عبد الرحمن عن الأصمعي أنه رجع عن هذا القول، وإنما هو شيء كان عرض له من غير بحث ولا نظر، وهذا هو الأِبه به لأن مثله لا يجهل ذلك مع شيوعه وكثرة استعماله في كلام النبي ﷺ، وفي كلام غيره من العرب الفصحاء، وكأن الحريري ﵀ لم يطن على أذنيه إلا ما نقل عن الأصمعي، فتلقاه بالقبول تقليدًا، ولم يتأمل تأمل ألمعي، وكان في غنى عن توهيم العوام فضلًا عن الخواص، بمثل هذه النتائج التي أنتجها شكل عقل معقول بالعقم غير غواص. وإنما نبهت على هذه المسألة لغرابتها في الدواوين، وخشية أن يغتر بما ذكره الحريري من لا تحرير عنده من الغاوين. وقولهم: أو كأنهم، أي العرب جمعوا حائجة، أي توهموا عند الجمع أن مفرده «حائجة» فجمعوه على حوائج كما يقتضيه القياس، نظير ما قالوا: إن الليالي جمع ليلاه على القياس كما قاله ابن العربي، لا ليلة على غير قياس، وقد قال: الخليل في كتاب العين: إن الحجة مخففة من حائجة، وإن لم ينطق بها، لأنهم كثيرًا ما يستعملون الفروع ويهجرون الأصول تخفيفًا، إلا أن بعض أئمة اللغة نقل عن أبي عمرو بن العلاء أنه يقال: في نفسي حاجة وحائجة وحوجاء وعليه فالحوائج جمع حائجة قياسًا، إذ فاعلة تجمع على فواعل بلا توقف كما في الدواوين النحوية والصرفية، ولكنهم في المفرد يستعملون الحاجة غالبًا تخفيفًا ويهجرون الحائجة، وفي الجمع بالعكس، ومثله كثير في كلامهم كما يشهد له الاستقراء، والله أعلم.
1 / 85