शरह मकासिद
شرح المقاصد في علم الكلام
प्रकाशक
دار المعارف النعمانية
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशन वर्ष
1401هـ - 1981م
प्रकाशक स्थान
باكستان
शैलियों
وثانيهما أن وجوب النظر والمعرفة مقيد بالشك لما سبق من أنه لا إمكان للنظر بدونه فضلا عن الوجوب فهو لا يكون مقدمة للواجب المطلق بل للمقيد به كالنصاب للزكاة والاستطاعة للحج فلا يجب تحصيله ولما أن إيجاب المعرفة هو إيجاب النظر قال في المواقف أن وجوب المعرفة مقيد بالشك وإلا فالقول بوجوب الشك إنما يبنى على كونه مقدمة للنظر لا للمعرفة وكلا الوجهين ضعيف أما الأول فلأنهم لا يعنون بمقدورية مقدمة الواجب أن يكون من الأفعال الاختيارية بل أن يتمكن المكلف من تحصيله كالطهارة للصلاة وملك النصاب للزكاة ومعنى وجوبها وجوب تحصيلها وأما الثاني فلأنه يقتضي أن لا يجب النظر والمعرفة عند الوهم أو الظن أو التقليد أو الجهل المركب وفساده بين ويمكن دفع الوهم والظن بأن الشك يتناولهما لأن معناه التردد في النسبة إما على استواء وهو الشك المحض أو رجحان لأحد الجانبين وهو الظن والوهم ودفع التقليد والجهل المركب بأن الواجب معهما هو النظر في الدليل ومعرفة وجه دلالته ليؤولا إلى العلم وذلك لأن امتناع النظر والطلب عند الجزم بالمط أو نقيضه مما لم يقع فيه نزاع وقد يقال في رد الشك المحض أنه وإن كان مقدمة للنظر الواجب فليس من أسبابه ليكون إيجابه إيجابا له بمعنى تعلق خطاب الشارع به وفيه نظر لأن مراد أبي هاشم هو الوجوب العقلي كالنظر والمعرفة نعم لو قيل أنه ليس من المعاني التي يطلبها العاقل ويحكم باستحقاق تاركه الذم لكان سيئا وستعرف فساد النظر بمعرفة معنى الوجوب العقلي ( قال المبحث السادس ) قد سبقت إشارة إلى أن الحركة الأولى من النظر تحصل مادة مركب يوصل إلى المط والثانية صورته والمط إما تصورا وتصديق فالموصل إلى التصور ويسمى المعرف إما حدا ورسم وكل منهما إما تام أو ناقص لأن التمييز أمر لا بد منه في التعريف لامتناع المعرفة بدون التمييز عند العقل فالمميز إن كان ذاتيا للماهية يسمى المعرف حدا لأنه في اللغة المنع ولا بد في المعرف من منع خروج شيء من الإفراد ودخول شيء فيه مما سواها فما كان ذلك فيه باعتبار الذات والحقيقة كان أولى بهذا الاسم وإن كان عرضيا لها سمي المعرف رسما لكونه بمنزلة الأثر يستدل به على الطريق ثم المميز إن كان مع كمال الجزء المشترك أعني ما يقع جواب السؤال بما هو عن الماهية وعن كل ما يشاركها وهو المسمى بالجنس القريب فالمعرف تام أما الحد فلاشتماله على جميع الذاتيات وأما الرسم فلاشتماله على كمال الذاتي المشترك وكمال العرضي المميز وإلا فناقص فالحد التام واحد ليس إلا وهو الجنس القريب مع الفصل القريب ويشترط تقديم الجنس حتى لو أخر كان الحد ناقصا ومبنى هذا الكلام على أنه لا اعتبار بالعرض العام لأنه لا يفيد الامتياز ولا الاطلاع على أجزاء الماهية ولا بالخاصة مع الفصل القريب وإلا يلزم أن يكون المركب من الفصل القريب مع العرض العام أو مع الخاصة حدا ناقصا وليس كذلك في اصطلاح الجمهور حيث خصوا اسم الحد بما يكون من محض الذاتيات وقد يصطلح على تسمية كل معرف حدا حتى اللفظي منه أعني بيان مدلول اللفظ بلفظ آخر أوضح دلالة وكثير من المتقدمين على أن الرسم التام ما يفيد امتياز الماهية عن جميع ما عداها والناقص ما يفيد الامتياز عن البعض فقط إلا أنه استقر رأي المتأخرين على اشتراط كون المعرف مساويا أي مطردا ومنعكسا حتى لا يجوز التعريف بالأعم محافظة على الضبط والموصل إلى التصديق ويسمى الدليل لما فيه من الإرشاد إلى المطلوب والحجة لما في التمسك به من الغلبة على الخصم إما قياس وإما استقراء وإما تمثيل إذ لا بد من مناسبة بين الحجة والمط ليمكن استفادته منها وتلك المناسبة إما أن تكون باشتمال أحدهما على الآخر أو لا وعلى الأول فإن اشتمل