319

शरह मकासिद

شرح المقاصد في علم الكلام

प्रकाशक

دار المعارف النعمانية

संस्करण संख्या

الأولى

प्रकाशन वर्ष

1401هـ - 1981م

प्रकाशक स्थान

باكستان

الرابع الإجماع على الدعاء بقولنا اللهم اجعلنا من أهل الشفاعة محمد ولو خصت الشفاعة لأهل الكبائر لكان ذلك دعاء يجعله منهم والجواب عن الأول بعد تسليم العموم في الأزمان والأحوال أنها تختص بالكفار جمعا بين الأدلة على أن الظالم على الإطلاق هو الكافر وأن نفي النصرة لا يستلزم نفي الشفاعة لأنها طلب على خضوع والنصرة ربما تنبىء عن مدافعة ومغالبة هذا بعد تسليم كون الكلام لعموم السلب لا لسلب العموم وقد سبق مثل ذلك وعن الثاني بأنا لا نسلم أن من ارتضى لا يتناول الفاسق فإنه مرتضى من جهة الإيمان والعمل الصالح وإن كان مبغوضا من جهة المعصية بخلاف الكافر المتصف بمثل العدل أو الجود فإنه ليس بمرتضى عند الله تعالى أصلا لفوات أصل الحسنات وأساس الكمالات ولا نسلم أن الذين تابوا لا يتناول الفاسق فإن المراد تابوا عن الشرك إذ لا معنى لطلب مغفرة من تاب عن المعاصي وعمل صالحا عندكم لكونه عبثا أو طلبا لترك الظلم بمنع المستحق حقه هذا بعد تسليم دلالة التخصيص بالوصف على نفي الحكم عما عداه وعن الثالث بما سبق في مسئلة انقطاع عذاب صاحب الكبيرة وعن الرابع أن المراد اجعلنا من اهل الشفاعة على تقدير المعاصي كما في قولنا اجعلنا من أهل المغفرة وأهل التوبة وتحقيقه أن المتصف بالصفات إذا اختص بكرامة منشأها بعض تلك الصفات دون البعض لم يكن استدعاء أهلية تلك الكرامة إلا استدعاء الصفة التي هي منشأ تلك الكرامة ألا يرى أن المعالجة وإن لم تكن إلا للمريض لكن قولك اللهم اجعلني من أهل العلاج ليس طلبا للمرض بل لقوة المزاج فكذا ههنا الشفاعة وإن اختصت بأهل الكبائر لكن منشأها الإيمان وبعض الحسنات التي تصير سببا لرضى الشفيع عنه وميله إليه وبهذا يخرج الجواب عما قالوا أن من حلف بالطلاق أن يعمل ما يجعله أهلا للشفاعة أنه يؤمر بالطاعات لا المعاصي قال خاتمة ظاهر قوله تعالى

