فالرواة يتحدثون بأنه كان رجلا تاجرا، وبأنه أسلم وعنده أربعون ألف درهم، فلما هاجر إلى المدينة مع النبي
صلى الله عليه وسلم
لم يكن قد بقي له من هذا المال إلا خمسة آلاف درهم، أنفق سائر ماله في مواساة النبي والمسلمين، كان لا يرى رقيقا يعذب في الإسلام إلا اشتراه وأعتقه.
من أجل هذا كله لم يكن أسبق الرجال إلى الإسلام فحسب، بل كان أحسنهم فيه بلاء، وأثبتهم فيه قدما، وأشدهم له اطمئنانا وإذعانا.
ومعنى هذا كله: أن أبا بكر حين أسلم خلق خلقا جديدا، واكتسب شخصية لم تكن له من قبل، قوامها الإيثار والوفاء والاطمئنان والثبات الذي لا يعرف ترددا ولا اضطرابا.
ولأمر ما آثره النبي بصحبته في الهجرة، وذكره الله في القرآن بأنه كان ثاني اثنين في الغار، وكان بعض المسلمين يقولون: إنه كان ثالث ثلاثة، يتأولون الآية الكريمة من سورة براءة:
إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا .
فقد كان الله مع رسوله ومع أبي بكر في الغار، وكان أبو بكر إذن ثالث الثلاثة.
وقد أدبه الله في القرآن تأدبا رائعا قوى شخصيته وزكى نفسه، وعلمه كيف يرتفع عن الصغائر، وكيف يحمل نفسه على ما تكره، ما دام في هذا الذي تكره من البر والمعروف والإحسان ما يرضي الله عنه ويغفر له الذنوب، وذلك في قصة الإفك حين غضب أبو بكر على قاذف ابنته عائشة رحمها الله، وكان هذا القاذف من ذوي قرابة أبي بكر، وكان أبو بكر يحسن إليه ويعطيه ما يعينه على أثقال الحياة؛ فلما اقترف ما اقترف من الإثم أزمع أبو بكر أن يقبض عنه إحسانه ومعونته؛ فأنزل الله في سورة النور بعد قصة الإفك هذه الآية الكريمة:
ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم .
अज्ञात पृष्ठ