============================================================
التوحيد يهتدي في ليله، ويشموس المعارف يستضيء منها في نهاره".
فهذا ما أردنا تلخيصه من ترجمة الإمام السنوسي، وقد عقد الملالي له فصولا أخرى في كراماته، ورفع همته، وشفقته، ورحمته، وصبره، وسداد طريقته رحمه الله تعالى، وساق من الحكايات الباهرة والأحوال الفاخرة مما شاهد بعينه وتواتر عن الشيخ بين الخواص والعوام ذكره.
الفصل الرابع عشر: في وفاته.
قال الملالي: لاكان لبه أواخر عمره كثير الانقباض عن الخلق، لا يكاد ينبسط مع أحد كما كانت عادته قبل ذلك، وشق عليه الخروج إلى المسجد والصلاة، ولا يخرج إليه في بعض الأيام إلا حياء من الناس الذين ينتظرونه في المسجد للصلاة، ولما أح- رضي الله تعالى عنه - بألم مرضه الذي توفي منه انقطع عن المسجد، فسمع الناس بمرضه فصاروا يأتون إلى المسجد فلا يجدونه فتتغير قلوبهم من فقدان الشيخ وعدم رؤيتهم له، فأخبر الشيخ بذلك فصار يتكلف الخروج إلى المسجد للصلاة لأجل الناس، فإذا رأوه فرحوا وشروا بخروجه ورؤيته، فخرج يوما وأتى لباب المسجد وأراد الصعود إليه فلم يقدر فقال: كيف أطلع إلى المسجد يا رب؟ أو كما قال، فهم بالرجوع إلى داره، فبدا له خوفا من أن يدخل على الناس حزنا برجوعه فتكلف الصعود إلى المسجد وصلى بالناس صلاة العصر يوم الجمعة ولم يكمل الصلاة إلا بشق النفس، وهذه آخر صلاة صلاها، فرجع إلى داره فبقي إلى صبيحة يوم السبت من الغد فقربت إليه زوجته طعاما فقال لها: لا أقدر على شيء، فقالت له: وأي شيء بك؟ فقال لها: أنا تخلفت! ثم غاب عن حسه، فبقي على تلك الحالة النهار كله، ثم كلمته زوجته وقالت له: ما الذي غييك عن حسك؟ - أو قريب من هذا، فقال لها: إن الملائكة قد صعدت بي إلى السماء الدنيا فسمعت قائلا يقول لي: اترك ما أنت عليه، فقد قرب أجلك، ثم قال: لا أستطيع أن أفسر لك بقية ما رأيت، أو كما قال، فقالت له زوجته: وما الذي أمرت بتركه؟ قال لها: قد تركت حبس ذلك المسجد لا آخذ منه شيئا أبدا. ثم إنه لازم الفراش من حينئذ إلى أن توفي:
पृष्ठ 38