باب الدير وفرجيني على المعنات
وافتحي باب الدير وفرجيني على السادات
قالت حنونة بنت سمعان:
وانت فين ياللي تنادي في دجى الليالي
على القدمات؟
قلتلها أنا مغرم وعاشق في النبي صاحب العلمات •••
أقدام حبيبي من قيام الليل وارمة
وبطن النبي ما حوت غل ولا دغلا
فم النبي كالسكر الحليان
دا السكر انطرب قالوا الرجال يا سلام
ما توبة إلا بعد معصية يا إخوان
اللي عشق النبي عدى على الجنة
مدح في جمال النبي ما توحدوه يا إخوان
والأغاني الدينية لا تتعدى الحديث عن الضعف الإنساني، وحاجة المخلوق إلى الخالق، ثم تربط كل هذا ب «الخير والراحة» التي ينشدهما الإنسان في نهاية المطاف في الجنة.
وهي في سبيل ذلك تسترحم الأقطاب الأربعة والأولياء وكل المقربين من الله، فهي طريقة من طرق التغيير والتقرب من الله لدخول الجنة.
وفي أغاني المديح والأناشيد الدينية تنشط «الميثولوجيا» لتصور النبي «اللي تسلم عليه الشمس كل صباح» وقالت له: يا حبيبي إنت مرادي وبغيتي ... واللي عشق النبي عدى على الجنة، حيث «صجر الرمان»، والتفاح، وعتبة الديوان من ذهب، وحيث الراحة الطويلة تلك التي ينشدها الإنسان.
مر النبي يوم ع المبالي عطى لكل جرح دواه
فيه من نظر له النبي شفي وفيه من نظر له تاه
وفيه من اللي اتوسم بنور المصطفى
وفيه من عمل حشيش الجبال مأواه
ولد نادى عمه وعمه من بعيد ناداه
قاللو كنت فين يا مريد النبي ياللي عليك بنداه؟
قاللو طفنا الجبال يا بدوي والمطرح المخيف رضاه
سرح مسارح بعيدة لكن صانعه القديم لم تاه
وزرنا الحرم والبيت وجبنا ورد
من على خد طه النبي بنداه •••
لما جرحتني يا ليلى فتيني هناك عيان على مين؟
بكرة تأتي سفينة تربط هناك ع المين
يبقى الحرب في البهنسا واهل الحجاز عالمين
ولما دعانا الغرام فتنا الوطن وبلينا
ولما قابلنا النبي ردت ارواحنا فينا
قعدنا نريح البدن بان التعب لينا
الله يعلم بظاهرنا وخافينا •••
من العصر للعصر أنا رأيت الندى نازل
على السهارى وخلى البال في النازل
صجر الجلالة من التوحيد بيتمايل
إكمنه لا قطعه زنديق ولا مايل
ما أقطفه إلا راجل سهرجي ...
يوم العبادة في دجى الليل هايم
وف جنة الخلد لو درجات ومنازل •••
يا اهل بيت النبي دا انا خدام في واديكم
طمعان في نظرة رضى ليا العشم فيكم
إنتو رجال الحمى طالت أياديكم
تاخدم بيد العيان اللي احتمى فيكم •••
ياللي نازل البحر حرص
5
دا البحر دا فيه عين
عين الحقيقة عين وعين الشريعة عين
وعين اللي لا تراه العين •••
لما جالوك صدف ركب لولية
وجال يا تجالي حرام يا مضاجع النوم
ما تنوم النبي جاني
طريق النبي نور في نور ولين في لين
وشبعانة من الأدب ولها خصور من اللولي
وعتبة الديوان من دهب
وجالها «حير صنجي» العناية ينادي
ويقول جاي يا تجالي
الأرض دي اللي كرسيها نور بتوجد فين؟
إنتو خطرتوا بها يا عرب ولا نظر بالعين؟
أنا نزلت من عين وأرسلني الإله من عين
ونزلت أوحد مهيمن لا تراه العين
في الأصل هي عين ونبع م العين
تسعة وتسعين عين!
ولما شفت نور جمال النبي غرقت من همز رمز العين
دا النبي بحر العلوم يا دلال
النبي يتكلم بشرح العلمين
علم الحقيقة وعلم الشريعة لتنين
وتقال الأناشيد الدينية في الأذكار، أما أغاني التخمير فتقال في جلسات الأرواح، وهي المعروفة بجلسات «تحضير الأسياد والجن»، و«الزار» عند العامة، فيطلقون على الجني والعفريت «سيدي»، ولا يذكرون اسمه إلا مسبوقا ب «الله يجعلهم راضيين علينا!»
وهناك تقاليد طويلة تتبع مع أولاد الجن، فمثلا عندما يتعثر إنسان فيسقط على الأرض لا بد أن يفاجئه من يراه بقوله: «حوش اللي وقع منك»، وذلك لكي يربكه ويطرد عنه الخوف، فمن الشائع أن «اللي يخاف من عفريت ينط يركبه».
وعندما يلقي إنسان بحجر على الأرض، فعليه أن يسبق ذلك بقوله: «بسم الله الرحمن الرحيم»، وذلك حتى لا يبطح جنيا فيؤذيه الجني أو يركبه.
ياللي ناديتوني أديني جيت
وسر تربة نبي طيبة والحرم والبيت
تخلي حسك معانا إن رحت ولا جيت
دي ليلى دي ليلى دي ليلى •••
يا عروسة الزار يا عوام
يا بنت الزار يا عوام
قدامه حمرا وعيان
ست البحور يا عوامة
تمشي ع الأرض بلا علام
وتعوم في الميه بلا علام
يا بنت الزار يا عوام
تمشي على الميه بلا علام
يا بنت الزار غالية المقام يا عوام
يا عروسة الزار يا عوام •••
ناديتهم نادوني
عدوا البحور وجوني •••
الحلوة جاية جاية بتلعب ع الميه
يا ما هم حلوين وجونا •••
سلاسل الموعظة مرجانها الإخلاص
معنا عابد في الجبل سموه رجال النبي حرامي
يسرق بضايع الناس
صبح مجالس رجال النبي ويخدمو جنلن ناس
دخل العريس ع العروسة استعجبم يا ناس
حملت العروسة من العريس استعجبم يا ناس
لقوا العروسة الجلالة والعريس كلمة «الإخلاص» •••
القول على ناس حرامية وناس نشالين
يلألام في الضبب والناس غفلانين
إن كنت ولد فهلوي وتعرف الألف م الميم
هاتي خبر دول اللي حارسهم مين
حارسهم الخضر وإلياس ومرسي أبو العباس
وف جنة الخلد قاسولهم الرجال فدادين •••
ليلى عجبها النغم صارت مغنية
عرجة وتمشي على قبقاب محنية
عوجة وتنسج محارم للاوندية
أنا قعدت وراها أعقد النيه
صحت صلاتي وصارت قبلتي هيه •••
ياجي غاوي الطريق وإيش عليك م الناس
عمك شديد العزايم يعرفوه الناس
الفصل العاشر
موال العشق الخصيب الأخضر
ولعل أول ما يميز مواويل وأغاني استكمال الدورة الثانية للحياة، وشقها المتصل بالحب والتغني بالجنس والزواج وإنجاب الأطفال، والإخصاب بعامة، هو إغراقها اللامحدود المتمثل في الموال الأخضر، في الاحتفاء بالحياة وجانبها الحياتي - البيولوجي - المعاش.
ومن هنا يمكن الإشارة إلى الثنائية - بين الموالين الأحمر والأخضر - التي هي ملمح جوهري - مثله مثل الدهرية والسلفية والغيبية - لتراثنا العربي، والتي كما ذكرنا من المرجح أنها مؤثر «حضاري» آري فارسي، أو مجوسي.
فإذا كانت التوجهات والشكوى الجنائزية تصل إلى أقصى مداها، متمثلة لما سقناه - في هذا الكتاب - من أمثلة مأثورية، وأنماط أصلية للموال الأحمر وما يدور في مجاله ورقعته، فإن نقيضه الأخضر يصل بالتالي إلى أقصى مداه احتفاء بالحياة، وشعائر تجميعها، سواء بالزواج أو الإخصاب وإنجاب الأطفال.
ولكل مناسبة وظاهرة وحدث ونوع مواويله وأهازيجه وأغانيه، سواء أكان قائل المأثور من موال - أخضر - أو أغنية، رجلا أم امرأة، شاب أم عجوز. وفي كل الحالات يرجح بالفعل، كما يذكر الاثنوجرافي الفرنسي «فان جنب» تواجد إحدى حالات أو شعائر الانتقال الأقرب إلى أن تكون ليست جوهرية - كالموت والميلاد - بل هامشية، من ذلك ما بصاحب أغاني وصلوات الشكر في الكنائس - كما يدخلها كراب - وطقوس انتقال الوليد من طور لما يعقبه، مثل تخطية العتبة، وحلق الشعر، بدءا بشعر البطن، والرأس، والعانة، والطهور.
وكذا الانتقالات المصاحبة للزواج، من رغبة الشاب أو الشابة في الزواج، واللجوء في هذا إلى الموال الأخضر والأغاني وتضمينها إشارات يصعب كسر تابواتها ومحرماتها، والإفصاح عنها سواء أجاءت مباشرة أو متوارية.
وكذلك يمكن إدخال أغاني ومأثورات الحب والعشق، ضمن دورة الانتقالات «الممهدة» لتجاوزه حالة، والعبور لما بعدها، سواء أكانت من العزوبية إلى الخطوبة، التي تكتمل دورتها بالدخلة والزواج، أو من الزواج إلى «الخلف» وإنجاب الأطفال، ثم «توالي» دورة وشعائر مشية المصاحبة لانتقالات «الوليد بدوره» إلى طور الصبا.
ومن المفيد أن نبدأ تعرفنا على هذا الموال - الخصيب - الأخضر، والاستطراد في تقديم النماذج المتنوعة المصاحبة لحالات عينية، من التعبير عن رغبات دفينة في الزواج، وأوصاف الحبيبة، وفي أحيان هجرها وهجاءها.
كما سيتضح من نماذجه التالية المستفيضة التي سنقدمها تمهيدا لإعادة التعرض بالدراسة لخصائصها الظاهرية، من طوطمية، وبقايا طقوس العرس المختلط، وأبنية قرابية قبلية، وتابوات؛ وهكذا.
العروسة
لما طلعت فوق السطوح نزلت عيان
أبويا قالي أجيبلك الحكيم، قلت الحكيم ربي
قالي أجيبلك الطبيب، قلت الطبيب ربي
قالي أجيبلك العروسة يا ليل
قلتلو: والله انشرح قلبي
سيد
الحب بحر البلد، وإيش جابو هنا قبله
قاعد على الطاحونة، عامل الطاحونة سبله
1
كلام وأقولك عليه يا خال
واسمع معناتو مني
من زوق حبيبي عطيني نقوطه على دبله
براني
يابو القميص الملس، والغزل براني
ماشي تهز اليلك معجب وبراني
صدر الحليوه طرح، والطرح براني
واديلي سنه حول يا جميل
وأنا حارس ولا زقتوش
وتهموني في محبتك والغزل براني
غيب يا قمر
غيب يا أقمر محبولي أخير منك
2
وأزهى من الشمس، وأجمل يا قمر منك
مليش جلد أنظرك وأعد بعيد عنك
يا حسن يوسف، ياللي كل الدلال منك
من قبل ما بعرفك جاني الخبر عنك
إنك ظريف المعاني وحلو في سؤالك
غني عن الناس ولا ليش غنا عنك
سافر
في أمس جانا خبر بأن الحبيب سافر
في شهر يوليه، يوافق أربعة صفر
على ضهر غليون، والريس يقول سافر
أنا وجفت ما بي
3
وقلت يا ريس الغليون حل لي بيهم
زعق وقاللي قليل البخت من يومك
حبل الوداد انقطع مليكشي عشم سافر
دموع المحبة
أبويا زرع لي فدان قصب رحت أشق عليه لقيت بنت شيخ
الغفر فيه
قلتلها ليه كده يا بنت كسرتي عود وخدتيني على وركي
4
أنا لفيت السند والهند يا بنت ما لقيت دوا وركي
رحت لأبوها العزيز، لفني في العباية وقعد يبكي
نزلت دموع المحبة خففت وركي •••
عوضنا على الله في شقانا وتعبنا
واللي نحبه لاف للغير وتاعبنا
ياما جرينا وراه في كروم ونخيل وتاعبنا
وكتير من الناس يقول سيبه وارتاح
أنا قلت إزاي أسيبه أنا وارتاح
وهو ملا جسمي السليم أجراح
ما نمت وصحيت لقيت نجع الحبايب راح
ما راح شقانا على الأندال وتاعبنا
عطوني بخت لقيته
أنا اللي توب الجفا لبسوني الدهر في اديه
5
قلبي انشوى وانكوى، وطال الشوق في اديه
ووقفت محتار وعقلي اندار في اديه
أنا كنت مبسوط في حال الأصول يا عم
وكان لي الدلال على أهلي وجار بيتي
وكان معي طير في بحار الغرام يا عم
م الصبح للعصر كان يصرخ في باب بيتي
أنا مكنشي أملي م الدنيا النظر يا عم
إزاي أنعس وعين الغدر جار بيتي
أنا درت مع ناس لجل الوعد
6
بيتاجروا في البخت عطوني بخت لفيته
وجبتلو حرير عال من الأبيض ولفيته
على ما اشتريته التقيته أسود في اديه
سايق عليك النبي
سايق عليك النبي إن كنت باقيني
7
تضحك بسن الرضا ساعة تلاقيني
أنا الورد يا حلو، وإنت الماء بترويني
إن غبت دبلتني، وإن جيت بتحييني
وسر تربة نبي زين أحمد شهر دينه
8
إن كان غير قمر، ما تنظرو عيني
تفين على بيركم
أنغامكم عندما صاحت سمعناها
خذنا المطايا، عرفنا شرح معناها
لا نوم نمناه، ولا ملأه قطعناها
تفين
9
على بيركم، تفين على ماها
وتفين علي انا إن عدت وأدوق ماها
دي برده من الصوف تغني عن حرايركم
ياللي العبيد الجلب،
10
جابولي أمايركم
والمورده اللي عليها كل الكلاب تشرب
لحلف يمينين
11
عمري لن أدوق ماها
خمسة
الناس لها حب واحد، وأنا ليا في البلد خمسه
آدي حب بحر البلد، وآدي حب غربيها
وآدي حب شرق البلد، وآدي حب قبليها
وحب وسط البلد، يحسن أتوه فيها
الحب دا اللي بحر البلد اسمه سرى بالليل
من عجب الجميل راسم على بطنه قنطرة لدوس
الجمال والخيل
والعاشق اللي ابتلى يبات يقول يا ليل
والحب دا اللي قبلي البلد، سبحان خلاقه
فمه ينقط حلاوه، يا بخت من داقه
لو جوز عيون سود، يرفع دي ويرخي دي
مكتوب على كرسي خده، يرتي لعشاقه
والحب دا اللي شرقي البلد اسمه دهب كرسي
يمشي يهز اليلك
12
خلى الفلك عسري
ولو جوز عيون سود، يرفع دي ويرخي دي
كاتب على شفته يا رب للمسلمين نصره
والحب دا اللي غرب البلد، نزل يرود الغرب
يشبه لخيل الزناتة
13
يوم نزول الحرب
كاتب على شفته يا رب فك الكرب
والحب دا اللي وسط البلد هو اللي سقاني العذاب ألوان
دا أصله زناوي حرامي مؤتمن ... خوان
أنا إن قولتلو صوم فطر، وإن قولتلو افطر صام
وإن قلتلو نام سهر، وإن قلتلو اسهر نام
وإن قلتلو عوم غطس، وإن قلتلو اغطس عام
ودا كمان فيه خصلة رديه
14
هي اللي كرهتني فيه
يخاف من الضفدعة، ويحارب التعبان
الناس لها حب واحد، وأنا ليا في البلد خمسة
وفي الموال السابق يتحدث قائله عن أن الناس لها حب واحد، وهو له في البلد خمسة حبيبات، وهو يتحدث عنهن، ويصف كل حبيبة منهن بأوصاف طيبة، حلوة، وإن كان لها طعم فهو طعم الحب.
وهو لم يكتب هذا الكلام على مكاتب، بل تحس بأنه يقوله أمام وجه الحياة، وتحس بأنه يمشي ودبيب أقدامه وإيقاعها عبر الحواري والحقول، وجهات البلد الأربع، يصنع لحنا رتيبا، ينبض بالحياة.
والحب عنده ليس هو الحب بمعناه الأفلاطوني الروحي، بل إن تجاربه مستمدة من واقع حياته وحدود ارتباطه بالمرأة.
وزني!
يا بديعة في الجمال طلي وانظري وزني
ألفين من الدهب والزمرد، يعجبك وزني
15
قالت أنا في عصمة جدع زوق زين
مهوش معوزني وخيبون عليا
16
لما أبقى في عصمته وازني
وإن جيت من الباب الباب عليه بواب
وإن جيت من الحيط السله واكعابك
17
وإن جيت من البحر يبقى التمساح أولى بك
قاللها إن جيت من الباب لخليها ضبب وألوان
18
وإن جيت من الحيط لخليها سداح مداح
19
وإن جيت من الجو لكسر للعقاب جناح
وأخطي وأميل على صدر محبوبي وأتملى
واللي خلقني ينجيني من التمساح
ومحرم
شعبان ورمضان وشهر العيد ومحرم
والنوم مخاصم سواد العين ومحرم
يا للعجب في كأس عسل في إيدي لكن عليه مر
ومحرم ...
وصعبان عليه الجميل راقد ع الفراش تعبان
ورمش عينه وقلبه م البكا تعبان
حتى حبيبي اللي أحبه حرمني دخول الدرب ومحرم
مقطع على راسك
ما عدت أدور بك
20
لو باس السحاب راسك
برضك خليعي ولو كبرت أنفاسك
21
أنا لما شفت الندل ميل عليك باسك
رميت حبلك على ضهرك وسيبتك
وقلتلك الدرب اللي إنت فيه مقطع على راسك
عتاب
بس أنا شايف يا حبيبي طبعك لم يعجب حد
أكم عيبة بتعملها واديني بقولك سد
22
مش إذا كنت ناوي تخاصمني خصام جد
تبقى تقولي على يوم باين وأنا أحزن فيه
وأحلف على القلب من بعدك لم يحدث حد
23
وتكلني
سلم عليا حبيبي بعد الوصل وتكلني
وغاب عني سنة حول لما دود البلا كلني
وأفنن إيه وأقول إيه وأعيد إيه وشاغلني؟
مش كان بلاني بعشرة دول
24
وشاغلني
أنا طلعت من بلدي طهقان عشان طير
25
بطلت أكل اللحوم حتى لحوم الطير
أنا لما شفت اللي أحبه هملني
ولاف للغير.
أنا قلت يعوض الله خير
كأني مت ناقص عمر ودفني •••
الطير دا اللي ع الشجر عمال بيبكي ليه؟
بكى وبل المحارم من دموعي ليه؟
فايت على شيخ عالم بيقرا والكتاب في يديه
رمى الكتاب من يمينه والتفت قاللي:
الشهد بعد الحبابي يتعملبو إيه؟!
والعلاقة التي تربط بين الرجل والمرأة تلعب في الموال دورا كبيرا، فجانبا كبيرا من أدبنا الشعبي يدور حول هذه العلاقة وأحداثها المختلفة، والموال يجمع كل تلك الخيوط، والأحداث، من وصف الحبيب، وهجره، وصده، ودلاله، والبخت الذي يتحكم حتى في الحب!