الحجة على المط فهي القياس إذ النتيجة مندرجة في مقدمتيه وإن اشتمل المط على الحجة فهي الاستقراء إذ المط حكم كلي يثبت بتحقق الحكم على الجزئيات المندرجة تحته وعلى الثاني لا بد أن يكون هناك أمر ثالث يشتمل عليهما أو يندرجان فيه ليستفاد العلم بأحدهما من الآخر وهو التمثيل فإن حكم الفرع وهو المط يستفاد من حكم الأصل وهو الحجة لاندراجهما تحت الجامع الذي هو العلة وهذا ما قال الإمام أنا إذا استدللنا بشيء على شيء فإن لم يدخل أحدهما تحت الآخر فهو التمثيل وإن دخل فإما أن يستدل بالكلي على الجزئي وهو القياس أو بالعكس وهو الاستقراء وذكر في بعض كتبه بدل الكلي والجزئي الأعم والأخص تصريحا بأن المراد الجزئي الإضافي لا الحقيقي وتنبيها على أن تفسير الجزئي الإضافي بالمندرج تحت الغير مساو لتفسيره بالأخص تحت الأعم لا أعم منه على ما سبق إلى بعض الأوهام من أن معنى اندراجه تحت الغير مجرد صدق الغير عليه كليا وذلك لأن لفظ الاندراج منبئ عن كون الغير شاملا له ولغيره ولم يعرف من اصطلاح القوم أن كلا من المتساويين جزئي إضافي للآخر فلهذا قال صاحب الطوالع إن استدل بالكلي على الجزئي أو بأحد المتساويين على الآخر فهو القياس ليتناول ما إذا كان الأوسط مساويا للأصغر كقولنا كل إنسان ناطق وكل ناطق حيوان والجواب بأن الناطق معناه شيء ماله النطق وهو بحسب هذا المفهوم أعم من الإنسان لا يجدي نفعا إذ لا يتأتى في مثل قولنا كل ناطق إنسان وكل إنسان حيوان والأحسن أن يقال مرجع القياس إلى استفادة الحكم على ذات الأصغر من ملاحظة مفهوم الأوسط وهو أعم قطعا وإن كان مفهوم الأصغر مساويا له كما في المثالين المذكورين بل وإن كان أعم منه كما في قولنا بعض الحيوان إنسان وكل إنسان ناطق وقولنا بعض الحيوان إنسان ولا شيء من الفرس بإنسان وقولنا كل إنسان حيوان وكل إنسان ناطق وعلى هذا حال الاقترانيات الشرطية حيث يستدل بعموم الأوضاع والتقادير على بعضها وأما في القياس الاستثنائي فلا يتضح ذلك إلا أن يرجع إلى الشكل الأول فيقال مضمون التالي أمر تحقق ملزومه وكل ما تحقق ملزومه فهو متحقق أو مضمون المقدم أمر انتفى لازمه وكل ما انتفى لازمه فهو منتف والفقهاء يجعلون القياس اسما للتمثيل لما فيه من تسوية الجزئين في الحكم لتساويهما في العلة وأما على اصطلاح المنطق فوجهه أن فيه جعل النتيجة المجهولة مساوية للمقدمتين في المعلومية ثم القياس إن اشتمل على النتيجة أو نقيضها بالفعل بأن يكون ذلك مذكورا فيه بمادته وصورته وإن لم تبق قضية بواسطة أداة الشرط على ما صرح به بعض أئمة العربية من أن الكلام قد يخرج عن التمام وعن احتمال الصدق والكذب بسبب زيادة فيه مثل طرفي الشرطية كما يخرج عن ذلك لنقصان فيه مثل قولنا زيد عالم بحذف الربط والإعراب سمي استثنائيا لما فيه من استثناء وضع أحد جزئي الشرطية أو رفعه وإلا سمي اقترانيا لما فيه من اقتران الحدود بعضها بالبعض أعني الأصغر والأكبر والأوسط والاستثنائي متصل إن كانت الشرطية المذكورة فيه متصلة ومنفصل إن كانت منفصلة والاقتراني حملي إن كان تألفه من الحمليات الصرفة وشرطي إن اشتمل على شرطية وأما الاستقراء وهو تصفح جزئيات كلي واحد ليثبت حكمها في ذلك الكلي على سبيل العموم فتام إن علم انحصار الجزئيات وثبوت الحكم في كل منها وهذا نوع من القياس الاقتراني الشرطي يسمى القياس المقسم وإلا فناقص وهو المفهوم من إطلاق الاسم وهو لا يفيد إلا الظن وأما التمثيل وهو بيان مساواة جزئي لآخر في علة حكمه لتثبت مساواتهما في الحكم فقطعي إن علم استقلال المشترك بالعلية وهذا نوع من القياس وذكر المثال حشو وإلا فظني ومطلق الاسم منصرف إليه وتفاصيل هذه المباحث في صناعة المنطق وأورد صاحب الطوالع تفاصيل الضروب المنتجة من القياس الاستثنائي المتصل والمنفصل ومن الأشكال الأربعة للقياس الاقتراني الحملي بعبارة في غاية الحسن ونهاية