بيان الثاني ان ذلك لما صح في حال النوم لم يمكن (1) القطع على امتناعه حال اليقظة فان الناس لو لم يجربوا ذلك في حال النوم لكان استبعادهم لوقوعه في النوم أشد من استبعادهم له في اليقظة فإنه عند عدم التجربة لو قيل لانسان: ان جماعة من الأولياء الكاملين اجتهدوا في تلويح مفكراتهم الصافية في تحصيل حكم غيبي فعجزوا ثم إن واحدا منهم لما نام وصار كالميت عرف ذلك الحكم فلا بد ان يكذب بذلك ويستنكره لعدم حصوله مع كمال الحركة وسلامة الحواس عن العطلة الا ان وقوع هذا الامر كثيرا مما أزال الاستبعاد وصحح الصحة، واما الثاني فمبنى على مقدمتين:
فالأولى - انه قد ثبت في موضعه ان العقول والنفوس السماوية عالمة بالجزئيات، اما العقول فعلى وجه كلى واما النفوس فعلى وجهه جزئي لان جميع الجزئيات تنتهى في سلسلة الحاجة إلى العقول، والعلم بالعلة مستلزم للعلم بالمعلول، وكذلك ثبت ان للفلك قوة جسمانية هي مدركة للجزئيات وثبت ان الحوادث العنصرية مستندة إلى الاتصالات والحركات الفلكية وثبت ان المبدأ لتلك الحركات هي النفوس (2) الجسمانية وثبت ان العلم بالعلة يوجب العلم بالمعلول فيلزم من مجموع ذلك كون النفس الفلكية عالمة بجميع جزئيات هذا العالم وما يحدث فيه، وكذلك ثبت ان للفلك مع هذه النفوس (3) الجسمانية نفسا مجردة ليست علاقتها مع الجسم علاقة انطباع فتكون أيضا منتقشة بجميع الجزئيات التي تحدث في هذا العالم فالعقول والنفوس الفلكية المجردة والجسمانية إذا منتقشة بها.
الثانية - ان النفوس الانسانية متمكنة من استفادة العلوم من تلك المبادى، وبيان ذلك بتقديم مقدمات:
فالأولى - ان القوى الانسانية متجاذبة فالنفس عند اشتغالها بتدبير القوة الغضبية غير متمكنة (4) الالتفات إلى القوة الشهوانية وبالعكس وإذا اشتغل الحس الباطن بالحس
पृष्ठ 44