وأغلب مواويل الحب والعشق تأخذ شكل الشكوى من المحبوب، وغالبا ما يكون الشاكي هو الرجل؛ وذلك لأن المرأة بحكم قيود حياتها لا تستطيع أن تعبر وتصرح بما يعتمل في قلبها وعواطفها.
أما الرجل فينوح ويعول، ويتحدث إلى نصفه الآخر، وإلى فعل الأيام، والبين، وحياته الجدباء التي يرويها الحبيب إذا ما رجعت المياه إلى مجاريها.
وفي أدب الفلاحين قصص طويلة، كلها تحكي قصة حب بسيطة يلعب فيها «الوعد» والنصيب، الدور الرئيسي، وفي أحيان ما تختم بمأساة يخلقون منها المواويل الطويلة، التي يستعذبون وقعها الحزين، وينسون خلال ترديدها أحداث حياتهم الشاقة، وعذابهم تحت الشمس ، وصراعهم اليومي، من أجل مواصلة الحياة، يوما جديدا!
والموال هنا حين يتحدث عن الحب يصبح رقيقا وبهيجا، ويتخلى عنه التشاؤم، والتصلب، والحزن، والتواكل.
وقصص الحب التي يحكيها قصص ساذجة، يحس الإنسان خلالها الارتباط بين الواقع والعمل، لكنها في كثير من الأحيان ما تتجه نحو قوى غيبية، مثل قاضي الغرام، وطبيب لجراح، وهؤلاء يرمزون للمحبين والعشاق العواجيز، وبيدهم إرجاع الحبيب، وإعادة أيام الود.
وحلوبو
خطروا الجمالات على المينا وحلوبو
وخدوا الجميل مني في غليون وحلوبو
26
وصبحت أبكي وفاتوني وحلوبو
شوف العجايب يا طبيب النار زايده جمر
من يوم ما غاب الحبيب والقلب يغلي جمر
والتمر لو ناس معدوده يحلوبو
27
بحب لكن! ...
بحب لكن كلام الناس مانعني
شوفتك عشقتك، ومين يقدر يمانعني
يا بدر كتر الجفا والصد مانعني
لا بسهر ارتاح، ولا بنعس يجيني نوم
ولا أكل باكل، ولا ليا جلد للصوم
والنار بترعى فؤادي ما انت مانعني
بحب لكن كلام الناس مانعني
ع الدم
يا مظني الشوق أنا قلبي صبح ع الدم
آدي سنة حول، وأنا اللي مونتي ع الدم
جاني طبيبي وسمعني الكلام ع الدم
وإن أذن الله وطابت مني أنا لجروح
للبس تياب الهنا وتفح منها الروح
28
وإن جا عزولي لاقوللو من هنا قوم روح
فتحت لجروح كانت كاتمة ع الدم
العوازل
حبيت وعشقت والمحبوب بعيد عني
مالهم ومالي العوازل يسألم عني
والله إن أتاني حبيبي لحد الدار متعني
لعمل وليمة تكفي مصر والجيران
وأبعت جواب للعزول يسكن بعيد عني
حبيت وعشقت والمحبوب بعيد عني •••
عانوني عنك ما قدرت أتعنى
وطاوعت قلبي ع الفوتان قلي عنك
طرقت باب دير في جنح الليالي رن
جاني هاتف من الرهبان قاللي من؟
خدني من إيدي ووداني في حوض الدن
29
وفضلت أشرب والكاس في إيدي رن •••
حبيت جميل زين وسبوني العوازل فيه
وكترم الفتن لجل أتركه وأنفيه
إزاي أنا أتركه وأنفيه، وأنا عجلي وروحي فيه
شيع وقاللي أنا عبدك وسيد غيرك
عينك مع الكرم إذا انخطر العوازل فيه
وكثير من مواويل الحب والغزل ما يكون دخيلا على أدب الفلاحين، ويكون في أصله من المدينة.
عملت بداع
عملت بداع
30
وباغني في العرب يا اعلام
31
منشان عدرة جميلة
32
وخدها يا اعلام
ودرت مجنون من حبها وسط الجبال يا اعلام
وسألت ع البنت قالوا البنت حوطيه
33
من نسل ابوها لكن الخال عيادي
وعندها غفر ميت نفر بسلاح عيادي
وعندها ولد عبد عامل البيت ملاغية
34
ما احلى الأدب والكمال بس الوصال غيه
عشنا سويا وبينا ربنا يعلام ...
غزال زين
أنا فايت على قصر عجبني قريت الفاتحة لبنيه
35
ومشيت مسافة بسيطة قيمته وبنيه
لقيت غزال زين واقف يمدغ ع الضروس لبنيه
36
ساعة رآني طلع قصر وهو مشروع
37
أنا هجمت عليه وجدته ع الفراش نايم
حطيت إيدي في إيده قاللي من هنا ما تروح
أنا قولتلو ارحم بحالي هو انا حجر موش روح
التفت قاللي قالوا لك علينا عرضنا سايب؟
38
أنا قلت قاصد الحلال ونبقى في الحي ناسايب
39
ولو كان ربك للعبد بيسيب
ما كان يسيب الدم على اللبنيه
نعسانة
حبيت جميل زين فوق القصر نعسانة
آدي سنة حول، وأنا في الدار نعسانة
أنا قلت يا بنتي أنا جدع راسي
ومرسات الهموم قلبي
وخبطت ع الحيط وقلت الحيط تنجلبي
40
وخبطت على الباب لقيت الباب نحاس ياني
حبيت جميل زين فوق القصر نعسانة
مكلوش
غزالتين من وادي اليمن مكلوش
ماشيين يهزوا اليلك حالهم عدم مكلوش
باتوا سهارى حيارى من غير عشا مكلوش
ناموا يا عيني وصبحوا بالقدم سافروا
والزاد قبال العين سابوه ولم داقوه
والجسم منهم بلى حتى الوجوه سافروا
41
صعبان عليهم أبوهم كان ملك وشالوه
هيشكوا لمين في الطريق من وسع الجبل سافروا
اتفكروا الخيل مع لبس الحرير سافروا
قابلهم جدع جد عمرو ما انضرب ولا كف
قابلهم عرفهم رباية عز ويا كيف
من حسن عقله حضر لهم الطعام والكيف
قاموا مسكو الكيف، ونسيوا العشا مكلوش •••
خولي نشأ كرم فيه عنبه وتينة وتينتي آني
42
منشان عدره جميله بتتمايل وتنتني تاني
43
لابسه اليك ع الفلك بمقصب بتنتنه
44
تينتي آني
لجل المزاج آهي عشقت ولد زريون
45
يا اهل الحسب والنسب تركت الأصيل ومشيت
ورا الزربون
بستان حبيبي
يا عم بستان حبيبي طرح تمر
والتمر موش لينا
والخصم عامل فرح
والفرح موش لينا
حتى القميص داب وهو جديد مهوش لينا
اسمع أنا أوصيك ياللي تعاشر في خلق اليوم
دول يعصروك عسر ويخلو هدومك عوم
الناس تعاشر في ناس يستعيبوا المعيرة واللوم
وأنا بعاشر في ناس ياما اشطرهم في كتر الكلام واللوم
أسمع شتيمتي بودني
وأقول الناس مهوش لينا •••
وإن هفني الشوق على الأحباب وظناني
لفز
46
ولعان بفيض الدمع وظناني
واركب هجين زين بكتر المال وظناني
وان هفني الشوق لبيت ولعان تحت دور الكيف
مع ناس رفجات وخديني في غاية الكيف
ماشي معاهم وجا سيرهم على الكيف
وان أذن الله أنا لمشي على كيفي
عت وداب!
فايت ع الباب لقيت الباب من العلباب
وصانع الباب عامل الباب خشب علباب
روح يا نصر تعا يا نصر طلع العصر
بتعاجب بلبس الحرير الخصر
ومن مسه الحب جسمه الصلب عب وداب •••
فايت على الباب قاللي الباب من عندك
دا انا عيان يا باب ووصفولي الدوا عندك
آهين يا باب من كيدك ومن عندك
يا عم الشيخ أنا ليا مسألة عندك
عشق الجمالات حرام ولا حلال عندك؟
رمى الكتاب من يمينه والتفت قاللي:
عشق الجمالات حلال واللي يقولك حرام دا جي
على عندك
وانا ماشي
يا عمنا الشيخ عندك متاجر عال لنا ماشي
وآدي رمش عين الحبيب جرح قلبي وأنا ماشي
والمجلس اللي قاعد فيه يا خلي
دا حق فيه من المسك والزبد والفل والياسمين
تمنين حق
أقولك الحق دا أنا متيم وأنا ماشي •••
عاشرت ناس أصله قلت يعلوني
47
يا لوعتي حشوا كبدي وعلوني
48
صرفت مالي ومال جدي على اللوني
49
أبيض بلا ذوق ملوش عندك رسمال
أسمر ويفهم يستاهل المدح والرسمال
إذا كان بدك تناسب إوعى يغرك الجمال والمال
دا الرك ع الأصل مش الرك ع اللوني
صعبان عليا
صعبان عليا غزاله حايزه أسد
أتاري الغزاله حايزة تلتميت أسد
جس الطبيب في عضايا قولتلو جسدي
قالي انت جرحك بالغ وعشرتك طالت
مع بنت بالغ تقول م التوب يا جسدي
المايل
مال مرصود وموعود بو المايل
50
للي بياكل في كدي وللردي مايل
تلوف لغيري ليه وانا في محبتك مايل؟
أنا استاهل الكي بالنيران على النني
السجن سنتين والسجان يكون دمي
51
للي بجوع في نفسي وأطعم المايل
وتجارب الحب في الموال تجارب خصبة، طيبة، ولها طعم حلو. فهو في مره طلع فوق السطوح، ونزل عيان، وعندما سأله أبوه: أجيبلك الطبيب والحكيم؟ قال له: الحكيم ربي، لكن عندما سأله: أجيبلك العروسة يا ليل؟ قولتلو: والله انشرح قلبي!
وفي مرة أخرى يقول للقمر: غيب يا قمر محبوبي أخير منك.
وفي موال آخر جرحته بنت شيخ الخفر، التي شاهدها في «فدان القصب»، وعندما ذهب إلى أبيها شيخ الخفر ليشكي له جرحه، قعد يبكي، ونزلت دموع المحبة خففت وركي!
وهو يتوسل إلى حبيبته في عذوبة:
سايق عليك النبي إن كنت باقيني
تضحك بسن الرضى ساعة تلاقيني
ياللي أنا الورد يا حلو وأنت الماء بترويني
والناس لها حب واحد، وهو له في البلد خمس حبيبات، يصف كل واحدة منهن بطريقته البسيطة الساذجة، كأن يقول في: الحب دا اللي بحر البلد اسمه سرى باليل ... من عجب الجميل راسم على بطنه قنطرة لدوس الجمال والخيل.
وهكذا يمضي في وصف محبوباته الخمس بنفس العذوبة والبساطة، والكلمات ذات الشحنات الشاعرين المتفجرة بالحياة.
لكنه في أحيان ما يبالغ في صراحته، فيقول مغازلا محبوبته:
يا بديعة في الجمال طلي وانظري وزني
ألفين من الدهب والزمرد يعجبك وزني
ويقصد بوزني الأخيرة الارتباط بها جنسيا ويزني معها على أن يهبها «ألفين من الذهب والزمرد».
وفي أحيان أخرى يهرب من واقعه ويتخيل أنه التقى بغزال زين واقف يمدغ ع الضروس لبنيه فوق قصر فهجم عليه وصافحه، ويدور بينهما حوار ينتهي بالزواج:
ولو كان ربك للعبد بيسيب
ما كان يسيب الدم ع اللبنيه
أي ما كان يسيب الحرام على الحلال، وهو بهذا يحقق أشياء بعيدة يتمناها. •••
وتجارب الحب مليئة بالحكايات المختلفة ، من العتاب والصد والهجر، وبحب لكن كلام الناس مانعني! وفي مرة يحب ويصرف نقوده وشقاه على من يحب، وفي النهاية يكتشف خيانة محبوبه، ويحكم على نفسه بأنه يستأهل السجن والسجان يكون دمي ... للي بجوع في نفسي وأطعم المايل.
وفي مرة يغضب من حبيبته ويقرر هجرها قائلا:
أنا لما شفت الندل ميل عليك باسك
رميت حبلك على ضهرك
وقلتلك الدرب اللي انت فيه مقطع على راسك
ومن خلال كل هذا يتكشف لنا الجانب العاطفي عند الفلاحين، والطبقات الشعبية المصرية.
والموال في تناوله هذا الجانب يبدو متخلصا - إلى حد كبير - من التشاؤم والحزن، والدراما المختلفة، والرومانسية، وتبدو هذه التجارب أكثر صراحة وبساطة وإشراقا، على عكس نقيضه الموال الأحمر.
وفي البالادا القادمة التي تبدأ بالمدح والثناء على دمياط وبنات دمياط، وتختم بالزواج الذي يعقده قاضي الغرام.
وفي هذه القصة الشعرية - أو البالادا - تسلسل موفق، يبدأ برؤيته «للبنية»، وكيف أمرت عبدها بسجنه، ثم كيف جاء الهاتف في السجن وقال له:
حل قيدك بإيدك وأوم طالق المشوار
إلى أن تنتهي القصة بالزواج عندما تقول له البنت:
الأيام اللي خدتها سجن وإعدام
خدها وصال على مهلك
بنات دمياط
لو كان أمرك صديق يا شاطر الشطار
أوم اسكن دمياط المرية قبل ما تنتهي لعمار
دخلت دمياط المرية عاني ومتعني
دمياط جنة جنينة حوليها صجر وأنهار
صليت ركعتين لله وقريت سورة الفتح
وشويتين جيه البنية
52
فاتحة قلوعها فتح
ملت وشالت وقلب العاشقين شال معها
دبيت ع الباب قال عبدها مالك؟
وانا وقفت في الحارة حيران ودليل
دبيت ع الباب قاللي عبدها مالك؟
إحنا عبيدك يا جدع ولا شروات مالك؟
ولا ليك مين يا جدع في البيت بيقربلك؟!
قلتلو لو صدق الكلام يا عبد تكون ستك
قالي اسأل نجوم السما والعرش أقربلك
البنت طلت قالتلو خدو يا عبد
وديه ع السجن والأغلال
سجن الحليوة يا سلام سلم
فيه البق والهلبوشي لتنين مرحموشي
وشويتين جاني هاتف من ورا ضهري
قاللي حل قيدك بإيدك وقوم طالق المشوار
يجازيك يا قلبي يا اللي ما وراك شوار
سحبت خرجي على ضهري وقلت:
يا شندري
53
يا بندي يا ربحه مع العطار
البنت طلت من الشباك وقالتلي يا جدع معاك كحل
قلتلها كحل ومراود!
قالتلي يظهر عليك إنك ابن حلال تعطي وتتجاود!
قلتلها أنا ابن حلال أعطي وأتجاود
بس خايف من ابوكي ليقوللي من هنا عاود!
طل أبوها وقال خدو يا عبد وديه ع السجن والأغلال
أنا قلتلو يا عم سجنكم مرحوشي
دا فيه البق والهلبوشي يا عم لتنين مرحموشي
يلا بينا يا عم على قاضي الغرام يلا
أنا رحت لقاضي الغرام وقلتلو:
بنات دمياط سجنوني ...
قاللي البنت حلوة يا شاطر؟
قلتلو اسمها سكر!
وريقها عسل نحل لو داقوا العليل يسكر
بعتو اتنين يجيبوا البنت واتنين يحادوها
54
أمها واختها لتنين سندوها
البنت دخلت لقاضي الغرام قال لها:
يا بنت مسمحتيش بوصال الجدع ديده!
55
قالتلو يا سلام يا قاضي!
ومين عملك علينا قاضي؟
قالها اخرسي يا بنت ...
دا انا كان عندي مهرة زيك مدلعها
ضحك عليها الكديش
56
في لصطبل وقعها
البنت سحبت الجدع من يمينه وقالتلو:
ليام اللي خدتها سجن وإعدام
خدها وصال على مهلك
يجازيك
يجازيك يا لايم عليا في الغرام
إوعى تلومني فيه
دا الحب لو نار والعة
في المهجة وشالعة فيه
يا زارع السنط هيا ودادي فيه
دا السنط كله منافع
أما الأرد نرميه
والمركب اللي انخرق
حسك تعدي فيه
وإذا جافاك من تحبه
خد بداله من الحارة واقعد وكايد فيه
والصاحب الزين لو تبلغ مرادك
اقلعلو النضر وهاديه
والصاحب الشين كف قدمك عنه
من نظرك من بعيد وارميه
المركب اللي رسيت البر بسلامه
مركب نقيه أسسوها بخشب السنط
فيها شيخ عالم ماسك كتابه
بيقرا ويطالع ويتكلم كلام بالصمت
رمى الكتاب من يمينه والتفت قاللي:
إن جار عليك السفيه يا بن الكرام
واجب عليك تقتله بالثبوت والصمت
تزرع جمايل مع المايل خسارة فيه •••
جميل وقاللي إيش بتطلب؟ قولتلو انت
قاللي حجيبلك بدالي وقولتلو وانت؟
قاللي حجيبلك اخويا قلت اخوك وانت؟
قاللي يا ما انا خايف تبيح بسرك
أنا قلت والنبي عيب
ما ابيح بالسر إلا إن بحت به انت •••
أنا بسألك يا بحر النيل من هبلي
وبستشهدك في شهادة
لحسن نومتي على فرشة الزين
ولا الصلا والعبادة؟
قاللو الصلا عمود الدين يا ابني
وينفعك في مماتك
أما نومتك على فرشة الزين
دي نزهتك في حياتك •••
جميل قاللي أوعى يعجبك طولي وانا ماشي
قولتلو بلف في الكون شكلك مبلقاشي
اللي تسافر معايا قولتلو ماشي
قاللي وأهلك وبلدك؟ قلت ومعاشي
حسافر معاك تخليني على كيفي
ساعة وصال أطلبك حكمن يكون ماشي •••
إذا كنت يا حلو تديني ما أنا طالب
أنا كنت أوهبلك الروح والجنة ولا أطالب
أوهبلك الروح والجنة وكل شين فيه
أهل المحبة يموتوا والحيا غالب •••
يا حلو ياللي علشانك رايحين نعدم
ومحبتك في قلبي وانت لم تعلم
إن جدت بالوصل لم حد بيه يعلم
وإن ما جدت بالوصل لنا رب نشكيلو
ونريح القلب قبل الجسم ما يعدم •••
غيب يا قمر محبوبي اخير منك
أزهى من الشمس واجمل يا قمر منك
يا حسن يوسف ياللي كل الجمال والدلال منك
أنا قبل ماجيلك جاني الخبر عنك
بإنك ظريف المعاني حلو في سؤالك
ليا غنا عن الناس وليس لي غنا عنك •••
بنيت أساس العجب والشرع بان ليا
اللي حضر سد بان خالي وبان ليا
عملت صياد وبصطاد شلبه وجنيه
ولما عجبني السمك صيطلي شوية •••
حطوا الرفق في أناني الورد واوعولو
وادوه لناس طيبين الأصل يوعولو
إن مات ظريف المعاني قبل ما طولو
لبحث على تربته وأتمد في طولو
وإن جم الملكين يحاسبوه
لقوللهم سيبوه دا صغير السن وصغير
57
ديرم حسابو عليه أوعو تروحولو
58 •••
دمعة من العين ملت البحر لعبوبو
علشان جميل زين كل الناس لعبوبو
ندرن عليا إن جاني مرشق ورد لكعوبو
قسما وبالله وصوم العرش يلزمني
ما عدت أدور بالردي ما دام لندال لعبوبو •••
إن جدت ما جدت لحبيبك تبوس القدم
قوم اسأل اللي كبار عنك وكانوا قدم
والله إن ما جيت تتمخطر ليا بارفع هدم
وتزمزم الكاس وتقوللي اشرب هنيالك
لخرب ديارك واخليها خرايب قدم •••
جميل عمل صرته مركب وعداني
جابني في وسط البحر واتقلب راح تاني
أنا قلت يا ريس الغليون عاود بنا تاني
قاللي حبل الوداد انقطع مين يوصلو تاني؟ •••
يا خسارة مشيك مع المعيوب يا كامل
كامل مكمل واسمك في الورق كامل
أصوم عن الزاد وافطر كل يوم ع المر
وأكف قدمي عن اللي يسمعني كلام مر
داخل الروض فيها الحلو وفيها المر
الحلو منها أكل والمر عليه مر
من أهم المصادر
59
التي أمدتني بعدد وفير من المأثورات القولية الشعبية ما بين مواويل، وحواديت، وحكايات، راوية يدعى «أبو نادي» وهو رجل ضرير مسن - 85 سنة - من قرية «الزاوية الخضراء»، وهي قرية صغيرة في حدود 500 منزل، تقع بالقرب من بندر سنورس بالفيوم، والرجل يعمل بائعا جوالا صغيرا، وكما قال لي: أنا بشتغل في بيع شوية ليمون، طماطم، زيتون، خيار، عنب، وكل حاجة في جمعتها، أي في موسمها:
إن دبل الورد اسقوه بالقانون
وان نام حبيبك صحيه بالقانون
وسر سورة تبارك والألف والنون
بعد الحبيب عن حبيبه صبحه مجنون
إن دبل الورد اسقوه بالقانون
ويبدو - كما عرفت - من بعض أهل بلدته، أنه يتحرك تظلله ذكرى مأساة قديمة، كانت قد حدثت مع زوجته «أم نادي» المتوفاة، فيبدو أنه كان قد ضبطها مع غريب في البيت ولهذا طلقها، ويبدو أن المرأة ماتت بعدها: طقت ماتت.