الإيجاز وأوردها الإمام على وجه أجمل إلا أنه أهمل الشكل الرابع لبعده عن الطبع وعبر عن الشكل الثالث بحصول وصفين في محل أي ثبوت أمرين إيجابا كان أو سلبا لأمر ثالث فيشمل صور سلب الكبرى كقولنا كل إنسان حيوان ولا شيء من الإنسان بصهال إذ قد حصل في الإنسان ثبوت الحيوانية ونفي الصهالية فعلم أن بعض الحيوان ليس بصهال وعبر عن الاستثنائي المنفصل بالتقسيم المنحصر في قسمين ثم رفع أيهما كان ليلزم ثبوت الآخر أو إثبات أيهما كان ليلزم ارتفاع الآخر ولما كان ظاهره مختصا بالمنفصل الحقيقي غيره صاحب المواقف إلى ما هو أوجز وأشمل وهو أن يثبت المنافاة بين الأمرين فيلزم من ثبوت أيهما كان عدم الآخر يعني إذا ثبت المنافاة بينهما في الصدق والكذب جميعا كما في الحقيقة يلزم من ثبوت صدق كل عدم صدق الآخر ومن ثبوت كذب كل عدم كذب الآخر وإذا كان في الصدق فقط يلزم من ثبوت صدق كل عدم صدق الآخر وإذا كان في الكذب فقط يلزم من ثبوت كذب كل عدم كذب الآخر ( قال وقد يقال الدليل ) في اصطلاح المنطق هو المقدمات المرتبة المنتجة للمطلوب وقد يقال للأمر الذي يمكن أن يتأمل فيه وتستنبط المقدمات المرتبة كالعالم للصانع فيفسر بما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى حكم قطعيا كان أو ظنيا وذكر الإمكان لأن الدليل لا يخرج عن كونه دليلا بعدم النظر فيه وقيد النظر بالصحيح لأنه لا توصل بالفاسد إليه وذلك بأن لا يكون النظر فيه من جهة دلالته وأطلق الحكم ليتناول التفسير الإمارة وكثيرا ما يخص الدليل بما يفيد العلم ويسمى ما يتوصل به إلى الظن إمارة والاستدلال هو التوصل المذكور وقد يخص بما يكون من الأثر إلى المؤثر كالتوصل بالنظر في العالم إلى الصانع ويسمى عكسه تعليلا كالتوصل بالنظر في النار إلى الإشراق أي إلى التصديق بذلك وما يقال أن الدليل هو الذي يلزم من العلم به العلم بوجود المدلول فمعناه العلم بتحقق النسبة إيجابا كان أو سلبا من غير اعتبار وصف المدلولية حتى كأنه قيل بتحقق شيء آخر وهو المدلول وحتى لا يخرج مثل الاستدلال بنفي الحياة على نفي العلم ولا يلزم الدور بناء على تضايف الدليل والمدلول وذلك لأن الدليل عندهم اسم لما يفيد التصديق دون التصور والعلم قسم من التصديق يقابل الظن وعلى هذا فمعنى العلم بالدليل إذا حملناه على مثل العالم للصانع هو العلم بما يؤخذ من النظر في وجه دلالته من المقدمات المرتبة مع سائر الشرائط التي من جملتها التفطن لجهة الإنتاج وكيفية الاندراج إذ لا يلزم العلم بالمدلول إلا حينئذ لا يقال العلم بالنتيجة لازم للعلم بالمقدمات المرتبة إلا أنه قد يفتقر إلى وسط لكونه غير بين لأنا نقول لو كان كذلك لامتنع تحقق العلم الأول بدون الثاني كالمثلث لا يتحقق بدون تساوي زواياه القائمتين والموقوف على الوسط إنما هو العلم بذلك والحاصل أن اللازم يمتنع انفكاكه عن الملزوم بينا كان أو غير بين والتفرقة إنما تظهر في العلم باللزوم وبتحقق اللازم ( قال والدليل ) قد يقسم إلى العقلي والنقلي وقد يقسم إليهما وإلى المركب من العقلي والنقلي وهذا يوهم أن المراد بالنقلي ما لا يكون شيء من مقدماته عقليا وهو باطل إذ لو لم تنته سلسلة صدق المخبرين إلى من يعلم صدقه بالعقل لزم الدور أو التسلسل فدفع ذلك بأن من حصره فيهما أراد بالنقلي ما يتوقف شيء من مقدماته القريبة أو البعيدة على النقل والسماع من الصادق وبالعقلي مالا يكون كذلك ومن ثلث القسمة أراد بالنقلي ما يكون جميع مقدماته القريبة نقلية كقولنا الحج واجب وكل واجب فتاركه يستحق العقاب وبالمركب ما يكون بعض مقدماته القريبة عقليا وبعضها نقليا كقولنا الوضوء عمل وكل عمل فصحته الشرعية بالنية وكقولنا الحج واجب وكل واجب فتاركه عاص إذ لا معنى للعصيان إلا ترك امتثال الأوامر والنواهي وإنما قيد المقدمات بالقريبة لأن النقلي أيضا بعض مقدماته البعيدة عقلية كما مر فلا يقابل المركب