كلمة دلت على معنى ثابت في نفس تلك الكلمة، والحرف كلمة دلت على معنى ثابت في لفظ غيرها، فغير، صفة للفظ، وقد يكون اللفظ الذي فيه معنى الحرف مفردا، كالمعرف باللام، والمنكر بتنوين التنكير، وقد يكون جملة، كما في: هل زيد قائم، لان الاستفهام معنى في الجملة، إذ قيام زيد مستفهم عنه، وكذا النفي في: ما قام زيد، إذ قيام زيد منفي، فالحرف موجد لمعناه في لفظ غيره، إما مقدم عليه كما في نحو بصري، أو مؤخر عنه، كما في " الرجل "، والاكثر أن يكون معني الحرف مضمون ذلك اللفظ، فيكون متضمنا للمعنى الذي أحدث (3) فيه الحرف مع دلالته على معناه الاصلي، إلا أن هذا تضمن معنى لم يدل عليه لفظ المتضمن كما كان لفظ البيت متضمنا لمعنى الجدار ودالا عليه، بل الدال على المضمون فيما نحن فيه لفظ آخر مقترن بالمتضمن، فرجل، في قولك: الرجل، متضمن لمعنى التعريف الذي أحدث فيه اللام المقترن به، وكذا: ضرب زيد، في: هل ضرب زيد، متضمن لمعنى الاستفهام، إذ ضرب زيد، مستفهم عنه، ولابد في المستفهم عنه من معنى الاستفهام، وموجدة فيه " هل "، وقد يكون معنى الحرف ما دل عليه غيره مطابقة، وذلك إذا كان ذلك الغير (1) لازم الاضمار كما دل همزة " أضرب "
ونون " نضرب " على معنى الضميرين اللازم اضمارهما، وقد يكون الحرف دالا على معنيين كل منهما في كلمة (2)، كحروف المضارعة الدالة على معنى في الفعل ومعنى في الفاعل.
والاغلب في معنى الحرف أن يكون معنى الاسماء الدالة على المعاني دون الاعيان، وقد تكون دالة على العين أيضا، كالهمزة في " أضرب " ونون " نضرب " وتاء " تضرب " في خطاب المذكر، فإنها تفيد معاني الفاعلين بعد الافعال.
ثم نقول: إن معنى " من " الابتداء، فمعنى " من " ومعنى لفظ الابتداء سواء، إلا أن الفرق بينهما أن الفظ الابتداء ليس مدلوله مضمون لفظ آخر، بل مدلوله معناه الذي في نفسه مطابقة، ومعني " من " مضمون لفظ آخر ينضاف ذلك المضمون إلى معنى ذلك اللفظ الاصلي، فلهذا جاز الاخبار عن لفظ الابتداء، نحو: الابتداء خير من الانتهاء، ولم يجز الاخبار عن " من " لان الابتداء الذي هو مدلولها في لفظ آخر، فكيف يخبر عن لفظ ليس معناه فيه ؟ بل في لفظ غيره، وإنما يخبر عن الشئ باعتبار المعنى الذي في نفسه مطابقة، فالحرف وحده لا معنى له أصلا، إذ هو كالعلم المنصوب بجنب شئ ليدل على أن في ذلك الشئ فائدة، فإذا انفرد عن ذلك الشئ بقي غير دال على معنى أصلا.
पृष्ठ 37