﴿إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم

يدل على أن الكبائر متمايزة عن الصغاير بالذات لا كما قيل أن كل سيئة فهي بالنسبة إلى ما فوقها صغيرة وبالنسبة إلى ما دونها كبيرة لأنه لا يتصور حينئذ اجتناب الكبائر إلا بترك جميع المنهيات سوى واحدة هي دون الكل وأنى للبشر ذلك فمن ههنا ذهب بعضهم إلى تفسير الكبيرة بأنها التي تشعر بقلة الاكتراث بالدين أو التي توعد عليها الشارع بخصوصها وبعضهم إلى تعيين الكبائر ففي رواية ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنها الشرك بالله وقتل النفس بغير حق وقذف المحصنة والزنا والفرار من الزحف والسحر وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين المسلمين والإلحاد في الحرم وزاد في رواية أبي هريرة أكل الربا وفي رواية على السرقة وشرب الخمر قال المبحث الرابع عشر في التوبة وهي في اللغة الرجوع يقال تاب وناب أو أناب إذا رجع فإذا أسند إلى العبد أريد رجوعه عن الزلة إلى الندم وإذا أسند إلى الله تعالى أريد رجوع نعمه وإلطافه إلى عباده وفي الشرع هي الندم على المعصية لكونها معصية وقيد بذلك لأن الندم على المعصية لا ضرارها ببدنه أو إخلالها بعرضه أو ماله أو نحو ذلك لا تكون توبة وأما الندم لخوف النار أو طمع الجنة فهل تكون توبة فيه تردد مبني على أن ذلك هل يكون ندما عليها لقبحها ولكونها معصية أم لا وكذا في الندم عليها لقبحها مع غرض آخر والحق أن جهة القبح إن كانت بحيث لو انفردت لتحقق الندم فتوبة وإلا فلا كما إذا كان الغرض مجموع الأمرين لا كل واحد منهما وكذا في التوبة عند مرض مخوف بناء على أن ذلك الندم هل يكون لقبح المعصية أم لا بل للخوف كما في الآخرة عند معاينة النار فيكون بمنزلة إيمان اليأس والظاهر من كلام النبي عليه السلام قبول التوبة مالم تظهر علامات الموت ومعنى الندم تحزن وتوجع على أن فعل وتمنى كونه لم يفعل ولا بد من هذا للقطع بأن مجرد الترك كالماجن إذا مل مجونه فاستروج إلى بعض المباحات ليس بتوبة ولقوله عليه السلام الندم توبة وقد يزاد قيد العزم على ترك المعاودة في المستقبل واعترض بأن فعل المعصية في المستقبل قد لا يخطر بالبال لذهول أو جنون أو موت أو نحو ذلك وقد لا يقتدر عليه لعارض آفة كخرس في القذف وشلل أوجب في الزنا فلا يتصور العزم على الترك لما فيه من الإشعار بالقدرة والاختيار فأجيب بأن المراد العزم على الترك على تقدير الخطور والاقتدار حتى لو سلب القدرة لم يشترط العزم على الترك بهذا يشعر كلام إمام الحرمين حيث قال أن العزم على ترك المعاودة إنما يقارن التوبة في بعض الأحوال ولا يطرد في كل حال إذ العزم إنما يصح فيمن يتمكن من مثل ما قدمه ولا يصح من المجبوب العزم على ترك الزنا ولا من الآخرس العزم على ترك القذف فما ذكر في المواقف من أن قولنا إذا قدر لأن من سلب القدرة على الزنا وانقطع طمعه عن عود القوة إذا عزم على تركه لم يكن ذلك توبة منه ليس على ما ينبغي لإشعاره بأن العزم على الترك يصح مع عدم القدرة على الفعل وبأن الندم على الفعل مع العزم على الترك لا يكفي في التوبة لكن لا بد من أمر ثالث هو بقاء القدرة وكلام الإمام وغيره أن عند عدم القدرة لا يشترط في التوبة العزم بل لا يصح ويكفي مجرد الندم لا يقال مراد المواقف أن مجرد هذ العزم بدون الندم ليس بتوبة لأنا نقول هذا لغو من الكلام لا بيان لفائدة التقييد بالقدرة وقد يتوهم أن تقدير القدرة قيد للترك لا للعزم أي يجب العزم على أن لا يفعل على تقدير القدرة حتى يجب على من عرض له الآفة أن يعزم على أن لا يفعل لو فرض وجود القدرة بهذا يشعر ما قال في المواقف أن الزاني المجبوب إذا ندم وعزم على أن لا يعود على تقدير القدرة فهو توبة عندنا خلافا لأبي هاشم ثم التحقيق إن ذكر العزم إنما هو للتقرير والبيان لا التقييد والاحتراز إذ النادم على المعصية لقبحها لابخ عن ذلك العزم البتة على تقدير الحظور والاقتدار هذا وقد شاع في عرف العوام إطلاق اسم التوبة على الاستئناف وإظهار العزم على ترك المعصية في المستقبل وليس من التوبة في شيء مالم يتحقق الندم والأسف على ما مضى وعلامته طول الحسرة والحزن وانسكاب الدموع ومن نظر في باب التوبة من كتاب الإحياء للإمام حجة الإسلام وتأمل فيما يروى من قصة استغفار داود عليه السلام علم صعوبة أمر التوبة والمعتزلة لما خرجوا بالكبيرة عن الإيمان وجزموا بالدخول بل الخلود في النيران مالم يتوبوا هونوا أمر التوبة حتى اعتقد عوامهم أنه يكفي مجرد قول العاصي تبت ورجعت وخواصهم أنه يكفي أن يعتقد أنه أساء وأنه لو أمكنه رد تلك المعصية لردها ولا حاجة إلى الأسف والحزن لأن أهل الجنة يندمون على تقصيرهم ولا حزن وإنما الحزن لتوقع الضرر ولا ضرر مع الندم ولأن العاصي مكلف بالتوبة في كل وقت ولا يمكنه تحصيل الغم والحزن فيلزم تكليف مالا يطاق قال وهي واجبة لا نزاع في وجوب التوبة أما عندنا فسمعا لقوله تعالى

