بالعدد (1) أو على سبيل التشكيك على معنى ان في افراد الغطاء ما هو أشد تغطية وأقوى من غيره، أو مجازا على معنى ان الغطاء حقيقة عرفية في جسم ستر جسما مجازا في المعنى الذي نريده فان البحث عن ذلك لفظي غير مهم. فاما بيان ذلك المعنى فقبل تقريره نقول: انك قد علمت أن النفوس الانسانية في الكمال والنقصان على مراتب، وعرفت ان أعلى تلك المراتب مرتبة نفوس قدسية استغرقت في محبة الله تعالى وابتهجت بمطالعة أنوار كبريائه غاية الابتهاج، وهي درجة الأنبياء ومن يليهم من الأولياء الكاملين في قوتيهم النظرية والعملية المشار إليها بقوله تعالى: السابقون السابقون * أولئك المقربون (2) ثم عرفت ان ذلك الاستغراق مستلزم لاعراضهم عما سوى الحق تعالى من العوائق البدنية واللذات الدنية اعراض استحقار لها واستهانة بها، بل اعراضا لا التفات معه إليها بوجه وإذا عرفت ذلك فنقول: المراد من الغطاء المذكور في الخبر هو البدن والشوائب المادية الحاصلة حال تعلق النفس به وكونها مدبرة له، اما وجه كونه غطاء فلان الإشارات النبوية مشتملة على مواعيد ووعيدات بأنواع من الكرامات الأخروية وضروب من العقوبات لا تفي بدركها القوة الانسانية الا لو قد نضت هذا البدن وتجردت إلى عالمها فالنفس ما دامت ملابسة له فهي ملتحفة مغطاة بالشوائب العارضة والهيئات اللازمة لها من ملابسته، فإذا فارقته وتجردت عنه أبصرت ما أعد لها بعد المفارقة من سعادة أو شقاوة واليه أشير في التنزيل الإلهي: فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد (3) وهذا الحكم وإن كان عاما للنفوس الانسانية القدسية البالغة في الكمال إلى الحد المذكور وان كانت في الظاهر ملتحفة بجلابيب الأبدان متغطية بأغطية الشوائب المادية وكأنها (4) لما (5) رزقت من الاعراض عما سوى القبلة الحقيقية ومن التوجه والاقبال
पृष्ठ 53