ولهذا كانت تدور معظم مأثوراته حول هذه الكارثة الشخصية للزوجة الخئون:
المركب اللي كل البراق
60
فيها
يحرم عليه سفرها حتى نزولي فيها
أنا كان في إيدي لمونة والرب حاليها
خايف أكلها يكون تمر المشوم فيها
أنا مسكت طيرة وكان بدي أداديها
وقعت وسط الكرم وكل الجيش محاديها
وعشق البنات الهمايل يجيب العار لهاليها
61 •••
تعبان يا قلبي ع الرفق القديم تعبان
وشايل الحمل التقيل دايما تعبان
عجبي على عدرة جميلة بتاجي م العشا للعشا وتنام
في حضن خشنه عشيم لكن طولت ليام
البنت تقوم م النوم تقول يا رب يا ديان
تتوب على الصبية من نوم الخشنة الغشيم
دبل الرمان
تعبان يا قلبي ع الرفق القديم تعبان •••
عايروني الرفاقي وقالوا يا أسمر اللوني
أنا قلت أسمر لكن البيض يحبوني
ولو كنت زليت خدوني في البحر وارموني
ورشوا النيل في جسمي وفي عيوني
دا ذلي يقول حبيت يا ناس حبوني •••
عجبي على عدرة جميلة سارحة بالليل في الحتة
بديعة في الجمال لكن مافقلبهاش
62
محنة
وإذا كان معانا مال كنا خدنا البنت ودخلنا
إلا بلا مال وحب البنت شاغلنا
أمانة عليك يا شيخ ياللي معاك المال
تتحنه وتتهنه
وتقعد على قبر بلا درجات
وتقول روح يا ميت هناك يلا
دي بديعة في الجمال ومافقلبهاش محنة
ويصل تقديس الخال في هذا التراث - الأموي - العربي إلى حد مطالبة العريس في اختيار عروسته، وإخوتها خيلان - جمع خال - أبنائه:
يا نازل الكرم انزل الكرم ونقي م الفروع العال
واسأل على الشجرة ومنبتها قبل ما تحط المال
وقبل ما تناسب حاسب ونقي لبنك خال
إن مت ولا عشت تشهد لك رجال
يقولوا بإنك راجل عال نقيت لبنك خال •••
يا اهل الله العجب على كحيلة عادمة الخيال
نط سايس ركبها كفاها يا خسارة مهوش خيال
أمانة يا عم ما هي كل الرجال رجال
ولا الأصيل الهني بيشبه البطال
ما قالت البنت ما أصل انا اللي ابتليت وحدي
وصبغت توب الهنا ولبستها لوحدي
حط اديها البيض - البنت - وسط الدن بلتها
يا خسارة لمن ركبها الندل بلدها
قالت اسألك يا رب ياللي لا بتغفل ولا بتنام
مضيت زماني في الصبا لا سرج ولا خيال •••
أنا سبب اشتباكي مع الحب كان واقف ورا البيبان
مالك ومال الغرام؟ ياما الحب قفلها كانت بيبان
طبيب ظهر معي جرح من جوا الحشا طاقة
وآدي كلمة الحق عند الله نطاقه
وكل ما سد في الطاقة تتفتح البيبان •••
أمانة عليك يا جميل لم تنسى مودتنا
ولم تصافي الحبايب في وقت غيبتنا
دا احنا السبوعة الكواسر نحمي الضيف في غيبتنا
والله إن سعدنا الزمن هيه عادتنا
وان ما سعدنا الزمن تبقى عين وصابتنا •••
أبيض من الروم خطر اليوم يا معلم
لو كعب مبروم شبه الدوم يا معلم
ابن الهفية جرحني جرح وجرحو في الحشا علم
ناديت يا مين صادتنا العين يا معلم
ندهت يا شرار كلتنا النار يا معلم
دا مشيك مع الناس بيفسح المخ ويعلم
وكثيرا ما يتحسر القائل على خيانة الود، وبحسب تصوره للزواج على اعتبار أنه تملك وشراء يطالب في المأثور التالي ببيع «كحيلته» في السوق كمثل دابة:
صعبان
63
عليه كحيلة كنت مربيها
خانت ودادي ولا طمرشي الربا فيها
أنا قلت ... دلال خدها على سوق لتنين وديها
وإن متبعتشي في لتنين انزلبها التالت
دي طلعت خاينة ردية ومن لحم البغال شالت
وإن متبعتشي في التالت يا دلال انزلبها لربع
دي خانت يا دلال بعد قدح سمسم ويا تلات تربع
وإن متبعتشي في لربع انزلبها الخامس
وإن متبعتشي في الخامس انزلبها الجمعة
واعملها سوق على غير سوق والناس مجتمعة
وإن متبعتشي في الجمعة انزلبها السابت
دا انا احسبها أصيلة يا دلال وحبي في قلبها سابت
64
أتريها زي امها من قبلها في الخلا سابت •••
والحلو شيع
65
وقللي نصطلحشي عات
ونترك اللي مضى ونجدد اللي عاد
شيعت اقوللو من سو بختك سبقت اللوعات
شيع وقللي هحلفك ولا ميعاد
شيعت اقوللو يا فتى اللي جرى كفى
واذا كان شعر الدماغ ينبت من الكفة
يبقى الزمان اللي مضى بيناتنا ينعاد
أنا اللي صاحبت صاحب بيغضب كل يوم نوبة
أنا كل ما روح أصالحه أجيبه من كل بيت نوبة
أنا صاحبتو وقلت دا يزيح الهموم عني •••
عاشرتكم ع النقا وإيش نابني منكم
إلا المسبه وتسويد الوجوه منكم
انتوا كان لكم باب من ساعة العشا يلكم
اتفندق الباب وبقى الندل يخطر فيه
وخصايل الندل آهي لاقت بخاطركم •••
دمعة من العين ملت البحر لعبوبو
علشان جميل زين كل الناس لعبوبو
ندر عليه إن جاني مرشق ورد لكعبوبو
قسما بالله وصوم العرش يلزمني
ما عدت أدور بالردي ما دام لندال لعبوبو •••
لقيت كل القرى حتى اليهود يا فاس
ما لقيت شكل النسا ولا فعلهم على ناس
اللي يريدوه يحبوه واذا كان أقل الناس
اللي يكرهوه يسيبوه واذا كان أبوه عباس
القارب اللي انخرق إوعى تعدي فيه
وحرص من الخرق ياما الخرق غرق ناس •••
سبع الفلا شاف غزالة البر هملها
لما لقيها موالفة كلب هملها
وقال إذا كان لها أهل والا ناس تخصمها
مكنتشي تفوت سبع لو في وسط السبوع نابين
وتدور ورا كلب في الخلاوات هملها •••
لعبت يا سوس في البندق وخشب الزان
وبحت بالسر يا سوس وخليت المخبي يبان
دا انا لما التقيتك موالف مع فلان وفلان
رميت حبلك على ضهرك وسيبتك
يا عيش بلا ملح يا ريته كان بخ فيه تعبان •••
زرعت حب الوداد في الأرض واتعشمت
وقلت دا يطلع واكايد بو الأعادي الشمت
أتاري الأرض فيه داء ساعة الكيل يخس النص
والحق عندي انا اللي شبت ما تعلمت
وفي المأثورتين التاليتين يتضح مدى تأثير العامل الاقتصادي الطبقي حتى في علاقات الحب والعشق والجنس، كاحتياج بيولوجي لمن بيده المال والريالات.
أنا ف إيدي منديل احمر وبلح احمر
واللي معاه مال من صنف الجنيه لحمر
يبات يقلب في شفايف شبه العسل لحمر •••
أنا ف إيدي منديل ابيض وريال ابيض
واللي معاه مال من صنف الريال لبيض
يبات يقلب في شفايف شبه العسل لبيض
فاتوك
فاتوك يا قلبي رفقاتك آهم فاتوك
وجابوك في أيام العنعنة
66
والدندنة وفاتوك
لو كنت تعلم يا قلبي جمعة حبوك
ما كنت مشيت معهم
اللي أنت شاري يا قلبي
وهمه في الأصول باعوك
بخاطرهم
فاتوك يا قلبي رفقاتك بخاطرهم
سمعوا كلام مغمضة غير بخاطرهم
سايق عليك النبي يا قلبي
إذا كنت حابب دول ورايدهم
متبقاش تدور على الأسية اللي جرت منهم
ولا حتى تكسر يوم بخاطرهم
يا قلبي
يا قلبي جريك على أحبابك يستألوبك
67
وان اتبهت عليهم بالقوي لازم يستألوبك
أنا معي جرح من جوا الحشا وتقيل
عشان ما قلت إني أحبك واريدك تعمل عليا تقيل
يا قلبي لما ابتليت بالغرام خليك زي الجمال
راسخ وتقيل
تبقى انت زي التمر بعد الزاد يحلو بك
يجد فراق
أنا مكنشي عشمي يا زمن إن بعد اللمة يجد فراق
ويحمل الركب ويسيبني وانا مشتاق
وان طال غياب الحبايب عليا لاكتبه في أوراق
أنا معي جرح من جوا الحشا نادي
نهار أشوف الحبايب يبقى نهار نادي
وان جا حبيبي بلغت القصد ومرادي
وان جا عزولي لقوللو روح يا فاضي
تبقى عزولي وتعمل بيناتنا قاضي
مثل سمعناه من اللي قبلنا قالوه:
الحلو بعد الحبايب مر لم ينداق
بهدال
ياللي كتبت الألف اكتبلي حداك به دال
بدي أنول مقصدي بس الزمان بهدال
والوقت كياد على أسد الرجال بهدال
يا حلو نانا الجفا شمت فيا الناس
وطبيب لجراح مضيعني منيش كالناس
أصل اشتباكي بهم شربت من اللي أريده الكاس
ومثل سمعناه قالوه كبار الناس:
وصبح أوحش الناس في ولاد الكرام بهدال •••
ياللعجب على عدرة جميلة شدت للرحيل هجنين
68
الوجه زي القمر وراسمه ع النهود هجنين
وقت أشوفها عقلي الذكي يذهب وأصير هجنين
أنا قلت يا بنتي أنا قاصد معاك مشوار
وأسن سيفي على رقاب العدا مشوار
وشربت كاس الصفا من إيد الحبيب مش مر
وانا لسيب لك السرع حتى تنظري خلك
وجرح العليل ما بقى يطيب إلا إن نظر خلاي
وان هون الله عليا لاسقي الأعادي خلي
وازمزم الكاس وازعق ما بين العرب:
خلاي
سمعت الكلام البنية وكربلت
69
معناه
وقلبها رق بالوصال علشان خاطر الجميل معناه
مكتوب رأيناه على صدر الجميل هجنين
نبقالي ونبقاله
زرعت للحب نبقالي ونبقاله
وشرطت ع الحب يبقالي ويبقاله
شوف صجرة الحب طرحت كل شين
70
قاله
وانا صجرتي ما طرحت ولا عنقود
الله يجازي قليل الأصل بافعاله
أصل اشتباكي
أصل اشتباكي مع المحبوب الطبع كان غالب
واللي بنى أساس المحبة خلاه عريض من تلتميت قالب
وكل قالب عليه دولاب ولوالب
وكل لولب لويم الحبيب جاذب
ياما مجاريح عاشوا العمل مطلوش
ماتوا بنار المحبة والحيا غالب
يا بنت
يا بنت كشمير حزامك غلب الحباك
ضحكت ولعبت وقالت والنبي حباك
محلاك يا حلو ساعة تطل من الشباك
تلقى الغلابة قاعدين صفين
منهم بسنار ومنهم من رمى الأشباك
إمبارح العصر
إمبارح العصر قابلتني ع الفساقي بنت
مالت عليا وانا المتيم عليها ملت
يا ريتها ما مالت!
وادتني بوسة من شفايفها
أكنها عسل وسكرت
دول جابوا المحاوير يا ابني
وكووني أنا والبنت
لا البنت قرت
71
وأنا بين النهود ما بنت
ولا بتوفيش
كام آه وكام ليه وكام طيب وكام مفيش
وكام يا حلو توعدني ولا بتوفيش
تعالى اعمل مداوي وانا اعمل حجتي التشويش
72
وابويا «الملك» يطلعك عندي
تحظى بوصلي وتنزل تقبض البقشيش
يا آه
مأصل يا آه سموك الظنايا ياقوت
وانت لا جوهر ولا زمرد ولا انت ياقوت
في مقالي الآه دا انا اسمي في العلا مثبوت
ومن كان له حبيب قصاد عينه ولا طالوش
تنه يقول آه حتى ينسلي ويموت
يا ابو عيون سود
يا أبو عيون سود وخدود حمر وكاملك
انت غيابك عن الناس يزيدك حسن وكاملك؟
وان سألت عني يا جميل سألت انا عنك
وان ما سألت عني خيار الناس آهي كتيرة
آخذ بدالك والبسو لبسك
وان طال عليه غيابك لندهو باسمك
كوى كبدي
أقوم في دجى الليل أنظر في الكواكب
73
دي
على الغزال الوحيد الفريد، دا اللي كوى كبدي
وأبات أشاشي على المحبوب ... ماجاشي
يا لوعتي شفتو ماشي مع خصمي كوى كبدي
يا حلو
يا حلو بالك طويل إنهي معايا سؤال
وشيل بعينك واتلطف وشوف الحال
سبب البلا مين ما هو انت
مين ولع القلب من غير نار ما هو انت
إنت وانت ولا في القلب غير انت
هي المحبة جرت بس بيني أنا وانت
وتدور تلاقي الناس الكل على دي الحال
وباست إيدي
عملت صياد بشبكة والطراح فيدي
تلوم على الخالي ليه؟ أنا قلت ما بيدي
لجل الضرورة بقول للعبد يا سيدي
أنا لما عجبني السمك نزلت بدلله
لأنه سمك زين ويعجب القله
طلبت منه الوصال قالي يا جميل مهوش ذله
ياما أكم ناس جت لحد الدار وباست إيدي
خلخال حبيبي
خلخال حبيبي صغير ما يرنش ليه؟
هو كمال في رجل الجميل
والا من بياض رجليه؟
دا لو جوز عواميد سمان وعال
والبطن طيه على طيه حرير بلدي
رقبة حبيبي كوز فضية مع الدلال
بستان حبيبي طرح قشطه وعنب بلدي
منشان غرامه فت أنا بلدي
تبقى ابن بلدي وتتعاظم عليه ليه؟
خلخال حبيبي صغير ما يرنش ليه؟
ع الضيق
مأصل يا بنت لابسه الجلاليب ع الضيق؟
هو عدم بخت يا بنت والا القماش ضيق
ما قالت البنت دا أنا كل ما أوسع القمصان
تجينا ليام على الضيق
ومثل سمعناه من اللي قبلنا قالوه:
أهل الفصاحة، فصاحة لكن رزقهم ضيق!
أحباب قلبي
أحباب قلبي نور القمره منازلهم
يشتتوا العقل لو شفنا منازلهم
ياما محبين سكنت في منازلهم
ودول حبايبي محازهمش أحد قبلي
ونظرت عيونهم ع الخلي تبلى
دا أنا لفيت شرجي وغربي
وبحري مع جبلي
ما لقيت مثيلهم يا عم حتى في النعمان
74
ولا الرشيدي ملك عصره مع النعمان
يموت بحسرة الرشيدي لو شافهم مع النعمان
أنا قلت يا ربي تحرسهم دوام م العين
بحق يا رب من نبع الزلال م العين
وتهلك عداهم وتحرسهم دوام م العين
إكمنهم حبايبي وبحر الجود منازلهم
أحباب قلبي نور القمرة منازلهم
ونصفا ليك
ياللي أخدتي الردي جاهك ونصفالك ونصفاليك
متفكريش يا فاجرة إني يروق بالي واصفالك
دا أنا لقيت الكون مالقيت وصفالي ووصفاليك
إنتي رضيتي بالتلت وأنا اللي سرت وياكي
شوفي تبعتي كلام اللعين إبليس وتغاكي
75
وابن الهفية ربطلك في الطرق ورماكي
قومي اسمعي سيرتك مع الصغار وانا
وأصفالك
كنت أود عليك
أنا بحسبك يا ردي تايب كنت أود عليك
وأنا كنت بقبل أياديك يا ردي وأمسحلك
تراب رجليك
وياما بكينا يا بن الناس وأكتر بكانا عليك
أنا لما لقيت العزول في الطرق خايلك
وأوحش الناس يا عاهر عملتيه من دخايلك
وفوتي حبيبك لولاتي اللي كان للعرض صاينلك
أنا قلت يعوض الله خير، مكتوب تغيير الوجوه عليك
يا لابس التوب
يا لابس التوب، أنا اللي حاتوب على إيدك
جسمي انهرى داب من المكتوب على إيدك
يا أبو لحظ فتان كعود الزان على إيدك
عشان ما انت كامل بقى ومكملك سيدك
مستني لما أروح لك البيت وأبوس إيدك
أسوق عليك مين، غير عمك وغير سيدك؟
سايق عليك النبي بلاش عملك بلاش سيدك
وتجود لي بالوصال وتسعفني
لحسن حلمت بالليل
بأن روح الظني في إيدك
أنا لقيت بختي مع مين؟
شكوى لكم يا عدارة حزني من غير أسى فيكم
تشكو بلا عيب يا خسارة الوداد فيكم
والسبر
76
دا سبركم ولا سبر واديكم؟
عوضك على الله يا عين في وعدك ومكتوبك
وأنا لقيت بختي مع مين لما هتلقاه فيكم؟
إلا الليالي السود
يا حلو يا ناشي كرمكم عنب إدينا م العنب عنقود
والتقل دا ليه ما دام العنب موجود؟
إوعى تعمل البخل صنعتك والكريم موجود
قالوا البخيل جاد قلت عمر البخيل ما يجود
ولا بيحوجنا للبخيل إلا الليالي السود
وعشمان فيك!