﴿وتوبوا إلى الله جميعا

﴿توبوا إلى الله توبة نصوحا

ونحو ذلك وأما عند المعتزلة فعقلا لما فيها من دفع ضرر العقاب ولما أن الندم على القبيح من مقتضيات العقل الصحيح وهذا يتناول الصغائر أيضا فيكون حجة على البهشمية القائلين بوجوب التوبة عن الصغائر سمعا لا عقلا لسقوط عقوبتها ثم المصرح في كلام المعتزلة أن وجوب التوبة على الفور حتى يلزمه بتأخير ساعة إثم آخر يجب التوبة عنه وهلم جرا حتى ذكروا أن بتأخير التوبة عن الكبيرة ساعة واحدة تكون له كبيرتان المعصية وترك التوبة وساعتين أربع الأوليان وترك التوبة عن كل منهما وثلاث ساعات ثمان وهكذا وأما قبول التوبة فلا يجب عندنا إذ لا وجوب على الله تعالى وهل ثبت سمعا ووعدا قال إمام الحرمين نعم بدليل ظني إذ لم يثبت في ذلك نص قاطع لا يحتمل التأويل وعند المعتزلة يجب حتى قالوا أن العقاب بعد التوبة ظلم لكن بمقتضى الجود على رأي البغدادية وبمقتضى العدل والحكمة على رأي الجمهور واحتجوا بأن العاصي قد بذل وسعه في التلافي فيسقط عقابه كمن بالغ في الاعتذار إلى من أساء إليه سقط ذمه بالضرورة وبأن التكليف باق وهو تعريض للثواب ولا يتصور إلا بسقوط العقاب فوجب أن يكون له مخلص من العقاب وليس غير التوبة فوجب أن يكون مخلصا وأكثر المقدمات مزخرف بل ربما يدعى القطع بأن من أساء إلى غيره وانتهك حرماته ثم جاء معتذرا لا يجب في حكم العقل قبول اعتذاره بل الخيرة إلى ذلك الغير إن شاء صفح وإن شاء جازاه وأما احتجاجنا بالإجماع على الابتهال إلى الله تعالى في وجوب قبول التوبة وعلى وجوب شكره على ذلك فربما يدفع بأن المسؤل هو استجماعها بشرايط القبول فإن الأمر فيه خطير ووجوب القبول لا ينافي وجوب الشكر لكونه إحسانا في نفسه كتربية الوالد لولده يجب شكرها مع وجوبها ثم اختلفوا في مسقط العقوبة فعند اكثر المعتزلة بنفس التوبة وعند بعضهم بكثرة ثوابها إذ لو كان بنفس التوبة لسقط بتوبة الملجأ ويندم العاصي عند معاينة النار ورد بمنع الندم في صورة الإلجاء وبمنع كونه للقبح في صورة المعاينة واحتج الأكثرون بأنه لو كان بكثرة الثواب لما اختصت التوبة عن معصية معينة بسقوط عقابها دون أخرى لأن نسبة كثرة الثواب إلى الكل على السوية ولما بقي فرق بين التوبة المتقدمة على المعصية والمتأخرة عنها في إسقاط عقابها كسائر الطاعات التي تسقط العقوبات بكثرة ثوابها واللازم باطل للقطع بأن من تاب عن المعاصي كلها ثم شرب الخمر لا يسقط عنه عقاب الشرب وأما عندنا فهو بمحض عفو الله تعالى وكرمه وتوبته الصحيحة عبادة يثاب عليها تفضلا ولا تبطل بمعاودة الذنب ثم إذا تاب عنه ثانيا يكون عبادة أخرى فإن قيل فعندكم حكم المؤمن المواظب على الطاعات المعصوم عن المعاصي والمؤمن المصر على المعاصي طول عمره من غير عبادة أصلا والمؤمن الجامع بين الطاعات والمعاصي من غير توبة والمؤمن التائب عن المعاص واحد وهو التفويض إلى مشيئة الله تعالى من غير قطع بالثواب أو العقاب فلا رجاء من الطاعات والتوبة ولا خوف من المعصية والإصرار وهذه جهالة جاهلة ومكابرة تابهة قلنا حكم الكل واحد في أنه لا يجب على الله تعالى في حقهم شيء لكن يثيب المطيع والتايب البتة بمقتضى الوعد على تفاوت درجات ويعاقب العاصي المصر بمقتضى الوعيد على اختلاف دركات لكن مع احتمال العفو احتمالا مرجوحا فإين التساوي وانقطاع الخوف والرجاء نعم خوفنا لا ينتهي إلى حد اليأس والقنوط إذ لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ثم اختلفت المعتزلة في أنه إذا سقط استحقاق عقاب المعصية بالتوبة هل يعود استحقاق ثواب الطاعة الذي أبطله تلك المعصية فقال أبو على وأبو هاشم لا لأن الطاعة تنعدم في الحال وإنما يبقى استحقاق الثواب وقد سقط والساقط لا يعود وقال الكعبي نعم لأن الكبيرة لا تزيل الطاعة وإنما تمنع حكمها وهو المدح والتعظيم فلا تزيل ثمرتها فإذا صارت بالتوبة كأن لم تكن ظهرت ثمرة الطاعة كنور الشمس إذا زال الغيم وقال بعضهم وهو اختيار المتأخرين لا يعود ثوابه السابق لكن تعود طاعته السالفة مؤثرة في استحقاق ثمراته وهو المدح والثواب في المستقبل بمنزلة شجرة أحرقت