والمؤرخون يسجلون نص هذا الكتاب، ولسنا نطمئن إلى هذا النص، كما لا نطمئن إلى نص العهد الذي كتبه أبو بكر لقواده، وإنما نرجح أن يكون معنى هذا الكتاب - إن كان قد كتب - مطابقا للعهد الذي كتبه أبو بكر لقواده.
وقد مضى القواد إلى غايتهم، ولست أريد أن أتبعهم لأقص أنباءهم وما أتيح لهم من النصر، وما امتحن به بعضهم من الهزيمة، كالذي امتحن به عكرمة بن أبي جهل، فليس هذا مما أردت إليه، وإنما أريد أن ألم بعد قليل بشيء من مواقف خالد بن الوليد؛ لما كان لمواقفه تلك أثر في حياته وفي حياة المسلمين أيضا، ولأن الحكم في مواقفه تلك يظهرنا على شيء من الاختلاف في سياسة الشيخين: أبي بكر وعمر، مع قوادهما أثناء الحرب.
أما الآن فإني أحب أن أعود إلى المدينة، وأن أرجع إلى أول ما كان من أمر الردة؛ لأقف وقفة قصيرة عند شيء يرويه الرواة ويكثرون فيه.
وقد بينت أن وجوه المسلمين أشاروا على أبي بكر بأن يؤجل إنفاذ جيش أسامة حتى يأمنوا العرب، فأبى أبو بكر أن يخالف عن أمر رسول الله، أو أن يؤخر إنفاذ هذا الأمر.
ولكن الرواة يزعمون أن بعض وجوه المسلمين راجعوا أبا بكر في حرب المرتدين، وقال له قائلهم، وهو عمر رحمه الله: كيف تقاتلهم وهم يقولون لا إله إلا الله، وقد قال النبي
صلى الله عليه وسلم : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله؟!»
فرفض أبو بكر وقال: «والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه، فهم يفرقون بين الصلاة والزكاة، والله لم يفرق بينهما، والزكاة حق المال، وقد قال رسول الله: إلا بحقها.»
ويزعم الرواة أن عمر قد شرح الله صدره لقتال المرتدين حين رأى أن الله قد شرح لهذا القتال صدر أبي بكر.
ولست أقبل هذه القصة بحال؛ فوجوه المسلمين من أصحاب رسول الله أعلم بدينهم من أن يجادلوا أبا بكر في الزكاة، ولم يكن عمر أقلهم علما بالإسلام، إلى ما عرف من شدة عمر في الحق، ولم يكن عمر ولا أبو بكر قد عرفا هذا اللون من الجدل الذي ألفه الفقهاء والمتكلمون فيما بعد.
وكل ما أرجحه هو أن وجوه المسلمين إنما راجعوا أبا بكر في إنفاذ جيش أسامة بعد أن ظهر كفر العرب؛ حرصا على أن يستبقوا قوة المسلمين ليقاوموا بها المرتدين، بل ليستأنفوا بها حرب العرب على الإسلام، كما حاربهم النبي
अज्ञात पृष्ठ