124

شرح كتاب السنة للبربهاري - الراجحي

شرح كتاب السنة للبربهاري - الراجحي

शैलियों

تفضيل الله للعباد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [واعلم أن الله فضل العباد بعضهم على بعض في الدين والدنيا، عدلًا منه، لا يقال: جار ولا حابى، فمن قال: إن فضل الله على المؤمن والكافر سواء فهو صاحب بدعة، بل فضّل الله المؤمنين على الكافرين، والطائع على العاصي، والمعصوم على المخذول عدل منه، هو فضله يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء].
قوله: (واعلم) أي: تيقن (أن الله تعالى فضل العباد بعضهم على بعض في الدين والدنيا)، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ﴾ [النحل:٧١]، فقد فضل بعض الناس على بعض في الدين، فاختار تعالى للرسالة والنبوة الأنبياء، ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ [القصص:٦٨]، فهذا تفضيل في الدين.
فالرسل أفضل الناس، وأفضلهم أولو العزم الخمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وأفضل أولو العزم الخليلان: إبراهيم ومحمد، وأفضل الخليلين نبينا ﷺ، ثم يليه جده إبراهيم، ثم يليه موسى، ثم بقية أولي العزم، ثم بقية الرسل، ثم بقية الأنبياء.
ثم فضل ﷾ الصديقين بعد الأنبياء، وفي مقدمتهم الصديق الأكبر، ثم فضل الشهداء، ثم فضل سائر الصالحين وهم المؤمنون، وهم طبقات، فأفضلهم السابقون الأولون، ثم أصحاب اليمين، ثم الظالمون لأنفسهم الذين يقصرون في بعض الواجبات أو يفعلون بعض المحرمات، فقد فضلهم الله على الكفار في الدين وفي الدنيا، وكذلك فرّق بينهم فجعل هذا ملكًا وهذا مملوكًا، وهذا وزيرًا، وهذا عالمًا وهذا جاهلًا، وهذا غنيًا وهذا فقيرًا، وهذا حليمًا وهذا غير حليم وهكذا.
كما أنه فرق بينهم في الأرزاق، وفرق بينهم في العقول، وفرق بينهم في الآجال، فهذا يموت في بطن أمه، وهذا يموت طفلًا، وهذا يموت صبيًا، وهذا يموت شابًا، وهذا يموت شيخًا، وهذا يموت كهلًا، وهذا يموت هرمًا، وله الحكمة البالغة ﷾ عدلًا منه.
قوله: (ولا يقال: جار ولا حابى) لأن الله تعالى حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرمًا.
قوله: (فمن قال: إن فضل الله على المؤمن والكافر سواء فهو صاحب بدعة) وهذا صحيح، بل فضل الله المؤمنين على الكافرين، والطائع على العاصي، والمعصوم على المخذول عدل منه، هو فضله يعطيه من يشاء، ويمنع من يشاء، ولا يقال: إن هذا ظلم؛ لأنه ﷾ لم يمنع المخذول شيئًا يملكه، قال ﷾: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً﴾ [الحجرات:٧ - ٨]، فلله تعالى على المؤمن نعم جليلة خصه بها دون الكافر، فهو ﷾ يهدي من يشاء فضلًا منه وإحسانًا، ويضل من يشاء عدلًا منه وحكمة، ولا يقال إذا فضل المؤمن على الكافر: إن الله هدى المؤمن ولم يهد الكافر وهذا جور، نقول: بل هو عدل، فالله تعالى هدى المؤمن فضلًا منه وإحسانًا، وخذل الكافر عدلًا منه، فلا يقال: إن هذا ظلم؛ لأن الظلم هو أن يمنع الإنسان من حقه، فإذا منعته من حقه، أو اعتديتَ على ملكه فتكون حينئذٍ ظالمًا، والهداية ملك لله وليست ملكًا للعاصي، فإذا منعها العاصي فذلك لحكمة منه وعدل، وإذا هدى المؤمن تفضلًا منه فلا يقال: إن هذا ظلم؛ لأن الله تعالى لم يمنع العاصي شيئًا يملكه، فلو منعه شيئًا يملكه، أو حمله وزر غيره، أو منعه من ثواب استحقه فإنه يكون حينئذٍ ظلمًا، لكن إذا أعطى الهداية لهذا ومنعها من هذا فهذا عدله، فهو لم يمنعه شيئًا يملكه، وهذا هو معنى قول المصنف ﵀: (عدل منه، هو فضله يعطيه من يشاء، ويمنع من يشاء).

9 / 8