فأبو بكر إذن أمام نار مضطربة في الجزيرة العربية كلها، وهو بين اثنتين: إما أن ينفذ هذا الجيش فيواجه هذه النار المتأججة غير قادر على إخمادها، وإما أن يؤجل إنفاذ هذا الجيش حتى يحاول به إخماد هذه النار فيبطئ في إنفاذ وصية النبي.
وكذلك أخذته المحنة من جميع أقطاره، وسنرى كيف استطاع أن يخرج منها ظافرا موفورا.
2
ومن قبل هذه المحنة واجهته محنة أخرى قبل أن يلي أمور المسلمين وهي وفاة النبي
صلى الله عليه وسلم ، ولم تكن هذه المحنة مقصورة عليه، بل كانت عامة كادت تفتن المسلمين عن دينهم، فهم كانوا يقدرون أن النبي سيبقى فيهم حتى يظهر دين الله على الدين كله، وهم يقرءون في سورة التوبة قول الله عز وجل:
هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .
ويقرءون قوله - عز اسمه - في سورة الفتح:
هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا .
وكان النبي قد أظهر دين الحق على الدين كله في جزيرة العرب، ولكنه لم يظهره على الدين في سائر أقطار الأرض، ثم انتقضت اليمن مع الأسود العنسي، وانتقض بنو حنيفة مع مسيلمة في حياة النبي؛ فلم يتم له إذن إظهار دين الحق على الدين كله، لا في جزيرة العرب ولا في غيرها من أقطار الأرض.
وها هو ذا يفارق الدنيا ويختاره الله لجواره، فلا غرابة في أن يشك الصادقون من المؤمنين في أنه قد مات كما شك عمر رحمه الله، ولا غرابة في أن يكفر الذين كانوا يعبدون الله على حرف، كما كفر الأعراب الذين جحدوا الزكاة، ولا غرابة في أن يضطرب أمر الناس في المدينة أشد الاضطراب.
अज्ञात पृष्ठ