بل يندرج فيه هذا إذا أريد بالدليل نفس المقدمات المرتبة وأما إذا أريد مأخذها كالعالم للصانع والكتاب والسنة والإجماع للأحكام فلا معنى للمركب وطريق القسمة أن استلزامه للمطلوب إن كان بحكم العقل فعقلي وإلا فنقلي ثم الحكم المطلوب إن استوى فيه عند العقل جانب الثبوت والانتفاء بحيث لا يجد من نفسه سبيلا إلى تعيين أحدهما فطريق إثباته النقل لا غير كالحكم بوجوب الحج وبكون زيد في الدار وإلا فإن توقف عليه ثبوت النقل كالعلم بصدق المخبر وما يبتنى عليه ذلك كثبوت الصانع وبعثة النبي ودلالة المعجزة ونحو ذلك فطريق إثباته العقل لا غير لئلا يلزم الدور وإلا فيمكن إثباته بكل من النقل والعقل كوحدة الصانع وحدوث العالم إذا صح الاستدلال على الصانع بإمكان العالم أو بحدوث الأعراض أو بعض الجواهر وإذا تعاضد العقل والنقل كان المثبت ما أفاد العلم أولا واعلم أن توقف النقل على ثبوت الصانع وبعثة الأنبياء إنماهو في الأحكام الشرعية وفيما يقصد به حصول القطع وصحة الاحتجاج على الغير وأما في مجرد إفادة الظن فيكفي خبر واحد أو جماعة يظن المستدل صدقة كالمنقولات عن بعض الأولياء والعلماء والشعراء ونحو ذلك حتى لو جعل العلم الحاصل بالتواتر استدلاليا لم يتوقف النقل القطعي أيضا على إثبات الصانع وبعثة الأنبياء ( قال ولا خفاء في إفادة النقلي الظن ) وإنماالكلام في إفادته العلم فإنها تتوقف على العلم بوضع الألفاظ الواردة في كلام المخبر الصادق للمعاني المفهومة وبإرادة المخبر تلك المعاني ليلزم ثبوت المدلول والعلم بالوضع يتوقف على العلم بعصمة رواة العربية لغة وصرفا ونحوا عن الغلط والكذب لأن مرجعه إلى روايتهم إذ لا طريق إلى معرفة الأوضاع سوى النقل أما الأصول أعني ما وقع التنصيص عليه فظاهر وأما الفروع فلأنها مبنية على الأصول بالقياس الذي هو في نفسه ظني والعلم بالإرادة يتوقف على عدم النقل إلى معنى آخر وعلى عدم اشتراكه بين هذا المعنى وبين معنى آخر وعلى عدم كونه مستعملا بطريق التجوز في معنى غير الموضوع له وعلى عدم إضمار شيء يتغير به المعنى وعلى عدم تخصيص ما ظاهره عموم الإفراد أو الأوقات بالبعض من ذلك بأن يراد من أول الأمر ذلك البعض أو يراد ما يفيد بيان انتهاء وقت الحكم ويسمى ناسخا وعلى عدم تقديم وتأخير يغير المعنى المطلوب عن ظاهره وفي بعض كتب الإمام وعلى عدم الحذف وفسرالحذف بأن يكون في الكلام زيادة يجب حذفها لتحصيل المعنى المقصود كقوله تعالى
﴿وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون﴾
وقوله تعالى
﴿لا أقسم بيوم القيامة﴾
فإن كلمة لا في الموضعين محذوفة أي واجبة الحذف وكثير من الناس يفهمون منه أن يكون في الكلام محذوف يجب تقديره ليحصل المعنى ويفرقون بينه وبين الإضمار بأن المضمر ما يبقى له اثر في اللفظ كقولك خير مقدم بإضمار قدمت وبالجملة فلا سبيل إلى الجزم بوجود الشرائط وعدم الموانع بل غايته الظن وما يبتني على الظن لا يفيد إلا الظن ومن جملة مالا بد منه ولا سبيل إلى الجزم به انتفاء المعارض العقلي إذ مع وجوده يجب تأويل النقل وصرفه عن ظاهره لأنه لا يجوز تصديقهما لامتناع اعتقاد حقية النقيضين ولا تكذيبهما لامتناع اعتقاد بطلان النقيضين ولا تصديق النقل وتكذيب العقل لأنه أصل النقل لاحتياجه إليه وانتهائه بالآخرة إليه لما سبق من أنه لا بد من معرفة صدق النقل بدليل عقلي وفي تكذيب الأصل لتصديق الفرع تكذيب الأصل والفرع جميعا وما يفضي وجوده إلى عدمه باطل قطعا واقتصر في المتن على هذا لكونه وافيا بتمام المقصود وذلك لأنه لما امتنع تصديق النقل لاستلزامه تكذيب العقل الذي هو الأصل ثبت أنه لا يفيد العلم إذ لا معنى لعدم تصديقه سوى هذا ولا حاجة إلى باقي المقدمات مع ما في الحصر من المناقشة إذ لا يلزم تصديقهما أو تكذيبهما أو تصديق أحدهما وتكذيب الآخر لجواز أن يحكم بتساقطهما وكونهما في حكم العدم من غير