مصليا حال من فاعل أحمد، أي ومسلما لكن حذف المعطوف بقرينة قوله أزكى صلاة وسلام، ففي البيت اكتفاء عل حد قوله تعالى: (سرابيل تقيكم الحر) أي والبرد، والصلاة إن نسبت إلى الله تعالى فهي رحمة مقرونة بتعظيم، وإن نسبت إلى الملائكة فهي الاستغفار، وإن نسبت إلى المكلفين من سائر الخلق فهي الدعاء، وهي شعار الأنبياء، فلا تقال لغيرهم إلا على سبيل التبعية، وقيل يدعى لغيرهم على سبيل الاستقلال أيضا، وقيل بالكراهية لغيرهم إلا على جهة التبعية، وهو الأوجه عندي، لأن التحريم محتاج إلى دليل ولا دليل على ذلك فبقيت الإجازة، لكن لما أمر سبحانه وتعالى ظان يصلى على نبيه أخذا من هذه الأمر أن في الصلاة تعظيما ينبغي أن لا يشارك فيه نبيه إلا على جهة التبعية له، فأخذنا من ذلك الكراهية، وأيضا فلو كانت الصلاة غير جائزة لغير الأنبياء على جهة الاستقلال لما جازت لغيرهم على التبعية، وجوازها على جهة التبعية ثابت بالسنة والإجماع ، فلا وجه لإنكاره فثبت المدعي، وأيضا الملازمة بين جوازها لغير الأنبياء على جهة التبعية وبين جوازها لهم على جهة الاستقلال هي أنه لو كانت الصلاة من خصوصيات الأنبياء لما صح أن يشرك معهم فيها غيرهم، فلما أشرك فيها غيرهم بالسنة والإجماع، علمنا أنها جائزة لغيرهم مطلقا لكن كرهنا استقلال الغير بها لما تقدم، والصحيح الذي لا مرية فيه أنه صلى الله عليهم وسلم ينتفع بالدعاء له والصلاة عليه لقوله تعالى (وقل ربي زدني علما) ولحديث مسلم أنه كان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: (واجعل الحياة لي زيادة في كل خير) فلا عبرة من قال أنه لا ينتفع بذلك لأنه قد بلغ حد الكمال وملاحظة الانتفاع له تؤذن بنقصان كماله ونحن نقول أن كمال غيره تعالى قابل للزيادة، وطلب الزيادة لذلك الكمال لا يفيد نقصانه وإنما يفيد طلب انضمام كمال إلى كمال، فلم يزل كماله صلى الله عليه وسلم يترقى إلى غاية لا يعلمها إلا الله، (والسلام) التحية الإسلامية ويطلق على تجرد النفس من أحن الدارين، وقرن المصنف بين الصلاة والسلام ليمتثل الأمرين لا خروجا من الكراهية التي صرح بهما المتأخرون في أفراد أحدهما عن الآخر، حتى أن بعضهم استظهر حرمة أفراد أحدهما عن الآخر، والذي يظهر لي أنه لا تحريم ولا كراهية، وعطف التسليم على الصلاة في الآية لا يقتضي وجوب اقترانهما ولا كراهية أفراد أحدهما عن الآخر، وإنما يقتضي ثبوت الأمر بلا النوعين فالصلاة مأمور بها، والتسليم مأمور به، وعطف الأمر على الأمر لا يستلزم اقتران، ففعلهما في الامتثال فالمصلي بلا تسليم ممتثل للأمر بالصلاة، والمسلم بلا صلاة ممتثل للأمر بالتسليم والتراخي بين الامتثالين جائز، فظهر ما قررناه والله أعلم، (والرسول) إنسان أوحي إليه يشرع وأمر بتبليغه، ويسمى نبيا أيضا فإن لم يؤمر بتبليغه فهو نبي فقط، فكل رسول نبي ولا عكس، واختار التعبير بالرسول على التعبير بالنبي لما في الرسول من الخصوصية التي لم تكن في النبي، فالرسول أفضل من النبي اتفاقا وعبر في هذا الكتاب بالنبي لكثرة استعماله، وللإشارة بأنه يستحق الصلاة والسلام بصفة النبوة كما يستحقها بصفة الرسالة، (وأحمدا) عطف بيان للرسول أو بدل منه وهو علم على خاتم النبيين وسيد المرسلين لقوله تعالى: (ومبشر برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) ويسمى محمدا أيضا لقوله تعالى: (محمد رسول الله) وبه اشتهر في أهل الأرض، واشتهر في أهل السماء باسم أحمد، فهو صلى الله عليه وسلم أحد الأربعة الذين لهم اسمان، والثاني إدريس ويسمى أخنوخ، والثالث يعقوب ويسمى إسرائيل ومعناه صفي الله، والرابع عيسى ويسمى المسيح على نبينا وعليهم الصلاة والسلام، وإنما سمي بمحمد لكثرة حمد الناس له لكثرة خصاله المحمودة، كما روي في السير أنه قيل لجده عبد المطلب وقد سماه في سابع ولادته محمدا لم سميت ابنك محمدا وليس من أسماء آبائك ولا قومك، قال: رجوت أن يحمد في السماء والأرض، وقد حقق الله رجاءه كما سبق في علمه، وإنما آثر التعبير باسم أحمد مع ما ذكر في اسم محمد تنبيها على أن الاعتناء بما اعتنى به أهل السماء أهم (قوله أزكى صلاة وسلام) أي صلاة وسلاما زكيين، فأزكى اسم فاعل وهو صفة للصلاة ففيه إضافة الصفة إلى موصوفها، وانتصب أزكى على النيابة عن المصدر، وعنى كون الصلاة والسلام زكيين كونهما كثيرين إذ الزكاة لغة هي الزيادة والنمو، (وأبدا) ظرف لما يستقبل من الزكاة، والمراد به الدوام.
آله وصحبه ما استخرجا فكر من الدليل حكما أبلجا.
पृष्ठ 11