بالنار أغصانها وثمارها ثم انطفت النار فإنه يعود أصل الشجرة وعروقها إلى خضرتها وثمرتها قال ولا يلزم تجديد الندم كلما ذكر المعصية لأنه قد أتى بما كلف به وخرج عن عهدته خلافا للقاضي منا وأبي علي من المعتزلة وشبهتهما أنه لو لم يندم كلما ذكرها لكان مشتهيا لها فرحا بها وذلك إبطال للندم ورجوع إلى الإصرار والجواب المنع إذ ربما يضرب عنها صفحا من غير ندم عليها ولا اشتهاء لها وابتهاج بها ولو كان الأمر كما ذكر لزم أن لا تكون التوبة السابقة صحيحة وقال القاضي أنه إن لم يجد ندما كان ذلك معصية جديدة يجب الندم عليها والتوبة الأولى مضت على صحتها إذا لعبادة الماضية لا ينقضها شيء بعد ثبوتها قال ولا تعميمه لتصح المذهب أنه تصح التوبة عن بعض المعاصي مع الإصرار على بعض خلافا لأبي هاشم لنا الإجماع على أن الكافر إذا أسلم وتاب عن كفره مع استدامة بعض المعاصي صحت توبته وإسلامه ولم يعاقب إلا عقوبة تلك المعصية وأيضا ليست التوبة عن تلك المعاصي إلا الرجوع عنها والندم عليها والعزم على أن لا يعاودها وقد وجدت وشبهة أبي هاشم أن الندم عليها يجب أن يكون لقبحها وهو شامل للمعاصي كلها فلا يتحقق الندم على قبيح مع الإصرار على قبيح وأجيب بأن الشامل للكل هو القبح لا قبحها والتحقيق على ما ذكره صاحب التجويد هو أن الدواعي إلى الندم عن القبائح وإن اشتركت في كون الندم على القبيح لقبحه لكن يجوز أن تترجح بعض الدواعي بأمور تنضم إليه كعظم المعصية أو قلة غلبة الهوى فيها فيبعثه ذلك الترجح على الندم عن هذا البعض خاصة دون البعض الآخر لانتفاء ترجيح الداعي بالنسبة إليه ولا يلزم من ذلك ان يكون الندم على البعض الذي تحقق منه الترجيح لا لقبحه إذ لا يخرج الداعي بهذا الترجيح عن الاشتراك في كونه داعيا إلى الندم على القبيح لقبحه وهذا كما في الدواعي إلى الفعل لحسنه قد يترجح البعض فيخصص بعض الأفعال الحسنة بالوقوع ولا يلزم من ترك البعض الآخر كون إيقاع هذا البعض لا لحسنه بل لغرض غاية ما في الباب إنه حصل للداعي إلى هذا الفعل لحسنه رجحان لم يحصل للداعي إلى الفعل الآخر وهذا ما قال أصحابنا أنه كما يجوز الإتيان بواجب لحسنه مع ترك واجب آخر يجوز ترك قبيح لقبحه مع الإصرار على قبيح آخر يقال ويكفي في الإجمال يعني يكفي في التوبة عن المعاصي كلها الإجمال وإن علمت مفصلة لحصول الندم والعزم وذهب بعض المعتزلة إلى أنه لا بد من الندم تفصيلا فيما علم مفصلا ورد بأنه مكلف بالتوبة في كل وقت مع امتناع اجتماع الذنوب الكثيرة في وقت واحد فلو لم يكف الإجمال ألزم تكليف ما لايطاق قالوا ثم إن كانت المعصية في خالص حق الله تعالى كالواجب فقد يكفي الندم كما في ارتكاب الفرار من الزحف وترك الأمر بالمعروف وقد يفتقر إلى أمر زائد كتسليم النفس للحد في الشرب وتسليم ما وجب في ترك الزكاة ومثله في ترك الصلاة وإن تعلقت بحقوق العباد لزم مع الندم إيصال حق العبد أو بدله إليه إن كان الذنب ظلما كما في الغصب والقتل العمد ولزم أرشاده إن كان الذنب إضلالا له والاعتذار إليه إن كان إيذاء كما في الغيبة ولا يلزم تفصيل ما اغتابه به إلا إذا بلغه على وجه أفحش والتحقيق إن هذا الزائد واجب آخر خارج عن التوبة على ما قال إمام الحرمين أن القاتل إذا ندم من غير تسليم نفسه للقصاص صحت توبته في حق الله تعالى وكان منعه القصاص من مستحقه معصية متجددة تستدعي توبة ولا يقدح في التوبة عن القتل ثم قال وربما لا يصح التوبة بدون الخروج من حق العبد كما في الغصب فإنه لا يصح الندم عليه مع إدامة اليد على المغصوب ففرق بين القتل والغصب قال المبحث الخامس عشر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد جرت عادة المتكلمين بإيرادهما في علم الكلام مع أنهما بالفروع أشبه وكأنهما يشبهان التوبة في الزجر عن ارتكاب المعصية والإخلال بالواجب والمراد بالمعروف الواجب وبالمنكر الحرام ولهذا بنوا القول بأنهما واجبان مع القطع بأن الأمر بالمندوب ليس بواجب بل مندوب والدليل على وجوبهما من غير توقف على ظهور الإمام كما يزعم الروافض والكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى

﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر

وقوله تعالى

﴿وأمر بالمعروف وانه عن المنكر

وأما السنة فقوله عليه السلام مر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك وقوله عليه السلام لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لكم وقوله عليه السلام من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان وأما الإجماع فهو أن المسلمين في الصدر الأول وبعده كانوا يتواصون بذلك ويوبخون تاركه مع الاقتدار عليه فإن استدل على نفي الوجوب بقوله تعالى

﴿يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم

وقوله تعالى

﴿لا إكراه في الدين

وبما روى عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت قلنا يا رسول الله متى لا يؤمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر قال إذا كان البخل في خياركم وإذا كان الحكم في رذالكم وإذا كان الإدهان في كباركم وإذا كان الملك في صغاركم أجيب بأن المعنى أصلحوا أنفسكم بأداء الواجبات وترك المعاصي وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يضركم بعد النهي عنادهم وإصرارهم على المعصية أو لا يضر المهتدي إذا نهى ضلال الضال وقوله لا إكراه منسوخ بأيات القتال على أنه ربما يناقش في كون الأمر والنهي إكراها أما الحديث فلا يدل إلا على نفي الوجوب عند فوات الشرط بلزوم المفسدة وانتفاء الفائدة فإن من شرائط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علم الفاعل بوجههما من أنه واجب معين أو مخير مضيق أو موسع عين أو كفاية وكذا في المنهى وبالجملة العلم بما يختلف باختلافه حال الأمر والنهي ليقعا على ما ينبغي ومنها تجويز التأثير بأن لا يعلم عدم التأثير قطعا لئلا يكون عبثا واشتغالا بما لا يعني فإن قيل يجب وإن لم يؤثر إعزازا للدين قلنا ربما تكون ذلك إذلالا ومنها انتفاء مضرة ومفسدة أكثر من ذلك المنكر أو مثله وهذا في حق الوجوب دون الجواز حتى قالوا يجوز وإن ظن أنه يقتل ولا ينكى نكاية بضرب ونحوه لكن يرخص له السكوت بخلاف من يحمل وحده على المشركين ويظن أنه يقتل فإنه إنما يجوز إذا غلب على ظنه أنه ينكى فيهم بقتل أو جرح أو هزيمة قال ولا يختص بالولاة كان المسلمون في الصدر الأول وبعده يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر من غير نكير من أحد ولا توقيف على إذن فعلم أنه لا يختص بالولاة بل يجوز لآحاد الرعية بالقول والفعل لكن إذا انتهى الأمر إلى نصب القتال وشهر السلاح ربط بالسلطان حذرا عن الفتنة كذا ذكر إمام الحرمين وقال أن الحكم الشرعي إذا استوى في إدراكه الخاص والعام ففيه للعالم وغير العالم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإذا اختص مدركه بالاجتهاد فليس للعوام فيه أمر ونهي بل الأمر فيه موكول إلى أهل الاجتهاد ثم ليس لمجتهد أن يتعرض بالردع والزجر على مجتهد آخر في موضع الخلاف إذ كل مجتهد مصيب في الفروع عندنا ومن قال أن المصيب واحد فهو غير متعين عنده وذكر في محيط الحنفية أن للحنفي أن يحتسب على الشافعي في أكل الضبع ومتروك التسمية عمدا وللشافعي أن يحتسب على الحنفي في شرب المثلث والنكاح بلا ولي ثم لا يختص وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمن يكون ورعا لا يرتكب مثله بل من رأى منكرا وهو يرتكب مثله فعليه أن ينهى عنه لأن تركه للمنكر ونهيه عنه فرضان متميزان ليس لمن ترك أحدهما ترك الآخر ثم هو فرض كفاية إذا قام به في كل بقعة من فيه غناء سقط الفرض عن الباقين وهذا لا ينافي القول بأنه فرض على الكل لأن المذهب أن فرض الكفاية فرض على الكل ويسقط بفعل البعض نعم إذا نصب لذلك أحد تعين عليه فيحتسب فيما يتعلق بحقوق الله تعالى من غير بحث وتجسس وفيما يتعلق بحقوق العباد لا على وجه العموم كمطل المديون الموسر وتعدي الجار في جدار الجار يحتسب إذا استعداه صاحب الحق وعلى العموم كتعطل شرب البلد وانهدام سورة وترك أهله رعاية أبناء السبيل المحتاجين مع عدم المال في بيت المال يحتسب ويأمر على الإطلاق وينكر على من يغير هيئات العبادات كالجهل في الصلاة السرية وبالعكس وعلى من يزيد في الأذان وعلى من يتصدى الإفتاء أو التدريس أو الوعظ وهو ليس من أهله وعلى القضاة إذا حجبوا الخصوم أو قصروا في النظر في الخصومات وعلى أئمة المساجد المطروقة إذا طولوا في الصلاة وبهذا يعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقتصر على الواجب والحرم وينبغي أن يحتسب برفق وسكون متدرجا إلى الأغلظ فالأغلظ بحسب حال المنكر ذكر في المحيط للحنفية أن من رأى غيره مكشوف الركبة ينكر عليه برفق ولا ينازعه إن لج وفي الفخذ ينكر عليه بعنف ولا يضربه وإن لج وفي السوءة أدبه وإن لج قتله قال الفصل الثالث في الأسماء والأحكام وفيه مباحث هذه الترجمة شايعة في كلام المتقدمين ويعنون بالأسماء اسامي المكلفين في المدح مثل المؤمن والمسلم والمتقي والصالح وفي الذم مثل الكافر والفاسق والمنافق وبالأحكام ما لكل منها في الآخرة من الثواب والعقاب وكيفيتهما قال المبحث الأول الإيمان في للغة التصديق أفعال من الأمن للصيرورة أو التعدية بحسب الأصل كأن المصدق صار ذا أمن من أن يكون مكذوبا أو جعل الغير آمنا من التكذيب والمخالفة ويعدى بالباء لاعتبار معنى الإقرار والاعتراف كقوله تعالى