أنا بحسبك ليا وكلك ليا وعشمان فيك
تاريك للغير وانا ليا حصة بسيطة فيك
شوف لما نزلت سوق الأخسة
77 ...
بعرف اللي فيك
لقيتك بتخس على كل قباني
يا ميت مصيبة على اللي كان شكرلي فيك •••
أنا بحسبك ليا وكلك ليا وجسمك ليا وروحك ليا
تاريك مربي زباين يا ندل بس تضحك ليا
أنا بقوم بالليل وادعي اللي رمى الحوت
للسنار يرميك ليا
وأنا اخلص الحق منك و«التلاتربع»
وافرجك يا قوي العين ضحكك ليا
بتعزوه
من أصل يا حبايب رد الرد بتعزوه
وتدخلوه في صميم القلب وتحبوه
وكان لكم رفيق زين على طول الزمان فتوه
ياللي العدل ريحكم رفيقكم فتوه
هو كان عمل إيه الولد لما بالعجل فتوه؟
الفصل الحادي عشر
أمراض الحب والعشق
بالنظر إلى أن تراثنا العربي بكامله - من تقليدي كلاسيكي، وشعبي فولكلوري - يوغل في الإغراق في المترادفات الوحدة المتوحدة للجبرية والدهرية والقدرية والوعيدية، كما سبق لي أن أفضت في طرح هذا الملمح الجوهري في معظم كتبي ، عن فولكلور وأساطير العالم العربي، والأساطير والفولكلور العربية، والحكايات العربية الشعبية، وعلمنة الدولة وعقلنة التراث العربي.
لذا لا يستثنى - بالطبع - مأثوراته الشعرية وأغانيه التي هي موضوع هذا الكتاب، عن شقيقاتها من حكايات وأمثال وسير وملاحم، من الإغراق في بحار الدهرية والغيبية، وأفعال الزمن والدنيا والأيام والخطوب والليالي السود، ويكثر هذا الملمح بإفراط واضح في مأثورات الموال الجنائزي الأحمر، لكنها تصبح أقل منها في نقيضه - الدنيوي - الأخضر، المتصل بطقوس التجميع والإخصاب، بدلا من الغياب والتفرق - أو ما يعرف بالفرقة، بضم الفاء.
إلا أن مثل هذا التوغل الجبري الدهري، تتزايد حدته في المواويل والمأثورات التي مجالها وقائليها المعلولين والمجروحين بالحب والعشق، وعلى كلا الجانبين أو النوعين، سواء أكان المعلول رجلا ذكرا، أو أنثى، إلا أن المأثورات المعتلة بالعشق وأمراض الحب
Love Sienes ، ترد بكثرة منتسبة إلى قائليها وجمهورها الذكوري، عنها في حالة الفتاة الأنثى.
ومن أمثلتها السابقة واللاحقة الحاجة إلى الإتيان بالحبيب والعشق، سواء عن طريق طبيب المبالي والأوجاع، أو طبيب لجراح، أو البين وأهله وعائليه، الذين كثيرا ما ينكلون بضحاياهم - من المعلولين - عن طريق إيقاعهم في أمراض العشق هذه:
يا مين يجيبلي حبيبي وياخد من عيوني عين
وياخذ نص التانية واشوفو بنص العين؟
ومثل:
أنا الذي ابتليت بالغرام وستي حامله في أمي
أي إن قائل المأثور السابق كتب عليه الدهر الموت عشقا قبل أن تولد أمه أصلا.
ومثل:
ما ظهرت الآه إلا من عليل الحب
ومثل:
وجرح العليل ما يطيب إلا إن نظر خله
ومثل:
ياما مجاريح عاشوا بطول العمر مطالوش
ماتوا بنار المحبة والحيا غالب
وكيف أن من كان له حبيب قصاد عينه ولم يطله، فإنه يظل يتوجع من قولة «آه» حتى ينسلي ويموت.
فالمحبين والعشاق و«أولاد الغرام بدلوا غناءهم بالعديد والندب والبكاء»، وهو صحيح إلى حد كبير، إذا ما اعتبرنا مأثورات جرحى العشق بكائيات ذاتية أو جنائزية.
وكثيرا ما تتمثل هذه المأثورات الشعرية بشخصيات تاريخية وأسطورية عاشقة، مثل: نعيمة، وشفيقة، وعزيزة، وناعسة زوجة أيوب، وكذلك بشخصيات خرافية لقصص شعرية أو بالادا مندثرة، وقد يكون كل ما تبقى منها، ومن ملامح ودفائن عشقها الجارف المميت، سوى مثل هذه المأثورات التي عادة ما تدور حول شخصيات تدعى «ورد وسلبند»، وفي مأثورات شعرية أخرى ترد باسم «ورد وإدريس»، منها هذا المأثور:
إدريس لقى وردة بتبكي
قاللها مالك؟
مالك ومال الغرام يا وردة
واخداه في بالك؟
قالتله وردة:
ببكي على شاب يا إدريس
كان في الحشا مالك
لو جوز عيون سود
إن فتحوا صبحوك في الحشا هالك
وكثيرا ما يدور الحوار بين عليل الحب، أو العشيق المبتلى، وبين طبيبه، أو طبيب الجراح، الذي - كما يرد في المأثور التالي - ما إن رأى مريض حتى بكت عينيه، وما إن كشف على علته وجرحه بمبضعه ومرهمه، حتى بانت عينيه الجرح. وهنا سأله العليل - بالهوى - عن كيف أن نار الحطب قد تشابه لنار «خشب» الدوم؟ فأجابه الطبيب بأن نار الحطب تنطفئ، أما نار المحبة فدائمة الاشتعال في صدر المحبوب «المبتلى» طبعا:
طبيب لجراح
طبيب لجراح نضر جسمي بكت عيناه
كشف على الجرح بالمرهم بانت عيناه
قاللو أمانة يا طبيب
نار الحطب تشبه لنار الدوم؟
قاللو:
نار الحطب تنطفي يا ابني ونار المحبة دوم
أنا لا بسهر ارتاح ولا بنعس يجيني نوم
إذا لم أشاهد حبيبي وانتظر عيناه •••
عيني رأت بنية حية من بلاد الغرب
لابسة توب أسود من جناح الغرب
شفقت بحالي وتاه الفكر عن بالي
شفقت بحالي وحملت الكتب ع الغرب
أنا قلت هيا بنا يا طبيب بالعجل نمشي
في باطني جرح يا طبيب بسهربو ولا نامشي
وفي المأثور السابق المجلل بالقتامة، حيث إن قائله ما إن رأى بفتاة «من بلاد الغرب» بما يوحي أنها غريبة، أو أنها أجنبية - غربية - كما أن الغرب دائما مرتبط في مأثورات - وفولكلور - الجهات الأربع، أو أربعة أركان التابوت، بالجهة الموكل بها دفن الموتى، ولتكن «بلاد المقابر»، أو الضفة الغربية للنيل حيث المقابر، وأهمها مقابر وادي الملوك بمصر العليا.
بل وكثيرا ما يعتل طبيب المحبين ذاته بالعلل والأوجاع، عندما تصرعه عيون المحبوبة وبهائها، حين الكشف عنها ولو بالنظر:
إزاي انام يا طبيب وآهو تاه مني الكيف
علشان ظبا
1
ترك يا طبيب لحظة كيف حد السيف
قاللي يلا بنا يا عليل بالعجل يمه
نحققه بالنظر لم نختشي منه
راح الطبيب وجاني منطبق فمه
وقال يا ناس أنا شكل الجميل دا ماريت
الوجه زي القمر أما العيون دي ماريت
2
أنا من يوم ما شفته وطبق الورد ما شفته
البيت عفته
3
واحلى طعامنا ماريت
4 •••
في باطني جرح يا قاضي الغرام غلايين
واحباب قلبي إن غابوا برضو هم غاليين
أنا الذي عند خصماتي حلفت يمين
أنا ماهبطل الغندرة ولا ادي للعدا واطي
وايش أوصف إن القوارب تشبه الغلايين •••
آهين على وحدتي والوعد لسه بعيد
أنا ما كواني وخلاني في الخسس ما بزيد
ألقى حبيبي قصاد عيني مش قادر أقوللو نهارك سعيد
أنا ماكواني إلا العوازل بيبرشم في الكلام ويعيد
أنا ما بيدي ولا فيدي إلا منديلي لبيض
والقط كل دمعة بإيدي
دا اللي سعدهم زمانهم فنارهم من أول الليل بيايدي
لكن ولاد الغرام بدلوا الغنا بعديد
لامو عليه العوازل قالولي قوم يا مبتلى ابدل
القديم بالجديد
لحسن دا بكره العيد
أنا قلت خلي العيد لأصحابو
إيش يعمل العيد للي تفرق أصحابو
أنا عندي لمة أحبابي أحسن من ليالي العيد
صبح سلام اللي أحبه من بعيد لبعيد
آهين على وحدتي والوعد لسه بعيد •••
جرا اللي جرا يا عين ما حد عزاني
وطلعت اعزي لقيت الندل عزاني
الوز مهوش ظفر دا القول على الضاني
أنا كنت أنزل الحرب واتباهى بعزالي
الحرب حربي وانا اللي جيتلو منجاري
أيوب لما ابتلى واحد ورا التاني
إحنا سمعنا مثل من الكبار قالوه
أهل البلدي خدولهم سبر طلعوا فيه
ما يعشقوا إلا قليل الأصل والزاني •••
عاشرتكم ع النقا وإيش نابني منكم
إلا المسبه وتسويد الوجوه منكم
إنتو كان لكم باب من ساعة العشا يلكم
اتفندق الباب وبقي الندل يخطر فيه
وخصايل الندل آهي لاقت بخاطركم •••
ما أصل يا عين دمعك على الخد ما ينزل
قلت على الصاحب اللي ربط ع الود ما ينزل
مضى زمانو على ضهر الخيل ما ينزل
أنا اللي من صغر سني في الهوا طالع
ربي أتاني بعزول قطف زهري وأنا طالع
عمل معايا عمايل الصبح وأنا طالع
في وسط شارع ترش الملح ما ينزل •••
ما أصل يا عين دمعك على الخد بداره
قالت على الصاحب اللي خطر لم بيدارى
أنا اللي رسبت في حيكم وقيمه ومزيه
وفتحت بابي على كيفي بشم نسيم
ولما لقيت عليه العوازل آهم جايين
قفلت باب الإثارة عنهم وبدارى
ينسب هذا المأثور - أحيانا - لشخصية «بالاد» خرافية ورد وحبيبها سلبند، وسنتعرض لها تباعا:
سلامات م الغيبات مد إيدك وشابكني
ياللي غرامك طحن قلبي وشابكني
لك جوز عيون سود كما السنار شابكني
إن اسبلم جرحوا وان فتحوا صابوا
دا انا اللي خايف على العمر يفنى وانت شابكني
وكثيرا ما يتمثل تنكيل وعذابات ذلك الكائن الخرافي - البين - بضحاياه عن طريق الحب وأمراض الغرام:
فات شهرين وراح شهرين وجه شهرين
نص السنة فاتت ما انطبقلي رمش جوا عين
البين وعم البين وخال البين
البين ركبلي عن الخدين دولابين
وكل دولاب بستاشر قنا تجري
بينزحوا دم من مغرم كواه البين •••
شعبان ورمضان وشهر العيد ومحرم
لربع هلالات على نومهم جرم
لا بسهر ارتاح ولا بنعس يجيني نوم
ولا أكل باكل ولا ليا جلد للصوم
وآدي خلي البال راقد لم يتحرك
ويبدو أنها واحدة من أغاني ومأثورات العمل لمهنة النساجين، وعثر على أغاني عملهم في الفولكلور الأوروبي بكثرة:
ياللي انت نساج إحنا الكل نساجين
تبرم على مين واحنا الكل برامين
وسر تربة نبي بالسيف شهر الدين
حليوة خطر ع الباب قوم ننضر اللي برا مين •••
يا نجمة الصبح طلي وارجعي روحي
وسلميلي على اللي مهنياه روحي
5
وسر من أنزل القرآن في اللوحي
حابكي على الناس ولا أبكي على روحي
ويتضمن المربع التالي لغزا شعائريا لذلك الطير الرابض في كبد السماء لحمه حرام أكله على عكس من دهنه:
رق عن اهل العشق يا مالك
وأدري بأن مذهبي مالك
عيني رأى طير
6
في كبد السما بارك
لحمه حرام ودهنه حلله المالك •••
يا مين يجيبلي حبيبي وياخد من عيوني عين
وياخد نص التانية واشوفو بنص العين
الحلو قابل حبيبه في نهار اتنين
قعدم يعيدو الكلام بكيم سوا لتنين
اتنين في اتنين يا قاضي الغرام أربعة واتنين
اتنين في حط، واتنين في بيت، واتنين في بحر
واتنين في غيط، واتنين في قصر، واتنين في مصر
واتنين في اصطمبول
اتنين في حيط دي عقدة ودي صره
واتنين في بيت دي قحبه ودي حره
واتنين في غيط دي حلوه ودي مره
واتنين في بحر دي لفشه ودي بنه
واتنين في قصر أنا ومحبوبي بنسكر في أوان العصر
واتنين
7
في مصر
واتنين في اصطمبول سبحان من يعزل ودا يولي
يا مين يجيبلي حبيبي وياخد من عيوني عين •••
ما تحسب اللي بيضحك دايما مشروح
ضحكة يكيد بها العدا ودايما الفؤاد مجروح
أهل المحبة تملي لونهم مخطوف
ولا يذوقوا المنام إلا خطوف خطوف
آدي مدة سنين وأنا راقد ع الفراش مطروح
وآدي سنة حول والطببة تيجي وتروح
وف طلعة الروح داخله العاهرة بتشوف •••
حخس عقلي وآجي تاني أعاتبكم على اللي راح
ولا أسامح وياما جه وياما راح؟
لما لقيت مسككم عند العوازل فاح
لاكف قدمي واقول البر أحسنلي
وافطر ببصلة واستغنى عن التفاح •••
إزاي قلبي يريدك ومعروفي معاك ضايع؟
القلب شاريك لكن انت يا ردي بايع
ياما بنسمع كلام الناس بوجايع
وكل كلمة أقسى من السيف علشانك
وقعدت أحقق لقيت حقي معاك ضايع
الفصل الثاني عشر
البالادا وأمراض العشق
وفي قصة العشق الشعرية التالية، والتي يمكن أن تصنف على اعتبار أنها «بالادا»، والتي تثبت مقولتها المحورية، أن التعبير المتوجع «آه» لم يأت ويصدر إلا من عليل الحب.
ثم تحكي عن ذلك العليل الذي كان «يمشي في الحرير ويخب» إلى أن ابتلي العشق، فصرع وجاءه طبيبه ليطببه من «أراضي الشام» التي لا بد وأنها كانت متفوقة في الطب، لكثرة ما يستشهد في هذه المأثورات بفصاحة حكمائها وأطبائها.
ثم كيف أن جرح عليل العشق المتقيح الدامي تسبب في قتل الطبيب المداوي، فلم يعد ويرد لوطنه، وحاول ابنه السفر إلى مصر لإرجاع عظام أبيه، فأثنوه الناس وأخافوه وأرجعوه، إلا أن أمه أصرت على سفر ابنها لإرجاع جثة أبيه، وهكذا سافر الابن على بكره أو جمله - المنكوي نابه - فوصل العليل في خامس يوم، وعلم بموت أبيه، ورغم ذلك حاول رد اعتباره - كطبيب شاطر كأبيه - أن يعالج عليل العشق، الذي عاجله قائلا:
يا ابني دول وصفم لجرحي
تلتميت أردب خردل كل حبه بألف
وجاني ألفين طبيب شطار وكمان تبعهم ألف
جميع هؤلاء الأطباء أغطسوا في جرح العليل، الذي من سوء بخته «غرق الألفين، وتاه الألف».
وانا أصل جرحي من المحبة جلف
وما ظهرت الآه إلا من عليل الحب
ما ظهرت الآه إلا من عليل الحب
ما ظهرت الآن إلا من عليل الحب
مقلهاش آه إلا لما ملتقلوش طب
من بعد ما كان يمشي في الحرير ويخب
صبح عليل وحاله لم يسر حبيب
قام دري عليه طبيب شاطر من ارض الشام
ركب على بكرته ورحللو في نهار الحد
ولما كشف عن الجرح فجت ريحه منه
وقع الطبيب مات في الوطن لم رد! «الطبيب كان لو ابن»
قال: والله الخبر دا ما درينا بيه!
واجب عليا اروح لو اعزي فيه •••
الولد طالع واحد من بلد العليل لاقاه
قاللو يا ابني عاود من هنا تاني
لتموت زي ابوك ولا ترجع ع الوطن تاني
قاللو ازاي أعاود من هنا تاني
وانا بعد ابويا كواني؟! •••
الولد عاود يبكي دمعة من العين دي ودمعة من العين دي
وقال وحداني وبقى كدي على زندي
أمه تقوللو عاودت ليه يا ابني؟
قال واحد من بلد العليل لاقاني
قاللي عاود من هنا تاني
لتموت زي ابوك ولا ترجع ع الوطن تاني
مرات الطبيب لها أخت قالتلها:
يا اختي ابنك بقى راجل هو جوزك كان حنش
ولا الأمير فاضي؟!
