وَرَاءَنَا فِي الْأُمَمِ فَشَرِبْنَا دِمَاءَهُمْ، فَحُدِّثْنَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَوْمٍ أَحْلَى دَمًا مِنْ الرُّومِ، فَأَقْبَلْنَا إلَيْكُمْ لِنَشْرَبَ دِمَاءَكُمْ. فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَقَالُوا: حَقٌّ وَاَللَّهِ مَا حُدِّثْنَا عَنْهُمْ - يَعْنُونَ مَا أُخْبِرْنَا بِهِ - أَنَّهُمْ لَا يَنْصَرِفُونَ إلَّا بِقَبُولِ الدِّينِ أَوْ الْجِزْيَةِ أَوْ الِانْقِيَادِ لَهُمْ شِئْنَا أَوْ أَبَيْنَا.
٣٧ - ثُمَّ اسْتَدَلَّ مُحَمَّدٌ ﵀ عَلَى جَوَازِ قَطْعِ النَّخِيلِ وَتَخْرِيبِ الْبُيُوتِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ﴾ [الحشر: ٥] الْآيَةَ قَالَ الزُّهْرِيُّ: هُوَ جَمْعُ أَنْوَاعِ النَّخْلِ مَا خَلَا الْعَجْوَةَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: اللِّينَةُ النَّخْلَةُ الْكَرِيمَةُ، وَالشَّجَرَةُ الَّتِي هِيَ طَيِّبَةُ الثَّمَرَةِ.
وَنُزُولُ الْآيَةِ فِي قِصَّةِ بَنِي النَّضِيرِ، «فَإِنَّ النَّبِيَّ ﵇ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ لَا يَكُونُوا عَلَيْهِ وَلَا لَهُ. ثُمَّ خَرَجَ إلَيْهِمْ يَسْتَعِينُ بِهِمْ فِي دِيَةِ الْكُلَابِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -. فَقَالُوا: اجْلِسْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ حَتَّى نُطْعِمَك وَنُعْطِيَك مَا تُرِيدُ. ثُمَّ خَلَا بِهِمْ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ فَقَالَ: لَا تَقْدِرُونَ عَلَى قَتْلِهِ فِي وَقْتٍ يَكُونُ عَلَيْكُمْ أَهْوَنَ مِنْهُ الْآنَ. فَهَمُّوا بِقَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﵇. وَجَاءَ جِبْرِيلُ ﵇ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﵇. فَقَامَ مُتَوَجِّهًا إلَى الْمَدِينَةِ» .
وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: ﴿إذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ﴾ [المائدة: ١١] . ثُمَّ سَارَ إلَيْهِمْ فَحَاصَرَهُمْ وَقَالَ: اُخْرُجُوا مِنْ جِوَارِي، عَلَى أَنْ تَأْتُوا كُلَّ عَامٍ فَتَجِدُوا ثِمَارَكُمْ، فَقَالُوا: لَا نَفْعَلُ. فَحَاصَرَهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. وَكَانُوا قَدْ سَدُّوا دُرُوبَ أَزِقَّتِهِمْ، وَجَعَلُوا يُقَاتِلُونَ الْمُسْلِمِينَ
1 / 52