الفصل الثاني في أقسامه
وهو ينقسم إلى الإثبات والنفي والمتصل والمنقطع وضبطهما مشكل فينبغي أن تتأمله، فإن كثيرًا من الفضلاء يعتقد أن المنقطع هو الاستثناء من غير الجنس، وليس كذلك، فإن قوله تعالى: «لا يذوقون فيها الموت إلاّ الموتة الأولى» (١) منقطع على الأصح مع أن المحكوم عليه بعد إلاّ هو بعض المحكوم عليه أولًا ومن جنسه، وكذلك قوله تعالى: «لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارة» (٢) منقطع مع أن المحكوم عليه بعد إلاّ هو عين الأموال التي حكم عليها قبل إلاّ، بل ينبغي أن تعلم أن المتصل عبارة عن أن تحكم على جنس ما حكمت عليه أولًا بنقيض ما حكمت به أولًا فمتى انخرم قيد من هذين القيدين كان منقطعًا فيكون المنقطع هو أن تحكم على غير جنس ما حكمت عليه أولًا بغير نقيض ما حكمت به أولًا، وعلى هذا يكون الاستثناء في الآيتين منقطعًا للحكم فيهما بغير النقيض، فإن نقيض لا يذوقون فيها الموت، يذوقون فيها الموت، ولم يحكم به، بل بالذوق في الدنيا، ونقيض ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل كلوها بالباطل، ولم يحكم به، وعلى هذا الضابط يخرج جميع أقوال العلماء في الكتاب والسنة ولسان العرب.
يكون الاستثناء المتصل مركبًا من قيدين، الاستثناء من الجنس والحكم بالنقيض، والمنقطع نقيض ذاك المركب، فأي قيد انعدم حصل نقيض ذلك المركب فحصل المنقطع، ويكون الانقطاع قسمين: تارة يحصل بسبب الحكم على
(١) ٥٦ الدخان.
(٢) ٢٩ النساء.