Sharh Riyadh al-Salihin - Hutaybah
شرح رياض الصالحين - حطيبة
शैलियों
حرمة الاعتداء على أرض الغير
عن عائشة ﵂ عن النبي ﷺ أنه قال: (من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين).
وقد كانت من عادة العرب أن الواحد منهم إذا كان عنده أرض وعند الثاني أرض فإنه يجور صاحب الأرض الأول على أرض صاحبه فيأخذ أرضه، وإذا لم يقدر على ذلك فإنه يأتي إلى منار الأرض -أي: العلامة التي تحدد الحد الفاصل بين الأرض والأرض- فيزحزحه من أجل أن تزيد أرضه.
ولذلك حذر النبي ﷺ الذي يصنع ذلك، ويظلم شبرًا من الأرض، بأنه يجعل له طوقًا في عنقه يوم القيامة والله على كل شيء قدير، والإنسان الآن في الدنيا له حجم معين من طول وعرض، ولا يزال يتناقص، فقد كان طول آدم ﵇ ستين ذراعًا في السماء، ثم تناقصت الأطوال، فإذا جاء الناس يوم القيامة فإن الله ﷿ يزيد الأحجام، ويزيد حجم الكافر زيادة كبيرة جدًا من أجل أن يكفيه العذاب يوم القيامة، حتى إن ضرس الكافر ليكون مثل جبل أحد.
فالذي يظلم قيد شبر من الأرض فإنه يؤخذ له هذا الشبر من الأرض السفلى، فيحمله طوقًا في رقبته، ويقف به يوم القيامة.
فمعنى قوله ﷺ: (من ظلم قيد)، أي: قدر.
(شبر من الأرض طوقه)، أي: حمله وجعل قلادة وطوقًا في عنقه ليس شبرًا في المساحة فقط، بل في الحجم من سبع أرضين.
ويقول ﷺ: (لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة على رقبته بعير له ثغاء أو شاة تيعر).
فالذي أخذ جملًا فإنه يحمله على رأسه.
﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [السجدة:٥].
والكل قائمون بين يدي الجبار ﷾.
يقول ﷺ: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته).
وهذا شيء يجعل الإنسان يتفكر هل ظلم أحدًا من الخلق؟! ولا ندري متى يأتي غضب الله ﷿ وعقوبته للإنسان، فقد يأخذ الظالم فجأة من غير مرض، يقول النبي ﷺ في الحديث: (موت الفجأة أخذة أسف).
الأسف بمعنى: الغضب، أي: أخذة غضب من الله ﷿، وهذا أيضًا فيه الشهادة، فالإنسان المؤمن قد يقبضه الله ﷿ فجأة وهو على عمل صالح فله أجر.
وإنسان آخر من المؤمنين له درجة عالية؛ لأنه ﷾ يزيد له في المرض ويزيد له في البلاء فيرتفع بذلك درجات عند الله ﵎.
أما الإنسان الفاجر والكافر فيغضب عليه ﷾ فيأخذه مرة واحدة، حيث يموت فجأة فلا يمهله حتى يتوب؛ لأن المرض يجعل الإنسان يتوب، ويرفع يديه إلى ربه تائبًا، وهو سبحانه حيي كريم يستحي من عبده أن يرفع يديه ويقول: يا رب! ثم يرده من غير حاجة.
لذلك فإن فرعون أظلم الظلمة وأفجر الفجرة الذي قال: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص:٣٨]، والذي قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾ [النازعات:٢٤]، عندما هلك غريقًا في البحر جعل يقول: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس:٩٠].
ولو دخل الإيمان قلبه لقال: لا إله إلا أنت، ولكنه قال: أنا أقول مثل هؤلاء، فيكون تقليدًا منه وليس إيمانًا من القلب، وخاف جبريل أن يقولها بجد فيرحمه ربه، فقال للنبي ﷺ: لو رأيتني وأنا أدس في فيه من طينة البحر من أجل أن يموت قبل أن تدركه الرحمة.
فهنا أخذة الجبار ﷾ أخذة أسف فعندما يأخذ إنسانًا ظالمًا لا يترك له فرصةً ليتوب إليه ﷾.
وقد أخبرنا النبي ﷺ أن التوبة لا تقبل إلا إذا عاين الإنسان الموت في وقت الغرغرة، ففي هذه الحالة لا تنفعه التوبة، أو إذا طلعت الشمس من مغربها فأيضًا لا تنفع الإنسان التوبة في هذه الحالة.
وقال النبي ﷺ: (إن الله ليملي -أي: يمهل- للظالم، فإذا أخذه لم يفلته، وقرأ قول الله سبحانه: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود:١٠٢]).
فهذه الآية من سورة هود التي قال عنها النبي ﷺ: (شيبتني هود وأخواتها)، فقد شيبت النبي ﷺ هذه السورة، التي فيها ذكر القرون وكيف أهلكهم الله سبحانه، وفيها ذكر نوح، وكيف أنه قال: ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود:٤٦].
فقد قال في هذه السورة: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ﴾ [هود:١٠٢ - ١٠٤].
﴿يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ [هود:١٠٥ - ١٠٦].
فالظلمة في نار جهنم ينهقون كالحمير، كما قال تعالى: ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ [هود:١٠٦]، وهو: صوت خروج النفس ودخوله بالآهات كصوت الحمير عندما تنهق: ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ [هود:١٠٦].
﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ﴾ [هود:١٠٧ - ١٠٨].
ونحن لا ندري من في الجنة ومن في النار، ولكن الله أعطانا أوصافًا لهم، فشاب النبي ﷺ من هذه السورة وما شابهها، لذلك يجب على المسلم أن يتدبر في آيات الله ﵎.
فإنه كلما تدبر ازداد تعقلًا وتفهمًا لآيات الله، فازداد علمًا وعملًا، نسأل الله ﷿ أن يوفقنا للعلم والعمل وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
2 / 7