ولبث أستاذه يرقب عودته إليه ليوفيه حقه فلم يعد، ولقيه اتفاقا في الطريق فأمسك به وقاده إلى المحكمة وقص على القاضي قصته، وقال: فالآن وجب أن يؤدي التلميذ الأجر لا محالة. أنا أفرض أن هذه أول قضية يترافع فيها هذا التلميذ، وأتجاوز عما قبلها، فإن حكم عليه في هذه القضية فلن يكون الحكم إلا إلزاما له أن يؤدي إلي حقي، وإن حكم له فقد وجب عليه الأداء بالشرط الذي بيننا.
قال التلميذ السفسطائي الذي خرجه أستاذه في السفسطة: يا سيدي القاضي لا يجب علي الأداء على أية حال، فقد فرض أستاذي أن هذه أول قضية ... فإن حكم لي فهل يكون الحكم إلا رد ما يدعي وإعفائي من الأداء؟ وإن حكم له فلا أداء علي بالشرط الذي اتفقنا عليه.
أدع القارئ يتبين موضع المغالطة في كلام الأستاذ وتلميذه، ولكني أقول له: إن كثيرا من جدال الناس وحجاجهم وخلافهم ونزاعهم، قائم على مثل هذه السفسطة.
الخميس 10 ذي القعدة/24 أغسطس
الجماعة المثلى
هي الجماعة التي تربط عليها روابط الأسرة الصالحة؛ الكبار فيها آباء وأمهات، والصغار فيها أبناء وبنات، والمتساوون في الأسنان أخوة وأخوات. فيها عطف الوالدين وسيطرتهم وسلطانهم وتقويمهم وتأديبهم، وفيها طاعة الأولاد وبرهم وخدمتهم، وفيها المحبة والإيثار والتعاون والتعاضد والتآزر في السراء والضراء.
يلقى الكبير في الطريق أو المجمع الصغير فيحنو عليه ويعلمه ويرشده، ويبذل له ما يبذل لأولاده من وده ونصحه، ويلقى الصغير الكبير بما يلقى به والديه من الحياء والإجلال والبر والأدب. وإذا ركب الشبان في مركبة عامة مثلا ودخل كبير أفسحوا له فأجلسوه، أو قام أحدهم ليجلس الكبير مكانه، ثم جلسوا في حياء لا يجرءون على كلمة بذيئة أو إشارة قبيحة. فإن زل أحدهم زلة فنصحه الكبير لقي نصحه بالحياء والقبول والاستغفار والشكر.
وإذا نزلت بأحدهم نازلة في طريق أو دار أو حقل أو مدرسة، سارع من حوله إليه أنجادا يبذلون له من أنفسهم وأموالهم وأوقاتهم، حتى يدفعوا عنه أو يخففوا أو يواسوا أو يعزوا. ويمر أحدهم بزرع أخيه أو حيوانه أو مصنعه أو متجره، فيسره صلاحه ويغمه فساده، وإن استطاع أن يزيد الصالح صلاحا أو يصلح الفاسد لم يبطئ ولم يتهاون ولم يدخر جهدا. يحب كل واحد لأخيه ما يحب لنفسه، خير واحدهم موفور له، ومصيبته مقسمة بينه وبين إخوانه وجيرانه.
ليت شعري! متى يتحقق أملنا في هداة الجماعة؟
الجمعة 11 ذي القعدة/25 أغسطس
अज्ञात पृष्ठ