إذا رأيت أمة معتلة، أمورها مختلة، فاعلم أصل الداء في الأنفس، وأن كل ما ترى من فساد ظاهر أعراض للداء المستكن. يحسب أن داء الأمة الفقر فتعطى المال، وتدر عليها المكاسب؛ فتتغير الظواهر، وتبقى البواطن سقيمة، ويظهر السقم في الأقوال والأفعال على تبدل الهيئات والأشكال. علم أمة سقيمة أحكم القوانين وأصلحها تتبدل في أيديها إلى قوانين فاسدة، أو تبقى ألفاظها صالحة ومعانيها معطلة. وأوثق هذه الأمة بما شئت من نظام في سياستها وتدبير أمورها، وبالغ ما شئت في وضع القوانين وإقامة الحراس عليها، تجد للأهواء تحللا من هذه القيود وللكبراء سلطانا فوق هذه النظم.
وتستطيع هذه الأمة أن تلبس كما تلبس الأمم الصالحة، وتتخذ من العدد والآلات والرياش والزينة ما يتخذون، بل تستطيع أن تأخذ نصيبها من العلم والصناعة، ولكن هذه الألبسة والعدد والعلوم والصناعات لا تصلح أحوال الأمة ولا تسعدها ما دامت الطوايا سقيمة، والأخلاق عليلة، وما بقيت النفوس التي تلبس وتتصرف بالآلات والزينات مريضة، لا تدرك النظام والوئام ولا تقدر الحق والخير، ولا تجنح للتعاون والتعاضد والمواساة. إن هذه الظواهر لا تصلح الأمم ولا تنقلها من حال إلى حال إلا ظاهرا، ولا تحول دون الظلم والمحاباة والسرقة والاحتيال للإجرام سرا وعلانية. إنما الأمم الأخلاق، وإنما مستقر الأخلاق النفوس، فأصلح النفوس تصلح الأمة.
قد نظرنا وعجبنا، ففكرنا فأدركنا، فقرأنا هذه الآية الكريمة:
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
الثلاثاء 27 شعبان/13 يونيو
رقي يساير الزمان
من نعم الله على الإنسان أن جعله أهلا للمعرفة إلى غير حد، قابلا للعلم إلى غير غاية، ومن فضله عليه أن مكن له في التكمل دون نهاية، وهيأ له الترقي إلى أعلى الدرجات، فهو يزداد علما كل يوم بل كل حين إن رغب، ويزداد كمالا ورقيا كل وقت إن صحت نيته، وصدقت عزيمته.
الإنسان يرقى من درك الحيوان إلى درجات عالية لا تنتهي، ويرتفع من الجهالة إلى المستوى الرفيع من العلم والفلسفة والحكمة.
مغبون من مر عليه الزمان غافلا، لا يعلم ولا يتقدم. مغبون من لم يساير الزمان تعلما وترقيا. مغبون من لم يكن يومه خيرا من أمسه، وغده خيرا من يومه، ومن لم يجعل حياته حركة إلى الكمال دائمة، وسيرة في الرقي دائبة.
قد جاء في القرآن الكريم:
अज्ञात पृष्ठ