على أننا لا نعرف شيئا يذكر عن بقية العرب الذين نزحوا إلى خراسان، ولم يكونوا يقبضون أعطيات من الدولة، لأنهم لم يكونوا من الجند. ومن المحتمل أن نفرا منهم اشتغلوا بالتجارة، غير أننا لا نملك شاهدا واحدا يعطينا فكرة ما عن ثرواتهم وتجاراتهم وأرباحهم.
ومن المؤكد أن كثيرين من العرب من الأزد، وبكر، وتميم، وقيس، تعاطوا الزراعة، وارتبطوا بالأرض، ويلاحظ أنهم لم يسكنوا القرى، ولم يعملوا في الزراعة بشكل واسع في القرن الأول، إذ لا يذكر من القرى التي نزلوا بها في هذا الزمن إلا عدد ضئيل١. أما في الربع الأول من القرن الثاني فازدادت ممارستهم للزراعة ازديادا كبيرا، يستخلص من كثرة القرى التي استقروا فيها والتي أحصينا بعضها قبل قليل.
ويلاحظ كذلك أن القرى التي استقروا بها لم تكن مقصورة على إقليم بعينه، وإنما كانت منتشرة في سائر الأقاليم، سواء في منطقة مرو الشاهجان، أو في هراة٢. ويروى أن بعض الولاة كان يفرض عليهم ضرائب باهظة، ويستوفيها منهم بالعنف، فكانوا يضجون بمر الشكوى، ويرفعون أصواتهم بالنقد، وخاصة في عهد أمية ابن عبد الله، إذ كان التميميون يرددون أنه أخذ الناس بالخراج، واشتد عليهم فيه، وأنه سلط عليهم الدهاقين في الجباية٣.
وهذه الصيحة المدوية ضد سياسية أمية المالية، إنما كان القصد منها الإساءة إلى أمية، وإثارة الناس عليه، وحملهم على مناوأته، أكثر من النقد الصحيح لسياسته المالية، لأن زعماء بني تميم، وعلى رأسهم بكير بن وشاح، وبحير بن ورقاء أرادوا أن يستبدوا بحكم خراسان، وأن يتصرفوا في شؤونها وفق مشيئتهم، لأن عبد الملك بن مروان تعهد لهم بذلك، قبل أن تخضع خراسان له، وهي بقبضة عبد الله بن خازم السلمي، فلما عرف أمية حقيقة نواياهم ومآربهم ضيق عليهم، فراحوا يتسقطون زلاته، ويختلقون الأخطاء له اختلاقا، ويلصقونها به إلصاقا، هذا من ناحية، ومن
_________
١ الطبري ٨: ١٠٢٦، ١٠٢٩.
٢ الطبري ٨: ١٠٢٦، وياقوت ٢: ٤٦٥.
٣ الطبري ٨: ١٠٢٩.
1 / 53