قالت لها جوزي كان طبيب شاطر مهنيني
وكنت شايلاه لعازات الزمان وغسلي وتكفيني
قوم يا ابني سافر ما تعمل على عندي
سافر وهات عضم ابوك أدفنه عندي •••
الولد كان عنده بكر
1
منكوي نابه
سفر أربعين يوم في أربعة جابه
خامس يوم فتح ع العليل بابه
قاللو: تعرفشي يا عليل الطبيب اللي كان هنا
راح فين؟
قاللو: مات، وانت عاوز إيه؟ •••
الولد طلع خاطره مكسور
يلف في البلد يلقى البلد عالية وعليها سور
يقول يا اهل البلد دي تعرفوش الطبيب
اللي كان هنا راح فين؟
قالولو مات منشهدشي شهاده زور
مقال يا بكر الشام دلبنا
ياما كشفنا على جروحات وقطبنا
اليوم ظهر عليل في الحي غالبنا! •••
سمع الكلام العليل قال:
هاتوا الولد هاتوه
قاللو بتقول إيه يا ابني؟
قاللو بقول يا بكر الشام دلينا
ياما كشفنا على جروحات وقطبنا
مقدمة عوم والموج غالبنا
واليوم ظهرت انت في الحي غالبنا •••
قاللو يا ابني دول وصفم لجرحي
تلتميت أردب خردل كل حبة بألف
وجاني ألفين طبيب شطار
وكمان تبعهم ألف
دول ودول نزلوا في الجرح غطاسين
من سو بخت العليل غرقوا الالفين
وتاه الالف
وانا أصل جرحي م المحبة جلف
ولا ظهرت الآه إلا من عليل الحب •••
الحمد لله بلانا طاب معاديناش حد
بلوة خفيفة ومحملناش جمايل حد
مشي الجميل مشيت وراه بالقدم والحد
أنا عملت شحات طالب حسنة الأموات
قاللي بلاش مرقعة مقبلناش حد
أنا قلت يا شيخ والله أنت كلام جد
إن كان أهلك عليه علموك الصد
الزم محلك ولا بقتشي تواعد حد
أم العليل سافرت من جد لتاني جد
تجيب دوا ابنها اللي انطحن جسمو
وحيله انهد •••
أكم يا عبد تزني والإله يستر
ما فوت لمن لقيتك ع الجبين تستر
في إيده كتاب المحبة فيه عشر تسطر
أول من السطر تنساني يا جميل مانساك
يسعد صباحك من الله يا جميل ومساك
ومين دا اللي عليه بالجفا أساك
هو أعطاك مال ولا خاص الحرير وكساك
تاني من السر تهجرني بلا ذلة
خليت عضايا على النيران تتقله
وسر تربة نبي وابن عبد الله
خليت جسدي من الهجران تتقله
تالت من السطر كامل والنبي كامل
من يوم ما غابوا الحبايب والقلب ما تكامل
وسر تربة نبي راحلو الحج متكامل
أنا ابتليت بالمحبه قبل ما تكامل
رابع من السطر بنيت بحر المحبه طين لقيتو جبس
ولأن عليه اللي أحبه بعدما كان دبس
2
والله المحبة بلا مهياشي بكتر اللبس
خامس من السطر ياما الناس سبوني
صارم حواسه على بابه وفاتوني
وسر تربة نبي في الشرق مدفونه
من عاند أهل المحبه صار مجنونه
ساتت من السطر أخشى الله يا فاتك
اضحك بسن الرضى ولا تشغل بالك
سابع من السطر شوف حالي ولا ترحم
مشبوك بعنيك وأنت يا جميل أرحم
وسر تربة نبي راحللو الجمل أرحم
من داق غرامك يقول نار الجحيم أرحم
تامن من السطر شوف حالي وتيسر
شوف من كواه البين وتحسر
وسر تربة نبي راحللو الجمل فسر
أنا ابتليت باللي أحبه قبل ما فسر
عاشر من السطر آهو جاد الجميل بالوصل
وبات في حينا معدشي يقصر قصر
والله المحبة بلا مهيش بكتر النصر
وانت يا رب على قتلى الغرام تستر
نزلت السوق أجيب غله
أصل الحكاية نزلت السوق أجيب غله
السعر غالي لكني في الحبوب غله
لقتني عدرة جميلة في إيدها حله
حلت عضايا وجسمي حلته حله
أنا قلت يا ست بدي أحظى بوصلك يوم
قالتلي تروح فين يا غلبان ويا مغلوب؟
ياما أكم خوجة نفق ماله وصار مغلوب
وأنا شيفاك من كتر مالك لابس القميص مقلوب
قلتلها يا ست أنا حرايري أبيع في الحرير شراي
وعندي الدهب أنا اللي بصبو صب
حتى جمالي البخاتي راكه في الدرب
قالت:
إن كان الكلام دا لو إثبات جود حدانا
حدانا يا جدع الليلادي وبات
أنا رحت السوق جبت رطلين لحم
وقلت يا واد على بيت الصبية مر
قابلني طير اسمو الغر
خبطت على الباب طلعتني قصر بتلتميت سلم
وكل سلم يقول يا سلام سلم
فضلت مقعداني لما مجلس الصبح خد حقه
الديب عرف عشته والفار دخل شقه
قلتلها:
يا وليه دا أنا صعيدي وضراب طوب
أعد كما الألف لمن آخد المحبوب
زعقت:
يا بربري حداك شومه ورا الباب مبرومه
جابتها يا ناس وعطتني بها ألف معدوده
وزقلتني من الشباك
كان ساعتها الغفير بيقول يا دايم
هوا الجدع دا بيسرق خير وبهايم
أنا قلت يا واد قوم اتمشى
لا ييجي الغفير يضربك لما تستكفى
أنا جبت محرمة وربطت بها ضلوعي
تمنين يوم لمن طابت أوجاعي
وقلت يا واد روح للصبية في صفة حمار أو ساعي
أنا قلت بيت الصبية فين اللي سبت من العشاق ألفين
القتيل اللي قتلته أهله قاعدين في المحكمة صافين
قالتلي:
المطرح بعيد وأنا مستكلفه المشوار
قلتلها:
عندي حمار أخضر وأعملك البردعة زعبوطي
بقى الحمار يجري وأنا ف نار الحب يا غدار
أنا جبتها ف سكه منقطعه
قلتلها:
اقعدي هنا بلاش قضيه
لو كلك أكل ملوش عدا دية
قالتلي:
حيلي على حيلك
ياللي البواكي بتشكي في تراجيلك
كت شيعلي طرف مرسالك وأنا أجيلك
ياللي البواكي بتشكي في تراجيلك
أصل الحكاية نزلت السوق أجيب غله
الحبيبة كحيلة
صعبان عليا كحيلة كنت مربيها
خانت ودادي ولا طمرشي الرباية فيها
أنا قلت خدها يا دلال على سوق لتنين وديها
وإن متبعتشي في لتنين انزلبها التالت
دي طلعت خاينه رديه ومن لحم البغال شالت
وإن متبعتشي في التالت يا دلال انزلبها لربع
دي خانت بعد قدح سمسم ويا تلات أربع
وإن متبعتشي في لربع انزلبها الخامس
وإن متبعتشي في الخامس انزلبها الجمعة
واعملها سوق على غير سوق الناس مجتمعة
وإن متبعتشي في الجمعة انزلبها السابت
أنا احسبها أصيلة يا دلال وحبي ف قلبها ثابت
أتاريها زي امها من قبل في الخلا سابت
البنت حكام
أول كلامي أنا بمدح الهادي
بمدح نبي زين في كل بلاد وأراضي
إلا وصبيه قابلتني الصبح وخدها نادي
شاورت عليا وكلمتني وندهتلي
فز أبوها اللعين وقاللي:
يا جدع إيش كلمك بنتي؟
أنا قلت يا عمنا الشيخ هيه اللي كلمتني وندهتلي
نادى وقاللها يا بنت يا حكام
ياللي ما صار عليك في البلد قاضي ولا حكام
قالتلو اخرس يا بويا لصبحك في دين الحكام
كل ما حد يجيلك يا با تقول البنت قاصر وانا بالغ
وكل ما حد يجيلك تتقل المهر وتقول حلوة مبالغ
هجرتني يا بويا الله يوعدك بالهجر
نشفت عودي وخليت حسن عقلي راح
إذا كنت مانتش قارص عليا بالجواز قارص
لكنت أضحك وألعب وأقول أنا اللي لي في البلد فارس
الفصل الثالث عشر
التمثيل بالشخصيات التاريخية والأسطورية
وكثيرا ما تفيض هذه الأشعار الغنائية في التمثل بالشخصيات التاريخية والأسطورية والخرافية، سواء حينما تستشهد بجلدهم وصبرهم على الشدائد والكوارث والمحن، مثل أيوب وزوجته المحبة ناعسة، ومثل نوح وزوجته «برها» التي انساقت لغواية الشيطان، بل هي توحدت به في تخريب فلك نوح (31 مرة)، صالح الذي كان غريبا مضطهدا في قومه ثمود، كما ذكر المتنبي «غريب كصالح في ثمود» إلى أن دمر ثمود انتقاما هي وقراها الخمسة.
وهو ما يمكن أيضا تواجده في الفولكلور الأوروبي بعامة، منها أغاني الملك كنوف على ضربات المجاديف للماء، وأغاني الكهنة المنشدين، وأغاني عمل النساء اللائي يطحن بالرحى، كما اتفق على تسميتها كتاب العصور الوسطى، وأشهرها أغنية تحكي معاناة الملك بيتاكوس الذي قضي عليه بأن يمضي بقية عمره يطحن بالرحى.
مثلما حدث وتمثل في أغاني «سعدى» ابنة الزناتي خليفة، قائد جيوش تونس، حين اغتاله خصمه الحميري القحطاني دياب بن غانم الزغبي وكان يعشق سعدى، التي كانت تحب بدورها مرعي، فكان أن سجنها دياب تطحن الرحى وترتدي ثياب الخيش حين رفضت حبه.
ولعل السيرة الهلالية أن تكون من أبرز السير والملاحم العربية التي استقلت عنها أعمالا قصصية وشعرية من نوع البالادا، كما لم يخل الأمر من المواويل التي استقلت بدورها عن هذه البالادا، تصوغ مدى عشق عزيزه ليونس، وسعدى لمرعي، وعالية لأبي زيد الهلالي.
منها الموال التالي الذي يتحدث عن عزيزة ابنة سلطان تونس «معبد بن باديس» التي عشقت عدو أبيها وبلادها، يونس ابن السلطان حسن بن سرحان الهلالي، سلطان الهلالية الغازين، حين تحايل فرسان الهلالية الثلاثة «مرعي ويحيى ويونس» حين ريادتهما لاستكشاف تونس مع خالهم أبي زيد الهلالي واضطرارهم لبيع عقد ثمين من الجوهر لعزيزة عن طريق دلال، ظل يفاخر بجمال يونس وفضائله أمام عزيزة:
آه يا ستي لو شفتيه
وشفتي طولو مع معانيه
تفوتي قصرك باللي فيه
واسمك الغالي نسبوه
فكان أن تحركت لواعج عزيزة نحو يونس، كما يصفها هذا المأثور التالي:
وقفت عزيزة في ريح القصر وريحانه
وقالت يا دلال صاحب العقد روح هاته
يا بخت من حدى بوصلك يا يونس في
يسود شعره، وتحلى عيشته المره
ولما قالوا لعزيزة دا يونس في الشجر بره
نزلت تهز اليلك وتقوللو كنت فين سلامات
ومن ابتلى بك يا يونس طج
1
وانسلى مات
خدتو على الصدر جوا القصر وراحاته
لمتوني
بكيت زليخة وقالت:
عشت في الذل لمتوني
ف حب يوسف يا بني يعقوب لمتوني
عملت عزومة زليخة ودبحت ميتين كبش ومن الغزال ستين
إلا وجولها البيض في أوان عصر
ومالوا وقالولها فين يا زليخة
اللي عليه البيبان ساكين؟
ما فتحت زليخة الباب ليوسف ما خرطت يدهم سكين
قالت آهو يا مساكين اللي عليه لمتوني
وزليخة هي امرأة العزيز، ويوسف هو النبي يوسف، والموال هنا يدور حول جمال يوسف وحسنه، ويؤكد الخرافة الراسخة عند الفلاحين التي تقول إن الخطوط المتقاطعة الموجودة في داخل كفة اليد، تأثير انبهار النساء - البيض - الذين عزمتهم زليخة وأحضرت لهن التفاح والسكاكين، وعندما شاهدن يوسف بهرن من حسنه فنسين أنفسهن، ومضين يقطعن بالسكاكين من كفات أيديهن بدلا من التفاح!
فقالت لهن زليخه شامتة:
آهو يا مساكين اللي عليه لمتوني
درغام يقول للخفاجا:
يوم غرب النجع ياما بكى درغام
وقال بيض الليالي مضت واللي بقى صار غام
2
رايح تغرب يابو دوابه
3
وفايت لصطبل والخيل فيه؟
بكى درغام وقال:
بيض الليالي مضت واللي بقى صار غام
بكر الصجر راح ما عادت تنفع الخلفيه
4
ظهر سبع في الغرب سموه الرجال خلفيه
5
ساعة يسمع الطبل ييجي مألوب كما درغام
بكيت بنته دوابه وقالتلو:
يابا أنا شايفه عينك ع السفر هتزول
درغام أبوك كبر وأمك شوله عقلها هيزول
الغربه تريه بابا تقل الأصول وتزول
ما قال بطلي بادوابه، مع الناس دول هنروح
زيدان عمل فيه طوله،
6
وصاحبي بالروح
مكتوب على باب تونس، قايمة في اللوح:
تفنى الخلايق، وكل العباد هتزول
الفصل الرابع عشر
البنية القرابية وممارسات وأغاني الزواج والإنجاب
وبقدر ما تلتقي دورة طقوس الانفصال والغياب بالموت، عند معظم شعوبنا وكياناتنا العربية وما يتبعها من أغاني وتراتيل جنائزية مصاحبة لنوعية الميت وجيله وصيته، رجلا ذكر كان أو امرأة أنثى، أو عروس «بكرية» لم تتزوج.
فطقوس الانفصال هنا هدفها حماية الأحياء، بتسكين روح الميت أو المتوفى، وبعث أكبر قدر من الطمأنينة والأمن، لكلا - روح - المتوفى وذويه.
كذلك تلتقي الأغاني والأهازيج والموشحات المصاحبة لدورة الحياة وطقوس تجمعها بالزواج والإنجاب، داخل رقعة فولكلور شعوبنا العربية إلى حد التوحد.
بل إني أتفق مع الباحث الفولكلوري العراقي لطفي الخوري، في أنه لا اختلاف كبير في «الأسرة العراقية وتقاليدها العامة المتعلقة بالزواج عن بقية الأسر في الأقطار العربية»،
1
سوى في بعض التفاصيل التي تفرضها البنية السكانية، وكذا القرابية والبيئية، بالإضافة طبعا للقسمات الدينية التي تشكل الوطن العربي، من مسلمين وأقباط مصر، ونساطرة العراق، وموارنة لبنان وسوريا العليا.
إلا أن القاسم المشترك لها، يتمثل في كونها طقوس «انتقال» تجمعية قوامها الاحتفالات الدنيوية البهيجة وما يصاحب أغانيها من صلوات الشكر في الكنائس، كما يدخلها كراب.
فطقوس
2
الانتقال المصاحبة للزواج والميلاد، لا تخلو على طول الوطن العربي من جذورها الأولى السحرية والطوطمية والقبائلية، بدءا من استخدامات رش الملح الجماعي، كممارسات لسحر المشاركة، والتزين، والزغاريد ودق النواقيس والأصوات العالية والأعيرة النارية التي هدفها طرد الأرواح الشريرة وشرور العين وإشاعة الأمن على العرس، وذروته هنا هما العروسين.
ومرورا بالزواج بالأقارب، أو الزواج الاتصالي الأسري القرابي القبائلي، بل إن في تقاليد واحتفالات الزواج والإنجاب والأغاني والأشعار والممارسات المصاحبة لها، على طول الكيانات العربية، أرضا خصبة حقا بالنسبة لدراسة نسق، أو منطلق جوهري ، أو استراتيجي لتراثنا العربي بكامله، وهو النسق القرابي القبائلي، الذي يتبدى بكثرة ملحوظة إلى أقصى مدى في تراثنا الفولكلوري العربي بعامة، بخاصة فيما يصاحب الزواج ومراحل انتقالاته، لا فرق كبير فيما يجري في دلتا الرافدين، ومصر، وفلسطين، أو المشرق العربي والسودان.
من ذلك الكثرة الموسمية للزواج ومراسمه، التي عادة ما تجيء في نهاية موسم الحصاد وجمع الغلة، لدفع المهر، أو وحدة مهر العروسة، التي كانت في الجاهلية تحدد وحدتها النوق أو الجمال، وعرف إلى اليوم بزواج المهر، تمييزا عن زواج «السفطة» لشمال العراق، و«الفصل» في وسطه، ثم «عقد النكاح» لحين الحنة أو ليلة الحناء وما يصاحبها من أغاني الفتيات المراهقات، الكاشفة في معظمها عن محرماتهن وتابواتهن في الحب والجنس والزواج كما سيرد بكثرة في مأثوراتنا القادمة عن أغاني الحناء.
كما أن في دراسة أغاني وممارسات الزواج والإنجاب وما يدور في فلكها من شعائر وخرافات تفصيلية، منها ما يتصل باستخدامات نباتات، بل وعطور ووحدات تشكيلية بعينها، وما يتصل بافتعال العراك والعنف والمشاحنات لحظة خروج العروس بزينتها من بيت أبيها، أو في حالة تخطيها للمرة الأولى عتبة بيتها - الزوجية - الجديد.
وما يتصل بشعائر تقديس عتبات البيوت، التي ترجع جذورها في التراث الأسطوري والفولكلوري السامي إلى ما قبل الألف الثانية ق.م.
مثل سكب الماء، وأحيانا الملح على العتبات، وكذا التوسع في استخدامات النباتات الخضراء، كالنعناع وسعف النخيل، توسلا بسحر الشبيه الذي ينتج الشبيه أو الشبشبة، بدءا من خرق الحيض، وحرق وغز رسوم العوازل والأعداء والحاسدين.
وكذا شعائر انتقالات «أوض» أو حجرات النوم أو الدخلة وأخذ الوش، ودور الداية أو القابلة، بتعريف العروسين، ودفع «فك الدكة» من نقود للداية أو العروس وأغاني أخذ الوش أو فض البكارى التي عادة ما تجري على مشهد من الداية، باستخدام الأصابع وعليها «المحرمة» الحريرية البيضاء، وإشهارها بالأغاني عبر البلدة، أو النجع «قولو لابوها إن كان جعان يتعشى».
بل هي مادة خصبة للمزيد من تكشيف وضع المرأة، وإدانتها «الأسطورية» الأولى ، منذ أساطير الخلق الأولى لحواء، وخلقها من الضلع السادس للرجل المنحدرة منذ السومريين - 5 آلاف عام - وتبديها بكثرة في التراث الشامي، أو الكنعاني، لحين سفر الخلق أو التكوين الأول والثاني.
وكذلك ما يدور حول أشهر الحمل التسع، وممارسات حيض النساء - بالوجع تلدين أطفالا - وكذا سيادة الرجل الذكر على الأنثى، والسبب في أن الكذب يسود الوجه، وكذا أفكار وتعويذات مثل: الخمسة وخميسة، العين الحاسدة، النفس الخالق، والعائن أو المعيون أو النفس الخالق.
فمع استمرارية أبنية أنساق المجتمع، تظل هذه الظواهر والموروثات تواصل توالدها الذاتي، بنفس ما يحدث في الأساطير والملاحم والحكايات والأمثال، بل والنكت والأسماء والأحاجي أو الحذور
3
والأدعية من سالبة لموجبة.
وجميع هذه الأبنية التي كانت المدرسة الأنثروبولوجية بريادة آرثر تيلور، وتلميذه أندرو لانج، أول من أشار إليهما، فتعاظم دورها فيما بعد لدراسة الفولكلور، وأخصه ثالثه الأزلي، من مجيء أو ولادة، وزواج، وموت.
ومن هنا يمكن القول بإسهام جيل الفولكلوريين الأنثروبولوجيين في المساهمة إلى المنهج البنائي، الذي غرضه النهائي الإلمام الموضوعي لمختلف جوانب الظاهرة، مع إلغاء الحواجز التقليدية بين مختلف النظم والعلوم وتكوين منهج يعتمد على كل العلوم والدراسات، بل إن للباحث البنائي الحق في التعرف على مستويات الحقيقة، أو الظاهرة التي لها قيمة استراتيجية من وجهة نظره ويعزلها.
فمهمة الباحث الفولكلوري لا تقف عند مجرد جمع النصوص، والكشف عن مصادرها وأصولها، بل إن مهامه تسجيل ما يحيط بها من ظواهر وأبنية مختلفة، من اقتصادية، وقرابية، ومهنية، بالإضافة إلى ما تعكسه هذه الأبنية في مجموعها من شعائر وسلوك قد تبدو لغير البنائيين غير ذات أهمية، من ذلك مثلا ممارسات واحتفالات وأغاني الزواج والميلاد، وتربية الأطفال وتنشئتهم، وكيفية التعامل مع المرأة، والمراهقين، والشيوخ، انتهاء بالعلاقات الأساسية والمتغيرة بين شخص وآخر.