أن يعتقد معهما حقية شيء أو بطلانه ولو جعل التكذيب مساويا لعدم التصديق لم يلزم من تكذيب العقل والنقل اعتقاد ارتفاع النقيضين وبطلانهما لأن معنى عدم تصديق الدليل عدم اعتقاد صحته واستلزامه لحقية النتيجة وهذا لا يستلزم بطلانها أو اعتقاد بطلانها وارتفاعها فغاية الأمر التوقف في الإثبات والنفي على أن تكذيبهما أيضا يستلزم المطلوب أعني عدم إفادة النقل العلم فنفيه يكون مستدركا في البيان هذا والحق أن الدليل النقلي قد يفيد القطع إذ من الأوضاع ما هو معلوم بطريق التواتر كلفظ السماء والأرض وكأكثر قواعد الصرف والنحو في وضع هيئات المفردات وهيئات التراكيب والعلم بالإرادة يحصل بمعونة القرائن بحيث لا تبقى شبهة كما في النصوص الواردة في إيجاب الصلاة والزكاة ونحوهما وفي التوحيد والبعث إذا اكتفينا فيهما بمجرد السمع كقوله تعالى
﴿قل هو الله أحد﴾
فاعلم أنه لا إله إلا الله
﴿قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم﴾
فإن قيل احتمال المعارض قائم إذ لا جزم بعدمه بمجرد الدليل النقلي أو بمعونة القراين قلنا أما في الشرعيات فلا خفاء إذ لا مجال للعقل فلا معارض من قبله ونفي المعارض من قبل الشرع معلوم بالضرورة من الدين في مثل ما ذكرنا من الصلاة والزكاة وأما في العقليات فلأن العلم بنفي المعارض العقلي لازم حاصل عند العلم بالوضع والإرادة وصدق المخبر على ما هو المفروض في نصوص التوحيد والبعث وذلك لأن العلم بتحقق أحد المتنافيين يفيد العلم بانتفاء المنافي الآخر كما سبق في إفادة النظر العلم بالمطلوب وبانتفاء المعارض فإن قيل إفادتها اليقين تتوقف على العلم بنفي المعارض فإثباته بها يكون دورا قلنا إنما يثبت بها التصديق بحصول هذا العلم بناء على حصول ملزومه على أن الحق أن إفادة اليقين إنما تتوقف على انتفاء المعارض وعدم اعتقاد ثبوته لا على العلم بانتفائه إذ كثيرا ما يحصل اليقين من الدليل ولا يخطر المعارض بالبال إثباتا أو نفيا فضلا عن العلم بذلك فما يقال أن إفادة اليقين تكون مع العلم بنفي المعارض وأنه يفيد ذلك ويستلزمه فمعناه أنه يكون بحيث إذا لاحظ العقل هذا المعارض جزم بانتفائه ويدل على ما ذكرنا قطعا ما ذكروا في بيان هذا الاشتراط من أنه لا جزم مع المعارض بل الحاصل معه التوقف فليتأمل والله الهادي ( قال المقصد الثاني ) قد سبقت الإشارة إلى أن وجه تقديم هذا المقصد على الأربعة الباقية توقف بعض بياناتها عليه ووجه إفراده عنها مع كونه عايدا إليها هو أنه لما كان البحث عن أحوال الموجود وقد انقسم إلى الواجب والجوهر والعرض واختص كل منها بأحوال تعرف في بابه احتيج إلى باب لمعرفة الأحوال المشتركة بين الثلاثة كالوجود والوحدة أو الاثنين فقط كالحدوث والكثرة وبهذا يظهر أن المراد بالموجودات في قولهم الأمور العامة ما يعم أكثر الموجودات هو أقسامه الثلاثة التي هي الواجب والجوهر والعرض لا أفراده التي لا سبيل للعقل إلى حصرها وتعيين الأكثر منها والحكم بأن مثل العلية والكثرة يعم أكثرها ولا خفاء في أن المقصود بالنظر ما يتعلق به غرض علمي ويترتب عليه مقصودا صلى من الفن ولا يكون له ذكر في أحد المقاصد بالأصالة وإلا فكثير من الأمور الشاملة مما لا يبحث عنه في الباب كالكمية والكيفية والإضافة والمعلومية والمقدورية وسائر مباحث الكليات الخمس والحد والرسم والوضع والحمل بل عامة المعقولات الثانية ولا يضر كون البعض اعتباريا محضا أو غير مختص بالموجود لأن بعض ما يبحث عنه أيضا كذلك كالإمكان فإن قيل قد يبحث عما لا يشمل الموجود أصلا كالامتناع والعدم وعما يخص الواجب قطعا كالوجوب والقدم قلنا لما كان البحث مقصورا على أحوال الموجود كان بحث العدم والامتناع بالعرض لكونهما في مقابلة الوجود والإمكان وبحث الوجوب والقدم من حهة كونهما من أقسام مطلق الوجوب والقدم أعني ضرورة الوجود بالذات أو بالغير وعدم االمسبوقية بالعدم