فعمر -رضي الله تعالى عنه- لما قال: "نعمت البدعة" لا شك أنه يريد أن يبادر بالرد على من يزعم أنه ابتدع، وإلا فالبدع كلها مذمومة؛ لأنه صح من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((كل بدعة ضلالة)) شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: مجاز، يقول: بدعة لغوية، الذي يقول: مجاز هو الشاطبي، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: هذه بدعة لغوية وليست بشرعية، والشاطبي يقول: مجاز، أما القول بالمجاز فأهل التحقيق ينفون المجاز، فلا مجاز، وأما القول بأنها بدعة لغوية فليس بمستقيم؛ لأن البدعة اللغوية ما عمل على غير مثال سابق، وقد عملت صلاة التراويح جماعة على مثال سبق من فعله -عليه الصلاة والسلام- بأصحابه ليلتين أو ثلاث، ثم تركها النبي -عليه الصلاة والسلام- خشية أن تفرض، يعني لا رغبة عنها ولا نسخا لها، وإنما خشية أن تفرض، فلما أمن عمر -رضي الله تعالى عنه- من فرضيتها بوفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- أعادها، وليست ببدعة شرعية؛ لأنه سبق لها الشرعية من السنة، سبقت شرعيتها من السنة، فليست ببدعة لا لغوية ولا شرعية وليست مجاز كما يقول الشاطبي، إذا هي من باب المجانسة، وهذه اللفظة تشبث بها أقوام فشرعوا للناس من الدين ما لم يأذن به الله، شرعوا عبادات وأذكار، وحددوا أوقات للعبادات وللذكر لم يسبق لها شرعية، وأعداد من الصلوات، وأعداد من الأذكار لم يرد به خبر عن معصوم، وبذلك حرموا مما صح عنه -عليه الصلاة والسلام-، وهذا شيء مجرب، إذا حافظ الإنسان على شيء يتعبد به وهو لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه يحاول أن يأتي بسنة يقصدها ويتحفظ خبرها، ثم لا يأتي بها؛ لأن من اشتغل ببدعة حرم من سنة، وما أحيي من بدعة فهو في مقابله يموت سنة {جزاء وفاقا} [(26) سورة النبأ] {وما ربك بظلام للعبيد} [(46) سورة فصلت] فإذا تعبد الإنسان بغير ما شرع الله -جل وعلا- وإن كان قصده حسنا فإنه لا بد أن يضيع من السنة الصحيحة بقدر ما فعله من سنة لم تثبت، فلا بد من أن يتبع النبي -عليه الصلاة والسلام-.
पृष्ठ 13