शेख अब्दुल कादिर मगरिबी के बारे में व्याख्यान
محاضرات عن الشيخ عبد القادر المغربي
शैलियों
في السابع والعشرين من شهر شوال سنة 1375ه الموافق ليوم 7 / 6 / 1956م فجعت اللغة العربية والأمة الإسلامية بالشيخ الإمام المصلح اللغوي عبد القادر المغربي بعد جهاد طويل في سبيل خدمتهما، والسعي المتواصل لرفعة شأنهما والذب عن كيانهما، دام ستين سنة على أقل تقدير، فقد ولد رحمه الله في 1284ه/1867م، وحمل القلم مجاهدا ومصلحا، وله عشرون سنة، فلم يتركه حتى توفاه الله.
والفقيد من أسرة علمية عريقة في الدين والفضل.
فأبوه هو الشيخ مصطفى بن أحمد بن عبد القادر بن عبد الرحمن المغربي. وعبد الرحمن هذا
1
تولى منصب الإفتاء في اللاذقية وطرابلس والشام مدة 45 سنة، وقد ترجمه المرادي في تاريخه «سلك الدرر»، وقال: إن وفاته كانت سنة 1191ه، وبيتهم في طرابلس، كما في تونس، بيت علم وقضاء وفتيا، استمر ذلك فيهم منذ أن هاجر جدهم «الشيخ محمد درغوث طورغود» من تونس إلى طرابلس في أواخر القرن الحادي عشر للهجرة.
وكان للشيخ أحمد عناية خاصة بتنشئة ولده مصطفى على العلم، فتلقى التجويد على «الشيخ العريف»، وطلب مبادئ العربية على «الشيخ عرابي»، وكان من رفاقه في هذا الطلب مصطفى أفندي كرامة والشيخ إبراهيم الأحدب نزيل بيروت، ثم عكف على تلقي العلوم الدينية من حديث وتفسير وفقه على «الشيخ رشيد الميقاتي»، واشتهر في ذلك العهد «الشيخ يوسف الأسير الصيداوي ثم البيروتي» في فنون العربية وآدابها، فاستدعاه الشيخ أحمد إلى طرابلس للإقامة ضيفا في داره وتعليم ولده، فلبى الطلب، وأخذ يعلمه اللغة والأدب، وقد وجدت في خزانة آل المغربي نسخة مخطوطة من مقامات الحريري في ذيلها إجازة بخط الشيخ يوسف الأسير لتلميذه مصطفى، الذي قرأها عليه قراءة ضبط وتصحيح. ولما بلغ مصطفى نحو العشرين من عمره أحب أبوه إرساله إلى الأزهر لإكمال التحصيل، فذهب في سنة 1268ه ولم تطل مدة إقامته فيه لرمد شديد أصابه، فكتب إليه والده بالحضور إلى طرابلس بعد أن أجازه شيوخه: الباجوري، والرشيدي، والسقا، والمبلط، والدمنهوري. وفي عودة مصطفى إلى طرابلس مر ببيروت، فأجازه مفتيها «الشيخ محمد الحلواني»، وفي سنة 1272ه تزوج بالسيدة أسماء كريمة «الحاج عثمان علم الدين» من كبار تجار طرابلس، وكانت بين الأسرتين محبة وود قديم، ثم توفي والده، وكان عمره بضعا وعشرين سنة، فنشط إلى العمل وضاقت عليه طرابلس، فتيمم دمشق التي كانت مركز ولاية سورية. وكانت طرابلس متصرفية ملحقة بها؛ للاجتماع بعلمائها الأعلام والاستزادة من طلب العلوم، وكان أشد اتصاله بالأمير عبد القادر الجزائري الذي كان حديث العهد بالوفود إلى دمشق، ثم ما لبث أن تولى سنة 1280ه القضاء في محكمة الميدان، إحدى محاكم دمشق الأربع يومئذ، ولم يشغله ذلك عن العلم ومثافنة العلماء، وكان كلما وجد فرصة للعمل شغلها بتأليف رسالة في الفنون الشرعية أو غيرها، حتى تجمع لديه عدة رسائل، وطائفة من هذه الرسائل متوجة بإهدائها إلى الأمير عبد القادر رحمه الله، مما يجدر بنا ذكره في هذه المناسبة أنه في سنة 1310ه زار عبد القادر المغربي في الآستانة الأمير محمد بن عبد القادر الجزائري، فأراه هذا رسالة مخطوطة وقال له: خط من هذا؟ فقال له عبد القادر: خط والدي، ثم تصفح الرسالة، فإذا هي في إعراب بعض ألغاز الشواهد، فقال الأمير محمد: كان والدي تعجبه مناظرة العلماء في مجلسه، وكان له ابن عمه، وهو الشيخ مصطفى التهامي، فكان يثير خلافا نحويا أو لغويا في المجلس حتى يسمع ما يقول العلماء فيه، وكان أشد ما يحتدم النزاع بين المصطفوين المغربيين: المغربي والدك والمغربي ابن عمة أبي الأمير عبد القادر، واختلفا في بيت من أبيات الشواهد النحوية، وبعد أيام وضع والدك رسالة في معنى البيت وإعرابه، وافتتحها بإهدائها للأمير، وهي هذه التي في يدك، وتاريخها 1275ه.
