متباعدتين، وادعت أن إيمانها بوحدة العرب، ومستقبل وجودهم هو الذي أداها إلى اتخاذها، وهما موقفان يستحقان الذكر والنظر، لأننا نعتقد بأنها تصرفت فيها تصرفا قبليا سياسيا، موهته بما أذاعته في كل منهما من أن حرصها على مصلحة الجماعة ومصيرها، وموالاتها للخلافة، وتأييدها لها، وحفاظها عليها هي التي دفعتها إليها دفعا قويا.
أما الموقف الأول فعمدت إليه عندما صالح عاصم بن عبد الله الهلالي الحارث بن سريج التميمي بمرو الروذ، على أن يسألا هشام بن عبد الملك العمل بالكتاب والسنة، فإن أبى اجتمعا عليه، ووافقهما أكثر رؤساء القبائل، وختموا الكتاب الذي بعثاه إلى هشام. فقد رفض يحيى بن الحضين، سيد بكر التوقيع على الكتاب، وأشاع أن الصلح الذي تم بين عاصم والحارث لا يصون عزة الأمة وكرامتها، ولا يحفظ للخلافة حقها وحرمتها١. ومع أن موقفه نقل إلى الخليفة، فحظي به عنده، وزاد في عطائه، وفرض لأهل بيته، وبلغ الدرجة الرفيعة٢. وأصبح بعده أثيرا عند بني أمية٣، فإننا نظن أنه اتخذه كيدا للمضرية من قيس وتميم، وإيقاعه بهم عند هشام.
وأما الموقف الثاني فسارعت إلى إعلانه بعد اغتيال جديع الكرماني، وتمادى ابنه علي في معاداة نصر بن سيار، واحتدم الخلاف بين القبائل العربية، واستفادة أبي مسلم الخراساني من تفككها. فقد انسحب يحيى بن نعيم البكري، أضخم خلفاء الأزد من صفوفهم، وعطل تحالفه معهم٤، ونادى بالموادعة بين القبائل المتنابذة المتقاتلة، حتى تتمكن من ملاقاة أبي مسلم، الذي أخذ يهدد كيانها، ولك أبسط ما نسجله عليه أنه تأخر كثيرا في الانفصال عن الأزد، والاتصال بنصر ومضر، بحيث لم يغن قراره النهائي شيئا.
ومن مظاهر إحساسهم القصير بأنهم أمة واحدة، وأن مصيرهم مشترك أن القبيلة
_________
١ الطبري ٩: ١٥٧٧.
٢ الطبري ٩: ١٦٦٢.
٣ جمهرة أنساب العرب ص: ٣١٧.
٤ الطبري ٩: ١٩٦٦.
1 / 70