شرح كتاب نقد متون السنة للدميني - محمد حسن عبد الغفار
شرح كتاب نقد متون السنة للدميني - محمد حسن عبد الغفار
शैलियों
متى بدأ الوضع في الحديث
متى ظهر الدخيل؟ ومتى ظهر الوضع في حديث النبي ﷺ؟ وهذا له علاقة وطيدة بالكلام على نقد متون السنة، فكيف نعرف أن هذا المتن موضوع أم لا؟ لقد ظهر الوضع في حديث النبي ﷺ بعد خلافة عمر عندما اشتدت فتنة الخوارج، وفي الصحيح أن عمر بن الخطاب ﵁ وأرضاه قال: أيكم يحفظ حديث الفتنة؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ (فتنة الرجل في أهله وماله تكفرها الصلاة والصيام والصدقة، فقال: لست عن هذا أسأل، إنما أسأل عن الفتنة التي تموج كموج البحر، فقال حذيفة: مالك ولها يا أمير المؤمنين؟! إن بينك وبينها بابًا مغلقًا، ً فقال له عمر: أيفتح الباب أم يكسر؟ قال: بل يكسر، قال: إذًا لا يغلق أبدًا) وكان يقصد بذلك أن عمر سيقتل ثم تتوالى الفتن، وقد توالت الفتن بعده، فـ عثمان ﵁ وأرضاه خرج عليه الخوارج، وأرادوا أن يخلعوا عنه ثوبًا قد ألبسه الله إياه، وهو ثوب الخلافة، فقالوا له: نفسك أو الخلافة، قال: والله لن أخلع ثوبًا ألبسنيه الله، وقد قال له رسول الله ﷺ: (إن الله مقمصك قميصًا فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه)، فتمسك بالخلافة فقتلوه ﵁ وأرضاه ظلمًا وعدوانًا وزورًا، ولذلك قال حذيفة: لو كان في قتل عثمان خير لهذه الأمة لحلبوا بعده لبنًا، ولو كان في قتل عثمان شر لهذه الأمة لحلبوا بعده دمًا عبيطًا، وقد حلبوا بعده دمًا عبيطًا، ولم يقف الدم بحال من الأحوال بعد دم عثمان، فبعد ذلك قتل علي وقتل الحسين، وعظمت الفتنة وأطلت برأسها على الأمة الإسلامية، ولما ظهرت الفتنة أصبح كل إنسان يرى الحق مع فلان، فيتحزب له، فإذا تحزب له وضع الحديث من أجله، والحمد لله أننا في هذه العصور لسنا في عصور التدوين؛ لأن الخلافات بين الإخوة كثيرة، والتحزبات كثيرة، فأي واحد سيضع حديثًا سنرده على وجهه، ونقول: أنت حديثك عندنا غير مقبول، لكن ذلك الوقت كان عصر التدوين، فكانوا يضعون أحاديث عن النبي ﷺ.
فمن أسباب الوضع انتشار الفتنة والخلافات السياسية، وظهر هذا الأمر على أوجه عندما اختلف علي بن أبي طالب مع معاوية ﵃ أجمعين، وتحزب الشيعة لـ علي بن أبي طالب، وأخذوا يختلقون ويخترعون الأحاديث الموضوعة، قال الشافعي: الرافضة أشهد الناس بالزور، أو قال: ما رأيت أكذب من الرافضة.
فالشيعة دينهم الكذب، ودينهم التقية وهي الكذب، فكانوا يكذبون كثيرًا على النبي ﷺ، ليرفعوا من مقام علي وهو لا يحتاج إلى ذلك، فمثلًا أتوا بحديث: (أنا مدينة العلم وعلي بابها) وهو حديث موضوع.
وأيضًا رووا حديثًا موضوعًا عن النبي ﷺ أنه قال: (خلقت من نور، وخلق علي من نور، وكان معي على يمين العرش).
واختلقت الرافضة أحاديث كثيرة جدًا على أبي بكر وعمر والخلافة، وأشهر الأحاديث حديث الوصاية، وهو أن النبي ﷺ أوصى بخلافة علي بن أبي طالب؛ ولذلك عائشة أنكرت هذا إنكارًا شديدًا، بل رووا بأسانيد هالكة متهالكة أن عمر بن الخطاب جلد فاطمة! وقد اختلفت فاطمة مع أبي بكر وكان الحق مع أبي بكر ﵁ وأرضاه، بل إن علي بن أبي طالب تأخر في البيعة لـ أبي بكر الصديق -وهو يقر بخلافة أبي بكر الصديق ﵁ وأرضاه من أجل فاطمة، ولم يتزوج ثانية من أجل فاطمة بنت رسول الله ﷺ، وأبو بكر وعمر أنأى من أن يؤذوا فاطمة وهم يعلمون حديث النبي ﷺ (فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها)، فكيف يؤذون رسول الله ﷺ بعد مماته في فاطمة ﵂ وأرضاها؟! فالرافضة عليهم من الله ما يستحقون هم أكذب البشر على الإطلاق، فدينهم الكذب.
وأيضًا كذب الخوارج الذين خرجوا على عثمان وخرجوا على علي ﵁ وأرضاه، وإنه لعجب كل العجب أنهم كانوا يكذبون في حديث النبي ﷺ، لكن كذبهم أقل بكثير من الشيعة، فالكذب من الخوارج عجيب لأنهم يكفرون من يرتكب الكبيرة، والكذب من أكبر الكبائر، والنبي ﷺ يقول: (من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار) فهم يدينون لله بأن فاعل الكبيرة كافر، فكيف يكذبون على رسول الله؟! فقد ثبت عن أحدهم عندما تاب قال: أيها الناس! انظروا عمن تأخذون دينكم، إنا كنا إذا هوينا شيئًا صيرناه حديثًا، أي: إذا وجدوا قولًا يوافق عقولهم فإنهم يقولون: حدثنا فلان عن فلان ويركبون له إسنادًا عن النبي ﷺ؛ ولذلك قال ابن سيرين: كنا لا نسأل عن الإسناد حتى ظهرت الفتنة، فقلنا: سموا لنا رجالكم، فمن رأيناه من أهل السنة أخذنا حديثه، ومن رأيناه من أهل البدعة تركنا حديثه.
وثبت عن ابن المبارك بسند صحيح أنه كان يقول: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، وقال: لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
والإسناد ميزة هذه الأمة عن كل الأمم، فالنصارى لا تجد لهم إسنادًا نقيًا واحدًا إلى عيسى ﵇، وحتى الإنجيل الذي يتعبدون به ليس له إسناد، فأسانيدهم كلها منقطعة لا تصل إلى عيسى ﵇، واليهود كذلك.
فهذه الأمة ميزها الله وشرفها بالإسناد؛ ولذلك تجد بعض المستشرقين تكلم عن مميزات الأمة الإسلامية وقال: أميز ما يميز هذه الأمة علم أسانيد الرجال، فهم يأخذون الحديث ثقة عن ثقة عن النبي ﷺ.
1 / 8