لكن سخطها تمطى حتى شمل كل شيء. نالت عنايات أرقى نصيب منه، فهي التي - بضعفها لا قوتها - زلزلت الأسرة وعرتها. ونال زوجها نصيبا لا يستهان به لضعفه وسلبيته. ولكنها لم تتجاهل أنها المسئولة عن ذلك. بقوة شخصيتها وذكائها حولته من شريك إلى أسير. وطالما سعدت بذلك واستمتعت بقوتها بلا حدود. اليوم تشعر بوحدتها، فتنحي عليه باللائمة وتكيل له التهم.
13
رغم أن الغداء لم يهضم، والجو لم يهدأ ولم يلطف، فإنها لم تشعر بالبرد، بل شعرت بأن رأسها يشتعل، تمنت أن يهطل المطر. شارع العاصي يتحول في أعقاب الأمطار إلى برك ومستنقعات ومع ذلك تمنت أن يهطل المطر، وتلبية لإشارتها لحق بها زغلول ورمضان بحجرة الجلوس. رتبت في ذهنها ما يقال وما لا يقال وسرعان ما لاحظت أنهما لا يخلوان من قلق. لا مفر من أن يعلما بقرار محمود وبدواعيه. فيما يتعلق بعنايات وفيما يتعلق بفردوس. لن تشير من قريب أو بعيد إلى خطئهما أو خطيئتهما ولكنهما لن يتورطا فيها مرة أخرى دون حاجة إلى تنبيه. وفي تقديرها أن عنايات تحب محمود، وأن ضعفها وحده هو المسئول عن استسلامها لزغلول ورمضان. هكذا قصت عليهما قصة محمود وقراره. لمست اضطرابهما وضيقهما. تطايرا في الهواء رغم المحاولة المستميتة للتظاهر بالحياد والثبات والبراءة. وهي محيطة بأزمتهما بكافة أبعادها، بمشاعرهما نحو أخيهما الذي اعتديا على من ستصير زوجة له، ونحو النقود التي سيفقدونها لقطع العلاقات مع فردوس. لم تشعر نحوهما بعطف إذ رأتهما مستحقين للعقاب. ختمت قصتها بقولها: اعتدنا أن نناقش مشكلاتنا معا.
وسأل زغلول: هل علم أبي بالقصة؟ - كان لا بد أن يعلم.
تبادلوا نظرات حائرة. قال زغلول: إنه قرار خطير جدا. - أجل، ولكن هل عندك حل أفضل؟
لم يحيرا جوابا، فقالت: علاقته بفردوس خطأ لا مبرر له وإنكما تتحملان تبعة ذلك مثله أو أكثر.
فقال زغلول مدافعا عن نفسه: كان صادق العهد في الزواج منها. - ومسألة النقود؟
فقال رمضان بجرأة: لم نجد من الإنصاف أن نطالبكما بما تعجزان عنه.
فقالت بحدة: لم نقصر أبدا. - أجل، ولكن الممكن كان دون المطلوب. - اعتقدت أنكما قادران على مواجهة الموقف بما يتطلبه من تضحية.
فقال زغلول: بذلنا ما نستطيع، أكرر أن القرار خطير جدا.
अज्ञात पृष्ठ