213

शरह नहज बलाघा

شرح نهج البلاغة

संपादक

محمد عبد الكريم النمري

प्रकाशक

دار الكتب العلمية

संस्करण संख्या

الأولى

प्रकाशन वर्ष

1418 अ.ह.

प्रकाशक स्थान

بيروت

وبعد ، فليس هذا من أحكام الكتاب التي يعذر من لا يعرفها على ما ظن المعتذر له . ونحن نقول : إن عمر كان أجل قدرا من أن يعتقد ما ظهر عنه في هذه الواقعة ، ولكنه لما علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات ، خاف من وقوع فتنة في الإمامة ، وتقلب أقوام عليها ، إما من الأنصار أو غيرهم ، وخاف أيضا من حدوث ردة ، ورجوع عن الإسلام ، فإنه كان ضعيفا بعد لم يتمكن ، وخاف من ترات تشن ، ودماء تراق ، فإن أكثر العرب كان موتورا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتل من قتل أصحابه منهم ، وفي مثل ذلك الحال تنتهز الفرصة ، وتهتبل الغرة ، فاقتضت المصلحة عنده تسكين الناس بأن أظهر ما أظهره من كون رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت ، وأوقع تلك الشبهة في قلوبهم ، فكسر بها شرة كثير منهم ، وظنوها حقا ، فثناهم بذلك عن حادث يحدثونه ، تحيلا منهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات ، وإنما غاب كما غاب موسى عن قومه ، وهكذا كان عمر يقول لهم : إنه قد غاب عنكم كما غاب موسى عن قومه ، وليعودن فليقطعن أيدي قوم أرجفوا بموته .

ومثل هذا الكلام يقع في الوهم ، فيصد عن كثير من العزم ؛ ألا ترى أن الملك إذا مات في مدينة وقع فيها في أكثر الأمر نهب وفساد وتحريق ، وكل من في نفسه حقد على آخر بلغ منه غرضه ، إما بقتل أو جرح أو نهب مال ؛ إلى أن تتمهد قاعدة الملك الذي يلي بعده ؛ فإذا كان في المدينة وزير حازم الرأي ، كتم موت الملك ، وسجن قوما ممن أرجف نداء بموته ، وأقام فيهم السياسة ، وأشاع أن الملك حي ، وأن أوامره وكتبه نافذة ، ولا يزال يلوم ذلك الناموس إلى أن يمهد قاعدة الملك للوالي بعده ؛ وكذلك عمر أظهر ما أظهر حراسة للدين والدولة ، إلى أن جاء أبو بكر - وكان غائبا بالسنح ، وهو منزل بعيد عن المدينة - فلما اجتمع بأبي بكر قوي به جأشه ، واشتد به أزره ، وعظم طاعة الناس له وميلهم إليهم ، فسكت حينئذ عن تلك الدعوى التي كان ادعاها ، لأنه قد آمن بحضور أبي بكر من خطب يحدث ، أو فساد يتجدد ؛ وكان أبو بكر محببا إلى الناس ؛ لا سيما المهاجرين .

ويجوز عند الشيعة وعند أصحابنا أيضا أن يقول الإنسان كلاما ظاهر الكذب على جهة المعاريض ، فلا وصمة على عمر إذا كان حلف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت ، ولا وصمة عليه في قوله بعد حضور أبي بكر وتلاوة ما تلا : كأني لم أسمعها ، أو قد تيقنت الآن وفاته صلى الله عليه وسلم ، لأنه أراد بهذا القول الأخير تشييد القول الأول ، وكان هو الصواب ، وكان من سيئ الرأي وقبيحه أن يقول : إنما قلته تسكينا لكم ، ولم أقله عن اعتقاد ، فالذي بدأ به حسن وصواب ، والذي ختم به أحسن وأصوب .

وروى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة عن عمر بن شبة ، عن محمد ابن منصور ، عن جعفر بن سليمان ، عن مالك بن دينار ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث أبا سفيان ساعيا ، فرجع من سعايته وقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلقيه قوم فسألهم ، فقالوا : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : من ولي بعده ؟ قيل : أبو بكر ، قال : أبو فصيل ! قالوا : نعم ، قال : فما فعل المستضعفان : علي والعباس ! أما والذي نفسي بيده لأرفعن لهما من أعضادهما .

पृष्ठ 27