قال ارسطو واما العلة فى ظنون هولاء الناس فانهم كانوا يلتمسون الفحص عن حقيقة الهويات وكانوا يظنون ان الهويات هى المحسوسات فقط وهذه المحسوسات طبائعها ليست محدودة والاختلاف فيها كثير وفى كل الهويات التى هى على هذه الحال ايضا كما قلنا ولذلك يشبه ما يقولون الحق ولا يقولون الحق فانه ينبغى ان يقال هذا القول مثل ما قال المتحيرون فى كسانقراطس وايضا لما رأوا جميع هذه الطبيعة انها تتحرك وانه لا شىء يقال بالحقيقة على الاشياء التى تتغير ظنوا انه لا يمكن البتة ان يقال شىء بالحقيقة على الاشياء التى تتغير بكليتها على حال ومن هذا الراى تتشعب اراء من راى مثل راى ابروقليطس ومن يقول بقوله وما كان يرى ابروقليطس ايضا فانه فى اخر عمره لم يكن يرى انه ينبغى ان يقال شىء بل كان يحرك اصبعه فقط وكان يخطئ ابروقليطس فى قوله انه لا يمكن ان يشير احد الى ماء نهر جار مرتين فانه كان يقول ولا مرة واحدة يمكن هذا ونحن نقول فى هذا القول ايضا ان الذى يتغير له عند تغيره قول ما يصدق عليه ويظن انه ليس وان كان مما يشك فيه فان الذى ينفى منه شىء من الاشياء مضطر ان يكون له هوية ما به يمكن ان ينفيه ومضطر ان تكون هوية ما للذى يكون وبالجملة ان كان يفسد شىء فله هوية وان كان يتكون فمضطر ان تكون هوية للذى منه يكون وللذى به يكون والا يكون هذا بلا نهاية ولكن ندع هذه فنقول ان التغير بالكمية ليس بعينه التغير بالكيفية ايضا وليس العلم بالكمية فقط بل تعرف كل الاشياء بالصور التفسير لما ذكر الشبه التى أدت بعض الناس الى القول بان الاشياء كلها صادقة والتى أدت بعضهم الى ان ينكروا النظر فقالوا انه ليس معرفة هاهنا البتة ولا حقيقة يريد ان يذكر العلة فى غلط هولاء ومن اين دخل عليهم الغلط فقال والعلة فى ظنون هولاء الناس انهم كانوا يلتمسون الفحص عن حقيقة الهويات وكانوا يظنون ان الهويات هى المحسوسات الى قوله طبائعها ليست محدودة يريد والعلة فى الحيرة التى عرضت لهولاء القوم انهم كانوا يرومون الفحص عن حقيقة الموجودات ولم يكن قصدهم قصد السوفسطانيين وكانوا يظنون مع ذلك ان الموجودات هى المحسوسات فقط والمحسوسات طبائعها متغيرة لا تثبت على حال والمعرفة بالاشياء ان كانت موجودة فينبغى ان تكون ثابتة فى اشياء ثابتة فكانوا يتحيرون بسبب ذلك وينفون العلم وهذا هو الذى دل عليه بقوله والاختلاف فيها كثير وفى كل الهويات التى على هذه الحال يريد والاختلاف فى كل المحسوسات كثير وكذلك فى كل الموجودات التى هى من قبل الامور المحسوسة ثم قال ولذلك يشبه ما يقولون الحق ولا يقولون الحق يريد ان قولهم يشبه الحق من جهة وهو قولهم ان المحسوسات متغيرة غير ثابتة وانه لا يكون فيها معرفة وهذا كله حق وليس قولهم ان المعلومات هى المحسوسات وهذا كذب وقوله فانه ينبغى ان يقال هذا القول مثل ما قال المتحيرون فى كسانقراطس يريد انه ينبغى ان يتحذر من هذا الشك مثل ما تحذر منه المتحيرون فى اقاويل كسانقراطس ثم عرفوا وجه الغلط فيه ثم قال وايضا لما رأوا جميع هذه الطبيعة انها تتحرك وانه لا شىء يقال بالحقيقة على الاشياء التى تتغير ظنوا انه لا يمكن البتة ان يقال شىء بالحقيقة على الاشياء التى تتغير بكليتها على حال يريد وبالجملة فالذى