ثم انتقل المؤلف إلى الطور الثاني لكتب علوم الحديث كتاب ابن الصلاح فما بعده فقال: "إن معرفة أنواع علوم الحديث لابن الصلاح من الكتب النادرة في العلوم الإسلامية التي ما إن صنفت حتى أصبحت إماما لأهل فنها، وهما لطلاب ذلك العلم ولعلمائه، وأصلا أصيلا يرجعون إليه، وموردا لا يصدرون إلا عنه، ولا يحومون إلا عليه".
ثم ذكر تأثره بالخطيب، لا شك أن ابن الصلاح متأثر بالخطيب، ليش؟ لأن الخطيب ما ترك نوع من أنواع علوم الحديث إلا وكتب فيه مصنف، يعني هل يلام ابن الصلاح أو غير ابن الصلاح أن يتأثر بالخطيب إذا جاء إلى باب كامل من علوم الحديث ما وجد إلا كتاب الخطيب؟ ذكر تأثره بالخطيب البغدادي، وأنه تبعا له تأثر بالعلوم العقلية، لكنه زاد على الخطيب نتيجة لتأخره عنه بما يقارب القرنين من الزمان، ثم ذكر أمثلة تأثر ابن الصلاح بالأصول، ثم قال: "ومع هذا التأثر الكبير بالأصول عند ابن الصلاح إلى درجة ترجيح رأي الأصوليين على رأي أهل الفن من المحدثين إلا أنه زاد في بيان عمق هذا الأثر، وأنه تعمد مخالفة المحدثين إلى رأي الأصوليين" لكن هل قصد ابن الصلاح ترجيح أقوال الأصوليين على أقوال المحدثين؟ هو نظر إلى هذه الأقوال ورجح ما يدين الله به، كون الراجح وافقه عليه الأصوليون أو خالفه، أولا: ابن الصلاح قسم الفريقين قال: الحديث كذا وقال: الفقه كذا، نعم ينقل أقوال أهل الحديث والأثر وأقوال الفقه والنظر، لكن كثير من أهل الفقه وأهل النظر هم أهل حديث في الجملة.
الأمر الثاني: أنه ما من قول من أقوال أهل الفقه إلا وقد قال به بعض أهل الحديث فكونه يرجح أقوال أهل الفقه والنظر، لا يعني أنه حيدة عن أقوال أهل الحديث والأثر، ولو افترضنا أنه أخطأ في ترجيح أو ترجحين أو ثلاثة أو عشرة، ويكفيه أنه عرض المادة ولك أن تنظر، ولا ننكر ولا نخالف في أن من أهل الأصول من ليسوا من أهل الحديث، بل إن منهم من بضاعته في الحديث مزجاة، لكن ما المانع أنه إذا قال كلمة تدرس هذه الكلمة؟ في ما يمنع؟ وتعرض على أقوال أهل الحديث فهم أهل الشأن، أما المطالبة بتجريد كتب الحديث أو علوم الحديث من أقوال الأصوليين أتصور أنها مطالبة لا قيمة لها.
पृष्ठ 27