يقولون لو واصلتنا سكن الهوى * بقلبك يا مجنون وانقطع الحزن فها انا قد واصلتهم مثل قولهم * وما هدأ الأشواق والقلب ما سكن الكلمة الثالثة قوله عليه السلام: من عرف نفسه فقد عرف ربه.
أقول: المعرفة بحسب عرف العلماء يخص التصور دون التصديق وان قل الفرق بينهما وبين العلم في وضع اللغة ثم ما أسهل ما يتأتى لك الاطلاع على معنى هذه المتصلة بعد احاطتك بالأصول السابقة فإنك قد علمت أن للنفس الانسانية قوتين عالمة وعاملة هما في مبدء الامر خاليتان عن الكمال، وعلمت ان العاملة هي التي تكون لها بحسب حاجتها إلى تدبير البدن وتكميله، وان العالمة هي التي تكون لها بحسب تأثرها عن مباديها وحاجتها إلى تكميل جوهرها عقلا بالفعل (1)، ثم اطلعت على مراتب استعدادات هذه القوة وإذا عرفت ذلك فاعلم أن المراد حينئذ من اطلع على نفسه فعرفها بكثرة عيوبها ونقصاناتها وفقرها إلى كمالات خارجة عن ذاتها ليست لها من حيث هي هي بل يحتاج لها إلى استعدادات مترتبة حتى يفاض عليها بحسب استحقاقها حالا بعد حال ثم علم كيفية تنقل قوته العاقلة في المراتب المذكورة اما بحسب ذوق العرفان أو بحسب سوق (2) البرهان فقد استلزم ذلك معرفته لربه بحسبهما استلزاما ضروريا لما ان العلم بالمعلول مستلزم للعلم بعلته الا انه ينبغي ان يعلم أن معرفته بالكنه غير ممكنة الا له إذ كانت حقيقته بريئة عن جهات التركيب العقلية والخارجية المستلزمة للامكان المستلزم للفقر والنقصان، ومعرفة الشئ بكنهه إنما تحصل بالاطلاع على اجزاء ماهيته وابعاضها فالمطلع عليه إذا لوازم (3) سلبية أو إضافية تلزم معقوليته وواجبيته لزوما عقليا وعند ذلك المقام تزاحم
पृष्ठ 57