وهما من الأمور الشاملة أما الوجوب فظاهر وأما القدم فعلى رأي الفلاسفة حيث يقولون بقدم المجردات والحركة والزمان وغيرهما من الجواهر والأعراض ونظر الكلام فيه من جهة النفي لا الإثبات يعني أنه ليس من الأمور العامة كبحث الحال عند من ينفيه وقد تفسر الأمور العامة بما يعم أكثر الموجودات أو المعدومات ليشمل العدم والامتناع وإلى هذا كان ينبغي أن يذهب صاحب المواقف حيث زعم أن ليس موضوع الكلام هو الموجود لما أنه يبحث عن المعدوم قال الفصل الأول رتب المقصد الثاني على ثلاثة فصول في الوجود والماهية ولواحقهما والفصل الأول يتضمن البحث عن العدم والحق أن تصور الوجود بديهي وأن هذا الحكم أيضا بديهي يقطع به كل عاقل يلتفت إليه وإن لم يمارس طرق الاكتساب حتى ذهب جمهور الحكماء إلى أنه لا شيء أعرف من الوجود وعولوا على الاستقراء إذ هو كاف في هذا المطلوب لأن العقل إذا لم يجد في معقولاته ما هو أعرف منه بل هو في مرتبته ثبت أنه أوضح الأشياء عند العقل والمعنى الواضح قد يعرف من حيث أنه مدلول لفظ دون لفظ فيعرف تعريفا لفظيا يفيد فهمه من ذلك اللفظ لا تصوره في نفسه ليكون دور أو تعريفا للشيء بنفسه وذلك كتعريفهم الوجود بالكون والثبوت والتحقق والشيئية والحصول ونحو ذلك بالنسبة إلى من يعرف معنى الوجود من حيث أنه مدلول هذه الألفاظ دون لفظ الوجود حتى لو انعكس انعكس وأما التعريف بالثابت العين أو بالذي يمكن أن يخبر عنه ويعلم أو بالذي ينقسم إلى الفاعل والمنفعل أو بالذي ينقسم إلى القديم والحادث فإن قصد كونه رسميا فلزوم الدور ظاهر إذ لا يعقل معنى الذي ثبت والذي أمكن ونحو ذلك إلا بعد تعقل معنى الحصول في الأعيان أو الأذهان ولو سلم فلا خفاء في أن معنى الوجود أوضح عند العقل من معاني هذه العبارات وقد يقرر الدور بأن الموصوف المقدر لهذه الصفات أعني الذي يثبت والذي يمكن والذي ينقسم هو الوجود لا غير لأن غيره إما الموجود أو العدم أو المعدوم ولا شيء منها يصدق على الوجود وهو ضعيف لأن المفهومات لا تنحصر فيما ذكر فيجوز أن يقدر مثل المعنى والأمر والشيء مما يصدق على الوجود وغيره وإن قصد كونه تعريفا اسميا فلا خفاء في أنه ليس أوضح دلالة على المقصود من لفظ الوجود بل أخفى فلا يصلح تعريفا اسميا كما لا يصلح رسميا على أن كلا منها صادق على الموجود وبعضها على أعيان الموجودات وقد يتكلف لعدم صدق الثابت العين على الموجود بأن معناه الثابت عينه أي نفسه من حيث هي هي لا باعتبار أمر آخر بخلاف الموجود فإنه ثابت من حيث اتصافه بالوجود فالثابت أعم من أن يكون ثابتا بنفسه وهو الوجود أو بالوجود وهو الموجود وأنت خبير بأنه لا دلالة للفظ عينه على هذا المعنى ولا يعقل من الثابت إلا ما له الثبوت وهو معنى الموجود وكون هذه التعريفات للوجود هو ظاهر كلام التجريد والمباحث المشرقية وفي كلام المتقدمين أن الموجود هو الثابت العين والمعدوم هو المنفي العين وكأن زيادة لفظ العين لدفع توهم أن يراد الثابت لشيء والمنفي عن شيء فإن ذلك معنى المحمول لا الموجود وفي كلام الفارابي أن الوجود إمكان الفعل والانفعال والموجود ما أمكنه الفعل والانفعال قال واستدل كأن الإمام جعل التصديق ببداهة تصور الوجود كسبيا فاستدل عليه بوجوه الأول أن التصديق بأن الوجود والعدم متنافيان لا يصدقان معا على أمر أصلا بل كل أمر فإما موجود أو معدوم تصديق بديهي وهو مسبوق بتصور الوجود والعدم فهو أولى بالبداهة والجواب أنه إن أريد أن هذا الحكم بديهي بجميع متعلقاته على ما هو رأي الإمام في التصديق فممنوع بل مصادرة على المط حيث جعل المرعي وهو بداهة تصور الوجود جزء من الدليل وإن أريد أن نفس الحكم بديهي بمعنى أنه لا يتوقف بعد تصور المتعلقات على كسب فمسلم لكنه لا يثبت المدعى وهو بداهة تصور الوجود بحقيقته لجواز الحكم البديهي مع عدم تصور الطرفين بالحقيقة بل بوجه ما ومع كون تصورهما كسبيا