ولا أدري كيف صار تأثر بعض العلوم الشرعية ببعض عيبا وشينا يعاب به من مزج بين هذه العلوم التي هي في الأصل علوم مترابطة لا غنى لبعضها عن بعض؟ كيف وعلماء الأصول -لا سيما الأوائل منهم- هم المفسرون وهم المحدثون كالشافعي وغيره؟! وهل الأصول إلا قواعد استنبطها أتباع الأئمة من أقوالهم وتصرفاتهم؟ وهؤلاء الأئمة أرباب المذاهب هم أصحاب الحديث كمالك والشافعي وأحمد، وهم حملة رايته وهم المفسرون كالبخاري وابن أبي حاتم والطبري وغيرهم، ثم إن كثيرا من مباحث الأصول المدونة في كتب الأصول تشارك ما يبحثه المحدثون في علوم الحديث لا سيما ما يتعلق بالسنة منها، يعني وتشارك علوم القرآن فيما يتعلق بالأصل الأول الذي هو الكتاب.
نعم كثير من كبت الأصول تأثر بعلم الكلام والجدل، ولكنه لا يعدو أن يكون تأثرا في كيفية العرض والوسيلة دون المقصد، ثم إن علم الأصول كغيره من علوم الوسائل التي يسميها بعضهم علوم الآلة هي وسائل لغيرها كالعربية وعلوم القرآن وأصول الحديث، لا ينبغي لطالب العلم أن يفرغ نفسه لها دون مقاصدها، يعني الأصل حينما تدرس علوم القرآن، تدرسه لماذا؟ لكي يخدم الأصل، الذي هو القرآن، تدرس علوم الحديث لكي تفهم وتستطيع أن توازن بين الأحاديث، تعرف المقبول من المردود، إذا هذا وسيلة وليس بغاية، فأنت إذا فهمت الوسيلة وألقيت بثقلك –بكليتك- على الغاية ما ضرتك هذه الوسيلة -إن شاء الله تعالى-.
"فإنها إنما دونها العلماء لتكون وسائل لفهم المقاصد التي هي نصوص الكتاب والسنة، وما يستنبط منهما، وما يستند إليهما".
ثم ذكر صاحب الكتاب الإرشاد للخليلي وذكر مقدمته وأنها من معين المحدثين، ثم تحدث عن البيهقي في المدخل ومقدمة دلائل النبوة، ومقدمة معرفة السنن والآثار، وانتقد ما ينتقد فيها من تأثير النزعة الأصولية بل والأشعرية.
ثم ذكر مقدمة ابن عبد البر لكتابه التمهيد وذمه أهل الكلام والأشعرية، ثم قال: "وعلى هذا فلن يكون للمذاهب الكلامية أثر على ابن عبد البر من جهة العقيدة، لكن ابن عبد البر ممن استبق جيلهم التأثر بأصول الفقه، وهو ابن جيله، فلا بد أن يكون لأصول الفقه أثر عليه.
पृष्ठ 22