فمثل هذه النظرة المتكاملة أو البنائية، تصبح أكثر فائدة، وأكثر اقترابا من معرفة الظاهرة أو الحقيقة، وتكثيف الموضوع العيني للبحث، سواء في شعائر «انتقال» التعامل مع المرأة والطفل، والأب الذكر، أو مثلث العائلة الخالد، كما سماه للمرة الأولى ريموند فيرث.
وعلى هذا فإذا ما اتفقنا على أن الملمح الرئيسي لفولكلور وأساطير منطقتنا العربية أو السامية، هو أنه فولكلور قبائلي، وحدته وجوهره القبيلة، ويعبر عن ذلك بأنها مجموعة من الناس لها بناء اقتصادي محدد، ينتج عنه بناء ثقافي متكافئ، أو لنقل متواز.
وإذا ما عرفنا أن من أهم الأساسيات التي تقوم عليها المجتمعات البشرية مبدأ القرابة، أو سلسلة روابط الدم، أو الزواج، أي: نسق الروابط الاجتماعية، القائمة على الاعتراف بالعلاقات الجنيالوجية، أي: العلاقات الناتجة عن الارتباط الجنسي الشرعي، وإنجاب الأطفال كما يحددها ريموند فيرث الذي يرى بأن النسق القرابي يتحكم، حتى في الأوضاع الاقتصادية والسياسية.
وإذا ما عرفنا أن القرابة شيء أساسي لكافة المجتمعات البشرية، فما بالنا بالنسبة لفولكلورنا العربي القبلي، فالقبائلية هي الملمح الجوهري لفولكلور وأساطير وتراث منطقتنا العربية - السامية - بعامة، المحاط إلى اليوم بسياج قوي من الأنيمزم - أو الروحانيات - كما أسماها تيلو منذ أواخر القرن الماضي.
وعلى هذا ففي دراسة بنية، أو نسق القرابة والانتساب على مستوى المنطقة العربية، أو السامية في مجملها، وعلى أدنى الافتراضات داخل كل مجتمع عربي أو سامي، أو البدء من منطلق الجزئي بهدف المعرفة والاستيضاح للكلي، وبمعنى أبسط يمكن القول بأن في الإمكان التوقف طويلا أمام تقليد العرس العربي، تصرف الأقارب وكذا ممارساتهم، تبعا لشعائر الانتقالات التجمعية المصاحبة للزواج والإنجاب، أو ظاهرة النعي العلني الذي نشهده في صحف موتانا صبيحة موت المرحوم، وكيف أن الميت ينتمي إلى عائلة كذا، ويتناسب مع عائلة كذا من حيث الأم، وكذا من حيث الأب، وكذا من حيث «ميكانزم» التزاوج العائلي من داخلي وخارجي.
في دراسة مثل هذه الظاهرة أو النسق، انفتاح على بنية كاملة، ووصلت العلوم الأنثروبولوجية في دراستها لهذا النسق، أو البناء القرابي، سواء على المستوى البدائي أو القبائلي في مجتمعات العالم خارج الغرب، خاصة، أو أستراليا وأميركا اللاتينية، أو داخل المجتمعات الغربية المعاصرة، وصلت إلى حد من الدقة الرياضية. فمثل هذا النسق القرابي مثل بقية الأبنية الاجتماعية في تساندها الوظيفي من الاقتصادية والسياسية، بل إن في دراسة أي نسق أو بنية اجتماعية على حدة، خاصة أضلاع هذا المثلث التي تتحكم في المجتمع أي مجتمع من قرابية واقتصادية وسياسية، والتي لا تحقق غايتها إلا في تساندها مع بقية الأنساق.
فدراسة أي نسق لا يصح أن تجري بمعزل عن بقية الأنساق والأبنية التي تؤلف البناء الاجتماعي كنسق متكامل، هدفه تحقيق التساند الوظيفي والطبقي، وهو ما عرفه دور كاييم بالتركيبات المورفولوجية، وعرفه ماركس بالتركيبات السفلى والتركيبات العليا.
ومن السهل تصور أن التركيبات العائلية، بل لنقل القبائلية، تتبدى بوضوح في «نص» نعي الميت من تشابك أو اتصالات عائلية، أو قبيلية، أو بدنته، أو فخدته، أو بقية الأعضاء العائلية القبائلية بما يقود إلى شجرة العائلة أو نخلتها عند العرب الساميين.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن في دراسة البناء القرابي في علاقاته المتبادلة مع بقية الأنساق، تبصير بالبنية الطبقية الاقتصادية والسياسية، كما قلنا.
ومن هنا فليس مدخلنا إلى دراسة النسق القرابي المصاحب لشعائر وأغاني الانتقالات الجوهرية - الميلاد، الزواج، الموت - أو من المهد إلى اللحد على مستوى العالم العربي، أو المنطقة السامية بهدف التوصل إلى نتائج عنصرية، أو إزكاء النعرات القبائلية الطوطمية في معظم حالاتها.
وهو ما تتوسع فيه الدراسات العبرية اليهودية، ربما بإيقاع قرن إثر قرن منذ كوزمولوجي سفر التكوين إصحاح 4 بدءا بآدم أبو البشر «يوم خلق الله الإنسان على شبه الله عمله».
بل لقد ظل نسق القرابة متواصلا داخل التراث العبري متواترا، وتصر على تدعيمه وإحيائه كثير من القبائل الاثنى عشر العبرية الأولى.
ومرة ثانية من مدخل تنشيط دراسات نسق القرابة وعلى مستوى بلداتنا العربية بهدف استيضاح البنيان الطبقي والقبلي، لا بهدف التوصل العنصري المفضي بالضرورة إلى الفاشية، ستوقفنا مثل هذه الدراسات على واقع بنياننا السكاني والاجتماعي.
فليكن الهدف هنا هو الدخول إلى أحد ميادين العصر الكبيرة، وهو ميدان الاتصال.
فكما يقول ليفي شتراوس: «يجب أن تخضع دراسة القرابة والزواج لبعض المناهج التي تنبع مباشرة من نظرية الاتصال.»
ولعل الملمح الأساسي لتقدم الأنثروبولوجيا الاجتماعية منذ القرن الماضي كانت زيادة الانتباه إلى البناء أو النسق القرابي، ويرجع هذا التقدم إلى عبقرية لويس مورجان في كتابه الرائد في هذا الميدان عن «أنساق روابط الدم والمصاهرة في العائلة الإنسانية» عام 1871، وساهمت هذه الدراسة في وضع أسس الدراسات الأنثروبولوجية والقرابية، إلى أن اكتملت هذه الدراسات في علوم الاتصال، ثم ما تلا ذلك من جهود العلماء الاجتماعيين في هذا المجال البكر، مثل لومي عام 1948، ومردوك عام 1949، وسبوشر عام 1950، ودراسة العالمين الكبيرين راد كليف براون، وفورد. وجميعها بالطبع تعتمد اعتمادا كبيرا على الدراسات الميدانية؛ أي: التوسع في جمع المعلومات والبيانات، وهو ما نطالب به بالنسبة لقيام مثل هذه البحوث في مصر والعالم العربي، على أن تجيء مثل هذه الدراسات مستهدية ومرتكزة على الجهود الضخمة التي بذلت منذ مطلع هذا القرن، والتي يرى ليفي شتراوس أنها لم تثمر كما يجب رغم غزارة مواردها وبياناتها الأنثروجرافية المتصلة باختبارات الزواج وأنماطه من داخلي وخارجي، ومن أبوي وأموي، بالإضافة إلى كيفية تنظيم العائلات والعشائر والقبائل وبقية النظم والمعتقدات الطقسية والدينية واللغوية، بل ويمكن القول بأنه حتى لعب الأولاد، أو نظرية الألعاب التي كان كروبير أول من لفت الأنظار إلى أهميتها عام 1942، فساعد أكثر في إيضاح النسق القرابي.
ومن المفيد الإشادة بالدور الذي أصبحت تلعبه بعض الدراسات الميدانية لهذا الفرع.
وقد يكون للدور الكبير الذي لعبه راد كليف براون بشكل خاص بالنسبة للدراسات البنائية في عمومها، وبالنسبة للنسق القرابي خاصة، أهمية جديرة بالتوقف عندها، ففي دراسته الميدانية ومنهجه في التصنيف بالنسبة لنظم القرابة في أستراليا، أو في اكتشافه للقوانين المتحكمة في نظام القرابة عند قبائل كاييرا، والتي كما يقول شتراوس: «ستبقى إلى الأبد واحدا من أعظم النتائج في الدراسات الاجتماعية البنائية 1930-1931»، اعتبرت مقدمة براون الرائعة لكتاب «أنساق القرابة والزواج في إفريقيا» خطوة متقدمة نحو إخضاع نظم القرابة في العالم الغربي، لنظرية عامة في التأويل على مستوى عالمي، كذلك دراسته المتفرقة عن مصطلحات القرابة وسلوك الأقرباء: السلوك المصاحب لأطوار العمر الثلاثة من ولادة وموت وزواج، كيف تتصرف الأم والأعمام والخالات خلال زواج ابنة أو طلاقها، أو موتها أو حملها ... إلخ .
السلوك المصاحب لعادات الاقتتال والثأر، أو المصاحب لتصرفات الأسرة أو العشيرة في حالات مولد الإناث أو الذكور، وزواجهم أو زواجهن.
ففي أهمية دراسة السلوك داخل النسق القرابي، كما يقول «أوي» ما يشير ويكشف عن جوهر النسيج الاجتماعي، مثل ملاحظة ظواهر التزاوج الخارجي - الأكسوجامي - وارتباطه من جانب آخر بظواهر وسمات محددة، مثل تأثير مكان الإقامة أو الحقل الميداني موضوع الدراسة، سواء أكان قرية أو مدينة، أو كانت بيئته يدوية أو زراعية على البنوة، وعلى عادات المباح والمحظور من التزاوج والعلاقات الجنسية.
ولقد اعتبر شتراوس أن من أغراض نظم القرابة وقواعد الزواج التي يسودها تناسق وظيفتها في اتجاه حفظ بناء الجماعة عن طريق الربط بين علاقات كلا الدم وعلاقات المصاهرة، بل ومن أهدافها إخراج النساء من العائلات التي ينتمي إليها برابط الدم وإعادة توزيعهن على جماعات أخرى.
ففي رأيه أن النساء في أحسن حالاتهن، أحد مستويات الاتصال، وعلى ذلك فمن الزواج إلى اللغة يمر المرء من سرعة اتصالية منخفضة إلى سرعة اتصالية مرتفعة.
كذلك تمكن رادكليف براون أن يصل في دراساته إلى وضع مصطلحات أو قوانين لها عموميتها، ولها ميكانيزماتها المحددة، سواء بالنسبة للزواج والاحتفالات وسلوك أبناء العمومية في المجتمع الذكوري وأبناء الخالات في مجتمع أموي، وكذا أوضاع الحموات وأقارب الزوجة والعكس.
ويتفق براون مع مالينوفسكي في أن الروابط البيولوجية وروابط الدم، هي في ذات الوقت الأصل الأنموذج لكل نمط من أنماط القرابة، وإن كان لم يرفع نظرية القرابة إلى مستوى نظرية الاتصال، كما فعل شتراوس.
إلا أنه يتفق مع ماكلينان ومالينوفسكي في أن «تنظيم العائلة الذي يسود فيه حق الذكر في كل مكان قد تم بفعل قوة أساسية هي حق الملكية».
وبالنسبة إلى البناءات الطبقية، وصكوك الملكية، ونظم التوريث وعلاقتها بالبناء القرابي والمصاهرة، فإن الأمر يصبح أكثر وضوحا، فكما يقول وارنر، فإنه «من المستحيل في بعض الحالات أن ينتمي أي فرد تلقائيا لطبقة معينة». ووصل الأمر بلويد وارنر إلى حد أنه افترض أن الأهالي يدركون ويفطنون إلى العلاقات البعيدة جدا بالنسبة لنظام القرابة، داخل أنموذج أو طراز «مورنجن» الذي انتهى به إلى علاقات رياضية، أو قوانين أثارت الكثير من الجدل، كنظام محقق لحاجات ومطالب الزواج والنظام الطبقي، على اعتبار أن أولهما في خدمة الثاني. •••
وفي حالة التوريث يمكن الرجوع إلى فكرة الفصل بين الأبوة البيولوجية والأبوة الاجتماعية، كما حققها إلى حد الحسم مالينوفسكي خلال دراسته الميدانية على بعض قبائل أستراليا وسكان الثروبرياند في غينيا الجديدة - قبل أن تحقق انقلابها الثقافي الحضاري الأخير - حيث إن الرجل لا علاقة له بإنجاب الأطفال، ولا يعتبر أبا، بل مجرد زوج للأم، كل دوره هو أن «يحمل الطفل بين ذراعيه» ويرعاه ويحميه، ومن هنا لا يرث الابن أباه، بل إن وريث الأب هنا يشترط أن يكون ابن أخته، فالتوريث يتم عن طريق سلالة الأم، وبذلك يرث الرجل خاله وليس أبا، كما أنه يورث أولاد أخته وليس أولاده.
كذلك لاحظ مالينوفسكي وغيره داخل هذه المجتمعات الأمومية أن في مقدور أي فرد أن يذكر سلسال انتسابه الأموي حتى الجيل الثالث عشر، دون أن يحفظ ويتذكر أكثر من ثلاثة أجيال أبوية.
4
ويمكن القول بالنسبة لعالمنا العربي، أن كلا التوريث والانتساب للجدود يسير في خطين، صحيح أن السلطة للرجال في هذا المجتمع الذكوري، إلا أن الجنة تحت أقدام الأمهات، إلا أنه من حيث الميراث والتوريث يسير في خطين.
وكان لريموند فيرث سبق التوصل والتبصير بهذه الطريقة الثالثة التي لا هي بالأبوية الذكورية، ولا هي بالأموية الأنثوية، وإنما هي تجمع بين النظامين، وعرفها فيرث بالقرابة من الأب والأم، كما يمكن تتبع ملامحها عبر مختلف الطرق والأبنية أو المداخل، من لغوية، واقتصادية، أو قرابية تتصل بالميراث والتوريث، بالإضافة إلى رواسب نظام التابو والطوطمية.
ومن المفيد هنا الإشارة إلى أنه من الصعب علينا كمجتمعات عربية - أبوية - تصورنا لإمكان استمرار مجتمعات أخرى كثيرة مخالفة يتم نقل السلطة والامتيازات فيها عن طريق الأم، أو السلسال الأموي، وهو ما يحدث فعلا عند كثير من الشعوب، خصوصا البدائية في ميلانيزيا وشمال أميركا، وقبائل وسط إفريقيا وشمال روديسيا ، وكثير من الولايات الهندية وجزر الهند الشرقية عامة.
وتذكر مسز أودري ريتشاردز، التي سجلت دراساتها الميدانية الأنثروبولوجية داخل قبائل البامبيا في شمال روديسيا، أن الحكومة العنصرية شجعت عن طريق الإرساليات منع انتساب الشبان إلى أمهاتهم، وتشبها بالأقلية الإنكليزية، عليهم أن ينتسبوا لآبائهم.
كما أن رحيل الرجل للعمل في مناجم النحاس، قضى على عادة أو نسق مبدأ إقامة الرجل في موطن زوجته، وحتمية أن يجيء من قريته الأصلية، وهي المكان الذي ولدت فيه أمه وأخواله.
كذلك كان لفيرث سبق الريادة في دراسة نظام أو نسق الزواج بأكثر من زوجة واحدة، وهو النمط الشائع في العالم الإسلامي والصين وأجزاء كثيرة من إفريقيا، خاصة الأوقيانوسية.
وسجل ملاحظاته على النحو التالي، بأن مثل هذا الزواج عادة ما يمارسه الأثرياء، وهم عادة رجال تخطوا الخامسة والأربعين.
كما أن من أسبابه الإشباع الجنسي، لا على اعتبار أنه مجرد شهوة، ولكنه إشباع لما يمكن اعتباره رغبة طبيعية، بالإضافة إلى ما يتصل بالمحارم الجنسية، وتابو تحريم ونجاسة المرأة بعد الولادة الذي قد يمتد لعدة شهور، ويستلزم منع الاتصالات الجنسية بها.
بالإضافة إلى علاقة تعدد الزوجات بارتفاع عدد الإناث عن الرجال، وبالأسباب الاقتصادية، وهجرة الزراعة، وزيادة القوة المنتجة، وارتفاع صيت الرجل، فالعائلة المتعددة الزوجات هي عبارة عن عدد من الأسر الصغيرة المتميزة، والتي يكون فيها الزوج - أو الأب الذكر - ملتقى عدة مثلثات لها أب واحد مشترك، في موقع الجد السالف، وداخل مجتمعات تقدس وتعبد السلف والسلفية.
ولعل ما أوردناه عن أهمية دراسة نظم وممارسات القرابة عبر ظواهر دورة الانتقالات المتصلة بالموت والميلاد والزواج واحتفالاته، وما يصاحبه من أغاني ومواويل، لا يبعدنا كثيرا عن حاجتنا إلى جيل مبشر جديد من الفولكلوريين الإثنوغرافيين.
وحيث لا يقتصر دور باحث الفولكلور عند جمع وتسجيل ودراسة نصوصه الميدانية، بمعزل عن أبنيتها الثقافية المتوارثة أو المتواترة، وأخصه هنا ما يتصل بالبنية القرابية، وكذا التابو، ودوره وأنساقه، وهو ما سنتعرض له في الفصل التالي.
الفصل الخامس عشر
التابو وظواهر العرس العربي المختلط
وإذا ما انتهينا من ممارسات وظواهر انتقالات الزواج تمهيدا لتقديم ما يصاحبها من مواويل خضراء - فرحة - وأغاني، للوقوف على كيفية تحكم القرابة الطوطمية في تقاليد وروابط - اتصالية وطبقية - للزواج، ولإيضاح كيف أن مثل هذه الاحتفالات وما يعقبها من إنجاب للأطفال، وبالتالي ممارساتهم وأغانيهم، اعتبرت على الدوام مجالا وحقلا مخصبا للملمح القرابي والقبائلي لفولكلورنا العربي، بالإضافة إلى بقية الملامح التي تحدد سمات وخصائص رقعة فولكلورنا المتوحدة - لكل من يتكلم العربية وشقيقاتها من عبرية وسريانية - من ذلك التابو - أو المباح والمحظور - الذي لم تعد دراسته قاصرة على الاجتماعيين الأنثروبولوجيين بأكثر من الفولكلوريين.
والتابو يشمل كل حالات وممارسات المنع والتحريم والتجريم لحالات بعينها، بدءا من شعائر الطهارة والنجاسة، والبدء والنهاية، وأخذ الوش، والطهارة، وعليه فدراسته لا تبعد بنا عن موضوعنا، حول أغاني وممارسات الزواج والموت والميلاد.
لذا فالتابو يجد بالطبع أرضه الخصبة الجديرة بكل ملاحظة وتدوين ودراسة خلال شعائر الانتقالات الكبرى من «المهد إلى اللحد»، أو الولادة والزواج والموت، التي تراعى بكل دقة، وفي الخروج عليها مروق، يستلزم في بعض الحالات العقاب والطرد، بل القتل.
فمنذ أن دخل تعريف أو مصطلح تابو أو تفوه
Tafoo
إلى اللغات الأوروبية، فاستخدمه كتاب عصر التنوير أو القرن 18 ومنهم جان جاك روسو.
