وهناك فئات من الناس في حاجة إلى التوكل أكثر من حاجة غيرهم، وهم المصلحون الذين يجتازون دائما الطريق المملوء بالأشواك، ويكونون عرضة للأذى والتعب المضني، هؤلاء يعلمهم الله أن يفوضوا أمرهم إليه حتى لا يثبط الفشل همتهم، ويأمرهم أن يقتدوا بنبيه شعيب الذي قال: (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب).
ولكن هناك شبهة يمكن أن تتبادر إلى الأذهان، بأن التوكل يضعف الهمة للعمل ويؤدي إلى الكسل. هذه الشبهة عالجها القرآن ودحضها في هذه الآية، (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين).
هذه الآية تدل على أن التوكل على الله يجب أن يسبقه المشاورة من أهل الرأي في الطريق الذي يجب سلوكه، ثم العزم الصادق في السير على الطريق الذي استقرت المشاورة عليه، وبعد ذلك يأتي التوكل على الله لنيل النجاح.
فالتوكل في الإسلام هو زاد روحي للتغلب على الخوف والقلق، وهو الذي يعطي المؤمن بسمة أمام أهلك الساعات التي تمر به، ويهبه سكينة النفس المحروم منها كثير من سكان هذه الأرض.
(قال رسول الله (ص): (من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤنة ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها) وقال (ص):
(من سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما عند الله أوثق منه بما في يده) وقال (ص): (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقتم كما ترزق الطيور تغدوا خماصا وتروح بطانا). وعن علي بن الحسين عليه السلام قال: (خرجت حتى انتهيت إلى هذا الحائط فاتكأت عليه فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في تجاه وجهي، ثم قال: يا علي بن الحسين ما لي أراك كئيبا حزينا، أعلى
पृष्ठ 62