206

وأما السخاء: فغايته الإيثار على النفس والأهل والولد، وكانت هذه حالة علي -عليه السلام- حتى ذكر الله ذلك في محكم كتابه في قوله عز وجل: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا (8)}[الإنسان] ، وصرح بإخلاص نيته -عليه السلام- وأهل بيته تصريحا بقوله: {إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا(9)} [الإنسان] ، وأخبر بخوفهم له في قوله: {إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا(10)} [الإنسان] ، ودل على عصمتهم -عليهم السلام-، وأنهم يلقونه على عهده، ولا يقع منهم تفريط ولا تبديل لحكمه، بقوله: {فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا(11)وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا(12)}[الإنسان] ، إلى آخر الآيات المقدسات، فذكر حب الطعام في أول القصة، وذكر الصبر في آخرها أكبر برهان لأهل الأذهان على أن الضر قد كان بلغ فيهم نهايته، فآثر -عليه السلام- على نفسه، إيثارا لم يعلم من غيره، وهذا غاية السخاء؛ لأنه -عليه السلام-، وإن لم يكن من أهل السعة، فقد كان يجود بموجوده، وأبو بكر وإن عد في أهل الإنفاق، فإنما كان إنفاقه من ظهر غنى، وإنفاق علي جهد المقل، والفرق في ذلك لأهل البصائر ظاهر، وإن كان الجميع مأجور، ولا نعلم خلافا بين أهل البيت -عليهم السلام- وأعيان أهل العلم([49]) أن المراد بالآيات علي بن أبي طالب عليه السلام، وأنها نزلت في شأنه وقد دلت على الكرم، وزادت العصمة، والقطع على المغيب وذلك لم يقع لغيره ، فلو لم ينظر بعد ذلك في شيء من أمره لكان ذلك كافيا في وجوب إمامته، وتقديم زعامته.

पृष्ठ 244