إلى أن شغلت فيما بعد دراسته عديد من المشتغلين
1
بالعلوم الاجتماعية أو الإنسانيات زمنا طويلا، وهل المقصود بالتابو هو إتيان أفعال مباحة أو مقدسة، والإقلاع والامتناع عن أفعال أخرى محرمة أو ممنوعة، أو ما يتصل «بكلا» الحلال والحرام، مثل لمس أشياء أو الذهاب إلى أماكن بعينها، أو حتى مجرد النظر أو الشم أو السمع إلى أشياء، أو جهات - مثل القبلي - أو منازعات، أو حروب
2
بعينها.
واللافت أن مكتشفي القرن 17 للعالم خارج الغرب، مثل الرحالة كابتن كوك وغيره، وقد تحرجوا في المطابقة بين التابو وبين المقدس؛ وذلك لملاحظتهم أن النظام الذي يحدده التابو يتصل بمعاملات وممارسات الرجل ابتداء من الجنس، حتى عادات الولادة وتربية الأطفال، وعادات الطعام، كان لا يسمح لشخصين بالأكل معا على مائدة واحدة، وكذلك لا يسمح للمرأة مشاركة الرجل طعامه، بنفس ما كان يحدث داخل مجتمعاتنا إلى أيامنا هذه.
واللافت هنا أن تحريم أكل المرأة مع الرجل عندنا يجيء على اعتبار أن المرأة - هنا في بلداننا - ما هي - بدورها - إلا حريم، أو حرام، أو محرمة، وهو ما يطلق على طريقة أخذ الوش والبكارة في ليلة الدخلة وما يصاحبها من أغاني وممارسات، وسيرد العديد من أنماطها.
فعدم مشاركة المرأة للرجل الطعام، بل والكثير من الأفعال، مرجعه - كما سبق أن أوضحنا - أنها مدانة وأقل منزلة منه، كما يتبدى في أساطير الخلق والخطيئة والسقوط العربية والسامية، أما بالنسبة لتلك المجتمعات البولونزية، فالتابو يتبدى كمؤسسات راسخة، فزارتهم عشرات البعثات المتعاقبة لدراسة مجمل أنشطة حياتهم وشعائرهم الدينية، التي يقيمها ويتحكم فيها التابو، فحتى المعاملات اليومية من تجارة واستثمار وعمل أخضعت لنظام التابوات المتوارثة السائدة.
وما إن تجمعت المواد الميدانية أو الخام التي جمعها الرحالة والمبشرون في القرن الثامن عشر لدى الدارسين الأوروبيين حول ظاهرة أو النسق البنائي للتابو في تسانده الوظيفي وعلاقاته المتبادلة مع بقية الأنساق، مثل البناء الاقتصادي والسياسي والقرابي؛ حتى نشطت حركة دراسات ملفتة حول هذا النسق داخل مختلف المجتمعات، خاصة مجتمعاتنا العربية، سواء في غرب آسيا أو الشمال الإفريقي، أو بالنسبة للغات السامية، وأخصها المعاصرة العربية والعبرية أو على مستوى الممارسات والنظم الاجتماعية والسياسية ودورهما في حماية الملكية والميراث والتوريث ... إلخ.
فعن طريق الاستطراد في دراسة مختلف الأنشطة والممارسات والتصورات التي يحكم ناصيتها التابو داخل هذه المجتمعات، أمكن التوصل إلى أن الكثير من مختلف العادات والممارسات التي ما تزال تواصل سيطرتها على مختلف أنشطة الذهن والمخيلة البدائية عند مختلف القبائل والشعوب خاصة في عالمنا العربي، مثل طرق القسم والحلفان سواء بالآلهة أو الموتى أو الأشياء والأماكن المقدسة، ومنها أجزاء الجسم البشري، مثل الشعر والعينين والفرج والنصوص، ومثل الدعاء والتوسل بحلول الكوارث والمصائب بالآخرين والأعداء، ثم عكسه أو نقيضه الذي يهب الرزق والبركة، وهو ما كان يحدث بكثرة مفرطة وعلى مستوى مختلف مؤسساتنا في حروبنا الأخيرة مع «الأعداء»، مثل الفرنسيين والإنكليز ، بل واليهود في أيامنا هذه.
بل إن دراسة طرق وقنوات التابو كشفت عن أن الكثير من بقايا الممارسات السحرية التي ما تزال تواصل سريانها، خاصة خلال انتقالات أو احتفالات الدورة الثلاثينية الرئيسية للميلاد والزواج والموت، مثل الشبشبة، والكلمات السحرية، وحرق وإحراق وإفساد تماثيل العوازل والأعداء الورقية والطينية والمصنوعة من العجين؛ وهكذا.
بل إن متنوعات التابو شملت كيفية التعامل مع المواسم المختلفة والشهور، وأيام الأسبوع السبعة، وما يصاحب بعضها من مصنوعات: السبت عند اليهود، والأحد عند المسيحيين، والجمعة عند المسلمين، الذي به ساعة نحس أو هي تابو بدورها.
فيلاحظ أنه على الرغم من أن الالتفات للتابو لم يعرف فيما قبل العصر الفيكتوري بالنسبة للمجتمعات الأوروبية، إلا أن الالتفات إليه واصل سريانه داخلها حتى فيما بعد الثورة الصناعية، فكثرت التساؤلات، حول ما يتصل بتابوات الطهارة والنجاسة، والجهات والجنس، وما يتصل بالأكل والطهي، وإباحة أطعمة - لحوم وبقول وأسماك وخضراوات - بعينها، والإقلاع عن أخرى، وكذا ما يتصل بالدم ورءوس الحيوانات والطيور، واللبن، والنصوص المتواترة بالحفظ والأنيمزم.
بل هو أيضا تحكم في مخيلة الطبقات الشعبية الأوروبية، ويمكن القول بأن العصر الفيكتوري كان واقعا بدوره تحت تأثير «الذهن التابو»، فكانوا ينظرون للمرض على أنه جريمة أو خطيئة، وقالوا بأن «المريض مكانه السجن». •••
وبالنسبة للمرأة يشمل تابو مجرد النظر لها كمحرم - أو عورة - عند مجمل الشعوب الشرقية إلى حد رفض الأنثى في مطلقها العام كنوعية، وهو ما عبر عنه في الإخوة كرامازوف بطل ديستوفسكي، الأب الرافض «فيدور بافلوفتش» في حديثه التهكمي مع الراهب «هل تعلم أن زيارات النساء في «دير» جبل آتوس، ليست وحدها ممنوعة، وإنما يمنع هناك أيضا وجود الإناث من أي نوع من أنواع الحيوان، فلا دجاجة ولا إوزة، ولا أية عجلة صغيرة يمكن أن يحتمل وجودها هناك».
ولعل أخطر التابوات عندنا - في مصر والمنطقة العربية - هو ما يتصل بالمرأة والجنس، سواء على مستوى الرجل بالمرأة، أو الرجل بالرجل، أو المرأة بالمرأة، خاصة عبر شعائر الانتقال - الوسيط - للزواج وما يعرف بفض البكارى وأخذ الوش، وعلى طول كيانات الوطن العربي.
فنحن ما نزال ننظر للمرأة تبعا لتواتر النظرة الحجرية، أو الطوطمية، أو الأسطورية السالفة، على اعتبار أنها منبت الخطيئة الأم، كذا شملها التحريم، أو الحرام، أو الحريم والحرمة فاعتبرت من المحرمات، وربط التابو بين النظر إليها والخطيئة على اعتبار أن «العين تزني».
وفي تقديري أنه لو كانت هناك دراسات علمية جادة تغطي تابو المرأة في مختلف مراحله وأبعاده، لأصبح في الإمكان التوصل إلى نتائج مفزعة سالبة، تتصل بأفرع النشاطات الإبداعية والإنتاجية والعقلية والتسلطية، لعل أبسطها هنا تصورنا لمدى التخلف الذي انتهت إليه المرأة ركيزة الأسرة العربية، نتيجة لظروف القهر والإدانة المنحدرة الممتدة من عصور ما قبل العلم، وبالطبع والضرورة يواصل هذا التخلف تفريخه داخل الأسرة العربية التي هي نواة وركيزة المجتمع الأولى.
كذلك ستقودنا الدراسة إلى مدى العلاقة الوثيقة بين تابو المرأة والجنس، وبين آفة الانفجارات السكانية المهددة التي تعانيها شعوبنا، خاصة في مصر، ووادي النيل بعامة.
ويلاحظ أنه قد يبدو للوهلة الأولى أن جدلية العلاقة بين تابو المرأة أو «الحرام
Haram » كما تنبه إليه وسماه وتعرفه روبرت سميث منذ مطلع هذا القرن، وبين الانفجارات السكانية المخيفة التي أصبحت تتهددنا على المستوى الكوني، وبخاصة في العالم النامي.
وبمعنى آخر هل يؤدي تابو المرأة والجنس المتواتر منذ منبعه على طول منطقتنا العربية، وأخصها مصر، إلى خدمة النسق، أو البناء السكاني، أو أن ما يحدث وتؤكده إحصاءات الأمم المتحدة هو العكس؟
بل إن في الحلول المتعسفة التي مداها التحلل الجنسي في اتجاه عقلنة هذه العلاقة، والتي يلجأ إليها الغرب ومجتمعات ما فوق التصنيع، وأن من أهدافها الأخيرة - بالطبع - التوصل إلى انضباطات سكانية أقرب إلى الدقة والنفع.
كذلك ستوقفنا مثل هذه الدراسة إلى الارتباط الشديد بين معوقات وتابوات الجنس وبين تخلفنا العقلي والحضاري.
ولا يمكن تصور مدى الارتباط بين حلول تابوات وموروثات الجنس، وبين الاندفاعات العقلية والحضارية في العالم المتقدم من حولنا، بشقيه الاشتراكي العلمي، والرأسمالي الإمبريالي، فما يحدث حولنا من ارتباط بين الجنس والثقافة، ممثلا في مختلف الأنشطة من نوادي، لمجلات ودوريات وكتب وأفلام ومسرح وسينما وتليفزيون، وتربية وشارع وسرير ... إلخ، لا يحدث اعتباطا أو انحلالا كما يدعي الجهلاء الفاشست المخربون.
ولعل في ظاهرة انفكاك وتفجر تابوات الجنس في الخفاء والظلام والزحام، بالشكل والكم الذي نشهده ونعرفه جميعا، ما يشير بوضوح إلى ظواهره المرضية. •••
ولعل أكثر الحالات أمنا والتي لا يعيرها الكثيرون التفاتا هي حالة الشذوذ النسائي أو البناتي - السحاق - وهي أقل حالات التابو عندنا، وتبدو كما لو كانت طبيعية أو غير متصورة، على عكس ظاهريتها في الغرب اللافتة جدا كتابو خاصة إنجلترا وأمريكا.
فإذا ما تعمقنا قليلا في جدلية العلاقة بين تابوات الجنس والزحام في مدننا، لهالنا ما وجدنا أنها ردة لا شعورية لمراحل الإباحة وليس القباحة التي مرت بها مجتمعاتنا التي قدست عشتار والتعشير منذ 6 آلاف عام.
ولوجدنا أيضا أنها حالة يمكن تصنيفها مع ظاهرة الثقافة أو المواقف المضادة التي تتمثل أول ما تتمثل في النكت، والنكت الجنسية بشكل خاص، في تلخيصها لرغبات دفينة - كما سيتبدى في أغاني الزواج وفي مجابهتها لمختلف الضغوط الفوقية والممنوعات أو التابوات، ممثلة في الموقف الرافض المضاد للعرف المثالي أو العاطفي للمجتمع المغلق.
وخير حقل ميداني لمثل هذه النكات الجنسية الفاضحة، هي احتفالات انتقالات الزواج وما يجري عبرها من انفلات إباحي، تذكرنا بتقاليد العرس المختلط.
بدءا بالتفريج الذي يجده المراهقين والمراهقات في مجال، أو حقل الأغاني والموال والأشعار والمأثورات الشعبية بعامة، ومرورا باحتفالات الحناء وليلة الدخلة،
3
ومسرحيات حجرات النوم النسائية، أو القاصرة على النساء، التي كان يجري تقديمها حتى وقت قريب في بعض المناطق والكيانات العربية، والتي أشرنا إليها في أماكن لاحقة.
وأيضا احتفالات الشباب بزفة العريس على طول البلد، أو القرية، والتي يتخللها تعريته ملط تماما، ويروحون يقرصونه ويغزونه بالإبر والأشياء الحادة في جسده، وفي أكثر أماكن جسده حساسية، وهم يلامسون إيره بهدف استثارته جنسيا، سواء بفواحش القول، أو الممارسة لحين دخوله على عروسه والاختلاء بها، بعد أن تقوم الداية أو القابلة بتعريفهما، وتعرية العروس أو ما يعرف «بفك دكتها» أو لباسها تمهيدا لقيام العريس، بعد أن يدفع «نقوطا» للقابلة أو العروس أو الاثنين معا، بأخذ منديل حريري ناصع البياض يلفه على أصبعيه ليغرزه في فرج العروس لإغراقه بدم العروس البكر.
حيث في الخارج تتعالى أغاني الفتيات التي تدور في مجملها حول فض البكارة ودم العروس، الذي ما أن تقوم القابلة بإشهاره، حتى تتعالى الزغاريد، بل والطلقات النارية، ويروحون يطوفون به البلدة، مصحوبا بالأغاني التي تهيب «بتابو» دم العروس المشهر، وبأبيها:
قولوا لابوها إن كان جعان يتعشى
قولوا لابوها إن كان عريان يتغطى
أما في سوريا فالفتيات يتغنين: «يا مبيضة شاش ابوكي مع تنا امك.»
ويبدو أن الأمر أكثر صعوبة وتعقيدا في السودان وفي بعض الكيانات العربية التي تمارس «تخييط» أو حياكة فرج البنات، وتقطيع أشفار فروجهن تبعا لشعائر الطهور المتوارثة الموغلة في بهيميتها وطوطميتها وتابواتها.
لكن ممارسات أخذ الوش وفض البكارة تبدو أكثر توحدا في مصر وسوريا وفلسطين وما بين النهرين.
ففي سوريا لا يختلف الأمر بحسب دراسة د. حسن الحمامي سواء في «شعائر» سرقة بعض الأواني كتابوات تموية «وتلفيق» وتلهية استجلابا لإنجاب الأطفال الذكور.
وهي شعيرة أو مأثورة - تابو - فلسطين المنشأ، مطلع الألف الثاني ق.م ويحضرني هنا أن القصصي الفلسطيني المرموق يحيى يخلف، قد أقام عليه إحدى قصصه العذبة باسم «تلك المرأة الوردة»، حيث يقع حادث سرقة خلال عرس في منزل القاص الراوي وتتهم فيه حبيبته - المرأة الوردة - المدعوة، إلى أن تختفي من حياته ويروح ينشدها حبيبها عبر عواصم العالم ومنافيه.
ويرجع عمر هذا المأثور الفلسطيني إلى قرابة الأربعة آلاف عام، فأقدم أنماطه يجيء مصاحبا لزواج يعقوب الذي سمي إسرائيل عقب زواجه من راحيل أو راشيل ابنة خاله لابان بن ناحور الآرامي اللبناني الأصل واختطافها على هودجها، ولم يفت راحيل «تلفيقها» لحادث سرقة أصنام أبيها بعد أن خدعه عريسها يعقوب، كما يرد في العهد القديم كالتالي: «وخدع يعقوب قلب لابان الآرامي» حين سافر لبضعة أيام في عيد أو مولد جز الأغنام ، عند ذاك - كما يقول سير جيمس فريزر - «همت القافلة بالرحيل، حيث ركب النساء والأطفال الإبل فسارت من أمامهم وإلى الخلف قطعان الماشية التي ملأت الجو بثغائها، وقد كان سير القافلة بطيئا بالضرورة طيلة يومين، إلى أن لحقهم خال يعقوب لابان بن ناحور الآرامي في اليوم الثالث حين علم بهربه، فأخذ إخوته - قبيلته - معه.
وسعى وراءه مسيرة سبعة أيام، فأدركه في جبل جلعاد، وأتى الله إلى لابان الآرامي في حلم الليل، وقال له: احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شر، فلحق لابان يعقوب ويعقوب قد ضرب خيمته في الجبل، فضرب لابان مع إخوته في جبل جلعان.
وقال لابان ليعقوب: ماذا فعلت وقد خدعت قلبي وسقت بناتي كسبايا السيف، لماذا هربت خفية وخدعتني ولم تخبرني حتى أشيعك بالفرح والأغاني بالدف والعود، ولم تدعني أقبل بني وبناتي، الآن بغباوة فعلت في قدرة يدي أن أصنع بكم شرا، ولكن إله أبيكم كلمني البارحة قائلا: احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شر، والآن أنت ذهبت لأنك قد اشتقت إلى بيت أبيك، ولكن لماذا سرقت آلهتي؟
فأجاب يعقوب وقال للابان: إني خفت لأني قلت لعلك تغتصب ابنتيك مني الذي تجد آلهتك معه لا يعيش، قدام أخوتنا انظر ماذا معي وخذه لنفسك، ولم يكن يعقوب يعلم أن راحيل سرقتها.
فدخل لابان خباء يعقوب وخباء ليئة وخباء الجاريتين ولم يجد، وخرج من خباء ليئة ودخل خباء راحيل، وكانت راحيل قد أخذت الأصنام ووضعتها في حداجة الجمل وجلست عليها، فجس لابان كل الخباء ولم يجد، وقالت لأبيها: لا يغتظ سيدي إني لا أستطيع أن أقوم أمامك لأن علي عادة النساء - تابو دم الحيض - ففتش ولم يجد الأصنام.»
فيلاحظ هنا أن شعيرة أو تقليدة أو تابو تدبير، أو تلفيق حادث سرقة، عادة ما يجيء مصاحب «لشعائر انتقالات» الزواج ليلة الدخلة هدفه إحداث صدمة أو استفزاز «جنسي»، حتى يمكن «لكلا العريسين» أداء دوره المبشر أو المشير في النهاية إلى الخلف الذكوري، وليس أبدا كما فسره فريزر؛ أي إن هدفه هو مجرد السرقة والتحايل للتاجر السامي - العربي - يعقوب وزوجته.
بل إن فريزر قد أخطأ وتجنب عدم اعتباره تابو أو مجرد سرقة عادية لأصنام آرامية أو لبنانية، ذلك أنه هو بذاته ما أورد كيف أن راحيل الذكية كانت قد أخفت «المسروقات» في محفة - أو بردعة - أو هودج الجمل، وجلست فوقها وهي تضحك في أكمامها، بينما كان والدها ينقب بدقة في خيمتها.
أي أن راحيل اللصة السارقة، كانت تضحك «كآلهة» أنثى مستبشرة بكلا الاستثارة الجنسية التي أحدثتها الصدمة ليعقوب الذي لم يكن يعلم بما درته، ويدور «هذا التابو» في الخلق وإنجاب الأطفال البنين.
ذلك أن راشيل كانت تعاني إلى أقصى حد، من عقورتها وحاجتها إلى إنجاب الأطفال الذكور، وكانت دائمة التوجع والشكوى لحاجتها إلى الإنجاب «هب لي بنين وإلا فأنا أموت».
وهكذا توالت معاناة راشيل - كإلهة أنثى - من اسمها تواترت تسمية إسرائيل عقب زواجها من يعقوب الذي تسمى برجل راشيل، إلى أن أنجبت يوسف أو النبي يوسف.
