Sharh Kitab al-Ibana min Usul al-Diyana
شرح كتاب الإبانة من أصول الديانة
शैलियों
حديث أنس بن مالك (إن الإسلام بدأ غريبًا)
قال: [وعن أنس بن مالك أن النبي ﷺ قال: (إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود كما بدأ، فطوبى للغرباء)].
هذا خبر من النبي ﵊ يبين لنا فيه أنه لما بُعث بعث وحده في قوم يغطون في عبادة الأصنام والأوثان، ويعبدون آلهة شتى، فإذا به يسفه أحلامهم، أو يسفه أصنامهم، ويدعو لشيء غريب، ولذلك بدأ غريبًا، ومن تبعه على ذلك كان أشد غرابة، خاصة الفقراء وهم أتباع الأنبياء، والمهاجرون الذين هاجروا إليه من الروم ومن فارس وغيرها من البلدان المجاورة، والحق الذي علمه من الكتب السابقة.
قال: (إن الإسلام بدأ غريبًا)، وبعد غربة الإسلام اشتد وقوي وأسست الدولة وفتحت البلدان، وكذلك عقول الخلق وقلوبهم، وتحملت كتاب الله وسنة رسوله ﵊، واشتد عود الدولة حتى هابها القاصي والداني، حتى قال هارون الرشيد أحد الخلفاء لما أرسل رسالة إلى نقفور: من أمير المؤمنين هارون الرشيد إلى نقفور كلب الروم، الجواب ما ترى لا ما تسمع، وسأرسل إليك جيشًا أوله عندك وآخره عندي.
وهذا يعني أن الإسلام كان في عزة وقوة وسيادة وريادة، وكان هذا لفترة من الزمان ليست بالقليلة، ثم كان الإسلام يضعف ويقوى حتى انتشر في ربوع الأرض على ضعف وهزال، وهي الفترة التي يمر بها المسلمون الآن، كثرة كاثرة لا قيمة لها ولا وزن لها.
ولذلك حذر النبي ﵊ من هذا، وإن شئت فقل: أخبر بهذا، وأننا غثاء كغثاء السيل، وسبب ذلك: (ولينزعن الله من قلوب أعدائكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)، فهذا حال الأمة اليوم، ومن أعلام نبوته ﵊ أن يتكلم بهذا الكلام.
قال: (إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ)، أي: بعد قوة وذهاب للغربة الأولى سيعود غريبًا كما بدأ؛ فلذلك أنتم الآن غرباء في مجتمع يغط غطيطًا في أخلاق الجاهلية وأعمال الجاهلية، وإن شئت فقل: نحن كذلك لم ننج من أعمال الجاهلية، بل كثير منا في وقت الميسرة تجده أحسن أخ، وفي وقت العسرة والغضب والشدة والضيق لو اضطر أن يذهب إلى ساحر يستجلب الرزق لذهب.
إن الواحد منا لو فقد شيئًا عزيزًا عليه وقيل له: ليس من علاج إلا أن تذهب للساحر لذهب وهو يعتقد أن الساحر سيأتي به، وهذا من أعظم الجاهلية، بل هو الكفر البواح، ومع هذا يصدر منا معاشر الصحوة أحيانًا! وعلى أية حال فالمسلمون اليوم يمرون بغربة عجيبة، والمتمسك بدينه كالقابض على الجمر، فليصبر، والله تعالى الناصر لعباده.
ولذلك بشر النبي ﵊ هؤلاء الغرباء أولًا وآخرًا بـ (طوبى) فقال: (فطوبى للغرباء)، أي: جزاء الغرباء لو تمسكوا بدينهم، واحتملوا هذه الغربة وما فيها من سب وتهكم وشتائم، واتهام بالإرهاب والتطرف؛ أن لهم في الآخرة: (طوبى) على خلاف في تفسيرها.
فقيل: هي منزلة في الجنة لا يدخلها إلا الغرباء.
وقيل: هي شجرة في الجنة يسير الراكب المسرع في ظلها مائة عام، وقيل غير ذلك.
2 / 10