﴿آمن الرسول بما أنزل إليه

وباللام لاعتبار معنى الإذعان والقبول كقوله تعالى حكاية

﴿وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين

ولما أنه في التحقيق عايدا إلى أخذ الشيء صادقا والصدق مما يوصف به المتكلم والكلام والحكم يقع تعليقه بالشيء باعتبارات مختلفة مثل آمنت بالله أي بأنه واحد متصف بما يليق منزه عما لا يليق وآمنت بالرسول أي بأنه مبعوث من الله تعالى صادق فيما جاء به وآمنت بملائكته أي بأنهم عباده المكرمون المطيعون المعصومون لا يتصفون بذكورة ولا أنوثة ليسوا بنات الله ولا شركاءه وآمنت بكتبه وكلماته أي بأنها منزلة من عند الله صادقة فيما تتضمنه من الأحكام وآمنت باليوم الآخر أي بأنه كائن البتة وآمنت بالقدر أي بأن الخير والشر بتقدير الله ومشيئته ومرجع الكل إلى القبول والاعتراف وأما في الشرع فاختلف الآراء في تحقيق الإيمان وفي كونه اسما لفعل القلب فقط أو فعل اللسان فقط أو لفعلهما جميعا وحدهما أو مع سائر الجوارح وهذه طرق أربعة فعلى الأول قد يجعل اسما للتصديق أعني تصديق النبي فيما علم مجيئه به بالضرورة أي فيما اشتهر كونه من الدين بحيث يعلمه العامة من غير افتقار إلى نظر واستدلال كوحدة الصانع ووجوب الصلاة وحرمة الخمر ونحو ذلك ويكفي الإجمال فيما يلاحظ إجمالا ويشترط التفصيل فيما يلاحظ تفصيلا حتى لو لم يصدق بوجوب الصلاة عند السؤال عنه وبحرمة الخمر عند السؤال عنه كان كافرا وهذا هو المشهور وعليه الجمهور وقد يجعل اسما للمعرفة أعني معرفة ما ذكرنا ويتناول معرفة الله تعالى بوحدانيته وسائر ما يليق به وتنزهه عما لا يليق به وهو مذهب الشيعة وجهم بن صفوان وأبي الحسين الصالحي من القدرية وقد يميل إليه الأشعري وستعرف فرقا بين المعرفة والتصديق ومن الناس من يكاد يقول بأنه اسم لمعنى آخر غير المعرفة والتصديق هو التسليم إلا أنه يعود بالآخرة إلى التصديق على ما يراه أهل التحقيق وعلى الثاني وهو أن يجعل اسما لفعل اللسان أعني الإقرار بحقية ما جاء به النبي عليه السلام وقد يشترط معه معرفة القلب حتى لا يكون الإقرار بدونها إيمانا وإليه ذهب الرقاشي زاعما أن المعرفة ضرورية يوجد لا محالة فلا يجعل من الإيمان لكونه اسما لفعل مكتسب لا ضروري وقد يشترط التصديق وإليه ذهب القطان وصرح بأن الإقرار الخالي عن المعرفة والتصديق لا يكون إيمانا وعند اقترانه بهما يكون الإيمان هو الإقرار فقط وقد لا يشترط شيء منهما وإليه ذهب الكرامية حتى أن من أضمر الكفر وأظهر الإيمان يكون مؤمنا إلا أنه يستحق الخلود في النار ومن أضمر الإيمان وأظهر الكفر لا يكون مؤمنا ومن أضمر الإيمان ولم يتفق منه الإظهار والإقرار لم يستحق الجنة وإذا تحققت فليس لهؤلاء الفرق الثلاث كثير خلاف في المعنى وفيما يرجع إلى الأحكام