Sharh Kitab Al-Iman Al-Awsat by Ibn Taymiyyah - Al-Rajhi

Abdul Aziz bin Abdullah Al Rajhi d. Unknown
103

Sharh Kitab Al-Iman Al-Awsat by Ibn Taymiyyah - Al-Rajhi

شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية - الراجحي

शैलियों

ما جاء في سورة براءة من كشف المنافقين وذكر صفاتهم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأما سورة براءة فأكثرها في وصف المنافقين وذمهم، ولهذا سميت الفاضحة والمبعثرة، وهي نزلت عام تبوك، وكانت تبوك سنة تسع من الهجرة، وكانت غزوة تبوك آخر مغازي النبي ﷺ التي غزاها بنفسه، وتميز فيها من المنافقين من تميز، فذكر الله تعالى من صفاتهم ما ذكره في هذه السورة]. لقد أكثر الله في سورة براءة من صفات المنافقين، ولهذا سميت هذه السورة: الفاضحة؛ لأنها فضحت المنافقين، وتسمى المبعثرة؛ لأنها بعثرتهم، فلم تزل تذكر: ومنهم ومنهم ومنهم ومنهم حتى خاف المنافقون أن يسموا بأعيانهم. قال تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة:٥٨]، ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ﴾ [التوبة:٦١]، قال ابن عباس: لم تزل الآيات تذكر أوصافهم ومنهم ومنهم حتى خافوا أن يسموا بأعيانهم؛ ولهذا سميت هذه السورة سورة الفاضحة؛ لأنها فضحتهم. قال سبحانه فيها: ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [التوبة:٤١]، ثم بين وصف المنافقين فقال: ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ﴾ [التوبة:٤٢]، أي: لو كان السفر قريبًا لاتبعوك، لكن كان السفر بعيدًا، أي: أن السفر إلى تبوك في ذلك الوقت كان سفرًا بعيدًا، وكان في شدة الحر في وقت نضوج الثمار، فلا يستطيع المنافقون الخروج؛ لأنهم ليس لديهم إيمان يدفعهم إلى الجهاد، ولهذا تخلف كثير من المنافقين. وهذا بخلاف المؤمنين الذين يبعثهم إيمانهم بالله ورسوله على التضحية بالأموال والراحة وبكل شيء، وأما المنافقون فليس لديهم ما يبعثهم، فالسفر بعيد ومتعب وطويل المسافة، والمدة طويلة، فالسفر قديمًا يحتاج إلى امتطاء ظهور الإبل، وليس كالسفر في وقتنا الحاضر، فقد صار قصيرًا، ولهذا قال ﷾: ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ﴾ [التوبة:٤٢] أي: لو كانت الغنيمة سهلة، والسفر قريبًا لاتبعوك؛ لأنهم ليس لهم هم إلا الدنيا، لكن السفر بعيد، ولا يدرون هل سيحصلون على الغنيمة أو لا، ولم يكن عندهم إيمان يبعثهم. ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ﴾ [التوبة:٤٢] أي: إذا رجع الرسول ﷺ من الغزو، ﴿لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [التوبة:٤٢]. ثم قال ﷾: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾ [التوبة:٤٣]. ثم قال في أوصافهم: ﴿لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ * وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ﴾ [التوبة:٤٤ - ٤٦] أي: إلى غزوة تبوك ﴿لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ [التوبة:٤٦]. وقد بين الله سبحانه الحكمة في تثبيطهم وعدم خروجهم، فقال: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا﴾ [التوبة:٤٧]، فلو خرج المنافقون فإنهم لا يألون المؤمنين خبالًا وشرًا وتشويشًا وإدخالًا للهلع والضعف في نفوسهم، ﴿وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ﴾ [التوبة:٤٧] أي: سعوا في الشر والفساد بينكم، ﴿يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ [التوبة:٤٧] أي: فيكم من يسمع لهم، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي﴾ [التوبة:٤٧ - ٤٩] أي: ومن المنافقين ﴿مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ [التوبة:٤٩]. أي: أن أحد المنافقين قال: يا محمد! ائذن لي فأنا لا أستطيع وأخشى على نفسي، فإني إذا رأيت بنات بني الأصفر فسأفتن ولا أستطيع أن أمتنع، فأنزل الله فيه: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي﴾ [التوبة:٤٩]، قال الله: ﴿أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ [التوبة:٤٩]. ومن أوصافهم: ﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَهُمْ فَرِحُونَ﴾ [التوبة:٥٠]، وقال سبحانه: ﴿لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ﴾ [التوبة:٥٧]، فهذه من أوصافهم. ثم قال سبحانه: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾ [التوبة:٥٨]. ثم قال سبحانه: ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التوبة:٦١]، ثم قال سبحانه: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ * يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [التوبة:٦٢ - ٦٦]. ثم ذكر من أوصافهم: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [التوبة:٦٧]، فمن صفات المنافقين أن بعضهم ولي لبعض، فينصر بعضهم بعضًا، وهذا فيه تحذير من الاتصاف بهذه الصفات، فالمؤمن ينصر أخاه المؤمن ويوالي أخاه المؤمن. ومن أوصافهم: ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ﴾ [التوبة:٦٧]، إذًا المنافق يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، والمؤمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ﴿وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ﴾ [التوبة:٦٧] أي: عن النفقة في سبل الخير، فليس عندهم إيمان يدفعهم إلى ذلك، فلا ينفق إلا المؤمن، ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [التوبة:٦٧]. ومن أوصافهم: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ [التوبة:٧٥ - ٧٨]. ومن أوصافهم: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التوبة:٧٩]، فالمنافقون لا يتصدقون، ولما حث النبي على الصدقة تصدق بعض الصحابة بصدقة كبيرة فقالوا: هذا مراء، ثم جاء بعضهم بالقليل فقالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا، فأنزل الله: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ﴾ [التوبة:٧٩] أي: لا يجدون إلا القليل، ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التوبة:٧٩]. وقد ذكر الله تعالى من أوصافهم في هذه السورة ما لم يذكره في غيرها، قال: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُم

6 / 6