Sharh Mukhtasar Al-Sarim Al-Maslul - Muhammad Hasan Abd Al-Ghaffar
شرح مختصر الصارم المسلول - محمد حسن عبد الغفار
शैलियों
وجوب التحاكم إلى رسول الله في حياته وإلى سنته بعد وفاته
ومن حق النبي ﷺ على هذه الأمة: اتباع النبي ﷺ وتعظيم السنة والتمسك بها، والعمل بها، والتحاكم إلى رسول الله ﷺ، واعلم أنك كلما تنازعت في شيء فلا يحل لك هذا الشيء إلا رسول الله ﷺ، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء:٥٩]، ولم يجعل طاعة أولي الأمر مستقلة بل تابعة لطاعة رسول الله وطاعة رب رسول الله ﷺ.
قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آل عمران:١٣٢]، وانظر ودقق النظر وتدبر في كتاب الله جل في علاه، قال: (لعلكم ترحمون) قال ابن عباس: (لعل) في القرآن قاطعة، يعني: لا بد أن تتحقق، فهي ليست للرجاء، بل هي متحققة، والله جل وعلا يبين لكم أن تحقق الرحمات يكون باتباع رسول الله، قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» [آل عمران:١٣٢] يعني: إذا أطعتم الرسول ﷺ سترحمون.
وأيضًا قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد:٣٣]، يعني: ستبطلون أعمالكم إن لم تتبعوا رسول الله ﷺ، فأناط التسديد والتوفيق والرحمات بطاعة رسول الله ﷺ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد:٣٣] يعني: بعدم اتباع النبي ﷺ، وبمخالفة رسول الله ﷺ.
وقال الله تعالى مبينًا أن طاعة الرسول هي طاعة الله ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء:٨٠].
وأيضًا يقول الله جل في علاه مبينًا عظم مكانة اتباع النبي ﷺ من هذا الدين، وقد زعم قوم أنهم أحبوا الله فاختبرهم الله بآية المحنة، كما قال الحسن: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾ [آل عمران:٣١].
فعلامة محبة الله جل في علاه: اتباع السنة، فإذا رأيت الرجل يذكرك بربك، ويزعم أنه يعمل لله، ولم يتبع النبي ﷺ، فاعلم أنه كاذب -ليس مطلقًا- في بعض أقواله، كيف والله جل في علاه قد أناط علامة المحبة باتباع رسول الله؟ (قل إن كنتم) شرطية قاطعة ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [آل عمران:٣١]، وهذه بالمفهوم: إن لم تتبع رسول الله ﷺ فلست محبًا لله جل في علاه، وهذه الآية قاطعة للظهور، قاصمة لكل رجل يدعي محبة الله أو يدعي التدين وهو لا يتبع رسول الله، بل يعانده صلى الله ﷺ ويحادده ﷺ، وكثير من أهل التصوف الآن يزعمون محبة آل البيت، ويتغنون بمحبة رسول الله ﷺ، وهم يخالفون النبي ﷺ في أصل الأصول وهو أهم ما يكون في هذه الدنيا وفي هذه الشريعة ألا وهو صحة العقيدة في الله جل في علاه: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [آل عمران:٣١].
بل أناط الله جل في علاه الإيمان بالتحاكم لرسول الله ﷺ، قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ﴾ [الأحزاب:٣٦]، فنفى الإيمان، فلا يمكن أن يكون مؤمنًا من لم يعمل بهذه الآية ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب:٣٦]، فإذا قيل لك: قال رسول الله في المسألة فاضرب قول أي أحد عرض الحائط، وخذ بقول النبي ﷺ: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب:٣٦].
قال تعالى: «فَلا وَرَبِّكَ»، وهذه الآية من أقوى ما يكون، وهي زاجر ورادع شديد لكل من لا يتحاكم إلى رسول الله ﷺ أو يتحاكم إلى كتاب الله جل في علاه: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء:٦٥]، هذه الآية من أقوى الآيات في الحث على الاتباع والتحاكم لله ولرسوله، وفيها أمور ثلاثة: قال الله تعالى: «فَلا وَرَبِّكَ»، وهو قسم فيه مؤكدات ثلاثة «فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ» حتى: جعلها للغاية، فالتحكيم ليس فقط هو الذي يدل على الإيمان، بل لابد من أمور أخرى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء:٦٥].
