وهكذا يظهر لنا عمران شاعراص متأملًا، تجري في شعره بعض الملاحظ النفسية الدقيقة عن حياة الناس وعلاقاتهم، وبهذا العمق في النظرة إلى الحياة والموت وفهم الطبيعة الإنسانية قل أن نجد لعمران مثيلًا لا بين شعراء الزهد فحسب بل بين شعراء عصره عامة، وهو في مراثيه لمرداس وتحليله لشخصية الخارجي المثالي، وفي استطالة الحياة، ووقفته من الصراع بين البقاء والفناء أصدق من يمثل الزهد الثوري والشعر الخارجي؛ وبالجملة لست أرى الآمدي مبالغًا كثيرًا حين قال فيه: إنه أشعر الناس في الزهد، فإذا لم يكن من الحق أن نميزه بهذه المبالغة العصور؟ حتى عصر الآمدي؟ فليكن ذلك منصرفًا إليه في عصره وحده.
٥ -؟ نقد الحياة في الشعر الخارجي:
إلى هذا الحد تحدثت عن التلازم بين العقيدة الخارجية والشعر الخارجي والآثار الموجبة والسالبة التي نجمت عن هذا التلازم، ويقتضيني المقام أن أقول كلمة في اضطلاع ذلك الشعر بنقد الحياة عامة، ومهاجمة عيوب المجتمع وعيوب الدولة. فمن صور ذلك النقد الثورة على الحرص والجشع وحشد الأموال، وهذا يتبين في قول الطرماح:
عجبًا ما عجبت للجامع المال يباهي به ويرتفده ... ويضيع الذي يصيره الله إليه فليس يعتقده ... يوم لا ينفع المخول ذا الثروة خلانه ولا ولده ... يوم يؤتى به وخصماه وسط الجن والإنس رجله ويده ... وفي قول عمران:
حتى متى تسقى النفوس بكاسها ... ريب المنون وأنت لاه ترتع
فتزودن ليوم فقرك دائبًا ... واجمع لنفسك لا لغيرك تجمع
1 / 24