اعتمدوا عليه هو امران احدهما انهم رأوا هذه الطبيعة المحسوسة متغيرة متبدلة بذاتها والثاني انهم اعتقدوا انه ليس شىء من الاشياء يصدق بالحقيقة على الاشياء التى تتغير بجملتها بل كل ما توصف به يلفى كاذبا لسرعة تغيرها وعلى هذا فلا يكون هاهنا معرفة ثابتة لا دائما ولا وقتا ما ثم قال ومن هذا الراى تتشعب اراء من راى مثل راى ابروقليطس ومن يقول بقوله يريد ومن هذا الراى تتشعب آراء من يرى مثل راى ابروقليطس ثم ذكر راى ابروقليطس فقال وما كان يرى ابروقليطس فانه فى اخر عمره لم يكن يرى انه ينبغى ان يقال شىء بل كان يحرك اصبعه فقط يريد ان هذا الرجل انتهى به الظن فى اخر عمره وشدد زعم من قبله انه لا ينبغى ان يجيب احد عندما يسال عن اى شىء سئل لا بنعم ولا بكلا لانه يكون كاذبا من قبل انه لن يفرغ من الجواب الا وقد تغير الشىء الى ضده فصار لمكان هذا اذا سئل اشار باصبعه ولا يتكلم ثم قال وكان يخطئ فلانا فى قوله انه لا يمكن ان يشير احد الى ماء نهر مرتين لانه كان يقول ولا مرة واحدة يمكن هذا يريد وكان يخطئ رجلا تقدمه من القدماء كان يرى هذا الراى فى قوله انه لا يمكن ان يغطس احد فى ماء نهر مرتين ولا ان يلمسه مرتين لانه كان يقول انه كان ينبغى له ان يقول انه لا يمكن ان يلمس احد ما واحدا بعينه مرة واحدة فضلا عن مرتين وانما اراد بهذا كله ان هذه حال الموجودات فى سيلانها وانها لا يحصل فيها علم ولو فى زمان هو فى غاية القلة ثم قال ونحن نقول فى هذا القول ايضا ان الذى يتغير له عند تغيره قول ما يصدق عليه ويظن انه ليس يريد ونحن نقول فى الجواب على هولاء ان الذى يتغير يوجد له قول يصدق عليه بما هو متغير وهو مثلا قولنا ليس يثبت ومقابله يكذب عليه وهو قولنا انه يثبت وهو الذى اراد بقوله ويظن انه ليس اى ويقضى عليه انه لا يثبت وهذا حكم غير متغير وانما قال هذا لانهم كانوا يجحدون التغير بانه ليس وقوله وان كان مما يشك فيه فان الذى ينفى منه شىء من الاشياء مضطر ان يكون له هوية ما به يمكن ان ينفيه يريد وبالجملة من ينفى شيئا ما من شىء فلا بد وان يكون للمنفى طبيعة ما حاصلة وبالجملة لا بد وان يكون هوية من الهويات يعنى ان هولاء الذين ينفون العلم يلزم ان يكون للعلم عندهم طبيعة ما محدودة فيكون لا محالة هوية من الهويات والا لم يكن شىء منفيا البتة ثم قال فمضطر ان تكون هوية ما للذى يكون وبالجملة ان كان يفسد شىء فله هوية وان كان يتكون فمضطر ان تكون هوية للذى منه يكون والذى به يكون والا يمر هذا الى غير نهاية يريد وبالجملة ان كان شىء يتكون فقد لزم ضرورة ان يكون له هوية منها يكون وهى هيولاه وهوية بها يكون والا تكون هذه فاسدة والا يمر الامر الى غير نهاية وكذلك الامر فى الفساد يلزم ان ينتهى الى شىء لا يفسد ثم قال ولا كن ندع هذه فنقول ان التغير بالكمية ليس بعينه التغير بالكيفية وليس العلم بالكمية فقط بل تعرف كل الاشياء بالصور يريد ولا كن لندع هذه المعاندة فننتقل الى ما هو اوضح منها وهو ان التغير الذى يظنون انه دائم فى الموجودات هو فى الكمية لا فى الكيفية والصورة والعلم الضرورى بالاشياء لا يكون من قبل كمياتها فقط بل ومن قبل صورها فان كانت الصور ثابتة فالعلم بها ثابت
पृष्ठ 427