ومن الرسائل التي ألفها مصطفى أبو عبد القادر في تلك الأثناء رسالة «درر التعريف بالحب الشريف» شرح فيها حديث «إذا أحب الله عبدا نادى جبريل: إن الله يحب فلانا ... إلى آخر الحديث»، وقد قرظها كل من الشيخ علاء الدين بن عابدين علامة الشام الأشهر، وعلامة آخر اسمه «محمود»، وأغلب الظن أنه «محمود أفندي حمزة» مفتي الشام المشهور. وله رسالة أخرى ضمنها محاورة خيالية، وقعت بين مدن الشام تتسابق إلى الحظوة بولاية «أسعد مخلص باشا»، ومن مصنفاته «منظومة» من بحر الرجز ضمنها قواعد المعاملات الفقهية وحدودها وأركانها وشرائطها، وابتدأها بمسائل البيع فالإجارة فالكفالة فالحوالة فالقضاء، وختمها بمسائل الفرائض. وله رسالة شرح فيها منظومة محمد بن سيفا في العلاقات البلاغية، ورسالة «الدر المنضد في شرح قل هو الله أحد» وقد ألفها لما نزل دمشق، واتصل بأفاضلها وعلمائها، ولا سيما الأمير عبد القادر الذي كان ينتاب مجلسه على الدوام كما أسلفنا، وكان مجلس الأمير لذاك العهد مثابة للفضلاء وكبار العلماء، فكان يحصيهم في نفسه عددا، ويتمنى لو يجمع شتاتهم بعد أن كانوا بددا، فاتفق في بعض المجالس أن جرى بينه وبين سميه الشيخ مصطفى المغربي التهامي ذكر معنى «الصمد» الوارد في سورة الإخلاص، وكان مجلس الأمير غاصا بطائفة من علماء دمشق، فاحتدم الجدال بين المغربيين، وكان الأمير يعجبه هذا النقاش في العلم بينهما إلى آخر ما تقدم ذكره في حديث الأمير محمد في الآستانة، وقال مصطفى أبو عبد القادر في ذلك في مقدمة الرسالة: فاغتنمت ما حل بيني وبين زميلي، وأضمرت في نفسي وضع تفسير على سورة الإخلاص في رسالة موجزة يقتصر فيها على ما قاله المفسرون في تفسيرها ، فألفها ثم عرضها على العلماء لأخذ خطوطهم في تقريظها وتوقيعهم عليها، وقد حدثني عبد القادر المغربي أن عدد هؤلاء العلماء كان عشرين عينا من أكبر أعيان دمشق في ذلك العهد، وفي مقدمتهم شيخ الشام «عبد الله الحلبي»، وعلى ساقتهم قاضيها التركي «مكتوبي زاده محمد أفندي» وتاريخ تقريظه 1283ه، وفي السنين التي بعدها انتقل مصطفى المغربي إلى قضاء اللاذقية وبلاد أخرى في ولاية حلب، فأخذ خطوط بعض علماء تلك البلاد في تقريظ الرسالة، فأصبح عدد التقاريظ ستا وعشرين تقريظا، دل مجموعها ونمط أسلوبها على حالة الثقافة والتفكير في ذلك العهد؛ أي منذ مائة سنة كاملة، وقد طلب إلي الفقيد - قبيل وفاته بأيام - أن أهتم بنشرها، ولكن الأجل وافاه قبيل الشروع في ذلك.
ويظهر من تواريخ هذه المؤلفات والرسائل أن والد الشيخ المغربي أقام في دمشق بين سنتي 1275 و1283ه؛ أي ثماني سنوات قضى معظمها في نيابة محكمة الميدان الشرعية. وكان يزور طرابلس ويعود إلى دمشق لزيارة أصدقائه فيها، لا سيما الأمير عبد القادر والشيخ علاء الدين بن عابدين الذي كان تولى قضاء طرابلس الشام، فكانت بينهما صداقة صميمة، وقد أديا فريضة الحج معا، ثم تولى مصطفى المغربي بعد محكمة الميدان بدمشق نيابة القضاء في اللاذقية سلخ شوال سنة 1283ه/1867م،
2
وكان بعد ذلك يؤم الآستانة ساعيا إلى نيل القضاء في بعض ولايات السلطنة، فتولى بعض النيابات، ثم اقتضته الظروف العائلية أن يرجع إلى طرابلس ويقيم فيها وذلك في سنة 1295ه، وفي خلال ذلك عين عضوا في مجلس إدارة طرابلس، ولم يطب له العمل فيه لكثرة ما كان يعرض عليه من معاملات قانونية لم يكن له بها عهد، ويراها لا تنطبق على أحكام الشريعة، فيأبى الموافقة على قراراتها ، وكان متصرف طرابلس يومئذ إبراهيم باشا (الذي عين بعد طرابلس لمتصرفية القدس الممتازة)، وكان يتململ الباشا بمخالفته ففاتح بذلك الشيخ علي رشيد الميقاتي - أوجه مشايخ طرابلس عند الحكام في ذلك العهد - وقال له: قل لمصطفى أفندي المغربي: إن مجلس الإدارة ما هو مدرسة دينية، وإنما هو مجلس تنفذ فيه الأحكام حسب القوانين الوضعية، وعلم بذلك الشيخ مصطفى المغربي، فجعل من يومئذ كلما عرضت معاملة لتوقيعها يتلهى بقراءة كتاب بين يديه، حتى تمر المعاملة من دون أن يوقعها إلى أن أتم مدة عضويته، فعكف على العبادة ودراسة كتب العلم، ولا سيما صحيح الإمام البخاري فقد كان مشغوفا بتلاوته ومذاكرة أقرانه في مشكلات مسائله، ثم عرضت له مشاكل عائلية ضاق بها ذرعا لعدم تمرسه بأمثالها من الأمور الدنيوية، وقد أثر ذلك في صحته فانتقل إلى جوار ربه سنة 1304ه، وكانت ولادته في حدود سنة 1244ه.
अज्ञात पृष्ठ