فقالت وهي تبتسم: «هل رأيت أحدا منهم يا مولاي؟»
قال: «كلا ولكنني سمعت ذلك من كثيرين.»
وأرادت سالمة أن تدفع تلك التهمة بالبرهان فسمعت ضوضاء وصياحا في بهو الدير، فوقف الرئيس بغتة وصفق فجاءه أحد الرهبان يعدو، فصاح فيه الرئيس: «ما هذه الضوضاء؟»
قال الراهب وهو يضحك والبغتة ظاهرة في وجهه: «هذا داتوس يا سيدي.»
قال الرئيس: «داتوس؟ وما الذي فعله؟ لقد عهدناه معتزلا لا يخاطب أحدا ولا يقوم إلى الطعام إلا كرها!»
قال: «ذلك هو عهدنا به أيضا، ولكننا نراه قد أصيب بجنون مؤقت فهجم على خادم الأميرة (وأشار إلى سالمة) وأوسعه ضربا وصفعا، وهو يصيح: يا أماه! يا أماه! حتى كاد أن يقتله لو لم نتدارك الأمر ونمسكه منه.»
فلما سمعت سالمة ذكر خادمها قالت: «وأين هو حسان؟ وما الذي جرى له؟ هل عليه من بأس؟»
فقال الراهب: «هو في خير وسلامة، ولكننا لم نستطع منع داتوس من الهجوم عليه، فبعد أن أرجعناه عنه هجم عليه ثانية بهراوة كانت بيده، ولما أمسكناه عنه بالعنف رمى بالهراوة على حسان وسقط هو على الأرض وقد أغمي عليه من شدة الغيظ، وقد تركته وهو يختلج ويرتعد، ولا يزال يذكر أمه.»
فنهض الرئيس وهو يهز رأسه كأنه يستعيذ من شر يخافه، وتبعته سالمة وقد استغربت ما سمعته عن ذلك الشاب، وتبادر إلى ذهنها أنه مصاب بخبل في عقله، وبعد هنيهة أشرف الرئيس وسالمة على مكان الحادثة، وكانوا قد أدخلوا حسانا إلى حجرته ليغسلوا جراحه، فوقع نظرها على شاب في عنفوان الشباب مطروح على الأرض، وقد تطايرت قبعته واشتبك شعره، وكان جميل الصورة واسع العينين شديد بياض الوجه أشقر الشعر، وكان قد فتح عينيه وتحفز للوقوف كأنه أفاق من سكرة، وجعل يلتفت يمينا وشمالا كأنه يبحث عن شيء ضائع، فأشار الرئيس إلى الرهبان أن ينقلوا حسانا إلى مكان لا يراه فيه داتوس، وأمسك بيد الشاب وخاطبه بلطف وباركه ودعا له وأشار إليه أن يمضي إلى غرفته، فمضى وهو لا يزال يلتفت ولكنه أمسك عن الكلام.
الفصل الثامن والثلاثون
अज्ञात पृष्ठ