مما يرجح كفة تفسير أن هدفها «من تلفيق» حادث أو شعيرة السرقة هو إنجاب الأبناء الذكور وهو ما توارى عن إدراك سير جيمس فريزر، وكذا قصاصنا الفلسطيني يحيى يخلف للسرقة «الملفقة» داخل عرس بيتهم بفلسطين الذي حضرته امرأته - الوردة - ولحقها ذلك الاتهام الملفق الشعائري.
يضاف إلى هذا أن شعيرة السرقة - الملفقة - خلال «شعائر انتقالات» العرس المختلط، ما تزال تمارس إلى أيامنا، سواء في فلسطين كما تشير قصة المرأة، أو سوريا كما يذكر د. الحمامي، عن «سرقة بعض الأواني معلقة أو إبريقا، وحجتهن في ذلك أن تدخل العروس به، فتنجب أولادا من الذكور» فيبدو أنها شعيرة سامية ذات أصل آرامي، أو لبناني، والأقرب إلى أن يكون فلسطيني، تواتر بالهجرة والتجاور إلى التراث العبري، ومنه إلى سفر التكوين.
كما قد يكون من أغراضه الاستحواذ على العريس وعلى حواسه ومشاعره، التي من أهدافها بالتالي: حمايته - ولو بالسيوف والبنادق - لحين دخوله على عروسته وفض وإشهار بكارتها، فهي شعائر حماية لرجولة العريس، التي عادة ما تمر بسلسلة من شعائر الحماية ، سواء تمثلت في أخطار الجسد، الذي قد يدفع بإنسان عدو أو عزول للعريس لأن يربطه، وافتقاده لرجولته، وقد يتمثل هذا في العراق، حين يمرق حيوانا معينا - أو تابو - من أمام موكب زفة عريس أو عرسه، كالثعلب أو ابن آوى، كما قد يتمثل في سوريا في امرأة تمسك بيدها إبرة وخيطا - غير معقود - تخيط بها عن بعد وهي ملازمة لزفته، بهدف إحلال السحر المضاد - أو الإيجابي - الذي تقوم بعقده، سواء القرينة، أو خصوم العريس وعزاله.
كل هذا الوخز بالدبابيس يلاحق مناطق العريس الجنسية، ومن جانب ثان تشديد الحراسات بالبنادق والسكاكين والعصي والخناجر، كما في العراق، حيث يمكن العثور بطريقة ملفتة إلى مدى التوحد التراثي العربي مع مأثورات «ليلة عرسك اذبح بسك» أو قطتك، لإخافة العروس من هول وتسيد رجلها.
بل عادة ما يتعرض العريس للمحاكمة في حالة فشله وإخفاقه جنسيا مع عروسته، سواء من جانبه أو من جانبها، ففي حالة إخفاقه هو فما إن يتسرب خبر إخفاق السرير حتى يستقدمه رفاقه ويعقدون محاكمة قاسية حيث يهجمون عليه ويربطونه ويتكاثرون عليه ضربا مبرحا إلى أن تأتي العروس وتتشفع له عندهم، على أن يطول رقبتها معهم في الفراش في الليلة القادمة وينتصب ويشتد حيله، وإلا فستعاود الشكوى والعقاب.
أما في العراق فتبدو شعائر فض البكارة أكثر تعقيدا، حيث تخيم عليهم مجموعة من التابوات، منها ما يتصل بالرجولة والخرافات ونشدان الأمن، فما إن يحبط العريس أو يربط أو يصاب «بالحبسة» حتى يقتضي هذا سلسلة من «التعزيم والكضبة» لإبطال سحره، باستخدام سحر الشبيه - الذي يلد الشبيه - أو الأثر، يأخذ أثر من العريس، أو من تحوم حوله أو حولها الشكوك في ربطه، قد يكون قفل منزله، والتعزيم عليه، ثم إلقائه في النهر أو إحراقه، وهنا تفك ضائقة العريس، وتعاوده رجولته وانتصابه.
والأمر بالطبع ليس بعيدا عن ممارسات هذا التابو الجنسي الفاجع، المبدد للكثير من الطاقات، التي تفت في عضد الأسرة العربية في عصر العلم.
الأمر ليس ببعيد عما يجري في المجتمعات البدوية العربية، خاصة أقصى مغربه وجنوبه، بالإضافة إلى ما يجري ممارسته في لبنان والأردن ومصر من مخالطة للدم والجنس، أو «الدم واللبن» وتابواتهما المتسيدة.
الفصل السادس عشر
نصوص أغاني الزواج وفض البكارة والإنجاب
داري جمالك عن عيون الناس
لولا الملامة يا حبيبي وكلام الناس
لحط رجلي ورجلك في قميص ولباس
واحلفلك بالأمانة ما تقول للناس •••
يا بدر شيلة عيونك قصفت نخلي
لو كان نخلك دهب ما يسد في نخلي
يا لفتتك في العباية فوتتني أهلي
إيمته تدوب العباية وارجع لأهلي؟ •••
عيني وراك يا جدع ياللي ورا الناقة
سايق عليك النبي تيجي عندنا وتبات
نضحك ونلعب ونفتح للهوا طاقة
عيني وراك يا جدع ياللي ورا الشباك
سايق عليك النبي تيجي عندنا وتبات
نضحك ونلعب ونفتح للهوا شباك •••
منديل حرير طار من على راسي
منديل حرير هفه الغرام
منديل حرير طار من على راسي
لحول البحر بالفنجال على راسي
واصحن الرمل والصوان على راسي
يمكن على الله يحن قلبك القاسي
يا عيني على الرمان مال عليا مال
شعرك حليتيه بالزبدة دهنتيه
لما جا العريس يرخيه
وأنا اللي ليلي طال
في أغاني البنات المراهقات كثيرا ما تعبر الأغنية عن رغبات البنت ومطالبها العاطفية والجنسية ومشاكلها البسيطة، التي تتمدد في إطار حياتها ليومية الضيقة.
وفي الأغنية القادمة تعبر صاحبتها عن عدم اهتمامها بمن خاصمتها.
وفي الليل.
كثيرا ما تتكون شلتان من البنات وتجلس كل شلة منهما على عتبة دار أو رأس حارة أو تحت ضوء فانوس.
ثم تأخذ كل شلة في الغناء «والروح» موجهة كلامها إلى الشلة الأخرى، كما يبدو في الأغنية القادمة:
على ضي العين مسيلي يا قمر
على ضي العين كرمله وعين جمل
على ضي العين ادلع يا جمل
على ضي العين أنا بحب القمر
حطوا اللمبة في الدولاب
وفيها السمك يا العلباب
1
واللي مخاصمني ع القبقاب
على ضي العين مسيلي يا قمر •••
جابوا اللمبة في حجري وفيها السمك يجري
واللي مخاصمني على رجلي
على ضي العين مسيلي يا قمر •••
البنت طلعت ولا جتشي
طلع وراها النبطشي
2
ما دام شريفة متعبرشي
3
على ضي العين مسيلي يا قمر
بياعين العنب
على بياعين العنب على بياعينو من غير جنب
جابلي اللحمة في بابور زحمة
رجع اللحمة وهاتلي العنب
جابلي الشبشب يقرا ويكتب
رجع الشبشب وهاتلي العنب
جابلي القبقاب في بابور ركاب
رجع القبقاب وهاتلي العنب •••
إوعى شوية الليل طويل
يا ابو عجل تخين
سخسختني موتني وكله دا
من أكل العنب •••
متشوف يا حبيبي متشوف عيني مالها
جابلي القطيفة في علب نضيفة
وقاللي خدي يا لطيفة
قبل ما فرق متشوف عيني مالها
جابلي الملبس في علب مكبس •••
قبل ما فرق متشوف عيني مالها
يا واد يا حسين
آه وآهين يا واد يا حسين
واروح بيك فين؟
تحت الكلوب ما وقع الحب
تحت السلالم والرب عالم
تحت الفانوس أحضن وأبوس •••
كام ليلة وكام يوم
كام ليلة حرمني النوم
كام ليلة ما شفت حبيبي
كام ليلة حرام يا نوم
في بعض نصوص الأغاني السابقة وهي من أغاني البنات الصغيرات، وغالبا ما تقال عند بيت العروسة قبل الدخلة بأسابيع.
والتصريحات الجنسية التي تدور حولها بعض هذه الأغاني تشير إلى صراحة العلاقة التي تربط المرأة بالرجل.
تسعين ليلة وأنا هاجر مرجاداي
يبليك مبليتيني يا بنت الريس علاي
يبليكم مبليتوني يا بيض يا صغيرين
بتقولوا ده انتو بليتوني
واللي بلانا مين؟
اللي بلاني ولد صغير وداجج
4
ع اليمين
الراس راس يمامة والبطن تناي تناي
مجرودة بدوية
وللقبائل البدوية التي تقيم في عزب وكفور خارج «البنادر» أدبها الشعبي الخاص بها، فلهم أغانيهم التي يدعونها «التنوحة» وتحريف الكلمة مشتق من نواح.
وتبدأ الأغنية هكذا:
وين ... وين ... وين يا عرب؟
ويلاحظ الارتباط بين مطلع الأغاني الشعبية عند هذه القبائل، وبين بدء الشعراء لقصائدهم، بالحديث عن الأطلال والأمجاد الغابرة.
وفي أفراحهم يجتمع شباب القبائل ويختارون أي فتاة تعجبهم ثم يطلبون منها أن ترقص.
وتسمى الراقصة بالحجالة.
فتنتصب في وسط السامر، وتهتز على دقات «الدربكة» وتصفيق الرجال، ثم يقف واحد ليغني لها، وتسمى الأغنية «مجرودة»، والباقون يرددون ويسمى ترديدهم بالطبة .
وفي أحيان ما يتبارون في إطلاق النار من فوق رأس الحجالة مباشرة وهي ترقص.
وكثيرا ما يتبارون في إطلاق النار على عقدة المنديل المعقودة على رأس الحجالة.
وفي المجرودة القادمة التي يصف فيها الشاعر العربي الحجالة وهي ترقص.
وفيها يبدأها بالتحية، ثم يوجه إليها الحديث معلنا على السامر كله أنها كانت عنده «ذلك اليوم» وكتبت منه «جرنانان».
ثم يمضي فيعدد ما كتب في كل جرنال، وهو وصف غزلي يتناول محاسنها وتقاطيع جسدها من رأسها حتى قدميها. •••
مسيك
5
بالخير يا عين الطير
يا بيهام
6
في لبس الخايل
أول ما نبدي بالجول
تعلى جدامي صباي
تعالى جدامي بعجل رهيف
ومني ما تدار
7
أشاي •••
على إيه يا بيه بتتغبن
وانت داك اليوم عنداي
وكانت مني جرناناي؟
وف أول ما الجرنال بيجول:
باسم الله، باسم اللهاني
يا راسك وراس يمامه
واللي خالقها هو رباي
يا شعورك وسلب جمال
في يد واحد نساجاي
8
والأورة كيف
9
البنورة
تنور في العتمة الضلماي
يا عيونك وعيون غزلان
اللي خالقهم هو رباي
يا سنونك صفين عساكر
تخدم في واحد باشاي
يالشفة كيف الليمونة
المصة منها آهي تبراي
10
يا الرقبة كيف الجمارة
وزاينها عجر اللولاي
يا صدرك تجول جنينة
ويطرح فيها رماناي
يا وسطك وسط السافايا
في المسكة لم يحمل شاي
يا السرة كيف الفسجية
تجول فناجين مكفاي
تحت السرة داير بالدور
تجول بجور بتصنع شاي
يا فخادك لوحين صابون
يخيلو في عمل الفاساي
11
الطبة
وانت يا عزيز خطاك معانا منشان
12
آه!
وفي المجرودة البدوية التالية يشبه حبيبته بالحمامة:
يا ليلي يا ليلي يا ليلي يا عين
حمامة
13
يمامة جرحتني جرح مش عارف
حدوده فين
حدوده مصر الجديدة وريس البرين
والله إن طبت يا جرح
لجبلك جمل وحصان
واجبلك شرق المدينة
وانصبلك الصوان •••
مقابلوني اتنين مكار
واحدة قمع سكر دايب
والتانية تطير العقل م الراس
تعالى يا قمع سكر يا دايب
لكن اللي تطير العقل م الراس
لروحها لابوها
وخليه يضربها ويبسها في الدارين
أغنية بياعين السمك
بني يا سمك بني يا متنقرش يا متحني
طول الليل وانا داير وآدي سمكي معايا باير
الست البيضة بتتمايل ولا جتشي شرت مني
يا مللا يا مللا البير
أنت بتملا واللي عندك مين؟
يا مللا
عندي عريس دا العجبان
لابس الجوخ على القفطان
يا بيته رخام في رخام
شببيكه ش العصافير
يا مللا
الحبيبة البدوية
ع البدوية
14
البيدوية
قالتلي ومنين يا شاطر؟
قلتلها جزار يا عنيه
قالت لي جزار ما بريده
يدخل لي بسكينه في إيده
يرعبني وانا لسه صبية
ع البيدوية البيدوية
قالتلي ومنين يا شاطر؟
قلتلها فلاح يا عنيه
قالتلي فلاح ما بريده
يخش عليا بطوريته
15
في ايده
يرعبني وانا لسه صبية
وفي الأغنية السابقة التي ترقص فيها «الصبية» العرسان الذين يتقدمون لها، وكأن هذا من حقها، سوى أن الأغنية هنا منفذ ضد التابوات. وهنا أغنية شعبية سودانية بهذا المعنى تقول:
التربال ما بدورو
يجيب الكرشة في الطجية ما بدورو
والتربال هو العامل الأجير. «ما بدورو» أي ما بريده!
أغنية جيش
ع الموال الجبالوني ع الموارد يا عيوني
وم البيوت أهم لموني وع البندر سلموني
وف الحجز وبيتوني وع المحطة وطلعوني
وفي الفيوم وكلموني وع المحطة وطلعوني
وف تمن الجيزة ونزلوني وف الحربية ودخلوني
وف البدلة ولبسوني وآخر الشهر وقبضوني
ع الموال الجبالوني ع الموارد يا عيوني
أغنية تحكي قصة حب تختم بالزواج
على الله على الله يهون العسير
على الله كواني وصابح يشيل
ياما كرهوني فيك يا جميل
يا مهجة قلبي يا بن الأمير
البنت تقول:
يا نينتي أنا طالعة وقابلني الجميل
ولو عنق مايل «وبقيت في وجد كتير»
يا نينتي قولي لبويا:
يكتب كتابي
على دا الجميل
وان مرضاشي لاميل عميمته
ما بين العرايب وتبقى مذلة
وشانا كبير
على اللي كواني وصابح يشيل
الأم:
يا راجل يا راجل بنتك قالتلي
قوم اكتب كتابها على دا الجميل
وان مرضيتشي تميل عميمتك
ما بين العرايب وتبقى مذلة
وشانا كبير
على اللي كواها وصابح يشيل •••
ما جابوك يا قاضي ولموا القبايل
وعملوا العزايم ودبحوا الدبايح
وجت العروسة تقول اكتب يا قاضي
والمهر واصل ميتين بعير •••
قوم يا حبيبي بقيت حليلتك
افعل ما شئت الله يسامحك
أغنية من أسوان
لا شفته ولا ريته ولا اعرف طريق بيته
وع السمعة وحبيته ادلع يا جمل
فين اجيب وليف لغسل الصابون ع الليف؟
حبيبي ملك الخريف ادلع يا جمل
جاعده على الخزان تراعي ورا جدام
يا صبية راعي الغلبان ادلع يا جمل
يا جاعدة على التابوت عيانه ورايحة تموت
على الله الموعود دا يفوت ادلع يا جمل
يا مركب نازلة من الكوم
واسجه حلاوة ودوم
يا وحيدة وصح النوم
ادلع يا جمل
يا مركب نازله من سوان
واسجه حجر صوان
يا جبي وجع في النسوان
ادلع يا جمل
يا ضرباني بالجريدة
يا ست أجولك ع الحجيجة
دي بطنك مصر الجديدة
ادلع يا جمل
يا ضرباني بالجادوم
يا عاشج معلياش لوم
يا وصفاتك في الفيوم
ادلع يا جمل
يا ضرباني بالمسلة
ضلعي اليمين ما اختله
يا وصفاتك في المحلة
ادلع يا جمل
ما جالت تعالى حداي
صب اللبن ع الشاي
دا حبك جطع لي حشاي
ادلع يا جمل
تقال الأغنية القادمة للبنات المعدة للزواج، والغرض منها تعليم البنات وإفهامهن أنهن سوف يحملن ويلدن، ثم كيف تتصرف الواحدة منهن خلال أشهر الحمل التسعة.
والنني المقصود به الطفل الرضيع.
أغنية أطفال
النني النني دلعه مجنني
آدي أول شهري ماجتني ضهري
يا خوفي من أهلي يتبروا مني
وآهي جت في التاني مبكلشي الضاني
مبكلشي الضاني يتظفلط مني
آهي جت في التالت مبكلشي النابت
مبكلشي النابت يتنفخ مني
وآهي جات في الرابع ماومخلقلو صوابع
مخلقلو صوابع دي بشارة النني
آهي جت في الخمسة مبكلشي الكرشة
مبكلشي الكرشة يتنقرش مني
آهي جت في الستة بحبحت الدكة
بحبحت الدكة لسلامة النني
وآهي جت في السابع لبنيلو جامع
لبنيلو جامع لصلاة النني
وآهي جت في الثامن قوم هات لك ضامن
قوم هات لك ضامن وتعالى كلمني
وآهي جت في التاسع قوم هات لي الداية
وبنت الداية تبات حدايا وتلاقي النني
آهو جالو عمه بينقطلو في كمه
افرحي يا مرات عمه دا نقوط للنني
وآهو جاللو خاله جايب خلخاله
افرحي يا مرات خاله دا نقوط للنني
ما طلعت الغرفة بزف الزفة
يا حسر بالي خطفتو القطة مني •••
يا ليلي يا ليلي يا ليل يا عين
حمامة يمامة جرحتني جرح
مش عارف حدوده فين •••
حلوة يا عروسة يا ماشية ع القضيب
معاكي زبدة ولا لبن حليب؟
أنا معايا زبدة بالصلا ع الحبيب
تحت شباكنا واخطب يا خطيب
وقبل ما تخطب دور ع النسيب
فتدور موضوعات الأغاني الشعبية - غالبا - حول علاقة الرجل بالمرأة، وكلها تتحدث عن الزواج.
والأغنية السابقة تهدف إلى أن يبحث طالب الزواج عن «نسيبه»، أي والد عروسته أو أهلها قبل أن يتقدم إلى عروسته.
أي إن جمال العروسة ليس كل شيء لكي تكون أهلا للزواج، بل يجب أيضا أن يبحث «العريس» عن أصلها.
ميت مركب ملانة فن
يا عم إذا كان على الفن عندي ميت مركب ملانة فن
وحبالها فن وقلوع المراسي فن
عندي قلم فن يكتب في دفاتر فن
ومشينا للفن لما القدم أجفن
16
ومشينا للفن وجبنا درهمو بالفن
17
وصفم دواك يا عليل لقو التمر هندي الفن
وابات أقلب في الفن أخاف عليه ليجفن
وكان «الغباري» زعيما وحاز الفن
يا خسارة العقول الذكية في التراب يدفن •••
أكام يا حلو توعدني وبكره آجي
وابات أصحن على كفي وبكراجي
18
فناجيل صيني وبن أخضر وحظ وكيف
قعاد لحباب حلو ما ينشبع منه
وتمسوا على خير
أنا مروح وبكره آجي
19
अज्ञात पृष्ठ