لا بديهيا وإنما قلنا في الأول فممنوع بل مصادرة ولم نقتصر على أحدهما تنبيها على تمام الجواب بدون بيان المصادرة وتحقيقا للزوم المصادرة بأن بداهة كل جزء من أجزاء هذا التصديق جزء من بداهة هذا التصديق لأنه لا معنى لبداهة هذا التصديق سوى أن ما يتضمنه من الحكم والطرفين بديهي والعلم بالكل إما نفس العلم بالأجزاء أو حاصل به على ما مر في تصور الماهية وأجزائها فبالضرورة يكون العلم بكل جزء سابقا على العلم بالكل لا تابعا له ممكن الاستفادة منه ويبطل ما ذكر في المواقف من أنا نحتار أن هذا التصديق بديهي مطلقا أي بجميع أجزائه ولا مصادرة لأن بداهة هذا التصديق تتوقف على بداهة أجزائه لكن العلم ببداهته لا يتوقف على العلم ببداهة الأجزاء فالاستدلال إنما هو على العلم ببداهة الأجزاء فيجوز أن يستفاد من العلم ببداهة هذاالتصديق لأنه يستتبع العلم ببداهة أجزائه بمعنى أنه إذا علم بداهته فكل جزء يلاحظ من أجزائه يعلم أنه بديهي فإن قيل قد يعقل المركب من غير ملاحظة الأجزاء على التفصيل قلنا لو سلم ففي المركب الحقيقي إذ لا معنى لتعقل المركب الاعتباري سوى تعقل الأمور الاعتبارية المتعددة التي وضع الاسم بإزائها ولو سلم ففي التصور للقطع بأنه لا معنى للتصديق ببداهة هذا المركب بجميع أجزائه سوى التصديق بأن هذاالجزء بديهي وذاك وذاك ولو سلم فلا يلزم المصادرة في شيء من الصور لجواز أن يعلم الدليل مطلقا من غير توقف على العلم بجزئه الذي هو نفس المرعي الوجه الثاني أن الوجود معلوم بحقيقته وحصول العلم إما بالضرورة أو الاكتساب وطريق الاكتساب إما الحد أو الرسم وهذا احتجاج على من يعترف بهذه المقدمات فلهذا لم يتعرض لمنعها والوجود يمتنع اكتسابه إما بالحد فلأنه إنما يكون للمركب والوجود ليس بمركب وإلا فأجزاؤه إما وجودات أو غيرها فإن كانت وجودات لزم تقدم الشيء على نفسه ومساواة الجزء للكل في تمام ماهيته وكلاهما محال أما الأول فظاهر وأما الثاني فلأن الجزء داخل في ماهية الكل وليس بداخل في ماهية نفسه ومبنى اللزوم على أن الوجود المطلق الذي فرض التركيب فيه ليس خارجا عن الوجودات الخاصة بل إما نفس ماهيتها ليلزم الثاني أو جزء مقوم لها ليلزم الأول وإلا فيجوز أن تكون الأجزاء وجودات خاصة هي نفس الماهيات أو زائدة عليها والمطلق خارج عنها فلا يلزم شيء من المحالين وإن لم تكن الأجزاء وجودات فإما أن يحصل عند اجتماعهما أمر زائد يكون هو الوجود أو لا يحصل فإن لم يحصل كان الوجود محض ما ليس بوجود وهو مح وإن حصل لم يكن التركيب في الوجود الذي هو نفس ذلك الزائد العارض بل في معروضه هذا خلف وتقرير الإمام في المباحث انه لو تركب الوجود فأجزاؤه إن كانت وجودية كان الوجود الواحد وجودات وإن لم تكن وجودية فإن لم يحدث لها عند اجتماعها صفة الوجود كان الوجود عبارة عن مجموع الأمور العدمية وإن حدثت يكون ذلك المجموع مؤثرا في ذلك الوجود أو قابلا له فلا يكون التركيب في نفس الوجود بل في قابله أو فاعله وإما بالرسم فلما سبق من أنه إنما يفيد بعد العلم باختصاص الخارج بالمرسوم وهذا متوقف على العلم به وهو دور وبما عداه مفصلا وهو محال ولو سلم فلا يفيد معرفة الحقيقة والجواب عن التقرير الأول لدليل امتناع تركب الوجود النقض أي لو صح بجميع مقدماته لزم أن لا يكون شيء من الماهيات مركبا لجريانه فيها بأن يقال أجزاء البيت إما بيوت وهو مح وإما غير بيوت وح إما أن يحصل عند اجتماعهما أمر زائد هو البيت فلا يكون التركيب في البيت هذا خلف أولا يحصل فيكون البيت محض ما ليس ببيت والحل بأنا نختار أنه يحصل أمر زائد على كل جزء وهو المجموع الذي هو نفس الوجود فلا يكون التركيب إلا فيه ولا حاجة إلى حصول أمر زائد على المجموع فالوجود محض المجموع الذي ليس شيء من أجزائه بوجود كما أن البيت محض الأجسام التي ليس شيء منها ببيت والعشرة محض الآحاد التي ليس شيء منها بعشرة