واما الفخر بالنسب فغاية ما يدعيه المفتخر المتشرف به إذا كان صادقا ان آباءه واسلافه كانوا قد جمعوا الفضائل وحصلوا على الكمالات التي بها الفخر والشرف لكن انظر إليه لو حضر أسلافه وقالوا: الفضل الذي تدعيه فينا هو لنا دونك فنحن مستبدون به فما الذي فيك منه مما ليس في غيرك؟ فإنك تجده حينئذ مفحما مسكتا خجلا غير حاصل على شئ، واليه الإشارة بقوله عليه السلام: لا تأتوني بأنسابكم وائتوني بأعمالكم. وحكى عن مملوك كان لبعض الحكماء انه افتخر عليه بعض رؤساء زمانه فقال له المملوك: ان افتخرت على بفرسك فالحسن والفراهة للفرس لا لك، وان افتخرت ببزتك (1) وآلاتك (2)، فالحسن لهما دونك، وان افتخرت بآبائك فالفضل كان لهم (3) دونك، فإذا كانت المحاسن والفضائل كلها خارجة عنك وأنت منسلخ منها وقد رددناها على أهلها بل لم تخرج عنهم حتى ترد إليهم (4) فأنت من!؟ (5) وحكى عن بعض الحكماء انه دخل على بعض الأغنياء وكان يحتشد في الزينة (6) ويفتخر بكثرة ماله وآلاته وحضرت الحكيم بصقة فتنخع بها والتفت في البيت يمينا وشمالا فوجد البيت كله مزينا بالآلات المستحسنة فلم يجد لها موضعا فبصق في وجه صاحب البيت، فلما عوتب على ذلك قال: نظرت إلى البيت وجميع ما فيه فلم أجد أقبح منه فبصقت عليه، وهذا يكون استحقاق الخالين (7) من الفضائل النفسية المفتخرين بالأمور الخارجية الوهمية، شعر:
من كان مفتخرا بالمال والنسب * فإنما فخرنا بالعلم والأدب لاخير في رجل حر بلا أدب * لاخير فيه ولو يمشى على الذهب ولهذا السر صدق عليه السلام في مقاله الصادر عن كماله: الشرف بالعقل والأدب لا بالحسب والنسب.
पृष्ठ 67