فقد تحقق ان داء الجهل أعيا كل داء، واما كان الداء من حيث هو غير ملائم للطبع وكان الداء الذي هو الجهل أعيا الادواء وأعسرها برء وأكثرها مضرة على الانسان كان في هذه الكلمة تنبيه له على أنه يجب عليه ان يجتهد في حسم أسباب هذا الداء في الابتداء قبل استحكامه وتمكنه من جوهر نفسه ويبالغ في أن لا يعرض له فان الصحة قبل المرض أنفع منها بعده، وطريق ذلك الحسم ان يلازم الأعمال الجميلة التي توجب كمال النفس من أول زمانه ويتخير لنفسه أفضل الأطباء بحسب اجتهاده فإن لم يفعل واستعرض شيئا من تلك الأسباب قبل تمكن الداء الذي تلك أسبابه وتنبه لطلب العلاج فليرض نفسه بلجام الصبر وليلفتها بمقود الندم وليجرها بالتمرين والتعويد إلى أن ينقى لوح نفسه من مقدمات ذلك المرض ثم ليغذها (1) بالعلوم اليقينية وملازمة الأعمال الجميلة فإنها سترجع إلى الصحة التامة اللذيذة والسعادة الدائمة ويكون في غاية الغبطة والسرور ابدا فقد صدق بحر العلم والفضائل: لا داء أعيا من الجهل.
الكلمة الثالثة عشر قوله عليه السلام: لا مرض أضنى من قلة العقل.
وفى نسخة: اخفى من قلة العقل.
أقول: الضنى مخامرة المرض كلما ظن المريض انه برأ انتكس (2) واما العقل فقد عرفته وهو مقول بحسب الاشتراك اللفظي على القوة التي بها يكون التمييز بين الأمور الحسنة والقبيحة والسعي في مصالح البدن وتدبير المعاش وهي المسماة عقلا عمليا، وعلى القوة التي بها يكون تكميل جوهر النفس (وهي المسماة) عقلا بالفعل، وعلى درجات استعداد هذه القوة لتباين حدودها وحقائقها وقد أومأنا إلى ذلك غير مرة وإذا عرفت ذلك فنقول: قد تطلق
पृष्ठ 72