208

Sheikh Saad Al-Breik's Lessons

دروس الشيخ سعد البريك

शैलियों

ما يحرم منه ساهر ليله
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أيها الأحبة في الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذًا بالله من ذلك.
معاشر المؤمنين: إن الذين يسهرون هذا الليل ويضيعون فضائل القيام وشهود الفجر مع الجماعة، ويضيعون الصباح الباكر وما فيه من الخيرات والأرزاق والبركات، ليحرمون في الليل ويحرمون في النهار حرمانًا كثيرًا لا يساوي جزءًا صغيرًا مما يحققونه بوهمهم في سهر الليل أوليس الله ﷿ يتنزل في ثلث الليل الآخر، فيقول لعباده وهو أعلم: (يا عبادي هل من سائل فأعطيه؟ هل من داعٍ فأجيبه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من تائبٍ فأتوب عليه؟) الكثيرون يحرمون هذا، ونعوذ بالله أن نكون من أولئك.
أيها الأحبة: إن هذا السهر بلية ومصيبة، لو عرض للواحد فائدة في صباح يومه لحرمها بسبب سهره، لو عرض له رزق من الأرزاق لحرمه بسبب سهره، ولو ذهبنا نعد ونحصي آفات السهر لوجدنا أنها كثيرة لا يحصيها مقام، ولكن هناك سهرٌ أو نوع مكابدة لليل في باب العبادة نقوله لعلنا أن نبلغ مقام الذين بلغوه أو درجاتهم، ألا وهو القيام، ألا وهو التهجد، ألا وهو سؤال الله ﷿، والإلحاح والخضوع والتضرع والإنابة لوجهه ﷾، يقول ربنا: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ [الزمر:٩] لما قرأها حبر الأمة عبد الله بن عباس قال: [ذاك عثمان بن عفان].
فهل لنا أيها الأحبة أن تتجافى جنوبنا عن المضاجع ولو لحظات يسيرة، ولو بمجاهدة وتدريبٍ يسير، دقائق، ثم بضع الساعة، ثم جزء الساعة، ثم ما كتب الله لعلنا أن ننال شرف القائمين: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت:٦٩] ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات:١٧ - ١٨] يكابدون القيام والتهجد، وبعض السلف إذا انتصف الليل قام يلطخ فخذه، ويضرب ركبه، ويقول: إن الدواب إذا كلت بأصحابها عن بلوغ الغاية ضربوها حتى تبلغ بهم الغايات، والله لأضربنك حتى أبلغ الغاية والأمان، يخاطب ركبه ويخاطب أقدامه، كما يخاطب صاحب الدابة دابته! ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة:١٦ - ١٧] لما أخفوا العبادة فلا تسل عما أخفى الله لهم من النعيم، لما جعلوا حظهم من العبادة السرية العبادة في وسط الليل، لما جعلوا حظهم منها طاعة وإنابة لله: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة:١٧].
ثم أيها الأحبة: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ﴾ [الجاثية:٢١] أتريد سهرًا وغفلة ولهوًا وقيلًا وقالًا، وانشغالًا ونومًا عن صلاة الفجر، وتكاسلًا وضياعًا للعمل من يوم غد، ثم تريد كرامة ومنزلة وأجرًا وثوابا؟! هل تستوي هذه مع من يأوي إلى بيته فيقوم بحق أولاده وزوجه ويعطي بدنه نصيبه، ويصلي ما كتب الله له قبل ما ينام أو بعد أن ينام، وينهض لصلاة الفجر حاضرًا نشيطًا خاشعًا متدبرًا متأملًا مستفيدًا من صبيحة يومه، منتجًا فعالًا نشيطًا في عمله طيلة يومه، هل يستوي هذا وذاك؟! ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ﴾ [الجاثية:٢١]؟
الجواب
لا: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ﴾ [السجدة:١٨] لا يستوون، وإن الكثير سيقولون: ما أجمل أن نترك السهر وأن نهجر المواعيد الكثيرة التي لا حاجة لنا بها بعد العشاء! إلا أننا نواجه بالإحراج.