وعلى الثالث وهو أن يكون اسما لفعل القلب واللسان فهو اسم للتصديق المذكور مع الإقرار وعليه كثير من المحققين وهو المحكي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى وكثيرا ما يقع في عبارات التحارير من العلماء مكان التصديق تارة المعرفة وتارة العلم وتارة الإعتقاد فعلى هذا من صدق بقلبه ولم يتفق له الإقرار باللسان في عمره مرة لا يكون مؤمنا عند الله تعالى ولا يستحق دخول الجنة ولا النجاة من الخلود في النار بخلاف ما إذا جعل اسما للتصديق فقط فإن الإقرار حينئذ شرط لإجراء الأحكام عليه في الدنيا من الصلاة عليه وخلفه والدفن في مقابر المسلمين والمطالبة بالعشور والزكوات ونحو ذلك ولا يخفى أن الإقرار بهذا الغرض لا بد أن يكون على وجه الإعلان والإظهار على الإمام وغيره من أهل الإسلام بخلاف ما إذا كان لا تمام الإيمان فإنه يكفي مجرد التكلم وإن لم يظهر على غيره ثم الخلاف فيما إذا كان قادرا وترك التكلم لا على وجه الإباء إذ العاجز كالأخرس مؤمن وفاقا والمصر على عدم الإقرار مع المطالبة به كافر وفاقا لكون ذلك من إمارت عدم التصديق ولهذا أطبقوا على كفر أبي طالب وإن كابرت الروافض غير متألمين في أنه كان أشهر أعمام النبي عليه الصلاة والسلام وأكثرهم اهتماما لشأنه وأوفرهم حرصا من النبي عليه الصلاة والسلام على إيمانه فكيف اشتهر إيمان حمزة والعباس رضي الله عنهما وشاع على رؤس المنابر فيما بين الناس وورد في إيمانهما الأحاديث المشهورة وكثر منهما في الإسلام المساعي المشكورة دون أبي طالب وأما على الرابع وهو أن يكون الإيمان اسما لفعل القلب واللسان والجوارح على ما يقال أنه إقرار باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان فقد يجعل تارك العمل خارجا عن الإيمان داخلا في الكفر وإليه ذهب الخوارج أو غير داخل فيه وهو القول بالمنزلة بين المنزلتين وإليه ذهب المعتزلة إلا أنهم اختلفوا في الأعمال فعند أبي علي وأبي هاشم فعل الواجبات وترك المحظورات وعند أبي الهذيل وعبدالجبار فعل الطاعات واجبة كانت أو مندوبة إلا أن الخروج عن الإيمان وحرمان دخول الجنة بترك المندوب مما لا ينبغي أن يكون مذهبا لعاقل وقد لا يجعل تارك العمل خارجا عن الإيمان بل يقطع بدخول الجنة وعدم خلوده في النار وهو مذهب أكثر السلف وجميع أئمة الحديث وكثير من المتكلمين والمحكي عن مالك والشافعي والأوزاعي رض وعليه إشكال ظاهر وهو أنه كيف لا ينتفي الشيء أعني الإيمان مع انتفاء ركنه أعني الأعمال وكيف يدخل الجنة من لم يتصف بما جعل اسما للإيمان وجوابه أن الإيمان يطلق على ما هو الأصل والأساس في دخول الجنة وهو التصديق وحده أو مع الإقرار وعلى ما هو الكامل المنجي بلا خلاف وهو التصديق مع الإقرار والعمل على ما أشير إليه بقوله تعالى

