) يَهتزُّ للجَدْوى اهتزازَ مُهنَّدٍ ... يَوم الرَّجاء هَزَزتَه يوم الوعَىَ (
أي اهتزازُه للعطايا والجدوى، اهتزازُ السيف عند الوعى، والوعى: صوت الحرب. والغبن أعلى في الحرب. وإنما الوعى والوغى: الصوت، فسميت الحرب بهما لمكان الصوت.
وله ايضا:
) وربيعًا يُضاحكُ الغَيثُ فيه ... زَهَرَ الشُّكرِ من رِياضِ المعَاليِ (
أي أنه مظنة للنعم، وأهل لوافر القسم، كما أن الربيع مظنة للخصب وزمن الإمراع، مع مافيه من الاعتدال، وتساوي الأحوال. فلذلك سمى هذا الربيع على ضروب النواوير، وأنواع الأزاهير. وقوله:) يضاحك الغيث فيه (: عنى بالغيث النعمة. وجعل الشكر زهرا، لأن النعمة هي التي أنبتت الشكر، كما ينبت الغيثُ الزهر، فهذا الممدوح كلما أنعم عليه شكر. وإذا كان غيث وزهر، فلابد من روضة، وهي الأرض. التي تنبت الزهر، وكل ذلك مستعار.
) والجِرَاحَاتُ عِندَه نَغَماتٌ ... سَبَقَتْ قبل نَيْله بسؤال (
من طبيعة الكريم، أن يبادر بالنوال من غير أن يُحوج إلى السؤال، لأن في ذلة السؤال مالا يفي به فضلُ المسئول. فإذا كان ندى من غير مسألة فهي اليد البيضاء التي لم يشنها تكدير، ولا خالطها تنغيص. فإذا سبقت المسألة نوال المسئول الكريم، سُر بذلك سرورًا مشوبًا بالكراهية، إذ) طبيعته (إيثارهُ الجود قبل السؤال، فنغمات السائل عنده، كالجراحات التي تُصيب الشجاع فتسره من جهة الثبات، سرورًا يخالطه الكراهية، لما يلحقه من الألم. وإن شئت: لم تمثل ذلك بجراحات الشجاع، وقلت: إن نغمات سائله جراحات عنده تؤلمه، إذا لم يكن نيله له من غير سؤال.
) وَبقايا وَقارِه عافَتِ النَّاسَ ... فصارت ركانةً في الجِبالِ (
كانه استبد بالوقار اجمع، إلا أنه بقيت منه بقية، فتلك البقية عافت نوع الانسان، لما رأته به من قلة الاحتمال لها، والعجز عن الاستقلال بها، لضعف منته، ووهيقوته. فعدلت إلى اجسم الجواهر الارضية، وهي الجبال اذ لم تجد جوهرا يستقل بها إلا إياها.
وإن شئت قلت: إن لوقاره) هيُولى (خلق منها فما فضل من تلك الهيولى يكون ركانة في الجبال. وهو قريب من القول الأول.
) واستعارَ الحديدَ لوناَ وألقى ... لَونَه في ذَوائبِ الأطفالِ (
الحديد هنا: كناية عن السيوف والاسنة والنصال، ولونهن الغريزى: البياض لكن استعارت لونا غيره، وهو احمرارُها بالدم، ولذلك جعله مستعارًا، لأنه لون غريب. إنما هو لمكان الدم الذي صبغها به، فيقول: لما صبغ سيوفه ورماحه بالدم، أشاب بأهوالها لاطفال فكأنهن لما استعارت غير لونها، أعارت لونها ذوائب الاطفال. وكان لونها قبل ذلك السواد. كما كان لون السيوف البياض قبل ذلك.
وله ايضا:
) أسَفِي على أسفِي الذي دَلَّهْتنِيِ ... عن علمه فبه على حفاءُ (
ليس يأسف في الحقيقة على الأسف، إنما يأسف على تمييزه الذي يعقل به أسفه. فحقيقة الكلام، أسفي على عقلي الذي كنت أحصل به أسفي.
) فبه على حفاء (: أي أنك دلهتني حتى ما أشعر بأسفي.
وقد كان ينبغي له ايضًا أن يذهب عليه، لو كان مُدلها، أسفه على هذا الأسف، إلى ما لانهاية له، لكن هذا مقطع شعري فلا تَتَقَصَّيَنَّ بالمنطِق، فيفسد. وما أحسن هذا المثل العمي، الذي هو قولهم: الاستقصاء فُرْقَةٌ، ولا تستخفن بذكر هذا المثل؛ فقد ذكره ابو نصر الفارابي في باب من البُرهان.
) وشكِيتي فَقْدُ السَّقَام لأنه ... قَد كان لمَّا كانَ لي أعضاءُ (
وهذا البيت أيضا يشبه الأول: لما يشكُ فقد السقام لأنه مكروه والمكروه لا يستوحش احدٌ من فقده، ولكن شكا فقد أعضائه، لأن السقام عَرَض والعَرَض لا يكون إلا في الجواهر؛ فإذا عدم أعضاءه فقد عدم السقام وإنما شكا في كُل الأكبر، واستسهل الاصغر.
) فنبيتُ تُسئدُ مُسْئدًا في نيها ... إسآدَهَا في المَهْمَه الإنضاء (
1 / 21