(فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف) (والقسم الثاني) مجاز، وهو الأمر الوارد بصيغة الخبر، نحو: (كتب عليكم الصيام، كتب عليكم القتال، أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء، إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) ونحو: (فكفارته إطعام عشرة مساكين، فتحرير رقبة) وإنما كان الأمر بهذه الصيغة مجازا؛ لأن هذه الصيغة موضوعة للإخبار، فاستعمالها في الأمر، استعمالها في غير ما وضعت له، ومن تعرفنا الأمر بالطلب المذكور، تعرف أن المندوب مأمور به، بمعنى أنه مطلوب فعله، كما هو مذهب أبي الربيع، والبدر الشماخي، وقال عمروس، والشيخ أبو يعقوب، والكرخي، والرازي، أنه غير مأمور به، قال البدر الشماخي -رحمه الله تعالى-: والجمع بين قول عمروس وأبي الربيع، أن عمروسا وأبا يعقوب، حملا الأمر على الوجوب، والشيخ أبو الربيع حمله على معناه الثاني، أي وهو الطلب الغير الجازم، (وهذا) معنى قول الناظم، والخلف لفظي به، أي فيه، أي الخلف في أن المندوب مأمور به، عائد إلى اللفظ دون المعنى، فإن كل واحد من الفريقين يسلم أن المندوب مطلوب شرعا، لكن منهم من خص الأمر بالوجوب، فمنع تسمية المندوب به، ومنهم من أطلقه على الوجوب وعلى غيره بطريق الاشتراك، وقيل في غير الوجوب مجاز، فجوز تسمية المندوب مأمورا به، وزاد الباقلاني، والأستاذ الأسفرائيني، فسموا المندوب مكلفا به، وزاد الأسفرائيني أيضا فسمى المباح مكلفا به، قال البدر الشماخي بعد حكاية قول الأستاذ: بأن المندوب مكلف به، وهو خطأ، أي قول الأستاذ بذلك خطأ، وأقول أن تسمية الأستاذ والباقلاني المندوب مكلفا به، وتسمية الأستاذ المباح مكلفا به، أمر غير خارج عن الصواب، على المعنى الذي بنيا عليه، فإن التكليف عندهما هو طلب ما فيه كلفة، لا إلزام ما فيه كلفة، فيدخل تحت الطلب الواجب والمندوب، وأما وجه تسمية الأستاذ المباح مكلفا به، فهو أنه إنما اعتبر فيه طلب اعتقاد أنه مباح، فعلى هذا فالخلاف في ذلك لفظي أيضا والله أعلم.
ولما فرغ من تعريف الأمر، وبيان صيغته، شرع في بيان حكمه فقال:
وحكمه الوجوب ما لم تصرف ... قرينة له عن المعنى الوفي.
فإنه وإن يكن يشمل ما ... سوى الوجوب فالوجوب انحتما.
لخارج عن ذاته وذلكما ... مالك لا تسجد إذا أمرتكا.
ونحوها وشاع الاستدلال ... به على الوجوب فيما قالوا.
ولم يكن ينكر والشياع ... من غير إنكار له إجماع.
وقيل للندب وقيل مشترك ... بينهما ووقف البعض وشك.
وحكمه أن جاء بعد الحظر ... والندب حكم ما مضى فلتدر.
पृष्ठ 38