169

آفة الناس هذا التسلح

شهدنا - لشقائنا - في صبانا وكهولتنا حربين طاحنتين لأمد مرتين، عمت العالم نيرانهما وشملت الأقطار مصائبهما. والدول الكبرى اليوم في شغل شاغل من الإعداد للحرب بآلات فيها قنابل الذرة والهيدروجين وغيرها مما علمه إبليس، وحذقه أولاده. فعقول البشر وأيديهم، وأوقاتهم وآلاتهم ومصانعهم، كل أولئك في شغل بآلات الحرب، وتدبير خططها، واختيار مواطنها.

وهذه العقول والأيدي وما تصنع، إذا وقعت الواقعة، تدمر ما صنع البشر في الأوقات التي لا يشغلها الإعداد للحرب. فقوى الناس النفسية والجسمية متصادمة متقاتلة تصنع للحرب في جانب، وللعمران في جانب، ثم تسلط ما صنعته للحرب على ما صنعته من عمران فتدمره.

ولو أن الناس آمنوا واتقوا، وتحابوا وتآخوا، وعملوا جهد عقولهم وأيديهم، وجدهم ودأبهم، للسلم لا للحرب، والبناء لا للهدم، وللإحياء لا للقتل، ولأسو الجروح لا للجرح، لو أن هذا الشغل الشاغل، والجهد الجاهد، بالليل والنهار، والجهر والإسرار، قصدا إلى عمران الأرض، وإخراج زروعها وركازها، وإلى تشييد المدن وتعبيد الطرق وإلى التسلط على الطبيعة لتحصيل خيرها واتقاء شرها، وإلى إصلاح نفوس الناس وأجسامهم؛ لغلب الناس الشقاء والبؤس في هذا العالم أو كادوا.

ألا إن أصل البلاء ومطلع الشقاء التباغض والتنافر، وجعل العالم مصنعا للسلاح تعمل فيه الجماهير، ويدبره العلماء والساسة ليدمروا ما صنعوا حين يشاءون، فتراهم يساقون إلى الموت وهم ينظرون.

الجمعة 14 صفر/24 نوفمبر

وباء في الأخلاق

يقع وباء في بلد فيفرض أولو الأمر ألا ينتقل أحد من بقعة إلى أخرى، ويحظروا أن ينقل طعام من مكان إلى مكان، ويلزموا الناس في طعامهم وتجارتهم حدودا يتقون بها العدوى. ويرى جماعة من الجهال أن يخلصوا من القيود، ويتجاوزوا الحدود، فيحتالون ويرشون الرقباء فيجوزون. ويجد تاجر شره أثر فرصة إلى ترويج سلعة ينقلها خفية، أو يخالف في بيعها الشروط المفروضة، فلا يبالي ما يصيب الناس من هلاك إن نال ربحا خسيسا وثمنا قليلا.

سمعت بحوادث من هذا القبيل في بلد موبوء فأنكرتها، ثم سمعتها فأكبرتها، ثم تواترت فصدقتها دهشا بعد أن كذبتها.

قلت لمن أنبأني بهذه المنكرات: إن صدقت مقالتك فليس الوباء في أجسام الناس، وليست جراثيمه في الطعام والشراب؛ ولكنه وباء في النفوس تظهر أعراضه عليها، وتبطن جراثيمه فيها. إنه وباء في الأخلاق، وإنه لمختلف الأعراض، كثير المظاهر. فابدءوا بإبراء النفوس وتطهيرها وتحصينها؛ يتيسر لكم كل دواء، ويذعن لطبكم كل داء. داووا النفوس وطهروها تغلبوا الآفات في الزرع، والأمراض في الماشية، والأدواء في الإنسان، والفساد في كل عمل.

अज्ञात पृष्ठ