وخاصة بكرا، وتميما، وأهل العالية، والأزد، وترك الكلام على عبد القيس لقلة الأخبار عنها١. وليس من غرضنا أن نعيد القول فيما عرض له، لأنه أدخل في البحث التاريخي الخالص ولأننا لن نزيد فيه شيئا جديدا كثيرا.
وكل متتبع لأخبار العرب بخراسان يلاحظ بقوة أنهم افترقوا إلى كتلتين تتنافسان وتتصارعان طويلا، وتتوادعان وتتصافيان قليلا وقبل سنة خمس وستين لم يكن شيء من الخلاف قد دب بينهم، لأن قبائلهم لم تكن كثيرة وكبيرة، ولأنهم كانوا مهتمين بتأمين حياتهم، وسلامتهم في وطنهم الجديد، إلى أن كانت الفتنة بين بكر وعبد الله بن خازم السلمي، فانشقوا إلى مجموعتين، أما المجموعة الأولى فكانت تتكون من بكر، وأما المجموعة الثانية فكانت تتألف من تميم وقيس. وبعد سنة ثمان وسبعين كثر الأزد بخراسان، وعظم نفوذهم بمجيء المهالبة. وتوليهم مقاليد الحكم، وانحازوا إلى بكر بحكم ما كان يربط بين القبيلتين في البصرة من تحالف، فتغير ميزان القوة بين الحزبين المتسابقين، إذ أصبحت الأزد وبكر وعبد القيس في صف، وظلت تميم وقيس في الصف المعارض.
ونحن نرجح أن ما انعقد بين قبائلهم بخراسان من معاهدات ومحالفات، وما نشب بينها من خصومات ومشاجرات يرجع إلى سببين أساسين، كان لكل منهما دوره في إثارة العصبية القبلية والحزبية، وفي إذكاء المنافسات السياسية. أما السبب الأول فهو اجتماعي وثقافي. فهو يعود من ناحية إلى تركيب المجتمع الأموي السكاني. فقد كان المجتمع الأموي مجتمعا بدويا قبليا٢، لأن القبيلة كان وحدته الرئيسة في البادية والمدينة، وفي بلاد العرب والمدن التي استحدثوها، والبلاد التي فتحوها٣. وقد أدرك الباحثون العرب القدماء هذه الحقيقة منذ زمن بعيد، ولعل أحدا منهم لم يعرفها معرفة
_________
١ استيطان العرب بخراسان ص: ٤٢- ٥٨.
٢ العصر الإسلامي، للدكتور شوقي ضيف ص: ١٦١، وتاريخ الدولة العربية ص: ٢٠٣.
٣ فتوح البلدان ص: ٢٧٤، ٣٤٥، وخطط الكوفة لماسنيون ص: ١٠، وتاريخ الحضارة العربية لبارتولد ص: ٣٠، وانظر تفصيل ذلك في كتابنا الشعراء الصعاليك في العصر الأموي ص: ٤٧- ٦٠.
1 / 57