وثمة حقيقة أخرى يجدر التنبيه عليها، وهي أن تميما كانت على امتداد الحكم الأموي لخراسان أكبر قبيلة عربية هناك، ففي نهاية القرن الأول كانت أكثر خراسان عربية١، وفي بداية القرن الثاني كانت كذلك أكثر أهل خراسان٢، ولا جدال في أن الأزد كانت القبيلة الثانية في الضخامة والكبر بخراسان.
وإذا سلمنا بأن عدد المقاتلين في نهاية القرن الأول، وفي بداية القرن الثاني، أي في ولاية قتيبة بن مسلم، وولاية يزيد بن المهلب الثانية. وفي ولاية الجنيد بن عبد الرحمن المري كان مائة ألف، وافترضنا أن أسرة كل مقاتل كانت تتألف من أربعة أفراد، فإن جملة العرب بخراسان من المقاتلين والعيالات يمكن أن تكون قاربت نصف مليون نفس. وهو تقدير قد يكون فيه شيء من الزيادة، وقد يكون فيه شيء من النقضان.
وأما الأماكن التي سكن فيها العرب بخراسان فالحديث عنها أكثر صعوبة، وأشد تعقيدا، فنحن لا نعرف على وجه الدقة هل كان العرب يستوطنون داخل المدن التي كانوا يفتحونها، أو أنهم كانوا يستقرون على مشارفها. فالأخبار عن ذلك متناقضة، إذ يدل بعضها على أنهم شاركوا أهل البلاد في مدنهم سواء بخراسان أو فيما وراء النهر. ومن ذلك ما يروى من أن عبد الله بن عامر حين صالح مرزبان مرو الشاهجان، كان في الصلح أن يوسع أهلها للعرب في منازلهم٣. ومنه أن قتيبة بن مسلم عندما رأى أهل بخارى يقبلون الإسلام في الظاهر، ويعبدون الأصنام في الباطن، أمرهم أن يعطوا نصف بيوتهم للعرب، ليقيموا معهم، ويطلعوا على أحوالهم، فيظلوا مسلمين بالضرورة٤. ولما فتح المدينة للمرة الرابعة، وسيطر عليها، وأخذ صلحها، قسمها بين العرب والعجم، فأعطى ربيعة ومضر من باب النون إلى باب العطارين، والباقي لأهل اليمن٥. وبنى المسجد الجامع داخل حصنها٦. ومنه أيضا أن أسد بن عبد الله
_________
١ نقائض جرير والفرزدق ١: ٣٦٨.
٢ الطبري ٩: ١٦٦٣.
٣ فتوح البلدان ص: ٣٩٦.
٤ تاريخ بخارى ص: ٧٣.
٥ تاريخ بخارى ص: ٨٠.
٦ تاريخ بخارى ص: ٨٤.
1 / 48