शरह मुश्किल
شرح المشكل من شعر المتنبي
اي أنها تشكو إلى ملقًا؛ وأشكو إليها حُرقًا، ثم أقام على تملقها وتخلُّقها بُرهانًا عيانيًاّ؛ فقال:) الشوقُ حيثُ النُّحول (اي النحول عندي؛ وهو نتيجة الشوق؛ فلو كلن بها شوقٌ كما بي؛ لكان بها من النحول ما بي؛ ولا نحول لديها فلا شوق بها.
) من رآها بِعيتهِ شاقهَ القُطانُ ... كما تشُوقُ الحُمول (اي من رأى الدنيا بعينه؛ اي بالحقيقة التي هي بها؛ شاقه الباقون فيها، لعلمها أنهم طاعنون، كما يشوقه الذاهبون عنها، فالٌطان والراحلُون عنها سواء، في أنه ينبغي أن يشوقه النوعان، لعلمه باشتمال الفناء على الفريقين.
وقوله:) الحُمولُ (: أراد كما يشوقه المتحملون، فوضع) الحمول (، موضعها. وإن شئت قلت: عنى بالحُمول هنا. أسرة الموتى.
) صحبتني على الفَلاةِ فَتاةٌ ... عادُ اللونِ عندها التبديلُ (
كنى بالفتاة عن الشمس، وآثر التأنيث العرب أسماءها، ولذلك سموها) الجارية (عن الفارسي. و) عادةُ اللون عندها التبديل (: اي أنها حمراء وقتا، وبيضاء وقتا، وصفراء آخر. فعادة لونها التبديل في ذاته. فكان يجب على هذا - لولا الوزن والقافية - أن يقول: التبدُّل، لكن وضع التبديل موضعه اتساعًا.
وإن شئت قلت: التبديل لها لونًا بعد لون.
) سترتكِ الحجالُ عنها ولكنْ ... بكِ فيها من اللمَى تَقبِيلُ (
الحجال: الأشرة عليها الكللُ خاضة. واحدتها حجلة. وقد يكون حجال جمع حَجَل. وحَجَل جمع حَجَلة. يقول: أدُمت أنا بهذه الشمس، وأما انت فسترَتكِ الحِجال عنها. ولم تمش في البراز، فتُورثك سُمرة كما أورثتني، لكن سُمرة شفتيك سُمرة طبيعة، فكأن الشمس قبلتك، فألقت في شفتيك سُمرة، وهو اللمى.) وفيها (الهاء راجعة عليك، ووصلت إليك، وَقبلتك، وأكسبت اللمى شفتيك.
) لا أقمنا على مكانٍ وإن طَا ... بَ ولا يُمكنُ المكانَ الرحٍيلُ (
اي لا تُقيم دوب) حَلَبَ (بمكان، وان طاب ذلك المكان، إلا لو أمكن ذلك المكان أن يرحل معنا، فأما ولا يمكنه ذلك، فلا إقامة لنا عليه ولو طاب والماضي هنا الذي هو) لا أقمنا (في معنى الحال أو الاستقبال.
) مثُلها انتِ لوحتني وأشقمتِ ... وزادت أبها كُما العُطبُولُ (
يقول: أنت مثلُها فعلًا، ولو قال:) مثلها أنت (جاز أن يكون مثلها بها في الحسن، وأن يكون مثلها بها في الإساءة اليه، فأراد هو أن يُبين ما أشبهت فيه هذه المرأة الشمس، فقال: مبينا للمشابهة،) لو حتني وأسقمت (: اي الشمس لو حتني وغيرتني، وأنت أسقمتني. والإسقام أشد من التلويح. فلهذا قال:) وزادت أبها كُما العُطبُول (يعني هذه المحبوبة. والعُطبول: الطويلة العُنُق.
) وَمَوالٍ تُحييهمُ من يَديه ... نعمٌ غيرهُمُ بها مقتُولُ (
) موال (: يعني أولياء وأقاربه، يقتل أعداءه، فيغنم أموالهم، فيعطيها أولياءه، فيحييهم بذلك. وقوله:) بها مقتول (: أي بسلبهم إياها، أو مقتول من أجلها.
وقد يجوز أن يحييهم بهذا المغنم، فيقدرُوا بذلك على قتل أعدائه.
وله ايضا:
) وقد كان ينصُرُهم سمعُهُ ... وَينصُرني قلبُه والحسب (
يعني هؤلاء الوشاة الذين يشُون به إلى سيف الدولة، كان ينصرهم سمعه لانه لم يكُ يطيق سد أذنيه عن سماع كلامهم، وينصرني قلبه بحبه لي، وتكذيبه إياهم سرا. والنصر بالفؤاد أنفع من النصر بالسمع. وجعل حسبه ناصرًا له ايضاَ، لان شرفه حمله على الثبات، وإلغاء ما يورده عنه حسادُه.
) وما قُلتُ للبدر أنت اللجينُ ... وما قُلتُ للشمس أنتِ الذهبْ (
اي اني لم أتنقصك، ولا بخستُ مناقبك حقها. كما يُنتقص البدرُ لو يُشبه باللجين، أو الشمس لو شُبهت بالذهب. وإنما ضرب ذلك مثرً، وجعل اللجين المبدر، لكون أن أهل الكيمياء من الطبيعيين يقولون إنه من أكون القمر، وجعل الذهب الذهب المشمس، لان أولئك يزعمونه من أكوان الشمس.
وقيل: هذا البيت تعريض بشعراء سيف الدولة.
يقول: كل واحد منهم يمدحك، يريدون ما تستحقه من المدح، ثم ينقلب المدح ذما. فكأنه يقول للبدر يافضة، والمشمس ياذهب، فيُحط بذلك قدرهما؛ ويهبط به خَطَرهما. وأنا لم أقتصر على هذه الرتبة، ولا قنعت لك بها، بل وَفيتُ مدحك ماقصروا هم عنه؛ قسبيل الغضب أن يكون عليهم لا علىَّ.
واللُّجين من الأسماء التي لم تستعمل إلا مصغرة؛ وقد عمل سيبويه فيه بُويبًا.
1 / 82