السَّرِيَّةُ اسْمٌ لِعَدَدٍ قَلِيلٍ يَدْخُلُونَ أَرْضَ الْحَرْبِ، سُمُّوا سَرِيَّةً لِأَنَّهُمْ يَسْرُونَ بِاللَّيْلِ وَيَكْمُنُونَ بِالنَّهَارِ. فَكُرِهَ الْخُرُوجُ مَعَهُمْ فِي الْجِهَادِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ يَجْبُنُونَ فَيَفِرُّونَ لِقِلَّةِ عَدَدِهِمْ إذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ، وَيَغُلُّونَ إذَا أَصَابُوا شَيْئًا، لِأَنَّهُمْ لَا يَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِ أَمِيرِ مُطَاعٍ فِيهِمْ. وَهَذَا مَرْوًى «عَنْ النَّبِيِّ ﷺ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَنْزِلَنَّ فِي الْخَيْلِ النَّفَلُ، يُرْوَى مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا، فَإِنَّهُمْ إنْ يَغْنَمُوا يَغُلُّوا وَإِنْ يُقَاتِلُوا يَفِرُّوا» . وَالْمُرَادُ الْعَدَدُ الْقَلِيلُ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ مُتَلَصِّصِينَ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ الْأَمِيرِ. سَمَّاهُمْ نَفْلًا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُمْ النَّفَلُ وَهُوَ الْغَنِيمَةُ، أَوْ لِأَنَّهُمْ يَتَنَفَّلُونَ فِي الْخُرُوجِ، فَإِنَّ الْخُرُوجَ إنَّمَا يَلْزَمُهُمْ بِأَمْرِ الْإِمَامِ.
وَأَمَّا الْفُسْطَاطُ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ فَالْمُرَادُ بِهِ الْجَيْشُ الْعَظِيمُ. سُمِّيَ فُسْطَاطًا وَعَسْكَرًا لِكَثْرَةِ مَا يَسْتَصْحِبُونَهُ مِنْ الْفَسَاطِيطِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْغَازِي أَنْ يَخْتَارَ الْخُرُوجَ مَعَ هَؤُلَاءِ لَا مَعَ أَصْحَابِ السَّرَايَا، لِقَوْلِهِ ﵇: «يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ» .
٢٨ - وَذَكَرَ بَعْدَهُ حَدِيثَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْحَثِّ عَلَى الْجِهَادِ وَبَيَانِ دَرَجَةِ الْخَارِجِ لِلْمُبَارِزَةِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي هَذَا الْبَابِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ.
٢٩ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْت أَنْ أُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلَ ثُمَّ أَحْيَا، فَأُقْتَلَ ثُمَّ أَحْيَا، فَأُقْتَلَ ثُمَّ أَحْيَا» .
1 / 33