السؤال
لقد أقسم الله بربوبيته على نفي الإيمان عمن لم يتحاكم إلى شرعه فهل لا يؤمن حتى يحكم الشرع لله أم لا يؤمن حتى تتوفر أمور أخرى؟
الجواب
هناك قاعدة قعدها شيخ الإسلام ابن تيمية: أن الحكم إذا أنيط بعلل أو بشروط لا يكون متحققًا إلا بتوفر الشروط، ولو غاب شرط واحد لا يتحقق الحكم، إذًا: قول الله تعالى: (لا يؤمنون) نفى الإيمان، «حَتَّى يُحَكِّمُوكَ» هذا أول شرط حتى يكون الإيمان متواجدًا في القلب: (يحكموك) فلا بد أن تتحاكم لله ولرسوله، قال الله تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى:١٠] يعني: إلى كتابه وإذا قال (إلى الله) يتضمن ذلك إلى الرسول لأنه مبلغ عن الله، وإذا قلنا: (إلى الله) يعني: إلى كتاب الله، وكتاب الله قد أمرنا باتباع النبي ﷺ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر:٧].
قال: ﴿فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء:٦٥]، صغير أو كبير، دقيق أو جليل، وحتى في البيوت نحن نقول للمرأة مع زوجها: إن أردت الخير فاجعلي الشرع حاكمًا بينك وبين زوجك، ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء:٥٩]، ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى:١٠].
فلنعم البيت الذي يقام على الشرع! ولنعم البيت الذي يتحاكم فيه الزوج مع الزوجة بشرع الله جل في علاه، ولنعم التربية إن كانت على سنة النبي ﷺ، وإن كان الخلل موجودًا، لكن رأس الأمر عند الرجل والمرأة والأولاد والأصدقاء والإخوان هو: أن مردنا إلى الله ورسوله فهو أهم شيء، أما الآن فالمرد إلى الأهواء أو الخبراء، والصحيح: أن المرد لابد أن يكون لله وللرسول.
قال تعالى: ﴿حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء:٦٥].
هذا الشرط الثاني.
قال: (ثم لا يجدوا في أنفسهم) فلو وجد امرؤ وهو يتحاكم لله ولرسوله الحرج، نقول له: الإيمان قد انتفى من صدرك.
فالشرط الثالث هو: التسليم العام، فلابد بعد أن تحركم بشرع الله ألا لا تجد في صدرك حرجًا، وأن تسلم تسليمًا كاملًا.
وما أروع هذا المثل وإن كان الحديث ضعيف لكن نستأنس به: فقد اختصم رجل يهودي مع منافق، فقال له اليهودي: تعال معي يفصل بيننا رسول الله، فذهبا إلى رسول الله، فحكم لليهودي؛ لأن الحق كان مع اليهودي، فلم يرضَ المنافق بحكم رسول الله ﷺ، وقال: لا أرضى! قال اليهودي: ما ترتضي بحكم رسول الله؟ قال المنافق: لا، إلا أن أذهب إلى أبي بكر، فذهبا إلى أبي بكر فحكم فوافق حكمه حكم النبي ﷺ، فحكم لليهودي فقال: والله لا أرضى، قال: ولا ترضى بـ أبي بكر؟ قال: ولا أرضى إلا أن نذهب إلى عمر بن الخطاب، فذهبا إلى عمر بن الخطاب ﵁ وأرضاه فقصا عليه القصة، فقال: عمر أو ترضى بحكمي؟ قال: أرضى بحكمك؟ فدخل فاستل سيفه ففصل عنقه من جسده قال: هذا حكم الله! قال تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء:٥٩]، وقال: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى:١٠]، ولو صح هذا الحديث لقلت: قد اجتهد عمر، وعلم أن من لم يرضَ بحكم رسول الله فهو كافر، لكن لابد أن تقام الحجة وترفع الشبهة، ويبدو أن عمر كان يرى أن هذا الأمر معلوم من الدين بالضرورة، قال الله تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ﴾ [النساء:٦٥].
2 / 9