فأقول: إن كان الموعد لا بد منه فاستعن بالله وأجب، ولكن بحدوده وضوابطه وبقدر الفائدة المرجوة منه، ثم أيها الأحبة: لماذا نحرج الناس إذا دعوناهم؟ ولماذا نحرج أنفسنا إذا دعينا؟ فتضيع ساعة أو أكثر من ساعة قبل بداية الاجتماع، وساعة تضيع أو أكثر بعد نهاية الاجتماع أو اللقاء؟ وليس من شرط كل اجتماع أن تمد فيه الموائد، ولو سئل المدعوون شيئًا من المال يشبعون وغيرهم جياع، يتقلبون على الجمر ويتلذذون باصطلاء النار وغيرهم يموتون في البرد والزمهرير؟ لو سئلوا شيئًا من المال -لعلهم ألا ينسوا إخوانهم في المجالس- لقال قائلهم: أدعوتنا لتكرمنا أم لتستجدينا وتسألنا؟ أقول أيها الأحبة: إن كان لا بد من اللقاء فليكن بحدوده، ولنتعود احترام الأوقات.
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أهون ما عليك يضيع
إن من الناس من يدعوك ليهينك ولا يكرمك! كيف؟ يدعوك بعد العشاء، فإذا انصرفت من المصلى إلى مكان الدعوة، نعست عيناك مراتٍ ومرات، وتمايلت رقبتك انتظارًا لضيفٍ أو ضيوف يدعون، تنتظر ساعة ونصف الساعة فإذا جاء الضيف أو من دعي القوم على شرفه بدءوا يقبلون ويدبرون ويخرجون، ثم خذ ساعة وساعتين بعد ذلك، هذه إهانة وليست كرامة، إن كنت تدعو أحدًا لتكرمه فاحترم وقته، الدعوة في الساعة الفلانية، والعشاء في الساعة الفلانية، ومتى ما طاب لك الانصراف فانصرف، أما ما نفعله الآن فنحن والله نهين بعضنا، ونؤذي بعضنا، ويضايق بعضنا بعضًا، ما الذي يمنعنا أن نكرم أنفسنا وأن نحفظ أوقاتنا، وأن نعتني بها، فنجمع بين هذه وتلك، لا شيء يمنعنا سوى المجاملات، أما الذين لا يزالون يتلذذون بالسهر فسيأتي يومٌ يندمون على ما ضيعوه من الساعات.
إن الدقيقة لا يمكن أن تردها البشرية ولو اجتمع فيها الجن والإنس وكان بعضهم لبعضٍ ظهيرًا.
إذًا أيها الأحبة: وداعًا لسهر الليل، وطلاقًا لسهرٍ لا فائدة منه، وهجرًا لهذه المجالس التي ليس فيها إلا آخر الأخبار والقيل والقال وما لا فائدة منه أبدًا، والعودة المبكرة إلى المنازل، العودة إلى الأطفال والذرية، العودة إلى الأولاد والزوجات، العودة إلى قراءة شيءٍ من القرآن قبل النوم، وقراءة كتابٍ قبل النوم، العودة إلى الطمأنينة في البيوت، إن من الناس من لا يحلو له بعد العشاء إلا أن يجوب الطرقات والدنيا، والأكل في المطاعم، والذهاب والغدوات والروحات، وما لا فائدة منه ألبتة.
والله لو طبقنا هذا، لوجدنا أثره في بيوتنا وأولادنا وزوجاتنا وتربية أبنائنا وأعمالنا وصحة أبداننا، وطاعة ربنا قبل ذلك، والقيام بأعمالنا في صبيحتها.
اللهم بارك لنا في أوقاتنا، وانفعنا اللهم بما علمتنا، وارزقنا اللهم العمل بما علمنا، اللهم ثبتنا على دينك إلى أن نلقاك، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم لا تفرح علينا عدوًا، ولا تشمت بنا حاسدًا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، اللهم ولِّ علينا خيارنا واكفنا شرارنا، اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا، اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًا إلا فرجته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا مرضًا إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته بمنك وكرمك يا رب العالمين.
اللهم انصر إخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم إنهم عراةٌ فاكسهم، اللهم إنهم جياعٌ فأطعمهم، اللهم إنهم ظمأى فاسقهم، اللهم إنهم حفاةٌ فاحملهم، اللهم إنهم مستضعفون فانصرهم، اللهم أنزل عليهم نصرك، وأنزل بأعدائهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم انصر المسلمين في أرومو وكشمير وطاجكستان، والفليبين وإريتريا، وفلسطين وفي سائر البقاع يا رب العالمين، اللهم عليك بالصرب، اللهم عليك باليهود، اللهم أحصهم عددًا، واجعلهم بددًا، ولا تغادر منهم أحدا، وأرنا فيهم عجائب قدرتك يا رب العالمين، اللهم مكن لـ أهل السنة في كل مكان، اللهم مكن لأهل الحق في كل مكان، اللهم مكن لأهل الهدى في كل مكان، واقمع اللهم راية الكفر والزيغ والفساد والطغيان بقدرتك يا جبار السموات والأرض.
اللهم صلّ على محمدٍ وآله وصحبه.

13 / 7