﴿إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم

إلى قوله

﴿أولئك هم المؤمنون حقا

وموضع الخلاف أن مطلق الاسم للأول أم الثاني وذكر الإمام في وجه الضبط أن الإيمان إما أن يكون اسما لعمل القلب فقط وهو المعرفة عند الإمامية وجهم والتصديق عندنا وإما لعمل الجوارح فإن كان هو ا لقول فمذهب الكرامية أو سائر الأعمال فمذهب المعتزلة وأما مجموع عمل القلب والجوارح وهو مذهب السلف وفيه اختلال من جهة ترك عمل القلب في مذهب الاعتزال وعدم التعرض لمذهب التصديق والإقرار فإن قيل قد ذكرت من المذاهب ما يبلغ عشرة ونحن قاطعون بأن النبي عليه السلام ومن بعده كانوا يأمرون بأمر معلوم يمتثل من غير افتقار إلى بيان ولا استفسار إلا بحسب المتعلق أعني ما يجب الإيمان به فكيف ذلك قلنا لا خفاء ولا خلاف في أنهم كانوا يأمرون بالتصديق وقبول الأحكام ويكتفون في حق الأحكام الدنيوية بما يدل على ذلك وهو الإقرار إلا أنه وقع اختلاف واجتهاد في أن مناط الأحكام الأخروية مجرد هذا المعنى أم مع الإقرار أم كلاهما مع الأعمال وفي أن ذلك مجرد معرفة واعتقاد أم أمر زائد على ذلك وهذا لا بأس به قال لنا مقامات

الأول أن الإيمان فعل القلب دون مجرد فعل اللسان

الثاني أنه التصديق دون المعرفة والاعتقاد

والثالث أن الأعمال ليست داخلة فيه بحيث ينتفي هو بانتفائها أما المقام الأول فبيانه بنصوص تدل على ذلك حتى أن القول بكون الإيمان مجرد الإقرار يكاد يجري مجرى إنكار النصوص قال الله تعالى

﴿أولئك كتب في قلوبهم الإيمان

﴿إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان

﴿الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم

﴿قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم

﴿إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن

وقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم ثبت قلبي على دينك ومن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من الإيمان الحديث وقد يستدل بوجهين

أحدهما أنه لو كان الإيمان هو القول لما كان المكلف مؤمنا حقيقة إلا حال التلفظ لانقضاء القول بعده بخلاف التصديق فإنه باق في القلب حتى حال النوم والغفلة إلى طريان ضده الذي هو الكفر وأجيب بعد تسليم كون اسم الفاعل حقيقة في الحال دون الماضي بأن المؤمن بحسب الشرع اسم لمن تكلم بما يدل على التصديق إلى أن يطرأ ضده

पृष्ठ 249