وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَّهِمُونَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَحْسُنْ إسْلَامُهُ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا كُنْت أَرَى أَنَّ أَعِيشَ حَتَّى أَكُونَ بِحَضْرَةِ قَوْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ يُبْرِمُونَ أَمْرَ حَرْبِهِمْ وَأَنَا بَيْنَهُمْ وَلَا يُحْضِرُونِي أَمْرَهُمْ. وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّهُ كَانَ مَشْهُورًا بَيْنَهُمْ بِالرَّأْيِ فِي الْحَرْبِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَلْ لَكُمْ فِي رَأْيِ شَيْخِكُمْ، فَإِنَّ لَهُ رَأْيًا فِي الْحَرْبِ، قَالُوا: نَعَمْ. فَدَعَوْهُ فَدَخَلَ. فَقَالُوا: أَشِرْ عَلَيْنَا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَنْتُمْ الْأُمَرَاءُ، فَقَالُوا: مَا بِنَا غِنًى عَنْ رَأْيِك، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: كَأَنِّي أَرَى فِي الْمَرْجِ تَلًّا عَظِيمًا، قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَإِنِّي أَرَى أَنْ تَرْتَحِلُوا حَتَّى تَجْعَلُوا ذَلِكَ التَّلَّ خَلْفَ ظُهُورِكُمْ، ثُمَّ تُؤَمِّرُوا عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى خَيْلٍ، وَتَجْعَلُوا مَعَهُ كُلَّ نَابِضٍ بِوِتْرٍ - أَيْ رَامٍ عَنْ قَوْسٍ - فَإِنَّ لِي بِهِ خَبَرًا - أَيْ عِلْمًا بِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِذَلِكَ - فَإِذَا نَادَى بِلَالٌ النِّدَاءَ الْأَوَّلَ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ فَلْيَخْرُجْ عِكْرِمَةُ، وَتِلْكَ الرُّمَاةُ مَعَهُ، فَلْيَصِفْ أُولَئِكَ الرُّمَاةُ عِنْدَ صُدُورِ خُيُولِهِمْ، فَإِنْ هَاجَهُمْ هَيْجٌ مِنْ اللَّيْلِ كَانُوا مُسْتَعِدِّينَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى. وَهَذَا رَأْيٌ حَسَنٌ أَشَارَ بِهِ عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ كَانَ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﵇ يَوْمَ أُحُدٍ، وَكَانَ سَبَبًا لِانْهِزَامِ الْمُشْرِكِينَ لَوْلَا مَا ظَهَرَ مِنْ عِصْيَانِ الرُّمَاةِ وَهُوَ طَلَبُهُمْ الْغَنِيمَةَ، عَلَى مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿حَتَّى إذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ، وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] .
1 / 50