فإن قيل هذا إنما يستقيم في الأجزاء الخارجية وكلامنا في الأجزاء العقلية التي يقع بها التحديد إلزاما لمن اعترف بزيادة الوجود على الماهية إذ ليس على القول بالاشتراك اللفظي وجود مطلق يدعى بداهته أو اكتسابه بل له معان بعضها بديهي وبعضها كسبي وح لا يصح الحل بأن أجزاء الوجود أمور تتصف بالعدم أو بوجود هو عين الماهية أو لا تتصف بالوجود ولا بالعدم قلنا فالحل ما أشرنا إليه من أنها وجودات أي أمور يصدق عليها الوجود صدق العارض على المعروض وح لا يلزم شيء من المحالين ولا اتصاف الشيء بالوجود قبل تحقق الوجود لأنه لا تمايز بين الجنس والفصل والنوع إلا بحسب العقل دون الخارج فمعنى قولنا يكون الوجود محض ما ليس شيء من أجزائه بوجود أنه لا يكون شيء من الأجزاء نفس الوجود وإن كان يصدق عليه الوجود كسائر المركبات بالنسبة إلى الأجزاء العقلية فإنها لا تكون نفس ذلك المركب لكنه يصدق عليها صدق العارض والجواب عن التقرير الثاني أنا نختار أن أجزاء الوجود وجوديات ولا نسلم لزوم كون الوجود الواحد وجودات وإنما يلزم لو كان وجود الوجودي عينه ولو سلم فيكون الوجود الواحد في نفس الأمر وجودات بحسب العقل ولا استحالة فيه كما في سائر المركبات من الأجزاء العقلية والجواب عما ذكر في امتناع اكتسابه بالرسم ما سبق من أنه إنما يتوقف على الاختصاص لا على العلم بالاختصاص وأنه وإن لم يستلزم إفادة معرفة الحقيقة لكنه قد يفيدها وقد يستدل على امتناع اكتسابه بالرسم بوجهين
أحدهما أنه يتوقف على العلم بوجود اللازم وثبوته للمرسوم وهو أخص من مطلق الوجود فيدور
وثانيهما أن الرسم إنما يكون بالأعرف ولا أعرف من الوجود بحكم الاستقراء أو لأنه أعم الأشياء بحسب التحقق دون الصدق والأعم أعرف لكون شروطه ومعانداته أقل والجواب منع أكثر المقدمات على أنه لو ثبت كونه أعرف الأشياء لم يحتج إلى باقي المقدمات
الوجه الثالث أن الوجود المطلق جزء من وجودي لأن معناه الوجود مع الإضافة والعلم بوجودي بديهي بمعنى أنه لا يتوقف على كسب أصلا فيكون الوجود المطلق بديهيا لأن ما يتوقف عليه البديهي يكون بديهيا والجواب أنه إن أريد أن تصور وجودي بالحقيقة بديهي فممنوع ولو سلم فلان أن المطلق جزء منه أو تصوره جزء من تصوره لما سيجيء من أن الوجود المطلق يقع على الوجودات وقوع لازم خارجي غير مقوم وليس العارض جزأ للمعروض ولا تصوره لتصوره وإن أريد أن التصديق أي العلم بأني موجود ضروري فغير مفيد لأن كونه بديهيا لجميع الأجزاء غير مسلم وكون حكمه بديهيا غير مستلزم لتصور الطرفين بالحقيقة فضلا عن بداهته وظاهر تقرير الإمام بل صريحه أن المراد هو تصديق الإنسان بأنه موجود ثم أورد منع بداهته فأجاب بأنه على تقدير كونه كسبيا لا بد من الانتهاء إلى دليل يعلم وجوده بالضرورة قطعا للتسلسل والعلم بالوجود جزء من ذلك العلم فيكون ضروريا وصرح صاحب المواقف بأنه جزء وجودي وهو متصور بالبديهة ثم أورد جواب الإمام عن المنع المذكور وزاد عليه فقال وأيضا لا دليل عن سالبتين فلا بد من الانتهاء إلى موجبة يحكم فيها بوجود المحمول للموضوع ضرورة ثم دفعهما بأن الذي لا بد من الانتهاء إليه دليل هو ضروري لا وجوده فإنا نستدل بصدق المقدمتين لا بوجودهما في الخارج وبأن الموجبة ما حكم فيها بصدق المحمول على ما صدق عليه الموضوع لا بوجوده له وأنت خبير بأنه لا دخل للدليل وترتيب المقدمتين في الإيصال إلى التصور وإن كان كلامه صريح في أنه يريد بالدليل الموصل إلى التصديق لا الموصل في الجملة وأن مراد الإمام بالدليل الذي لا بد من العلم بوجوده هو الأمر الذي يستدل به كالعالم للصانع لا المقدمات المرتبة وأنه لا معنى لصدق المحمول على الموضوع سوى وجوده له وثبوته له نعم يتجه أن يقال الوجود هنا رابطة وليس الكلام فيه ( قال فإن قيل ) يريد أن يشير إلى تمسكات المنكرين ببداهة الوجود مع الجواب عنها وهي وجوه
पृष्ठ 59