شرح كتاب نقد متون السنة للدميني - محمد حسن عبد الغفار
شرح كتاب نقد متون السنة للدميني - محمد حسن عبد الغفار
शैलियों
حث الأمة على الأخذ بمعالي الأمور
روي عن النبي ﷺ أنه قال: (كن ذنبًا في الحق ولا تكن رأسًا في الباطل) فهل النبي ﷺ الذي يبين للأمة ما ترتقي به، ويرسم لها طريق النجاح والنجاة، وطريق الارتقاء وعلو الهمة يمكن أن يقول لها هذا الكلام؟ أقول: هذا الحديث ممكن أن ينتقد متنه من جميع القواعد؛ لأنه يعارض أصل القرآن، يقول: الله تعالى حاكيًا عن إبراهيم صاحب الهمة العالية، ونحن أمرنا بالاقتداء بالأنبياء بل وأمر بذلك النبي ﷺ: ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام:٩٠]، وقال سبحانه: ﴿فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [آل عمران:٩٥]، وقال: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان:٧٤]، فقال: «إماماإ» ولم يقل: كن ذنبًا.
وأيضًا قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء:٧٠]، ومن التكريم أن يتقدم الإنسان ولا يتأخر، وأن يقود ولا ينقاد، فهذا من باب التكريم.
ويعارض أيضًا السنة، يقول النبي ﷺ: (إن الله يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها) أي: يكره أسافل الأمور، ففيه دلالة على أن الدين يحث الإنسان أنه يكون رأسًا ولا يكون منقادًا، كما قال تعالى: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ [العنكبوت:١٣] ولذلك لا تستطيع أن تقول: علقها في رقبة عالم وأصبح سالمًا؛ لأنك ستكون في ذيله في الدرك الأسفل إن ذهب، والعياذ بالله، والإنسان المستفتي، والمقلد قد رضي أن يكون في مؤخرة القوم، وهذا لن يفوز عند ربه جل في علاه.
ويأباه أيضًا العقل، فمعلوم أن مقاصد الشريعة كلها تحث الأمة على أن تكون أمة سيادة وريادة، ولذلك فالله جل في علاه مكن لهذه الأمة في مدة وجيزة من عمر الزمن، فهذا فيه دلالة عالية جدًا على أن الدين يحث هذه الأمة على أن تكون من الرأس بمكان، ولا تكون من المؤخرة.
وكذلك لو عرضنا هذا الحديث على المختص فإنه لا يقبله، فإن عمر ﵁ لما سأل أحد عماله: من وليت على مكة؟ قال ابن أبزى، فقال من العرب أم من الموالي؟ قال من الموالي، فتضايق عمر لذلك، فقال: يا أمير المؤمنين! إنه أعلمهم بكتاب الله، فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إن الله يرفع بهذا القرآن أقوامًا ويضع به آخرين)، إذًا فقد ذهب أهل العلم بشرف الدنيا والآخرة.
وهذا عطاء بن أبي رباح من الموالي وكان عالمًا، فأرسل إليه أمير المؤمنين: أن ائتنا، فقال: لا نأت أحدًا، إن أردتنا فأت أنت مجلسنا.
فهذا عبد أسود يقول ذلك لأمير المؤمنين!
9 / 5